تصور رواية "رجال وذئاب" للروائي إبراهيم الكوني قصة شخصية "عادل فتوح" الراغب في الزواج من زميلته الدكتورة" فضيلة علام"، ابنة الشيخ "علام العيسوي". يتم تعيينه باعتباره نائبا بقسم الجراحة في الدفعة الأولى عبر طرق ملتوية تعكس زئبقية شخصيته ؛ فبين الرغبة في الوفاء لفضيلة تجده واقعا ما مرة في أحضان "نادية عبد الباقي"، باعتبارها الملاذ الوحيد حين يطوقه الاختناق، وهو ما امتعضت منه زميلته المشتغلة معه في قسم الباثولوجيا. فضيلة هاته أيضا شخصية مترددة وحائرة، يقودها هواها في الأخير للتخلي عن عادل ــــ بعدما كانت معجبة به وبفلسفته في الحياة ـــ لتتزوج بصديقه "رشدي القصاص" الذي تصوره الرواية باعتباره ذلك الإنسان الورع التقي. بعد ذلك، سرعان ما ينتقل بنا السارد للإيغال في فضيحة" زكي فؤاد" أستاذ خطيبها السابق (عادل فتوح)، الذي ضبطته زوجته في فراش أخرى. عُقِدَ مجلس الكلية، تكاثرت الشائعات واستدعي عادل فتوح للإدلاء بدلوه في مركز الشرطة، وهو ما كشف ـــ مرة أخرى ـــ عن شخصيته الزئبقية الخاضعة التائهة، التابعة، العصية عن التحديد؛ بين الوفاء للثورة والأسياد ورجال المباحث العامة، وبين استغلال المنصب في الاستبداد والسلطة المفرطة وكتابة التقارير السرية..إنه يبدو كعميل منغرس في جماعة ما. أمام ذلك كله، نقرأ تغير وضعيته الاجتماعية بشكل لافت وملفت للانتباه، يتم استدعاؤه للاحتفالات الرسمية، يرتفع دخله بطريقة غير مفهومة، يشرف على اتحادات وتنظيمات من داخل الكلية... كان قريبا من الاشتراكية بعيدا عن الإخوان المسلمين. كان أيضا غير مبال بصديقه الوفي رشدي القصاص تلميذ الشيخ علام العيسوي، وقد دبر له مكيدة الاعتقال بأن دبج بشأنه تقارير سرية، وتم اعتقاله رفقة آخرين باعتبارهم لا يخدمون الثورة.
قد لانحتاج إلى كثير يقظة حتى نلمس ضروب الانسلاخ على المبادئ والقناعات، وكيف أن الجاه والمنصب بإمكانهما أن يغيرا الإنسان، ويحدثا شرخا في مساره. يقول السارد : " كيف تتجلى إذن الحقيقة إذا كان إنسان يلبس ألف قناع وقناع في اليوم الواحد؟؟ تعست الحياة وتعس كل ما فيها.. لماذا يتحول الناس في زماننا الى ذئاب وضرار" (ص 98). تتابع الأحداث وتكثر الاعتقالات والمحاكمات الصورية، وتنطرح أسئلة وتأويلات عديدة حول سبب اعتقال "عادل فتوح" ، ذلك القابض على جمر الثورة، المتهكم منها في ذات الوقت؟؟ يقضي أيامه في "سجن القلعة"، يتم ترحيله رفقة رفاقه الشيوعيين إلى "السجن الحربي" ومنه الى معتقل " مزرعة طرة "، ليلتقي بعدئذ مع رشدي القصاص في السجن. تزداد الاحتقانات بين السجناء، ويضطر عادل فتوح للتاقلم مع الوضع الجديد بمساعدة صديقه رشدي، الذي سيتم الافراج عنه لاحقا، بينما اقتيد عادل للتحقيق معه مرة أخرى، لتشكيكه في نزاهة "الرئيس"، وسرعان ما يرمى به في السجن الانفرادي. في جو مليء باليأس والحرب تنتهي الرواية بزواج فضيلة من رشدي والإفراج عن عادل فتوح، تستقبله نادية، ليعود مرة أخرى إلى الكلية..
إن ما يلفت الانتباه في الرواية أن لفظ "الذئاب" اقترن في مواضع عديدة باعتباره كناية عن الرجال، لكنه سرعان ما يتجاوز ذلك ليشمل بعض الأطراف الأخرى. ومن ذلك، ما جاء ما مرة على لسان عادل فتوح باعتباره الشخصية الرئيسة في الرواية، وخوفه على فضيلة من الذئب/ الرجل. يقول السارد: " قد يأتي أحد الذئاب ويختطف منه فضيلة . " (ص 9) . وفي معرض آخر، ترسم شخصية نادية عبد الباقي صورة الرجل/ الذئب الماكر، اللعوب، المحب لجسد المرأة : " إن معظم الرجال هنا على استعداد للركوع أمامي .. لعابهم يسيل كالكلاب .. أقرأ في عيونهم النهم .... أتعرف؟؟ ذئاب ... " (ص 30).
لقد تم تشكيل هاته الصورة حول الرجل/ الذئب في مختلف تضاريس الرواية، إذ سرعان ما نقرأ مجددا على لسان شخصية عادل فتوح مخاطبا فضيلة: " أنت جميلة .. وهم ذئاب " (ص 39). وهذا ما تعكسه صورة أخرى، تقول بدايتها: " ها هي الدائرة تضيق والتحدي القاتل يأخذ بخناقه، كلمة واحدة يقولها قد تنزل به أسفل سافلين، أو تأخذ به إلى طريق النجاة؟ ولمن يقول الحقيقة؟ للرجال الذئاب " (ص115). غير أنه مع تطور أحداث الرواية، نجد أن لفظة "ذئاب" اكتست معنى آخر، أقرب إلى المعنى الأول المتصل بالغدر والخيانة والمكر، إذ يتكشف أنها تتجاوز الرجل، أو بالأحرى الرجال لتشمل عددا من منتهكي الشرف و المخبرين والعملاء والمتورطين ومباحث الدولة. هذا على الأقل ما يفصح عنه قول السارد : " سفكوا دمه... وهل يفعل الذئاب غير ذلك؟؟ " (ص 132)، في إشارة بليغة إلى اندثار شرف نادية عبد الباقي الذي وسخه الرجال/ الذئاب. وبالتالي، يعسر أحيانا القبض على الذئاب الحقيقيين في الرواية، وهو ما ينطبق أيضا على صورة الرجل الزئبقية، التي أفصحت عنها الرواية في سياقات عديدة.
الرواية ـــ في تقديري ـــ تضمر أكثر مما تظهر، إنها ترسم صورة بدأت مشرقة، لكنها سرعان ما ستتهدم في مستقبل السرد، أمام سلطة الجاه والمنصب والسلطة التي سرعان ما تطرد القناعات والمبادئ لتفتح الباب للخيانة والتسلط والمكر. وقد ظل لفظ الذئاب مقترنا بأطراف عديدة في الرواية، ويبقى للقارئ حق التأويل، مادام أن الرواية تستحضر بعض المعطيات التاريخية التي لها علاقة بزمن حكم الرئيس المصري وقتئذ جمال عبد الناصر.