يقدم لنا الناقد الجزائري المرموق قراءة في أحدث روايات واسيني الأعرج تكشف إشكاليات معرفية فيها بسبب الخلل في البناء الهوياتي للشخصيات، وأخرى بالبناء الروائي من العنوان وحتى أفق التوقع والشخصيات والحبكة ونشاز العلاقات المنطقية للسرد، وصولا إلى التعجل في الكتابة والأخطاء وتداعي اللغة وتفكك التراكيب.

من إشكالات التكوين الهوياتي إلى إشكالات التفكك الذاتي

إشكلات البناء الروائي معرفيا وسرديا ولغويا

قراءة في «الغجر يحبون أيضاً» لواسيني الأعرج

محمد الأمين بحري

 

أولاً- علاقة العنوان بالمتن:
قبل قراءة الرواية ستعتري القارئ المثقف عدة إساءات فهم (إيجابية) حول هذا العنوان الذي يبدو منطوياً على إشكال معرفي صارخ: إذ كيف للروائي أن يجعل الحب عند الغجر ملحقاً ومضافاً لعاطفة الحب لدى بقية البشر (يحبون أيضاً)، والكل يعلم أن الغجر هم عرابو الحب، وسدنته، لاعبوا الحب وعرّافوه، ومحترفوه في السر والعلن. خاصة أنه لا دين يؤمنون به يضع خطوطاً حمراء وحواجز بين الإنسان والحب، فهم تجار الحب أيضاً، وبقية العالم زبائن لديهم، يلوذون بهم إن وقعت مشكلة بينهم وبين من يحبون. أو استشعروا خسرانه لإنقاذه، بكل الطرق حتى المستحيلة منها، الغجر؛ يرهبهم الناس ويزدرونهم في العلن جماعات، لكنهم يتسللون إليهم في السر فرادى، حين يقهرهم سلطان الحب. فكيف يأتي كاتب ويجحف في علاقة الغجر بالحب ويخبرنا بأنهم يحبون أيضاً؟؟ بينما هم في أعلى هرمه يحوزون سلطانه وينثرونه بين الخليقة.

لا أحد يفك هذه الإشكالية العنوانية المناقضة للمنطق سوى المتن نفسه الذي يدعو القارئ -بعد شد ذهنه بهذه الطريقة- إلى تتبع سراديب المغامرة ليكشف بنفسه دواعي هذه الأزمة التشويقية للعنوان، التي ليست سوى حيلة سردية أولى، وأحبولة للإيقاع بالقارئ الشغوف الذي يكون قد ابتلع الطعم بداية من العنون (سواء أعجبه فاتبعه، أو لم يعجبه فأراد كشف خلفياته وخفاياه)، وفي كلتا الحالتين يكون الأرنب قد تمكن من اجتذاب فضول آليس إلى مغارته الغامضة.

(الغجر يحبون أيضاً)، هي إشارة إلى مضمون طبقي يشكل أزمة في الرواية تحملها نظرة مجتمع وسلطة فرنسيين نحو الغجر إبان احتلال الجزائر (وتحديداً الخمسينيات التي نشبت فيها ثورة 1954)، نظرة عنصرية تصنفهم كملحقات بشرية، وتزدري إنسانيتهم وثقافتهم وأصولهم، بل أكثر من ذلك، تستغرب من تمتعهم بعواطف إنسانية وشرف وكرامة كبقية البشر .. ليأتي صوت شخصية [أنجلينا أموندين] إحدى أبرز شخصيات الرواية صارخاً في وجوه أصحاب هذه النظرة العنصرية التي يكرسها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وتحديداً في مدينة وهران (مُعترك أحداث الرواية)، حين صرخت: "الغجر يحبون، ويعشقون أيضاً" (ص24)، وهي محاولة يائسة منها لإثبات إنسانية مهدورة تحت أقدام مجتمع طبقي عنصري.

فذلك ففي العنوان إشارة إلى مأساة عنصرية تغوص أحداث الرواية في تفاصيلها، فهناك (في زمن الاستعمار الفرنسي)، مواطنون من الدرجة الأولى (هم المعمرون والوافدون من فرنسا)، وهناك مواطنون من الدرجة الثانية (الأوربيون الوافدون إلى الجزائر)، ومواطنون من الدرجة الثالثة (الأهالي وهو الجزائريون أبناء هذه الأرض)، وهناك كائنات من الدرجة الرابعة وهم الغجر الذين لا دين لهم ولا ملة في نظرة بقية الطبقات، وهي طبقة مسحوقة ممتهنة تحاول جاهدة إثبات إنسانيتها وامتلاكها عواطف كبقية البشر، وقد جاء العنوان في هذا الاتجاه، في شكل صرخة غجرية لإثبات وجود مبتور وحق مهدور.

ثانياً- معرفية النص:
شأن الأزمة الطبقية التي تعصف بمجتمع الرواية وتقطع أوصاله، فإن النص ينبني بدوره على طبقات شكلت خارطته المعرفية. ولعل أساسه المعرفي الأشمل يقوم على نوع من الحياة والمجتمعات وثقافات يعرفها الروائي معايشة وتجربة وارتياداً في الواقع، لا عن اطلاع افتراضي، وهذا ما جعل النماذج البشرية التي تمثلها الشخصيات تتحدث وتتعامل بإحساس حي يمكن أن يطابق أو يمس وجدانياً وعاطفياً أي ذات إنسانية تقرأه. ما يعني أن البعد المعرفي والثقافي حين يعايشه الكاتب هو ما يمنح الشحنة العاطفية والوجدانية للشخصيات، ويمنع خطابها وتصرفاتها من الآلية والنمطية، كما نراه لدى كثير من شخصيات كتاب لا يتمتعون بالمعايشة المعرفية والثقافية لطبيعة وهوية الشخصيات التي يوظفونها.

ثالثاً- أيقونات الكتابة (المواضيع والشخصيات المتسلطة على ذهن الكاتب)
ككل روايات واسيني السابقة يصعد إلى السطح جلياً؛ الموضوع الرئيسي للنص وهو إبراز بشاعة الثقافة العنصرية التي فصمت طبقات المجتمع الجزائري في العهد الاستعماري، وحولت تنوعه الثقافي إلى طبقات متصارعة، تشيع كل أنواع العنف والحقد الطبقي وتسد منافذ ثقافة التسامح التي تبدو الدعوة إليها جلية في مواقف الكاتب من خلال خطابات شخصياته الرئيسية، (وفكرة التسامح العقدي والثقافي والعرقي أضحت أيقونة نصية متسلطة ولصيقة بكل أعمال واسيني دون استثناء)، ولا فرق بين رواياته المعالجة لنفس الموضوع إلا في الأحداث وأسماء الشخصيات. وهو ما يجعلها محوراً ثابتاً لكل أعماله، أو يجعل أعماله كلها عملاً إنسانياً واحداً؛ موضوعه ثقافة التسامح ونبذ العنف، وللقارئ أن يطالع جميع الشخصيات الرئيسية لأعمال الكاتب التي تتحدث بنفس النبرة ونفس الصوت، وتحمل نفس الثقافة، سواء أكانت شخصية رجالية أو نسائية، فهي شخصية واحدة، ونموذج بشري واحدة عابر للروايات وإن تعدد أسماؤه ووظائفه وعناوين الروايات التي يحل فيها بطلاً.

ومن إفرازات تسلط هذا الموضوع وعوالقه، تظهر للعلن -في هذه الرواية أيضاً- تلك الشخصية التي يولع بها الروائي والتي تسجل حضورها القهري في جميع رواياته، وهي شخصية مريم المجدلية (Mari madeleine) التي صارت لازمة روايات واسيني، وتظهر (سواء كذات أو شخصية أو موضوع لحديث الشخصيات) في كل رواية سواء تحت تسمية ماري مادلين أو مريم (سيدة المقام/ كريماتوريوم/ أصابع لوليتا ... الخ) وتحضر في رواية الغجر هذه شخصية ماري مادلين كامرأة فرنسية، بخلفية تلك الغانية في حياة السيد المسيح التي لا يمل الكاتب من تكرار قصتها التي تلهج بها كل نصوصه كهاجس متسلط.

ومن لواحق موضوع التسامح المحوري المترسخ عند الكاتب، موضوع لا يقل تسلطاً على ذهن الكاتب من أيقونة مريم المجدلية، وهي شخصية اليهودي الجزائري أو اليهود في الجزائر، أو الأصول اليهودية لبعض الشخصيات كذات أو كموضوع ليناقشها، وها هي تصادفنا في رواية الغجر في شخصية محامي اليهودي فراسوا كوهين محامي والد انجلينا المتهم بتهريب السلاح، يقول فيه الروائي على لسان خيمينيث: [المحامي فرنسوا كوهين، شخصية قوية ولها حضورها. كلمته لا تنزل إلى الأرض، ثم إني أعرفه جيداً رجل الزوالية ... فرنسوا كوهين قوي في أصوله اليهودية الغنية من أمه] (ص195). شأن بقية روايات الكاتب تبقى شخصية اليهودي في هذه الرواية الأخيرة لازمة أخرى من اللوازم المتسلطة على الذهن السردي الواسيني، وتأبى إلا أن تحضر وبشكل اجتراري حتى صارت أيقونة ومعلماً ثابتاً وعابرا لجميع روايته. ذات العنوان الإنساني الكبير (التسامح).

رابعاً- بناء وهدم معالم النص (الشخصيات والحبكة وأفق التوقع).
بناء الشخصيات:

أول شخصية يبنيها النص ويهدمها هي شخصية الغجرية إزميرالدا (وهو اسم نمطي للغجرية منذ رواية أحدب نوتردام لفيكتور هوجو) التي تظهر في الرواية لتلخصها لنا، وتسلم زمام السرد لأمها (أنجيلينا أموندين/ إنجي)، وأبيها المتادور الوهراني ذو الأصول الإسبانية [خوسيه أورانو] الذي يثبت اسمه كعنوان فرعي على علاف الرواية (La ultima corrida de JOSE ORANO)، والتي تفتتح الرواية بأربع صفحات ثم تندثر من النص الذي تجري أحداثه قبل ولادتها. لكن الروائي لا يعود لهذه الشخصية وكأنما كانت مهمتها أن تقدم الرواية وتلخصها لنا ثم تختفي إلى الأبد. تاركة أكثر من استفهام حول غياب وظيفتها في النص، بعد أن قدمته لنا. بما أنها أول شخصية يقابلها القارئ.

أما الشخصية الرئيسية التي يدور النص حول مأساتها فهي أمها [أنجلينا أموندين] غانية إسبانية غجرية وافدة إلى وهران ومتزوجة بأحد أعضاء فرقتها الجوالة، تقع في حب مصارع الثيران الشهير [خوسيه أورانو]، ومن أجله تتخلى عن زوجها الغجري العقيم، وتحمل من خوسيه ببنت لم تولد في أحداث الرواية ولكنها هي من يقدمها لنا في الاستهلال (إزميرالدا).

أما خوسيه أورانو فهو عشيق الغجرية أنجلينا أموندين وأب إزميرالدا، وهو مصارع ثيران له شعبية جارفة بين سكان وهران (بين سنتي 1954-و1956 وهو الفضاء الزمني للرواية)، هذا البطل الذي قتل في منازلته الأخيرة على قرني ثور هائج في حلبة كوريدا وهران في الأنفاس الأخيرة من الرواية.

بالإضافة إلى شخصيات ثانوية أبرزها غاريسا بيكينو وهو الزوج الغجري العقيم للبطلة أنجلينا أموندين، الذي انتهى مصيره مسجونا بعد جرائمه في حقها وفي حق عشيقها خوسيه أورانو. وكذا: أب أنجلينا أموندين وهو إيميليانو زباطا. وهو الأب الذي تقول الرواية في مقدمتها أنه دخل السجن وحكم عليه بـ 30 سنة لا ندري لماذا؟؟ بما أن تهمة تهريب الأسلحة التي دخل بسببها السجن هي وشاية كاذبة وقد أسقطتها المحكمة بفعل حنكة محاميه (اليهودي)، إذ لم تبرر الرواية حتى نهايتها سبب إدانته بهذه التهمة التي تعني المؤبد، بل بالعكس تبرئه في نهايتها من تهمة تهريب الأسلحة والشروع في القتل: (ص187)، ومع ذلك يحكم عليه بالمؤبد، دون سبب أو منطق .. ولا مبرر لذلك؟ ولا متابعة لقضيته، وهو تساؤل من حق القارئ أن يطرحه، ومن حق الروائي الذي برأ المتهم من التهمة الباطلة التي أدين بها (تهريب السلاح) ثم أدانه ب30 سنة مجاناً، أن يبرر ذلك نصياً. وهو مسار كامل من بناء وهدم الشخصيات ومصائرها مليء بعلامات الاستفهام التي تركها الروائي غير مبررة في منطق السرد وسيرورة الأحداث.

هدم الحبكة ومصادرة أفق التوقع.
من السائد في الروايات التي تبدأ باستباق أن تستهل بحدث لم يقع بعد ثم تبرره نصياً عبر تطور الأحداث، لكن ما فعله واسيني بروايته "الغجر يحبون أيضاً" أمر مستغرب فعلاً، إذ قام بتلخيص أحداثها وحسم علاقات الشخصيات وهويتها وبت في مصائرها وأنهى كل شيء في الصفحات الأربع الخاصة بالاستهلال. فلم يبق منها شيء يمكن أن يثير تساؤل القارئ ولم يحسمه في المدخل الاستهلالي للرواية الذي ترويه ازميرالدا. حيث يضع الروائي لنص مقدمة من أربعة صفحات يبني فيها كل العلاقات الرئيسية كعلاقة الشخصيتين الرئيسيتين (إنجلينا وخوسيه أورانو) ثم ويحسم فيها مصيرهما إلى الموت بعد قصة حب معجبة غجرية بفارسها المتادور، الذي يلقى حتفه في آخر منازلة بين قرني الثور الهائج (مويرتي).

بينما تلقى هي حتفها قتيلة برصاصة على يد زوجها السابق غارسيا بيكينو، الذي يقتل في الحين على يد عمو خيمينيث أحد أصدقاء أنجلينا وخوسيه، بل يحسم مصير حتى بعض الشخصيات الثانوية في صورة أب أنجلينا إميليانو زباطا الذي زج به في السجن 30 سنة، وفقد القدرة على الكلام فور النطق بالحكم. فماذا ترك الروائي للقارئ بعد تحديد مسار الرواية ووظائف الشخصيات وحسم مصائرها في أربعة صفحات الخاصة بالاستهلال؟

وهذا ليس استباقاً لأن الاستباق هو ذكر حدث إشكالي قبل حدوثه الفعلي، بغية إثارة إشكالية في ذهن القارئ الذي يتعلق بحيثيات وأسباب وملابسات ذلك الحدث، وهي الإشكالية التي تنسج حولها الحبكة التي تبرر تدريجيا عبر تطور أحداث الرواية التي تقوده إلى فك ملابسات ومبررات ذلك الحدث غير المنطقي في ذهن القارئ. والذي يشكل من جهة ثانية أفق توقعه الذي يبقى معلقاً وشغوفاً لبلوغ المبرر المنطقي للحدث المعلق، وفهمه، إلى أن يرسو عليه في نهاية النص، فيكون الاستباق قد ساهم في نسيج الحبكة ورسم مسار تطور الأحداث، وأسس لأفق توقع القارئ وكسره وجبره طوال المغامرة وهو ما يسمى التشويق.

لكن ما فعله الروائي هو أنه حدد جميع علاقات شخصياته ووظائفها ومنحها ملخصة للقارئ، ثم شرع في حسم مصائرها وتبرير نهاياتها جميعاً قبل بداية الفصل الأول، ما يعني أن ما سيقرأه القارئ بعدها هو تحصيل حاصل لنهايات ومصائر منحت له مسبقاً في مقدمة النص. وهو قتل للنص في ذهن القارئ، وإنهاء جدوى قراءته، ومنعه من أي رسم أو تخطيط لأفق توقعه للأحداث، لأنها حسمت وانتهت قبل دخوله الرواية، وحرمانه كمتلقي من المشاركة في النص، ولو بالتخيل أو التساؤل لأن النص قد أجاب في تلك المقدمة الحاسمة لجميع ما يتعلق بالشخصيات والأحداث من أسئلة. قبل حتى أن تبدأ.

كأنما سيفرض على القارئ أن يقرأ أحداثاً ميتة، لشخصيات ميتة، في مغامرة انتهت قبل أن تبدأ. فقد قدم الكاتب في استهلاله وأجاب قراءه عن أسئلة: ما هو موضوع الرواية؟ وماذا سيحدث فيها، ومن الضحية فيها ومن الجاني وما مصير الضحية والجاني معاً؟ وكيف تم مصير كل منهم؟ فأي سؤال بقي للقارئ لم يجب عنه الروائي في مقدمته؟ وما جدوى قراءة مصائر وأحداث يعرف القارئ بالتفصيل أسبابها ونتائجها وهوية أطرافها؟

  • العلاقات المنطقية للسرد.
    عادة ما يتسبب نسيان الروائي وإهماله لمعالم البناء الذي بدأ به- أو إصراره على الزج بمعلومة غير ضرورية- إلى تفكك النسيج المنطقي للعلاقات النصية، ومن يقرأ رواية الغجر لواسيني ستلاقيه بعض العلاقات الناشزة التي لم يبررها الكاتب كفاية، فجاءت ملصقة بشكل ناشز غريب، بل إن إلصاقها جاء صعب الاستيعاب؛ كأن نجده في بداية الرواية يقدم لنا شخصية [إيدير ماسينيسا]، ولا يحتاج أحد للتفكير كي يجزم بشأن الأصول الأمازيغية لهذا الاسم، والتي يفصلها الكاتب على لسان زوجة سيفاكس الفرنسية (إليلين ميلر)، حين قالت مُعرفة باسم زوجها للشرطي [ سيفاكس أمير بربري، يشبه الكثيرين اليوم، حمل السلاح ضد الرومانيين، مستنداً على مساعدة القرطاجيين، في وقت تحالف ابن جلده وغريمه ماسينيسا مع الرومان]، هذه قصة تسمية زوجها سيفاكس ماسينيسا. (ص13). لكن معنى هذا النسب يتلاشى ويرتبك في نهاية الرواية، مع سائق التاكسي الذي تركب معه البطلة أنجلينا وعشيقها خوسيه، ليخبرهما عن أصوله: [جدي من مهجري محاكم التفتيش المقدس منذ القرن الثالث عشر، عندما سقطت طليطلة حتى أن اسمي العائلي تتلي، وهي تحريف صغير للطليطلي، يعني ابن طليطلة]. ويحدث في الصفحة 191، أن يخبر هذا السائق ذو الأصول الطليطلية، بأن إيدير سيفاكس عمه، فتتفاجأ أنجلينا: [لا يعقل؟ إيدير سيفاكس عمك؟؟- نعم عمي الأصغر، ووالدي ماسينيسا، يقول إنه هو من أسماه كذلك تبركاً بالقائد النوميدي سيفاكس]، على هذا النحو يبرر هذا الشاب ذو الأصول الطليطلية تسميه عمه سيفاكس، وعلى القارئ أن يقبل أن هناك من سكان طليطلة من يتأثر ببطولات القادة الأمازيغ، لكن الكاتب نسي هنا أن يبرر اسم الجد ماسينسيا الذي أكد قبل قليل عن أصوله الطليطلية الخالصة، كي نفك العلاقة المنعدمة بين الأصلين العرقيين سواء في النص أو في الواقع، والتي يحاول الكاتب أن يفرضها قهراً وتعسفاً بهذه الطريقة، ليربط بين الأصول الأمازيغية والإسبانية لذات الشخصيات. وهنا يستشكل عليه تبرير العلاقات العرقية للشخصيات، التي لم يكن ملزماً أصلاً بالخوض في مأزق أصولها التي تورط فيها ولم يحسمها، فتعقدت كتلة واحدة وسقطت أمام القارئ الذي عليه أن يلصقها في ذهنه كما هي، لما فشل إلصاقها نصياً، أو يتجاوزها ويلغيها باعتبارها حشواً للنص بعلاقات ومعلومات هو في غنى عنها أصلاً. حتى أن الاستحضار القهري للهوية الأمازيغية ليس شرطاً في سياق هوياتي غيري (إسباني) تتعل به الحبكة، لكن الروائي أصر على حشوه، وقد فشل في ربطه مع بقية السياقات والعلاقات البينية للشخصيات. بل أكثر من ذلك بددها على نحو مشين، وهذا جانب من الخيارات السردية الهدامة للحمة النسيج النصي.

4- تداعي اللغة وتفكك التراكيب.

فضلاً عن الأخطاء البنائية والتركيبية في إدارة الشخصيات وعلاقاتها وحبك مصائرها، وضياع مشاركة القارئ فيها، وسد الطرق نحو تشكيل أفق توقعه وتشويقه، فإن هذه الطبعة الأولى للرواية (الصادرة عن دار بغدادي 2019)، تبدو نسخة تجريبية لكثرة الأخطاء بكل أنواعها التي طغت على الرواية وأعاقت بشكل مباشر عملية التلقي. فضلاً عن الإبقاء على ملاحظات المدقق اللغوي مرفقة بالإشارات على الأخطاء التي لم تصحح. وهذا ما جعل الرواية ورشة للأخطاء أو مسودة نشرت للقراء على علاتها. وهذا ما يثير الاستغراب، والتساؤل حول نوعية ما ينشر ومستوى ما يقدم للقارئ بالنسبة لهذه الرواية. التي نتمنى أن يتدارك أصحابها في قادم الطبعات هذه الاختلالات التي ضاعفت من اختلال النص بالنظر إلى التشوهات الفنية السابقة. التي نتمنى استدراكها أيضاً.

 

*- ناقد وأكاديمي من الجزائر