يقدم كتاب «السينما الإيرانية تاريخ سياسي» الصادر هذا العام ٢٠١٩م عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، تحليلًا شاملًا عن السينما الإيرانية ومعارضة تهميش المسائل السياسية بداخلها، والكشف عن بعض المفاهيم السائدة حول دور ومكانة السياسة في التيار السائد. بمعنى آخر يتناول الكتاب السينما والتاريخ، ويوضح الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية التي ظهر فيها أهم المخرجين. ألفّ الكتاب حامد رضا، وترجمه من الإنجليزية أحمد يوسف، ويتكون من تسعة فصول ألحق بها بيان بأهم الأفلام.
العناوين الكبيرة تقسم الكتاب إلى حقب تاريخية مثلًا عنوان الفصل الأول: السنوات الأولى من ١٩٠٠م إلى عشرينيات القرن العشرين، وعنوان الفصل الثاني من عشرينيات إلى أربعينيات القرن العشرين.. والفصل الثالث: الأربعينيات. وهكذا إلى التاسع الذي جاء تحت اسم من عام ٢٠٠٠م إلى ٢٠٠٥م.
في السينما الإيرانية يعد الملك مظفر الدين شاه أول ملك يهوى السينما، وهو أول إيراني يصوَّر على السليو لويد عام ١٩٠٠م؛ إذ إنه جاء بالسينما معه بعد زيارته بلجيكا، أما أكباشي ميرزا أحمد ضياء السلطنة فهو أول مصوِّر سينمائي إيراني، ولعل هذا ما جعل التصوير بداية يحكي عن القصور الملكية ومنازل الصف الأول من المسؤولين والأثرياء، وكان النوع الوحيد المتاح للفرجة الجماهيرية يتعلق بطقس التعزية المرتبط باحتفالات الرثاء التي تحكي عادة عن استشهاد الحسين، وهو ما يعني تطويع السينما مذهبيًّا وسياسيًّا منذ البداية.
نهض بعد ذلك رجل في البلاط يدعى إبراهيم خان صحاف باشي بتأسيس أول سينما تجارية جماهيرية، وفي عام ١٩٠٤م بتصريح من الشاه افتتح دار السينما التجارية في طهران، وقد تخصصت في عرض الأفلام القصيرة إلا أنها أُغلقت؛ فالسلطات الدينية أدانتها بوصفها من أعمال الشيطان؛ إلى درجة أنه تم نفي صحاف وحجزت ممتلكاته. حمل الفصل الرابع عنوانًا رئيسًا: الخمسينيات، وأضاف عنوانًا جانبيًّا: «الاستيقاظ من النوم العميق». في هذه الحقبة وُصف المزاج العام في إيران بأنه يمضي وفق مسارين الأول يعتمد على التفسيرات العديدة للمؤرخين والرحالة الدبلوماسيين والمراقبين الآخرين للمجتمع الفارسي، وأما السياق الثاني فقد كان يرنو إلى الاعتماد على تحليلات علماء الاجتماع الذين تعرضوا للمشكلات المعاصرة، وفي كتاب ويليام إس هاس الصادر عام ١٩٤٦م نظر إلى طبيعة الإيرانيين من خلال ثلاثة محاور: دخول الإسلام والحكم الأجنبي وتعاقب الحكومات الاستبدادية.
وقد أشار المؤلف هنا إلى أن إسماعيل كوشان المخرج والممثل هو الذي بدأ في صناعة الأفلام بعد الحرب العالمية الثانية، وكان الفِلْم الأول الذي أنتجه هو فِلْم «طوفان الحياة» ثم أخرج وأنتج فِلْم «سيرة الأميرـ الفتاة الكردية». والجدير بالذكر أن الجو الوطني الراديكالي في الحقبة التي تلت رضا خان في الأربعينيات شجع على إعادة نشاط المرأة. في هذا العقد أيضًا تأسس مجلس الرفاه الاجتماعي للنساء والأطفال. يرى المؤلف أن السينمائيين في الخمسينيات تأثروا برغبات الحكومة التي لم تكن تريد النظر إلى أسباب الانهيار السياسي في أوساطها، ومع ذلك لم يتجاهلوا المشكلات الاجتماعية المعاصرة، وركزوا في السينما على أخلاقيات الفرد وليس الجماعة. ففي فِلْم «الصعلوك» لمهدي ريس فيروز ١٩٥٢م يؤسس لشخصية الأب والزوج المهمل وأعيد هذا في فلمَي: «الدوامة» و«الغفلة» لعلي قاسمي ١٩٥٣م.
سينما حذرة
في الفصل الخامس الذي جاء تحت عنوان الستينيات تحدث المؤلف عن الصراع بين الحضر والريف الذي أشار إلى أن السينما الإيرانية كانت حذرة ومتخلفة عن الأحداث الاجتماعية والسياسية في فِلْم « قبعة من القطيفة» (إسماعيل كوشان ١٩٦٢م) هناك تجاور بين الريفي القروي وساكن المدينة. في «خوداداد» لأمين أميني ١٩٦٢م يناقش الثيمة نفسها، وكذلك في العلمين يصبح الريفي كبش فداء لجرائم المدينة والفوضى، اشتهر في هذا العقد مجيدي محسني الذي بلغ الذروة في فِلْم شهير قام ببطولته عام ١٩٥٧م هو «مزرعة الكناريا»، وفِلْم «العصافير تعود دائمًا إلى الوطن» ١٩٦٣م وهو المخرج الذي أهلته خبرته ليكون عضوًا في البرلمان.
ظهرت في هذه الحقبة أفلام تناقش المخدرات، وأخرى تحاكي السينما الغربية، وأفلام للفتوات جسدها ناصر ملاك مطيع في فِلْم «قبعة من القطيفة» ١٩٦٢م. وقد رأى النقاد أن هذا النوع الأخير لا يمثل المجتمع الإيراني، وهنا اندلعت الشرارة الأولى للسينما التي تمثل إيران؛ إذ بدأت بفِلْم «الأحدب» لفاروق جعفر؛ فهو تحليل عقلاني مثقف للتركيب الاجتماعي للمجتمع الإيراني، وهناك أفلام أخرى مثل «كنوز قارون»، و«قالب الطوب والمرآة»، وفِلْم آخر مهم «زوج آهو» لـ داود مرلايور ١٩٦٨م، وفِلْم« أين الله» لجلال مقدم، وهو أول فِلْم تسجيلي طويل عن حج المسلمين إلى مكة.
الفصل السادس: الستينيات، جاء تحت عنوان جانبي: «من التفاؤل المفرط إلى التحول الوحشي» يتحدث المؤلف فيه عن عام مهم للسينمائيين الإيرانيين وهو العام الذي أُنتِجَ فيه فلمان مهمان هما «البقرة» لـداريوس مهروجي و«قيصر» لمسعود قيامي، إنه العام نفسه الذي أضرمت فيه النيران في خمس دور عرض سينمائية على يد الثوار في أقل من ثلاثة أشهر، وعلى الرغم من النزعة السياسية للفِلْمين فإنهما يقدمان رؤية بديلة للمجتمع الإيراني.
في الفصل السابع: الثمانينيات يتحدث الكتاب عن ثورة عام ١٩٧٩م التي أنهت ٢٥٠٠عام من الملكية، ويتحدث عن كيف حدث الاستيلاء على السفارة الأميركية بعد الثورة، وأزمة الرهائن الأميركيين، وثمانية أعوام من الحرب مع العراق، مع إشارة إلى صمود السينما على الرغم من احتراق ما يزيد على ١٢٥ دار عرض سينمائية خلال فوران الثورة. وفي إبريل ١٩٨٣م ذكرت صحيفة «كيهان» أن هناك ٤٠٠ دار عرض هي التي تعمل في إيران، ولكن أهم ما أراد المؤلف توضيحه هنا هو صعوبة الانتقال بين سينما ما قبل الثورة والسينما الجديدة. وفي يونيو ١٩٨١م أعلن رجل السياسة محمد علي رجائي أن شعارات الشعب يجب أن تنعكس في الأفلام، وهو ما يعني أن المعايير الأولية يحددها السياسي.
موقف من الغرب
وفي هذا الصدد يشير رئيس الإشراف السينمائي حجة الإسلام صادق آردستاني إلى أن المعيار الحاسم الذي يمكن أن يحكم به على السينما هو قدرتها على الإفساد أو الفجور؛ «وكان من أهم أهداف سينما ما بعد الثورة تأسيس موقف مضاد للغرب؛ إلا أن الإشارة المهمة هي أنه بين عامي ١٩٧٩م و١٩٨٣م صُنعت أفلام جديدة لم تَرَ النور قط؛ لأن هذه المرحلة ساد فيها المنظور السياسي الخالص، واتُّهمت بأنها تحمل تأثيرًا شيوعيًّا، ومن ذلك فِلْم «المفسدون» لأمان ماننجي ١٩٨٠م، وفِلْم «السيد هورغليفي» ١٩٨٠م من إخراج غلام علي عرفان، كما ظهرت أيضًا أفلام عن معارك الحرب بين إيران والعراق ودور الحرس الثوري في ذلك؛ لأن انعكاس الحرب أثر في المجتمع الإيراني كله وكان فِلْم مثل «الشجعان» لناصر محمدي ١٩٨٣م أظهر التعاون بين الجيش والحرس الثوري، وكذلك فِلْما «قارب متجه إلى الشاطئ» و«الإنسان والسلاح».
وفي مرحلة التسعينيات أدرك القائمون على صناعة السينما تغيير الثيمة، بحيث تتحول إلى التعامل مع المشكلات اليومية في الحياة المعاصرة، ومن أجل الانتقال من ثقافة الحرب إلى ثقافة جديدة اعتمد رجال الدين المتطرفون على مزيج من الشوفينية القومية وكراهية الأجانب؛ لحشد الشعب ضد الملكية لامتصاص التأثيرات الأجنبية.
في الغرب أنتجت أفلام تصور وحشية الإيرانيين مثل: فِلْم «ليس بدون ابنتي» ١٩٩٠م، وفي المقابل أنتجت السينما الإيرانية أفلامًا مضادة مثل: «النصل والحرير»، وهناك أفلام أخرى ظهرت تعالج قضايا مختلفة مثل: فِلْم «مجنون» لرسول مولاجوليبور الذي يصور الفقر بعد الثورة. وبدت أفلام أخرى تعالج مشكلات الطفولة في زمن تتحكم فيه السياسة مثل: «الواجب المدرسي»، وفي الحقبة اللاحقة للتسعينيات انفتحت السينما على دول الجوار والعالم، فانعكست على السينما أصداء ١١ سبتمبر وطالبان والأكراد.
مجلة الفيصل