أربع قصص قصيرة جدا يستلها القاص العراقي من الحياة اليومية، عن العلاقة بين الرجل والمرأة متخذا من أجواء الجامعة وحياة الطلبة مناخاً حاول عكس ما يجري فيه من خلال علاقات الحب بين الجنسين والعلاقات بين الأصدقاء وكل نص يخلص إلى فكرة وثيمة مختلفة لكنها تشترك بالهم

قصص قصيرة جداً

ناجح فليح الهيتي

 

المكان المناسب

كنت أقف على الرصيف أنتظر سيارة أجرة، توقفت أمامي سيارة خاصة، فُتحَ الباب من الداخل، نادتني أصعد، قالت سأوصلك إلى المكان الذي تريد، كانت زميلتي في العمل، صعدت، جلستُ في المقعد الأمامي بجانبها، تحركت السيارة، سارت، توقفت عند تقاطع نقطة المرور لاشتعال الإشارة الحمراء، سألت امرأة كانت تقود سيارة تقف إلى جانب سيارتنا: أين تقع مستشفى الحكيم الأهلي؟ أجابت زميلتي بدون تردد وثقة كبيرة في النفس: في الكاظمية، ضَحكتُ، قلت لزميلتي :أنها تقع في الكرادة

قالت زميلتي وهي تبتسم: نحن معاشر النساء ندعي المعرفة في كل شيئ حين نعرف أن هناك من يجهل

بعض الأشياء والأمور, قلت: إنني أجهل طالعي في الحب، هل لك أن تخبريني ماذا سيكون؟

قالت وفي نبرة صوتها كثير من الجد :لا يليق الحديث عن الحب في الطريق ثم أدارت مقود السيارة وغيرت اتجاه سيرها، لم أعترض أو أسأل ،بقيت صامتاً ،دخلت إلى موقف سيارات فندق من فنادق الدرجة الأولى، أوقفت السيارة، نزلت منها، اتجهت إلى الباب الذي بجانبي، فتحته، سحبتني من يدي

قالت : إنني أدعوك لتناول طعام الغذاء معي، أضافت سأخبرك بعد تناول الغذاء عن مستقبلك في الحب، أمسكت بيدي، تشابكت يدينا ،سرنا إلى بهو الفندق ،صعدنا في المصعد إلى الطابق الذي يقع فيه المطعم ،دخلنا المطعم يمسك كل منا بيد الآخر ويضغط على اليد التي يمسك بها برفق وحنان .

 

دعوة غذاء

لم اصدق أنها هي التي كلمتني !! ,في المحاضرة الأخيرة جاءت وجلست على كرسي بجانبي ,بعد المحاضرة دعتني لشرب الشاي والجلوس معاً في نادي الكلية، أقسمت أن تجلب هي الشاي وتدفع الحساب، ما أن خرجنا من النادي جاء صديقي، طلب أن يكلمني على انفراد، استأذنت منها دقائق قليلة، سألني صديقي: هل كسبت هذه الفارعة الجميلة حزبياً؟

قلت: لا

قال :ماذا حدث؟

قلت :هي صادتني..

قال :كيف ؟

قلت :لا أدري ..

قال متوسلاً: أرجوك أخبرني

قلت بمكر ودبلوماسية: أسأل صاحبة الشأن، أنها أمامك

قال: أنت تعرف أنها لم تكلم أحداً من الطلاب ولم تجب على سؤال أيٍ منا منذ دخولنا الجامعة الى أن أصبحنا على مشارف التخرج في النصف الثاني من السنة الرابعة, وأضاف ماذا تغير ؟

قلت: هل تتذكر أول محاضرة ألقيت علينا في الجامعة؟

قال: أتذكر أن الأستاذ أختارك مراقباً لتكون حلقة وصل بين الأساتذة والطلبة وسلمك دفتر غيابات للطلبة ودفتر غيابات للأساتذة لأنك كنت الحاصل على أعلى(علامات) في مرحلة الدراسة الإعدادية بين طلبة المرحلة الأولى من قسمنا

قلت : هل تتذكر بعض ما قاله الأستاذ في تلك المحاضرة؟

قال: لا

قلت لقد قال ممازحاً الطالبات: إن الطالبة في المرحلة الأولى من دراستها الجامعية لا تقبل أن تتزوج إلا وزيراً أو سفيراً في وزارة الخارجية، وفي المرحلة الثانية تريد زوجاً لها مديراً عاماً، وفي المرحلة الثالثة تقبل بالزواج من أي موظف في الدولة، أما في المرحلة الرابعة فإنها تتمنى أن يتزوجها أحد زملائها في تلك المرحلة

قال: هل ترى أن ما قاله الأستاذ في تلك المحاضرة حقاً؟

قلت: يمكنك أنت التحقق من ذلك..

قال: أرجع إليها، ألا تراها تنتظرك بقلق, ودعته وتوجهت إليها معتذراً عن التأخير

قالت: هيا بنا نخرج من هنا، إني أدعوك لتناول طعام الغذاء معي في البيت ..

قلت: اعذريني عن قبول الدعوة، وحاولت التملص من الدعوة بأعذار شتى

قالت: إن أبي ينتظرنا على الغذاء وأضافت لا يمكنك الاِعتذار وعدم قبول الدعوة، لأنك ستخذلني أمام أبي، لقد حدثته عنك، فطلب مني أن أدعوك لتناول الغذاء معنا

قلت: مادام الأمر هكذا، إني أوافق على قبول الدعوة، لأني لا أريد أن أخذلك أو أسبب لك إحراجاً ,وأضفت سوف لن أرد لك طلباً في الأيام القادمة..

ابتسمت وبرقت عينيها بريقا لم أعهده من قبل, أمسكت بي من عضدي وهي تضغط عليه بأصابعها بقوة وتجرني لنخرج من الكلية ونحن نضع خطواتنا الأولى على الطريق ....

 

مشكلة

تعودت بعد انتهاء دوامي الصباحي أن أتناول طعام الغذاء في مطعم قريب وأعود إلى غرفتي في الجامعة لآخذ قسطاً من الراحة ,أغلق الباب من الداخل , أنزع حذائي ,أجلس على الكرسي، أضع رجليَّ فوق المكتب ,أتصفح صحيفة اليوم، أقرأ في كتاب، تأخذني سنة من النوم، أستيقظ قبل أن يحين وقت الدوام المسائي، لأني كنت أعمل بدوامين صباحاً ومساءاً، بدأت صعود السلم إلى غرفتي في الطابق الثاني, رأيت أحد الموظفين في الطابق الأول يقف مع طالبة وطالب، يمسك بطاقتيهما الشخصية بيده، يتحدث إليهما، أصغيت إليه، كان يحاول استغلالهما وابتزازهما، مشيت إليه سألته :ما هي المشكلة؟

قال: وجدتهما يجلسان في وضع غير أخلاقي في حديقة الجامعة , وأضاف سأقدمهما إلى رئاسة الجامعة لاتخاذ ما يلزم بحقهما قلت: انك تضع نفسك في مشكلة لا يمكنك الخروج منها !!!وأضفت كيف يمكنك أن تثبت أنهما كانا يجلسان في وضع غير أخلاقي وفي حديقة الجامعة أمام الطلبة ؟,طلبت منه أن يعطيني بطاقيتهما الشخصية لأتدبر الأمر، أعطاني بطاقتيهما الشخصية وغادر المكان، نظرت إلى البطاقتين الشخصيتين، كانا في المرحلة الدراسية الثالثة في كلية الإدارة والاقتصاد، مددت يدي إلى الطالب أعطيه بطاقته الشخصية وقلت: أنك لا تستحق أن تكون صديقاً لهذه الفتاة

قال: لماذا؟

قلت: لأنك لم تدافع عنها ولم توفر لها الحماية وأضفت: أن المرأة لا تشعر بالأمان إلا حين تجد الرجل الذي يحميها

قال: لقد خفت حين هددنا بالطرد من الجامعة ولم أعرف كيف أتصرف ..

سألت : الطالبة وأنا أعطيها بطاقتها الشخصية: لماذا أنت لم تحمِ زميلك مادام هو لم يستطع أن يدافع عنك ويحميك؟

قالت: كيف؟!

قلت: يمكنك أن تدخلي ذلك الموظف السجن بمجرد الادعاء عليه دون حاجتك إلى شهود

قالت: لم أفهم ما تقول

قلت: الم تعرفي القاعدة الفقهية (النساء مصدقات على فروجهن)

قالت :لا

مشيت أريد الصعود إلى غرفتي ,استوقفتني الطالبة، شكرتني لأني خلصتهما من مشكلة وقالت: آمل أن نكون أصدقاء

قلت: أنا صديق الجميع ولكن عليك أن تناضلي مع غيرك من النساء لنيل حقوقكن وأضفت :أعلمي(أن حقوق المرأة كالاستقلال تنال ولا تعطى)

قالت: أعدك أني سأفعل وهي تبتسم ابتسامة عريضة وتعدني بلقاء قريب، فودعتهما ومشيت أصعد السلم إلى غرفتي في الطابق الثاني

 

 

أ الفيلسوف

ذهبت إليه في الموعد المحدد بيننا في عطلة نهاية كل أسبوع ،حيث كان يسكن في غرفة خاصة في فندق في بداية رجوعه بعد إنهاء دراسته العليا في الخارج، طلبت من عامل الفندق أن يخبره أنني أنتظره في البهو، لأنه كان لا يقابل أحداً إلا حين يكون مرتدياً ملابسه التي كان يرتديها حين يذهب لإلقاء محاضراته في الكلية أو يكون خارج مكان إقامته، تلك عادة أكتسبها أيام دراسته العليا في جامعة كمبرح ،عاد العامل وأخبرني أنه سيأتي بعد قليل وغاب عني، انتظرته قليلاً لكنه لم يأت ،غادرت الفندق ،مشيت في الشارع ،أخذت أتطلع في واجهات المخازن المخصصة لبيع الملابس لأنني أردت شراء قميص لي ،وضع يده على كتفي وقال :لماذا لم تبق تنتظرني؟

قلت: اعتقدت أنك كنت تكتب مقالاً وأردتَ أن تنتهي من كتابتهٍ

قال: لم أكن كما اعتقدت

قلت: لماذا تأخرت؟!

قال: أرسلت بذلتي الوحيدة إلى المكوي أول أمس وحين جئت أرسلت العامل لإحضارها

قلت: أعتذر لما سببته لك من إشكالات ومتاعب

قال: لقد أخرجتني من سجني

قلت: هل أنت رهبن المحبسين في هذا الزمن؟

قال: نعم

قلت: حقا ًإنك شاعرً وفيلسوفً وظاهرة ليس لها مثيل

تبسم وأمسك بيدي ومشينا نكمل لقاءنا المعتاد كما كنا نفعل