بمناسبة ذكرى ثورة 25 يناير المجيدة والمغدورة معا ننشر هنا قصيدتان عنها للشاعر المصري المرموق تكشفان عما تعرضت له من مؤامرات الثورة المضادة من ناحية، وعن تجذرها في الوجدان والوعي الوطني المصري من ناحية أخرى، بصورة يتأكد معها، كما يقول عنوان أولاهما، أن مشوارها بدأ.

قصيدتان عن الثورة

حسن طلب

(1) مشوارها بدأ
الثورةُ.. الثورةُ...
؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟
هل مِن خبَرٍ عند ذوِى علْمٍ
لِهذا المُبتدأْ؟
..........
بضعةُ أعوامٍ
وما مِن أحدٍ بذلك السؤالِ قد عبَأْ!
بضعةُ أعوامٍ.. وذلك السؤالُ حائرٌ
يبحثُ عن إجابةٍ شافيةٍ .. وما فَتِئْ!
*** *** ***
قالوا: لقد أوشكَت الثورةُ أن تنجحَ..
شِئنا.. غيرَ أن اللهَ لم يشأْ!
ونحن لا نعلَمُ:
هل أُصيبت الثورةُ بالطاعونِ؟
أم باليرَقانِ ذلك الميدانُ قد وَبِئْ!

لكنْ صَحَوْنا .. فإذا الميدانُ كالصحراءِ..
والثوَّارُ قد طاحتْ بهمْ دوَّامةُ الأنواءِ..
والثورةُ ظلتْ وحدَها كالناقةِ الدَّبْراءِ..
ترْعَى ما تبقَّى من كَلأ!
والآن لاقتْ حَتفَها
وهذه جثتُها في باحةِ الميدانِ..
حامتْ فوقها الغِربانُ والحِدَأْ

قلتُ لهم كلَّا .. فإن الداءَ فينا نحنُ
ما أتعَسَنا!
لو يعرفُ الواحدُ مِنكمْ: أي جُرحٍ ناغِرٍ نكَأْ!
بضعةُ أعوامٍ .. ونحنُ بعدُ لا نُدركُ:
مَغزَى ما طرأْ!

ما كانَ للثورةِ أن تنجحَ حقٌّا
ثُم تستمرَّ في طريقِها
ما دامَ فينا المُرجفُونَ والمُنافقونَ..
والذين لم يصدِّقوا بعْدُ النبأْ!
ما دامَ في الميدانِ مَن كانَ:
على الطَّاعةِ والإذْعانِ قد نشَأْ
ما دامَ فِينا: مَن يُقدِّسُ الطُّغاةَ..
مَن يَرَى البُغاةَ أربابًا
وينْحنِي لهم على المَلأْ!

لا تنجحُ الثورةُ بالعاطلِ والباطلِ..
لا تنجحُ إلا إنْ بَدأناها من الداخلِ..
كي نُطهِّرَ النفوسَ من أدرانِها
نحرِّرَ العقولَ من أوثانِها
لا نَحجُبَ الشمسَ..
لكى نُخبِّئَ النورَ عن العيونِ.. ثم نختبِئْ!

يا أيها السادةُ: لا تتَّهِموا الثورةَ زُورًا
لا تقولوا: إنها ماتتْ
وإن نارَها خبَتْ .. ونُورَها انطفأْ
فهي- وإنْ لم تعرفوها كلُّكمْ- تعرفُكُم
تعرفُ كلَّ مَن بها هَزَأْ
تعرفُ مَن أحبَّها .. والأبتَرَ الذى شنَأْ!

تعرفُ مَن مزَّقَ عنها ثوبَها عمْدًا .. فعرَّاها
ومَن رَفأْ
تعرفُ مَن خانَ .. ومن هانَ..
ومن ظلَّ على إيمانِهِ في صفَّها
مُلوِّحًا بسيفِها

يا أيها السادةُ: لا..
لم تَمتِ الثورةُ حتْفَ أنفِها
لا والذى قد خلقَ الإنسانَ مِن حمَأْ
لم يَخمُدِ البركانُ .. حتى إن بدا كأنهُ هدَأْ
ففي غدٍ: إنْ هي إلا أنْ تزولَ قِشرةُ الصدَأْ
حتى ترَوْها حيةً قد أشرقتْ
تُصلحُ مِن طريقِها ما غارَ .. أو نتَأْ

نعمْ.. غدا ترَوْنَها
قد كتبَ الشهيدُ بالدمِ على جبينِها:
]يخسرُ كلُّ مَن على الشعبِ اجترَأْ [
يومئذٍ. . ليس على كلِّ مُريبٍ مُستبدٍّ
غيرَ أن يحفظَ ما قرأْ!

غدًا إذا المِصريُّ مِن سُباتِهِ أفاقَ..
مِن عِلَّتِهِ برِئْ
لِيصبحَ الميدانُ عن آخِرِهِ قد امتلأْ
فامتلأتْ كلُّ الميادينِ معًا
وأصبحتْ واحةَ أمْنٍ دائمٍ لكلِّ مَن لجأْ
يومئذٍ يؤمنُ بالثورةِ كلُّ مَن صبَأْ!

غدًا إذا عاد لنا الهدهدُ بالأنباءِ مِن سبَأْ
سيعرفُ الجميعُ:
أنَّ الثورةَ الغراءَ: بعدُ ما انتهتْ
وإنما: مِشوارُها بدأْ
... ... ...
مشوارُنا بدأْ

(2) بَقَايا ثَوْرة
يا لَكَ مِن كابوسٍ جلَبَ الفكرَةَ
حينَ أضاعَ السَّكرَهْ!

بالأمسِ حلَمْتُ كأنِّى: أنظرُ مِن ثَقبِ الإبرَهْ!
فرأيتُ كأنَّ الميدانَ انهارَ .. ودارَ على مِحوَرهِ دوْرَهْ!
فإذا بِجَحيمِ زِحامٍ مُتنامٍ!
وإذا بِرُكامٍ مِن أجسامٍ في قلبِ المَيدانِ..
وفى الأركانِ: إذا بِنَعيبِ الغِربانِ
يَحُلُّ محَلَّ هُتافاتِ الأصواتِ الحُرَّهْ!

وتلفَّتُّ ورائي .. فرأيتُ الثُّوارَ: غَرابِيبَ..
تَروحُ وتَغدو بلِحًى وجَلابيبَ..
وسَحْناتٍ عابسَةِ السَّمْتِ .. ودامسَةِ البَشَرهْ!

وتلفتُّ أمامِي
فإذا بفتاةٍ مُلقاةٍ بالعَرْضِ على الأرضِ..
وكانَ على مَقرُبَةٍ صحفِىٌّ يجهَدُ..
حتى لا يُفلِتَ منهُ الرَّصْدُ..
فراحَ يُصوِّرُها إذْ يَركُلُها بالأحذيَةِ الجُندُ..
وقد نزعُوا مِن أُذُنيْها القُرطَ..
وشقُّوا الفستانَ من الصَّدرِ.. إلى ما تحتَ السُّرَّهْ!
كانتْ تستنجِدُ .. لكن مَن يُنجِدُ؟
لا أفرادُ الأُسرةِ يَستمعُونَ .. ولا ربُّ الأسرَهْ!
ما مِن أحَدٍ حاولَ أنْ يَستُرَ منها العوْرَهْ!

وتلفَّتُّ حوالَىَّ..
رأيتُ المارَّةَ: بينَ الواجِمِ .. والهاذِي
فصرختُ: بقايا ميدانٍ هذِى؟
أمْ تلكَ بقايا ثورَهْ!
أمْ شيطانٌ لَيْطانٌ خدعَ القوْمَ..
ودَسَّ دسِيستَهُ
ثم تسلَّلَ .. لم يكشفْ مَخلوقٌ سِرَّهْ

وصحوتُ .. كلِيلًا مَذعورًا
تَمْتمْتُ بما يُبطِلُ عنى سِحرَهْ
ودعوْتُ: وَقانا اللهُ مَكِيدتَهُ.. وكفَانا شرَّهْ!