قد لا تكتمل الصورة في قصيدة الشاعرة المصرية المرموقة هنا، اللهم هذا الحس التراجيدي لفعل الانتظار المر، حيث يصبح العالم بأسره قاعة كبرى يلتئم خلالها الجميع كي يلامس حظه العاثر، في الكثير من صور الحياة التي نراها أمامنا هنا، ومع الكثير من الشخوص العابرة، سواء فينا أو في أذهاننا، يظل لصوت الشاعرة قدرة على تجسير تلك الهوة، ليذهب بعيدا بين مجازات الأشياء، عين الشاعرة وهي تفصل بعضا من شرخ الصورة.

على أُهبة انتظار

ديمة محمود

 

لم أختر الخيط

ولا الإبرة

لكنّني، وأنا غير عابئةٍ

بأخبار البطالة

والسوق السوداء

والديْن العام

وقرض البنك الدوليّ

أرصّ الأُصص

في انتظار العاصفة

أو الحلم

أحدّث "شهرزاد"

عن جدليّة التناقض والصراعات

وروّاد الفضاء

ومحصلي الضرائب

والناشطات النسويّات

وفريدة عثمان

ومس إيجبت وأخواتهنّ

تهزّ رأسها تستبلهني لخمس دقائق

ثم تبتسم برقّةٍ أخّاذة

لا تخلو من مكر.

 

كان النهر عريضاً

والطريق مسكونةٌ بالحفر

تمدّ المرأة بخدَرٍ ذراعيها

لكأنّما ظهْرَ المقعد الأمامي

كرتُ بقائها حيّة

ترخي العنان للأوهام

وتهدهد رضيعها

واستياءاتها

وحقائبَها بالتبادل

تحرّك بؤبؤيها يميناً

تسترق السمع

وبنظرةٍ حاسرة ربّما سألتْ

إلامَ؟ أو لمَ أنا أو نحن؟

وربما سألتْ:

لم لستُ أنا ولسنا نحن؟

تُتمتم بسورة الفلق وتسير.

 

الحقائب ثقوب العفن المتكوّم

في جدران الفراغ

وسبائك الصدأ الجاثم بضع سنين

انحناءُ الريح

في مواجهة قطارات الطريق الزراعيّة

استمارات الدعم للمشي الطويل

استعارات الأيتام للآباء

خلف أسوار دور الرعاية

وأطراف اللاوعي المبتورة

بفعل عصابات التاميل

وبقايا الهنود الحمر

والحشاشين

الحقائب أصابعُ أعياها الروماتزم

ومع ذلك تمسك برائحة أصحابها.

 

أدركُ الآن أن الأعباءَ نواقيسُ

ثكلت أجراسها

وأن ظفريَ المكسور

لم يكن إلا صورةً لمرآة الانتظار

والزبيبَ المضمّخ بالتراب

بقايا فرحٍ ولّى

كنصٍّ جنائزيٍّ

سأربّت على النمل

وأواصل سقيا الحديقة

عندما تسقط تفاحةٌ

ذات خطأٍ غيرِ مقصود

أبصم أنّ الحظّ لم يكن عاثراً

لكنّ لذّة التخفّي والمباغتة

قادته إلى السفح

حيث الأعشاب الضريرة

تعدّ الأريكة

وتشدُّ أوتار العود نحو النبع

سيؤهّب "غرونوي" عطوره للسّفَر

ويغفو الصولجان

ريثما تمرّ عفريتةٌ

توزّع الخبز وترشّ الأرزّ

والزيزفون

تقول للعمّال والحدّادين

طريقكم مفتوحةٌ بالسّعف

والحنّاء، هبّوا

للنّار مواسمُ خضراء

تنفجر فيها الحقول

وبلا مقابلٍ، تندلق على مدّ النظر

في مرمى التائهين

ومكسوري الجناح.