لستُ من جمهور الفريق الغنائى «كايروكى»، أسمعُ عنهم وعن حفلاتهم، واستمعتُ فى الأيام الأولى لثورة يناير إلى أغنية لهم بعنوان «صوت الحرية بينادى»، ضمن أغنياتٍ كثيرة ظهرت فى تلك الفترة، ولكنى لم أتابع مسيرتهم ولا أغنياتهم.
ومع ذلك فقد استمتعتُ كثيرًا بهذا الكتاب الضخم (نحو 560 صفحة) الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان «أيامى مع كايروكى.. حكاية جيل أراد أن يغيّر العالم»، لمؤلفه ولاء كمال، بل إننى سأضع هذا الكتاب بالتأكيد ضمن قائمتى لأفضل الكتب الصادرة فى 2019.
حيثياتُ هذا الحماس كثيرة، أهمها فى رأيى الطريقة التى كُتبت بها المادة، فالكتاب ليس مجرد سرد عن تفاصيل حياة الفرقة، وأفرادها، وعملية تحضير أغنياتهم وألبوماتهم، ولا هو مجرد رؤية موسيقية لأغنياتهم وكلماتها، ولا هو مجرد رسم بورتريهات إنسانية مدهشة لكل فرد من أفراد الفرقة الخمسة، وإنما هو مزيج من كل ذلك، مضافًا إليه حكاية جيل وثورة، وقصة المؤلف نفسه كجزء من هذا الجيل
هناك جهد خارق فى تجميع المادة، وفى كتابة تفاصيل التفاصيل عن الفترة الطويلة التى عايش فيها المؤلف الفرقة، لدرجة تفريغ كامل لأجزاء من حواراتهم الفنية والإنسانية، ولكن هذه المادة كان يمكن أن تصنع كتابًا مملًا ومزعجًا، لولا موهبةُ هذا الكاتب الشاب الذى عالج هذه المادة بشكل مشوق للغاية، وجعل نفسه بطلًا مشاركًا فى الحكاية، حديثُه عن الفرقة يستدعى بالضرورة علاقته مع الموسيقى، وهو لا يصف من الخارج، وإنما من الداخل، ويقف ليتأمل ويحلل كل شخصية من الفرقة، بكل عيوبها ونقاط ضعفها، وبكل نقاط امتيازها وتفوقها.
إنه بناء روائى بالأساس، هناك حدثان كبيران يقسمان الكتاب إلى قسمين:
الأول هو اللمسات النهائية لإعداد وطرح الفرقة لألبومها المثير للجدل «نقطة بيضا»، والقسم الثانى هو حفلتان كبيرتان مهمتان للفرقة، والبدء فى ألبوم جديد، وفى كل قسم تتفرع فصول تقطع الحدث، ولكنها تثريه وتغذيه، وتجعلنا نفهمه أكثر، سواء فى الحديث عن صناعة وإنتاج الموسيقى، أو عن قصة كل فرد من الفرقة، أو تحليل بعض الأغنيات، أو أحيانًا كتابة ما يقترب من الدراسة الاجتماعية عن العصر الذى نعيش فيه، بكل تطوراته وتناقضاته، وكأن مؤلف الكتاب الذكى يضع الفرقة وسط عصرها، وزمنها، وتناقضات أفرادها الشخصية، ولذلك أقول إننا أمام معالجة ناضجة للغاية
هذا هو سر إعجابى الشديد بالكتاب، لقد جعلنى فى قلب جيل وفرقة لا أنتمى إليهما، بل إن ولاء كمال جعلنى أحب كل أفراد الفرقة، وأهتم جدًا بأن ألتقيهم، وأن أستمع على الأقل إلى تجاربهم الموسيقية، الكتاب صنع معادلًا فنيًّا مكتوبًا للتجربة، يبدو الحديث عن الفرقة أحيانًا هو «الميلودى»، والحديث عن الجيل هو التوزيع الموسيقى، والعكس صحيح أيضًا فى بعض الأحيان، من هنا جاءت الحيوية الكبيرة فى السرد، ومن هنا أيضًا اعتقادى أن هذا الكتاب يمكن أن يتحول إلى فيلمٍ عظيم، إذا تمت كتابة السيناريو على مستوى معالجة الكتاب
لعل حماسى يدفعنى، أيضًا، إلى الحلم بأن يفوز الكتاب بجائزة معتبرة تكافئ هذا الجهد الكبير، وهذا الإبداع الموازى لما تقدمه فرقة موسيقية ناجحة، القيمة هنا تتجاوز المناسبة والحفلة وحب الموسيقى، إنه كتاب عن روح الفرد وروح الفريق، عن جيل يصرخ ويتكلم ويتألم، نشعر حقًا بكل تناقضاته، وإحباطاته، وأحلامه، بعلاقته المتوترة بجيل الآباء، نلمس رغبة الجيل فى التحقق عبر الكلمة والموسيقى، وبتعلقه بالأساس بالموسيقى الغربية، وهو أمر لم يغفله الكتاب تأصيلًا وتحليلًا، ومن قبل ومن بعد، نشعر بتفرد شخصية كل واحد من الفرقة إلى درجة التناقض، ومع ذلك يجدون فى كل مرة وسيلة لكى يعملوا كفريق
ملاحظتى الوحيدة على هذا الكتاب الفريد هو خُلوّه من الصور، مع أن أول ما يطرأ على بالك هو أن تشاهد هذه الشخصيات فى الكواليس، أو فى لحظات تفاعلهم فى الحفلات الضخمة، وأن ترى أيضًا صور الآباء والأمهات، ولكن ذلك لا يقلل أبدًا من أهمية هذه الدراسة الإنسانية والاجتماعية والفنية الرائعة
جريدة الشروق المصرية