أياً كان حجمك ستشعر في حضور أحمد اللباد بالضآلة، وأنك «جاليفر» الصغير المغلوب على أمره، في بلاد العمالقة، وعليك أن تحترس فقد يسقط عليك فجأة أو يلكزك، فتنكسر ويختلط صفارك ببياضك داخل قشرتك. الضخامة هي عنوان اللباد، ضخامة البنيان، ولكن كذلك، وهذا هو الأهم، ضخامة المشروع، وانفتاحه على معنى أوسع من ذلك المعنى البسيط والمُخلِّ الذي حصروه فيه: «مصمم الأغلفة»، أحمد اللباد ليس مصمم أغلفة، ليس خبير جرافيك، ليس فوتوغرافياً، ليس رساماً، ليس مثقفاً قادراً على طرح أفكار، وإنما مزيج رائع من كل هذا، مزيج من «التواصل البصري» المصنوع بمقادير ونسب هو فقط من يعرفها، والمزيج هو سره الخاص، الذي يبقيه على مسافة كبيرة من كثيرين، جيدين، ومُقلدين.
خدم اللباد الثقافة المصرية، ونقلها من مرحلة السكون إلى أجواء حرية فنية غير مسبوقة، وقد اختلسوا أيقوناته وأشكاله، اقتبسوا حالته، ولكنه، في كل مرة يفعلون هذا، يعود بحالة جديدة، مثلما عاد مع موسوعة «وصف مصر»، بأغلفة موغلة في الجمال والعصرية والعتاقة، وشخص مثل هذا، فنان بحجمه، لديه أفكار تخصه عن الفن، عن الحياة، عن نفسه، أفكار يمكن أن تضيء لنا مفاتيح لقراءة هذا الجمال المتجدد الذي ارتبط به، وصار «ماركة» تخصه وحده.
واللباد لا يترك مساحة، يسمح فيها لنفسه بالتقصير في كل خطوة يخطوها، في بحث العمل وإنتاجه وتنفيذه، وربما هذا نوع من الوسوسة، والوسوسة جزء من التأنيب، والتأنيب مُعذِّب حتى ولو كان الجميع يقولون لك إن نتيجة ما تفعله فارقة بشكل ما، يقول: «أنا أحتاج ذلك الرأي الإيجابي بكل تأكيد، وأطمئن به، ولكن الأهم أن أكون أنا شخصيًا قد آمنت تمامًا قبلها بأنني بذلت الجهد والوقت الكافييْن فعلًا قبل أن أُطلق سراح العمل، مجرد إحساسي بأنني لم أقم بـ «واجبي» هو عذاب ما بعده عذاب، «الواجب» المذكور هنا لا يعني معاناة، رغم بديهة بذل الجهد فيه، بالعكس، هو إلحاح فيه من الطفولة والعند والانبساط أكثر، أعني أنني لا أسامح نفسي على تضييع أو ابتسار فرصة كانت للإيغال أكثر في الاستمتاع، والحصول منها على نتيجة أبعد، بحفر لمسافة أعمق، أو بممارسة تفخيخ أكثر، أو حتى بترسيخ لبعض الطرق التي أعتقد أنها لازمة الاكتمال والترسيخ. لكل هذا أنصاع لذلك «الواجب» باستسلام كامل، وبامتنان حقيقي». لا يترك اللباد ثغرة للوم نفسه، في كل ما يفعله، في صناعة الكتاب والرسم والتصميم الجرافيكي. اللباد ليس مصمم أغلفة: «التصميم جزء من مشروع أكبر، سمِّه: التواصل البصري». لقد بدأ اللباد بالرسم ودراسته والتخصص فيه، وتشعب بالبحث، وأصبح شغفه وعمله في الجرافيك بمعناه الواسع الذي يشمل الوسائط الجرافيكية المتنوعة: الرسم، الفوتوغرافيا، والخط العربي، الشعارات (اللوجوهات)، وتصميمات المطبوع التحريري بكل تطبيقاته مثل وضع التصميم الأساسي والصفحات الداخلية للمجلات وللكتب، وكذلك الملصقات ونظائرها، والتيبوغرافيا القديمة والحديثة بشكل عام، وغيرها، وبالتالي لم يعد الموضوع مرتبطاً بتخصص واحد محدد فقط، لكنه مرتبط بالسياق العام للتواصل البصري.
يعود اللباد ليفسر أكثر في معرض تدفقه عن الحديث عن «الواجب» البديهي كما يقول، ويكمل بأنه في فترة سابقة من عمره كان ذلك «الواجب» يختلط بمعوق آخر راسخ في تكوينه، وهو «الوسوسة»، وتلك نقرة أخرى، فتلك الوسوسة سطوتها مريعة ومُعطِلة: «خلقها الله لهذا، لكن لو اعترفت بها، لو حايلتها، واستملتها لجانبك، ربما ستنجح في تفادي سيطرتها وقهرها، الوسوسة تدفعك لجلد ذاتك واتهامها بالتقصير، وتؤكد لك أن أداءك غير كاف ولا مكتمل، وأن هناك ما هو أفضل من ذلك، الوسوسة لديها كثير من الطرق لإيقافك وشلِّك، بما فيها دفعك لتحويل العمل إلى مجرد إجراء. صحيح أن الوسوسة لها حقوق عليك، ولكن أنت لك حق في الإنتاج غصباً عنها، هي لن تنزل عن كتفك، وأنت لن تتركها، العلاقة بينكما مزمنة، والحكمة هي الاعتراف المتبادل بالحق في الوجود، وأظن أنه بعد الأربعين يحدث نوع من التواؤم والاعتراف المتبادل بينكما.. الآن لا أشعر بالذعر «زي زمان» حينما تأتي، حينما كانت تباغتني قبل سنوات كنت أفكر أنني لن أستعيد نفسي مرة أخرى، حالياً أصبحت لدي خبرة في تمريرها، وعندي قدرة أحياناً على السخرية منها»، يضحك: «كمان الاستبياع ساعات بيكون هو أنجع سلاح في وقت معين ضد الوسوسة».
اللباد عنده حكاية هنا: «كنت سأسافر إلى فرنسا لأول مرة في حياتي، وكنا قبلها بيوم نزور بيت الفنان والعم نذير نبعة في القاهرة، وكان أيضًا حجازي الرسام حاضرًا بالصدفة، وتطرق الحديث لسفرتي في الغد، وأشار لي العم نذير بأن كان يود لو كان هناك وقت متاح ليستعرض لي بعضًا من خبرته عن تجربته في فرنسا التي أقام فيها لعدة سنوات، وأنا بشخصيتي الموسوسة اقترحت فورًا أن أؤجل سفري يومًا لأستمتع ممتنًا له، تدخل العم حجازي، وصاح في: سافر.. سافر.. اللي يجي له فرصة سفر للمكان حلو كدا يسافر على طول، من غير ما يضيع يوم أو يأجله، وبعد لما ترجع ابقى اسمع من نذير زي ما تحب! كانت تلك الدعوة بالفعل تشبه شخصية حجازي جدًا، وتشبه تكوينه. هل تريد أن تعرف ما هي النهاية؟ كانت أن أجلت سفري فعلًا ليوم (برغم الغرامة المالية لشركة الطيران)، وذهبت للاستماع لعمي نذير! أتذكر هذه الحادثة رغم مرور ما هو فوق الثلاثين سنة عليها، وأتأكد من أن الحلين كانا صحيحين: سواء كان التأني للاستفادة، أو كان (الهججان) والاستبياع.. لكن نجاح أي منهما يعتمد على ممارسته بإخلاص حقيقي له، وبإيمان صادق به، وبشروطه كاملًا. أنا شخصيًا تدفعني الوسوسة لممارسة (الاستبياع) الحقيقي أحيانًا، وأجده ناجعًا جدًا في حالات مختلفة. بل ومغويًا بحق».
معظم وساوس اللباد لها علاقة بالشغل، يقول: «القفز السريع من خطوة إلى خطوة، وعدم تأمل النتائج، مصيبة، في الشغل يجب أن يأخذ البحث وقته، من الخطأ أن تكتفي بالطرْق على الأبواب بدون أن تجوس في الغرف، أو أن تفكر في المغامرة القادمة بدون أن تستمتع بالحالية. لو قفزت سريعاً من تجربة إلى أخرى بدون أن تتعمق فيها ستكون شخصاً مُخرِّباً، يحرق على نفسه وعلى الآخرين نتائج نفيسة، أنت تقفز إلى نتيجة مظهرية، لا تستمتع، لا تكتشف، ولا تؤسس. داهية تاخدك».
يخجل اللباد من الكلام عن الكثيرين الذين يشفُّون أعماله، ويقول باقتضاب أن ذلك أشعره لفترة قصيرة بالزهو، لكن هذا الزهو انقلب إلى همٍّ: «في البداية تشعر بالانبساط، نتيجة شعورك الأولى بسطوة أنسقتك، وحضور صياغاتك، هذا التتبع يرضى سريعًا بالتأكيد الغرور وتقديرك الكاذب لذاتك، لكن مع تكرار الأمر تنبهت إلى أن ذلك التوسع قد يحمل الضرر الحقيقي للمهنة، وأن توغل وتوسع طريقة منطق وبحث معين للتعامل مع الغلاف وصناعة الكتاب يساهم في تنميط طريقة التعبير والإنتاج بشكل ما، والتنميط هو أعنف عدو للإبداع، والأهم أن النماذج المتكررة لن تعني أي إثراء حقيقي للمهنة. هي لن تعني غير أنها جهد مُبدد في التكرار، وبالتأكيد ستفتقد الفرادة لأنها غير أصيلة ولا خاصة! وبدأت التعامل بخوف فعلى مع تداعيات ذلك التنميط والتثبيت، وأثره على الصنعة، المثير للتعجب والسخرية كان في عدم الانتباه إلى أن هذه الصيغة الجديدة التي اخترعها كانت بدايتها مثلًا مرتبطة ببزوغ دار نشر ذات روح طليعية تشق طريقها (ميريت)، بكُتَّاب جدد، وبطريقة تفكير وذائقة مختلفين تمامًا عن المستقر في النشر، وقدمت الدار الجديدة اختراقًا مهولًا فيما هو سائد في الشكل والمضمون: في وجهها وروحها البصرية، وأيضاً في مادتها المقروءة، ولذلك يبدو مدهشاً للغاية، والأدق غريباً، ومفرطاً في غرابته، أن تستلب دور محافظة هذه الروح بلا تدقيق، وتحاول بتهافت نسخ التجربة، تلك الدور المستقرة التي تنشر الأدب المستقر، الدور التي تعفَّنت من فرط استقرارها، وهي غافلة تمامًا عن أن لهذا الشكل الجديد قيمة بصرية مكافِئة لتجارب كتابة حداثية. صدقني لو قلت لك إنني أشعر بخيبة حقيقية عندما أتصور أن تأثير العمل سيكون مجرد تنميطً، لا أن يكون على الدوام جزءاً من تشكيلة تنوع متصاعد، لكن الجميل والمبشر هو انتشار صيغ جديدة تبحث عن الترسيخ، يساعدها ولله الحمد اقتناع عدد كبير من مسؤولي دور النشر بأهمية الغلاف وقوة دوره، ربنا يهديهم أكثر وأكثر، ويحمون ويفردون المساحات أكثر لفناني الأغلفة الأبطال، والمرهقين بحثًاً عن أي سنتيمتر زيادة».. ويستطرد اللباد: «وبالمناسبة أحب أيضًا أن أوضح نقطة عكسية دائمًا ما أنبه نفسي إليها، ولا أخجل من مصارحة أهل (طائفتي)» بضرورة اعتبارها، وهي فضيلة التواضع، وبالذات وأن ذكاء القارئ لا يرحم أي تكلّف مجاني، فالغلاف بالطبع ترس مهم من تروس الكتاب، وقد يكون ترسًا أساسيًا فعلاً، لكنه كترس لا يعمل منفردًا أبدًا. واللباقة في حضوره واجبة جدًا، وكذلك في تصوره عن نفسه وأولويته. تُنفّر المبالغة بشدة في التعامل مع الغلاف، ويبعد (الحزق) والتعقيد المُسف في صناعته بقدر قد يكون أكثر سلبية من الاستسهال في تصميمه أحيانًا. هناك مشهد لا أنساه من فيلم فكاهي فرنسي شاهدته زمان، لا أتذكر منه غير المشهد التالي: ممثل مسرحي ناشئ يرى نفسه مظلومًا، ويبحث بجنون عن أي فرصة لاستعراض مواهبه، ويحصل أخيرًا وبشق الأنفس على دور كومبارس في مسرحية، مهمته فيها أن يكون حاجبًا في بلاط ملك قديم، ويقول في ثانيتين جملة مقتضبة واحدة، أظنها: حضَرَ الوزير سيدي الملك، أو ما يشبهها.. انتظر الممثل المحتقن يوم العرض وهو يضمر في نفسه خطة.. وساعة دخول الوزير، يتقدم الممثل بمبالغة رهيبة بعيدًا عن مكان وقفته الثابت، وسط ذهول الجميع، ليصبح في صدارة الخشبة، ثم يهتف بصوت صادح، وببطء مريع: «حاضااار الوااازييير سايدييي المالييك»، ثم ينزل على ركبة ونص ويرفع ذراعيه وهو ينظر للسقف ويعيد هاتفًا: حاااضاار الوازير.....، ثم ينام متمرغاً على الأرض وهو يصرخ بنفس الجملة وبنفس تطويلها المُخل.. تعرف، أنا باضحك عليها كلما تذكرتها حتى الآن. أنا هنا طبعًا لا أضاهي بسذاجة دور كومبارس بدور الغلاف، لكنه مجرد نموذج ساخر مبالغ فيه أسوقه كمثال. لذلك فمن الأسئلة الأساسية الدائمة لنفسي في معرض تقييمي النهائي قبل تسليمي لأي منتج أقدمه، بالذات المرتبط منه بصناعة معقدة، وبعناصر أخرى، مثل أغلفة الكتب، وما في عرفها، هو سؤال نفسي بنفس القلب المتوجس كل مرة: هل هناك أي شبه في أدائي فيه بيني وبين أداء هذا الممثل أم لا؟ أنا هنا لا أقصد التعقيد البصري أو اختصاره في العمل، لا، أنا أقصد تحميل الشغل بتلك الروح المؤسفة في أي شكل أو صورة».
مع تقدمه في السن صار هادئاً، لكن ذلك الهدوء لا يعوقه عن البحث، ومحاولة الاكتشاف، والدهشة، من يتوقف عن الدهشة، كما يؤمن، معناه أنه يقترب من الموت، الدهشة هزيمة كاملة، والعجز ليس التقدم في السن، ولكن التوقف عن الاندهاش، ولذلك لا يستكين أبداً إلى التجربة الأولى مهما بدت مغرية، فهذا، في تقديره، يجعله شخصاً هاوياً، والهواة يفرحون بالنتيجة الأولى، يعلق: «حتى لو رأيت أنها مكتملة فليس معناها أنها الأفضل، سرعة الحصول على النتيجة في معظم الحالات خطرة، وتشبه الهدية التي تحصل عليها في لعبة (البخت)، لو ظللت على هذا المنوال فأنت لن تتحول إلى محترف ومنتج حقيقي، بالذات لو كنا نتحدث عن الفن، أو أي إنتاج فيه خلق، لا يوجد أشخاص يمكنهم أن يديروا لك حياتك، وأن يوجهوك لتفعل كذا أو لتكف عن كذا، انتظار إدارتك من قِبل شخص آخر من أسوأ الأمور، وكي تكون بني آدم عليك إدارة نفسك بجدية، وأيضًا بتقدير حقيقي لها».
يشعر اللباد بالسعادة حينما يزيح قوي قديمة متهاوية، رغم قصورها عن التعامل مع العصر أو الحساسية الأحدث، كطرق تفكير أو تعبير أو تواصل بالية مستقرة بفعل الكسل أو الاستمراء فقط، وليس بحكم أحقيتها بالفعل، ويفخر بالتصادم معها، أو احتلال ما يمكن من أماكن كانت تحت سيطرتها، يُخضعها لإرادته وما يتصوره أكثر حداثة واستحقاقًا: «الرتابة قاتلة في كل شيء، في الموسيقى والأدب والسينما، وحتى في كرة القدم، الحياة الحقيقية قائمة على بذخ التبادل والتصادم والبذل والاستقبال، وليست موجة واحدة توجيهية، والشكلانية لن تستمر أبداً، لأنها لا تُعبِّر عن روح، إنها أقرب إلى شيء ترويجي، والفنان قليل الحيلة يستسلم لإغراء مضمونيتها، لكنه بالفعل وعلى المدى حتى القصير لا ينتبه لفداحة استسلامه هذا، وسيخسر للأسف في النهاية كل شيء»
ميراثه من أبيه الفنان العظيم محيي الدين اللباد ليس اجتماعياً ولا يتعلق بالجينات والبيولوجيا فقط، ولم يكن كذلك نتيجة المراقبة، مراقبته له لسنوات في البيت والمرسم، داخل الغرف وفي الشارع، خارج الكتب وعلى أغلفتها وبين دهاليز صفحاتها الداخلية وتنظيم سطورها ورسوماتها وبياضها، وقد كان محظوظاً ولا شك بمرافقته، وصداقته، كان صديقاً وأخاً وصنواً وقريناً وأباً وحبيباً، يقول: «جزء من فقدي له فقدي لصديق، هذه هي أقرب كلمة تُعبِّر عن علاقتنا، ربما تبدو مبتذلة، لكني لا أجد كلمة أخرى أقرب وأدق، لقد تعاملت أكثر من ٣٠ عاماً هي عمر احترافي، مع فنانين ومثقفين ومنتجين للفن، ولكن محيي الدين اللباد وحده كان الأقرب إلى المخلص الحقيقي، ولن أشعر بالخجل لأنني أقول ذلك، أقوله الآن بملء فمي، لأنه مات خلاص، أنا لم أقابل شخصاً مثله عاش حياته كما يرسم، كما يكتب، كما ينقد، كما يقول رأيه في كل شيء، كما يُعبِّر عن عقيدته الإنسانية، لم يتبدل في أي موقف، لم يكن إعجابي به فقط كأب، ولكن كنموذج استثنائي فعلاً، ونتيجة إعجابي به تلك أنني كنت، ولا أزال، أتمثله أحيانًا، بالأخص في التفاعلات الأخلاقية، ولا أشعر بالكسوف حينما أكتشف أنني تصرفت على طريقته في هذا الأمر أو ذاك فعلًا. كما أن الوسوسة، منها لله، جينات خالصة منه».
يقرأ اللباد العمل لتصميم غلافه، ولو اضطر للتعامل مع أكثر من مخطوط يفصل بينها، العمل ينكزه ويلكزه، ويستجيب له بعد قليل ويفتح معه حواراً، والأمر لا علاقة له بالجودة، فبعض الأعمال تفتح معه حواراً بأسرع ما يمكن ومن الصفحات الأولى، رغم أنه لم يكوِّن انطباعاً نهائياً، بعْدُ، عن جودتها، وقد أصبح صاحب خبرة خاصة في استبصار روح الأعمال بسرعة نسبيًا: «الجواب بيبان من عنوانه كذلك». يستدرك: «لكن استقبال الرسالة يأخذ وقتاً أطول من التعبير عنها، والفترة الطويلة في الاستقبال تعني أن الشغل يكون سهلاً، الوقت الطويل معناه أنك تتأكد من استلام الرسالة، وأنك لم تترك تفصيلاً بدون أن تتمعن فيه، وتشتبك معه، هنا تبدأ المتعة، بعد مشقة استلام الرسالة، أطويها وأضعها تحت إبطي وأعبر بها إلى العمل، وأثناء الشغل أتحرر تماماً، أمرح وأمزح وقد أعادي الكتابة نفسها.. والعداوة هنا إيجابية بمعنى الترصد الحميد المحب، ومع إن قلبي في الأساس يميل للكاتب، هذا الذي حمّلني الأمانة وأسرني بها، لكني أتنقل بلا تورع من صف الكاتب لصف القارئ وبالعكس، وأنا كذلك مش ترجمان، ولا أمنح القارئ العمل في كبسولة، وإنما أقدم له رائحة أساسية للنص، وقد تكون حتى إشارة ليست حاسمة، دعوة، الغلاف هو دعوة للاشتباك مع النص، ومن أكثر الأخطاء فداحة أن يتصور المصمم أن مهمته هي التعبير الكامل عن النص، ففي هذه الحالة سيخسر الجميع، الكاتب والقارئ والنص، وبالتأكيد نفسه».
لو كان العمل رديئاً بالكامل لا يستطيع التعامل معه، لا بد من توفر الحد الأدنى للجودة، ربما تكون الكتابة غير عظيمة لكن بها محاولة جادة وإخلاص، وهكذا سيقبلها، وقد صارت لديه إمكانية حالياً، أكثر من أي وقت مضى، على اختيار النص، لكنه لا يمكن أن يقبل بعمل يصل إلى حدود الفضيحة: «لا أعتقد أنني فعلتها أو أنني سأفعلها»، وهو لم يكره غلافاً أنجزه، أحياناً يدقق في أحد أغلفته القديمة، ويشعر بالغيظ، ويقول لنفسه: كان يمكن إضافة تفصيلة هنا، كان يمكن حذف تفصيلة من هناك، وهي مسألة ليست لها علاقة بعدم النضج وقت تنفيذ هذا الغلاف أو ذاك، ولكن الأمر يتعلق بعدم الاطمئنان عموماً: «في معرض أغلفتي بأتيليه القاهرة عام ٢٠٠٩، انبسطت جدًا بتجربة فرجتي أنا قبل الحاضرين على كل تلك الأغلفة مجتمعة سويًا. كشف لي هذا العرض الموسع الكثير عن شغلي وعن تصرفاتي فيه لنفسي، كانت فرصة عظيمة ومفيدة ومبهجة بشكل لم أنتظره، لكني أيضًا ضبطت نفسي أكاد أهتف من بعض التفاصيل في بعض أغلفة قديمة: يا دي الكسوف، كان ممكن تبقى أحسن من كدا! وهذا يمكن أن يحدث لأي شخص يتصدى لعمل فيه خلق، لكنْ أنا أدرك بالطبع أن النقص في الأغلفة القديمة ليس مخزياً أو فادحاً، وكل ما في الحكاية أنني صرت أمتلك خبرات أوسع ومفردات أكثر».
ينزل اللباد من بيته باتجاه مرسمه وهو يبحث عن الرسائل، جسده يتحول إلى مُسجل ضخم، بينما تبحث حواسه في جميع الاتجاهات عن الرسائل، وحينما تصله إحداها يعرف معنى السعادة: «أنت خلال حياتك تستقبل كثيراً من هذه الرسائل، وعليك أن تستلمها وتفرزها، والمعنى الحقيقي للحياة موجود في كل شيء، لا في التشكيل، ولا الجرافيك، ولا الموسيقى، الأفكار موجودة في كل شيء حولنا، ماشية لوحدها، تنتقل عبر الهواء، ولا يعوقها شيء عن الوصول إليك، ومن يؤصلون للحداثة هم متفاعلون ومستلمون للرسائل، لن أجلس في مكتبي وأصم أذني وأعطل حواسي وأعمل حداثة، الحداثة نوع من إعادة الاعتبار بوجدان أنضج وأكثر تعقيداً مع الواقع، وفرادة التعبير هي نتيجة اليقظة في استلام الرسائل، وبلد مثل مصر عنده آلاف الرسائل التي تمثل تجليات الحداثة، فليس صحيحاً أنه بلد غارق فقط في الماضي. عليك بالسير عشر دقائق من بيتك وحتى المترو مثلًا وانظر إلى كل شيء حولك، في وجوه الناس وملابسهم وطريقة تحدثهم ومفردات كلامهم وحركتهم وفي شكل الشوارع وأنواع الشجر وتفاصيل المدنية المرتبكة، سترى رغم الركاكة والمزاج السلفي النكوصي توق مستمر للالتحاق بالحساسية الزمنية الجديدة، مصر مرهِقة من كثرة رسائلها وتعقيدها، والصعوبة والمتعة في استلامها والتعبير بها وعنها وإعادة تفسيرها»، يصمت قبل أن يقول: «الطمأنينة مصيبة، وأنا أكره من يتصرفون باطمئنان».
اللباد غير مهتم بتصنيفه الجيلي، يقول ضاحكاً: «لكن ها أنا ذا أعطي نفسي الحق بالتفكير في الأمر، والقول إن شغلي كان موازياً لجيل التسعينيات، هذا جيل أفخر بالانتماء إليه، وأنا محظوظ به وبما ينتجه، جيل كانت لديه دعوة حقيقية للتحرر، دعوة وجدت صدى لأنها خرجت عبر مواهب باذخة، مواهب أفادتني جداً»، ويضيف: «الكتابة وسيلة أساسية للمعرفة، وسبب اتجاهي للعمل على البصري، حينما أراجع نفسي أجد أنني، حتى قبل احترافي، كنت ميالاً لفكرة تجاور المكتوب والمرسوم؛ فمشروع تخرجي مثلًا كان عبارة عن كتاب فني، وهو شكل معروف من أشكال العمل الفني الحديث: لمختارات من أشعار الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي، بمصاحبة لوحات من عملي مطبوعة يدويًا، والكتاب نفسه منتج يدويًا، طبعت منه عشر نسخ موقعة، كأنه كان نوعاً من التلكيك للاقتراب من الكتابة بشكل ما، الكتابة نوع من السحر، سحر حقيقي، تستمتع بها وبتفاصيلها وبإيقاعها وبفخاخها مثلما تستمع بالفرجة على الأشياء البصرية الذكية، وأنا حقيقة لست متحيزاً لأيهما أفضل، المتن أم الغلاف، الكتابة أم الرسمة؟ الاثنان قد يكونان جميلين ومتوازيين: الأهم أن الكتاب نفسه بما يتضمنه من أي سحر مكتوب وبصري يصل بأعداد وفيرة للمتلقي.. أنا أحب هذا الوسيط (بشكل خاص)، نوع من الغرام تقريبًا، أحب كل تفاصيله بلا أي مبالغة، ويمكن علشان كدا ما اهتميتش من البداية بالتخصص في إنتاج لوحات مرسومة للتعليق على الجدران فقط، واخترت تخصص الدراسة ليكون في الحفر واللوحات الفنية المطبوعة في نسخ متعددة، للاتصال بأعداد أكبر من الناس، وهو كما ترى نفس الهدف الأساسي للكتاب المطبوع أيضًا».
يشعر اللباد بأن اللقاء قد مالت كفته بشدة ناحية تصميم الغلاف فقط، لكنه يبدي تفهمه، لأن ذلك الوسيط يحمل حمولات وإحالات متشابكة تحتاج لجهد ومساحة إضاءة خاصة فعلاً، ويرجئ الحديث باستفاضة عن التطبيقات الأخرى، كتصميم المجلات والشعارات (اللوجوهات) والملصقات وغيرها، عن زمن مشاهدتها، وأسرارها، وشروطها واعتباراتها الأساسية، وكيفية تحقق شخصياتها لفرصة أخرى..
اللباد يُعرِّف الصداقة بأنها «تلك العلاقة الواضحة تحت غبار الشمس»، وكذلك «التوافق الكيميائي، والاهتمامات المشتركة»، والاهتمامات ليست بالضرورة في العمل، وإنما في النظرة الإنسانية للحياة، احترامها وتقديرها، ومحبتها، وليس شرطاً بالنسبة له أن يكون أصدقاؤه أشباهاً له، والنماذج التي يطرحها لأصدقائه تؤكد ذلك، هو شخص اجتماعي، بينما إيهاب عبدالحميد مثلًا يجد نفسه في العزلة، هو رجل يتحرك وفق جدول، أما حمدي أبوجليل ومحمد هاشم فنموذجان للفوضى التي ضربت المجرَّة، لكنهم جميعاً، على أية حال، يشبهونه في أنهم قادرون على الدهشة مثله إلى الآن. يؤيد كلامي: «الصداقة فيها حسد وغبطة لبعض قدرات في أصدقائك غير موجودة عندك، لكن قبل الحسد هناك شروط تلتقون عليها، منها القدرة على الاندهاش وصناعة الإدهاش، والمندهشون يصبحون أصدقاء تاريخيين».
يميل اللباد بطبعه لتكسير الكليشيهات، رأسه مُنبِّه، حينما يلتقط كليشيهاً ينفجر الجرس بغيظ وصخب، وهو يستخدم الكليشيهات مع أصدقائه على سبيل السخرية منهم ومنها، أو كأنه ينبههم وينبه نفسه، بشكل غير مباشر، إلى خطورتها الداهمة المفزعة، يقول لأحدهم مثلاً: «انت مجرد غلاف»، أو «انت محض غلاف»، يعلق: «لا أتصور أنك قد تصبح كاتباً كبيراً بدون أن تنفر من الكليشيه، وبدون أن تكون عدواً له».
والغلاف، وهذه قناعته الراسخة، لا يمكن أن يكون السبب الوحيد لنجاح العمل، وإنما يكون عاملاً مساعداً لو كان موفقاً، وهو يقول للكاتب إنه لولا الغلاف ما كان العمل قد نجح، ليس بغرض السخرية أو التقليل منه، ولكن يحاول تبريد سخونة الكاتب وتعاليه، وكسر رأيه عن تأثيره الفظيع، وأصدقاؤه يفعلون معه نفس الأمر، كل منهم يسعى للسيطرة، وتحطيم غرور الآخرين، والأمر تحول إلى لعبة في النهاية، لعبة جميلة يتعلمون منها قيمة التواضع.
عمل اللباد كمخرج فني في مجلة «علاء الدين» بالأهرام، والإخراج الفني وجه آخر من التصميم الداخلي والتشكيل التحريري مثل صناعة الغلاف، وهو يرى أن مهنة المخرج الفني مفيدة مثل المسرح، حيث تحصل على رد الفعل سريعاً، ولكنها كذلك مُهلِكة، تهلك صاحبها مع كل سهرة مثلما يهلك الممثل في نهاية العرض، يقول: «كل وسيط تحريري، كتاب، مجلة، بوستر، وغيرها، تعمل عليه بصرياً، يفتح لك سكة جديدة، ويتيح لك التحرك في مساحة أوسع، أستطيع كذلك إضافة الفوتوغرافيا والرسم والإخراج، كلها تشكل وسائط مفتوحة تؤثر على بعضها وتستفيد من بعضها، وقد حدث لي ذلك، واستفدت من نتائج المزج»، ويضيف: «خبرات الرسم والفوتوغرافيا تُغني الإخراج، والإخراج يثري الاثنين، وأنا أصور بعين رسام وعين مصمم، وحينما أرسم أرسم بعين مصمم وفوتوغرافي، وأصمم بخبرة الفوتوغرافيا والرسم».
واللباد يحب السينما، فهي في رأيه ديوان الفنون الحديثة ورأس حربتها، وهو ممتن لها بشكل خاص، بما فيها السينما الأمريكية، الجيد التجريبي فيها، وحتى المنمط منها. يحب كل الإنتاج السينمائي الجيد، لكن علاقته مثلًا بالسينما الأوروبية ضعيفة، خاصة وأن مصادرها شحيحة نسبيًا في بلادنا، هو متحيز لأفلام محمد خان وداود عبدالسيد وخيري بشارة، والإعجاب بهم يخشى أن يضارع حدود الكليشيه، وهو يعترف بأنه لم يحب كل أفلامهم، وحتى الأفلام التى أحبها لم يحبها بنفس الدرجة، وهو يستمع إلى الموسيقى حسب الحالة، وحسب التوقيت، فمثلاً موسيقى الصباح حاجة، وموسيقى الليل حاجة تانية، وهو يسمع كل الأنواع، لكن الفرص المتاحة له للجلوس خصيصًا وفقط للاستماع للموسيقى شحيحة، لذلك فهو يتذكر بمتعة خالصة الأوقات التي قضاها في الحفلات الموسيقية المتخصصة سواء في مصر، أو في أثناء سفرياته للخارج، وأكثر ما يكرهه هو أن يُجبَر على ارتداء ملابس السهرة لحضور حفل موسيقى، كما هو لازم فى الأوبرا المصرية، ويراها مسألة غير لائقة ببلد بحجم وبثقافة مصر. أما عن الكتَّاب فيقول: «كنت في الطفولة مولعًا بسلاسل كامل كيلاني ودار المعارف، وبكتب الشرائط المرسومة المترجمة، وبمجلات الأطفال السائدة وقتها، لكنني أحببت القراءة بمعناها الأعمق بسبب إدريس»، اكتشف اللباد يوسف إدريس وهو في سن الـ13، قرأ له عملاً في مكتبة اللباد الكبير، وبدأ منذ وقتها في الوثب فوق الكتب، فقرأ نجيب محفوظ حتى أنهى كل أعماله، وكذلك يحيى حقي، ثم كرَّ السبحة ليصل للأدب العالمي، وأفاده وأثر فيه آنذاك حضور خاله علي حسني، رحمه الله، كان يتعامل بجدية مع قراءاته وكأن ذلك الصغير مثقف رفيع، وكان سعيداً وفخوراً بالنقاش معه، كان ينصحه بأن يقرأ وينتظر، بأن يقرأ ولا يحكم بمجرد أن ينتهي، وهذا أفاده إفادة خاصة وعميقة، فجعله يقرأ بدون تحيزات، يقرأ ولا يقول رأيه، حتى لنفسه، ولا بسرعة، فالسرعة مؤذية. وهناك بالنسبة له كُتَّاب شبه الأيقونات، تشيكوف الذي يضعه في أعلى نقطة، ويقول بتأكيد إن الدنيا تغيرت حرفيًا بلا أي شك بعد ظهوره، وجوده وكتابته كانا حدثاً كونياً جللاً حقيقياً بلا مبالغة، وماركيز وأسلوبه المبهر المزلزل، وسحره الذي لا يفارقه، بورخيس في سن متقدمة، ومحاضراته النثرية المهولة في معنى الكتابة والمقصد منها، لطالما وضعه بورخيس في حيرة لذيذة، وهو كذلك يحب زوسكيند وروايته الفريدة «العطر»، وبهذه المناسبة لا يفوت الفرصة ليقول إن روايته الأخرى «الحمامة» لم تعجبه، بل إنه شعر بالملل منها رغم قصرها الشديد، أما الثابت والمتجدد دومًا بالنسبة له فهو محفوظ، المعلم الذي لا تنضب بئره، ولا يقْدَم إنتاجه أبدًا، ويبقى صاحب سر مُعجز في إنتاجه يشبه أسرار المصريين القدماء.. لكنه يرى أيضًا أن حكاية «الكاتب المفضل» و«نجم السينما المفضل» و«المطرب المفضل» و«لاعب الكرة المفضل» غير ناضجة، ويترك نفسه للاستمتاع بالشفرات الصغيرة المدفونة وسط ركام الأعمال الكبرى، وعنده قليل من السخرية من الفن الملحمي المتفق عليه، وطلباته من الفن مربوطة بالمتعة الخالصة وليس بالإحالات الواضحة الحادة، وأي شخص يقدم هذا النوع الدقيق من الفن، مهما كانت نبرته خافتة، يشعر اللباد بالامتنان تجاهه، سواء كان شخصاً ينتمي إلى الماضي أو يعيش بيننا الآن.
اللباد شخص لا يكف عن السخرية، السخرية هروب بالنسبة له، وهو يرى أن الرصانة الزائدة عن الحد ضد الروح الإنسانية الحقة، ومش عصرها كمان ولا وقتها، وعلى العكس هي نفسها تبدو الآن مضحكة في حد ذاتها، والناس تخطّوا تلك السذاجة بمراحل، يضحك: «السخرية دعوة للتفكيك، وللتشكيك، حتى فيما أقوله لك الآن»، ويضيف بجدية: «فكرة اليقين مقلقة، لست ضد الثقة لكني ضد اليقين، اليقين ضد فكرة التجاور والفن، والسخرية تضمن لك تقديم عملك بعيداً عن الطمأنينة الكذابة».
واللباد اختبر مشاعر الأبوة العظيمة مع ابنته ليلى، وأي عملاق لديه نقطة ضعف، ونقطة ضعف اللباد هي ليلى: «بنتي أجمل بنت في العالم»، وهو ممتن للحياة أنها منحته كائناً من الجنس الجميل، غير أمه، يحبه بشكل غير مشروط، يقول بتأثر: «هذه هبة لا يملكها الجميع، وهناك رجال يبذلون أعمارهم ولا يجدونها، هذه الفتاة الرقيقة تمنحني رضا عاطفياً مهولاً»، وهو يرى أن هناك سبباً آخر لتوطد العلاقة بينهما غير فكرة الأبوة، أنها ترسم، وهي موهوبة جداً، ولا يستطيع منع نفسه عن شكرها، يشاهدها وهي ترسم باستمتاع شديد، فيستمتع بدوره، وهذه الأسرة يبدو أنها خُلقت للفن، والجمال انتقل عبر الجينات من اللباد إلى أحمد إلى ليلى، يقول: «جدها كان يستفيد منها، رأى رسمة لها وتأثر بها، واستخدمها، بشكل أدق أعاد رسمها في عمل له هو، ثم ناداها وناداني، وقال لها وهي يريها الرسمة بفخر: أنا أخدت دي منك، كانت علاقتهما علاقة ندية، فنانين مع بعض»، ويقول: «لم أكن قادراً على استخلاص مشاعر الأبوة ولو من عشرات الأعمال العظيمة، وقد منحتني ليلى إياها ببساطة، إنها مصدر أساسي للدهشة وإعادة التعرف على حياتي نفسها».
وأقول ضاحكاً: «مالك متأثر على غير العادة؟!»، فينهض وتهتز جدران المرسم، وتتحرك اللمبات، وترتعش الإضاءة، وتطير الأوراق، وترقص الشبابيك، بينما يقول وهو يقترب مني وكأنه سيهجم علي،َ فأشعر بفزع حقيقي: «اركع ياض واحترم نفسك.. دا انت محض غلاف!».
(عن أخبار الأدب)