في عرضه لرواية «مليونير العشوائينات» الهندية يكشف لنا الكاتب الهندي عن مدى نجاحها الكبير كرواية وكفيلم سينمائي. لأنها استطاعت أن تقتنص تناقضات الهند وعوالمها المدهشة، من خلال قصتها التي تكشف لنا عن أن هذا الصبي المتشرد، والذي استطاع أن يكون استعارة للهند، قد اكتسب إجابة كل سؤال بالجهد والمعاناة.

رواية تناقضات الهند وعوالمها المُدهشة

قراءة في رواية «المليونير المتشرد»

محمد منصور الهدوي

 

"لم أفكر يوما أنه في وسعي أن أكون كاتبا فعلا، حين تسلمت مهامي في لندن بدأت في محاولة كتابة القصة. لاجل ذلك، أصنف نفسي دبلوماسيا يكتب" هذا ماقاله سواروب، ها نحن الأن بين يدي رواية "المليونير المتشرد" الذائعة الصيت والسائرة الصوت، والتي كتبها الهندي فيكاس سواراب الهندي، فأصبحت واحدة من أشهر الروايات العالمية. فقد بيع من هذه الرواية ملايين النسخ، كما أنها بقيت لعدة أشهر على لائحة الكتب الأكثر مبيعاً؛ كما أنها تحولت إلى فيلم سينمائي، وحصل على 8 جوائز أوسكار، وحقق الفيلم إيرادات ضخمة. ما هي الوصفة السحرية التي تحتويها هذه الرواية حتى تُطبع بملايين النسخ، وتحقق أعلى المبيعات في وقتها، وتتم ترجمتها إلى لغات عدة، ثم يتم تحويلها إلى فيلم سينمائي صياد للجوائز؟

نعم، الأمر له علاقة بالهند وتناقضاتها وعوالمها المُدهشة .. وبطل الرواية هو واحد من البؤساء المقهورين على أرضهم، فتى من مومباي، خطر له أن يشارك في برنامج من سيربح البليون روبيه. وفي أجوبته على الأسئلة ينفتح السحر الهندي على حياة مُشبعة بالتناقضات، حياة هي أكبر من كل المدارس، التي تضخ في الفكر معلومات باردة، بلا جوع ولا برد ولا مرض. "المليونير المتشرد" أو المتشرد الذي صار مليونيرا، هي رواية ترجمها للعربية علي عبد الفتاح الأمير صالح. وطبعا، وليبق الأمر بيننا، لم تحقق الرواية في مبيعاتها باللغة العربية، ما حققته بلغات أخرى، لا سيما الإنجليزية.

وقفات مع محورية الرواية:
في هذه الرواية يرسم "سواراب" بورتريه ملون، واسع الآفاق، ولكنه غير مزخرف للهند المعاصرة؛ حيث سنرى معه، الهند بقرائها وأغنيائها، وبالطبع فليس كل الفقراء ملائكة، وليس جميع الأغنياء شياطين. لقد أفلح الروائي من خلال تقنية سرد آسرة، اعتمدت على أسلوب "الفلاش باك" المتداخل بانسياب ودون تعقيد، أن يأخذنا إلى عالم المهمشين، لنغوص فيه بإمعان، عالم يحمل النقيضين "الثراء الفاحش" و"الفقر المدقع".

تبدأ الرواية عندما يقرر فتىً فقير «رام محمد توماس» القادم من أفقر عشوائيات (مومباي) الاشتراك ببرنامج المسابقات الشهير (من سيربح البليون روبيه) ولكنه يتعرض الآن للاحتجاز في زنزانة، بتهمة الاحتيال، فكيف لنادل شاي، وفتى شوارع كما وصفه المحقق أن يعرف من هو شكسبير، ما لم يكن متورطاً بخدعة ما؟

وعند بدء التحقيق يبدأ الفتى بالإجابة عن أسئلة المحقق شارحاً بالتفصيل كيف عرف إجابة كل سؤال. ويتبين أن كل سؤال أجاب عنه، كان يعبِّر عن موقف مرّ به في حياته، فهو لا يعرف صورة "غاندي" على الروبية الهندية، ولكن يعرف أن ورقة المائة دولار عليها صورة "بنجامين روزفلت". لأن صديقا من أطفال الشوارع أخبره بذلك، ولا يعرف العملة المالية المتداولة في فرنسا، لكنه يستطيع أن يخبرنا عن المبلغ الذي تدين به شاليني تاي للمرابي، في المحلة التي يتواجد فيها. وهكذا، وبناءً لتسلسل أسئلة البرنامج، يُفصح رام عن تلك المغامرات المدهشة، التي عاشها كفتى شوارع والتي مكنته من الإجابة على الأسئلة بدقة.

فبين المياتم والمواخير، ورجال العصابات وزعماء المتسولين، وصولاً إلى منازل نجوم بوليوود المشاهير والأثرياء، تطفح رواية المليونير المتشرّد بالكوميديا المتشعّبة، والتراجيديا الآسرة، والبهجة المطفرة للدمع، لتستقرئ لنا مشهداً من الهند المعاصرة.

فكرة الرواية رائعة، فكلنا نعيش وسط كم هائل من المعلومات وإذا كان هذا المتشرد يحمل هذا الكم من المعلومات، فكيف بنا نحن وما نملكه من وسائل تقنية تعين على نهل المزيد منها.

سواروب مؤلف رواية المليونير المتشرد:
قبل أربع سنوات لم يكن فيكاس سواروب شيئا مذكورا، لكنه اليوم صاحب شهرة حقق نجاحا كبيرا بفضل رواية "سلامدوغ مليونير" (مليونير الحي الفقير) التي اقتبست الى السينما، وهو يعرف عن نفسه ببساطة بأنه دبلوماسي يكتب، وقبل شهرين من تركه منصبه الدبلوماسي في بريطانيا، وما ان غادرت زوجته وولديه، وضع الكاتب اللمسات الاخيرة على مغامرات الشاب الهندي اليتيم والبالغ من العمر 18 سنة، والذي يعيش في احدى مدن الصفيح في بومباي، بعد ان اتهم بالغش، اثر فوزه بالجائزة الكبرى في المسابقة التلفزيونية "من سيربح المليون؟" وترجمت الرواية الى 41 لغة في العالم، كما تم اقتباسها الى مسرحية اذاعية ومسرحية غنائية. وحصل الكاتب على "جائزة الجمهور" خلال معرض الكتاب في باريس في العام 2007.

بفضل هذا النجاح الذي حققه يتابع سواروب اندفاعه. فالى جانب المهام التي يضطلع بها في جنوب افريقيا، انهى في العام 2008 روايته الثانية "سيكس ساسبيكتس" (المشتبه بهم الستة). ويتناول فيها قضية قتل غامضة، تمت في الهند المعاصرة. وستتحول هذه الرواية ايضا الى فيلم سينمائي. وينوي الكاتب البدء في كتابة روايته الثالثة حين يستلم مهامه في اوساكا (اليابان) في تموز/ يوليو. ويقول من دون ان يكشف عن الموضوع ان احداث الرواية تدور هذه المرة في بلد من نسج خياله، بعيدا عن وطنه الهند موضحا "ستكون رواية تقليدية".

مقتطفات من الرواية:
اسمي ."رام محمد توماس – أي اسم هو ذاك، مازجا الأديان كلها؟ ألم تستطع أمك أن تقرر من كان والدك؟" يقول ضابط الشرطة، ليس لأول مرة. سمحت للإهانة أن تمر. إنها شيء تعودت عليه.

خارج حجرة الاستجواب يقف موظفا أمن منتصبين ساكنين، وهي علامة تدل على وجود شخص مهم في الداخل، في الصباح كانا يمضغان اللبآن ويتبادلان النكات البذيئة. دفعني غودبول بكل ما لكلمة دفع الى داخل الحجرة، حيث يقف رجلان أمام خارطة جدارية تسجل ضمن لائحة العدد الكلي لحوادث الاختطاف والقتل سنويا. ميزت أحدهما، انه الرجل نفسه ذو الشعر الطويل الشبيه بشعر امرأة – أو نجم الروك – الذي كان حاضرا في أثناء تسجيل البرنامج التلفازي الخاص بالمسابقات. يرحّل التعليمات، عبر سماعتي الرأس، الى مقدم البرنامج. لا أعرف الرجل الأخر الذي كان أبيض البشرة وأصلع تماما، يرتدي بذلة ذات لون بنفسجي وربطة عنق برتقالية ساطعة. فقط الرجل الابيض يستطيع أن يلبس بذلة ويضع ربطة عنق في هذا الحر الخانق. يذكرني هذا بالكولونيل تايلور، مروحة السقف تدور بأقصى سرعة، مع ذلك تبدو الحجرة خالية من الهواء في غياب نافذة. تتصاعد الحرارة من الجدران التي قصر لونها الى الأبيض، وأعيقت بواسطة السقف الخشبي المنخفض. عارضة طويلة، رفيعة تشطر الحجرة الى قسمين متساويين. الغرفة خالية الا من طاولة صدئة في الوسط مع ثلاثة كراسي حولها، تتدلى من العارضة الخشبية ظلة مصباح معدنية فوق الطاولة مباشرة."

وانتج في عام 2008 فلماً سينمائياً مقتبساً من هذه الرواية بإسم «المليونير المتشرد»، أخرجه «داني بول» واقتبس سايمون بوفاري السيناريو السينمائي‌ له من رواية «السؤال والجواب» بعد إجراء بعض التعديلات علی تفاصليها. حاز الفلم على مكانة ممتازة جداً في جوائز الأوسكار الـ81 اذ حصد ثمان منها، رغم أن سوارب یسرد عدة روايات في قالب رواية واحدة، إلا أن کتابه غیر معقد، بل جذاب، وجدير بالقراءة، ویتمیز بنثره البسیط.

 

أكاديمي من الهند