أحد الأصوات الشعرية اللافتة اليوم في قصيدة النثر بمصر، نزوع كلي الى اتخاد التجربة الشعرية تجربة شخصية قادرة على استغوار الحميمي وتلك التفاصيل الصغيرة، ابتعاد كلي عن الأفكار "العظيمة" والكبيرة، والاقتراب أكثر من صوت الشاعر وهو يرسم عوالمه الصغيرة جدا، لكنها في النهاية هي مآل عالم وصورته الأقرب.

مديح الغفلة

عاطف عبد العزيز

 

فَاتَنِي الرِّثاءُ لحَالِي.

 

ربَّما ذلك،

لأنِّي ورِثتُ السَّهوَ عَن جدَّتِي التِي وقعَتْ

علَى عَتَبةِ البَيتِ، ولبسَتْها العفَارِيت.

لا أحدَ يعرِفُ،

متى صارَ السَّهوُ خِلَّها الوَفِيَّ الذِي يأخذُها

فِي المغَارِبِ إلى نَخِيلِ العَائِلة،

ثم يعُودُ بِها،

إذا انعكسَ القَمَرُ عَلى صَفحَةِ المَاء.

كيف صارَ نَدِيمَها الصَامِتَ الذي يُنصتُ

للحكايا ثم يُكمِلَها.

لا أحدَ يعرفُ،

كيف استحالَ المسكينُ مَلاكًا حارِسًا

يُطفِئُ النارَ

كُلما شَبَّتْ فِي جِلبابِها الدَّاكِن.

..

فَاتَنِي الرِّثاءُ لحالِي

حتَّى مرَّتْ بِي الأيامُ،

وصِرتُ محرُومًا مِن تشمم قُمصانِ كُلِّ الذين

رثوا يومًا لحالِي.

لم يترك لي الموتُ مقهىً يخلُو من تذكارةٍ

تضعُ القلبَ علَى حافةِ ليل.

لَم يترُكْ لِيَ الروماتيزمُ صاحِبًا واحِدًا

بِكَتِفٍ سَلِيمةٍ،

حتَّى رُحتُ أُحَاذِرُ فِي السَّلامِ،

وأُحاذِرُ فِي الكَلامِ.

..

فَاتَنِي الرِّثاءُ لحالِي،

وضَيَّعَتنِي صُحبَةُ السهو الذِي تَشَوَّهَتْ ساقُهُ

ذاتَ ظهيرةٍ،

وهوَ يرفعُ الجَدَّةَ مِن وهدةِ النِّيران.

فباتَ يَحجِلُ وحدَهُ فِي الشَّوارِعِ مثلَ غُرابٍ

حُمِّلَ بِخَطَايا أسلافِهِ،

وبقِيَتْ تُطارِدُهُ الأسَاطِيرُ من غصنٍ،

إلى حجرٍ،

إلى شَاهِدة.

..

فَاتَنِي الرِّثاءُ،

وفَاتَتِ الأحوالُ.