في حين تعرف نازك الملائكة كشاعرة كبيرة، ورائدة في مجال الشعر الحر، إنما تركت بصمات لها في مجال القصة والرواية، وإن الكثيرين من الباحثين يجهلون نازك الملائكة ككاتبة القصة والرواية. فلم تحظ قصصها ورواياتها باهتمام الدارسين؛ وكأن شعرها قتل أعمالها النثرية الفنية ولو بدأت حياتها الأدبية بكتابة القصة والرواية. فقد برزت هذه الشاعرة ككوب لامع وبلبل غريد في جبين الشعر النسوي العراقي في العصر الحديث. ولكنها بدأت حياتها الأدبية بكتابة القصة ولكن سرعان ما أدركت أنها خلقت للشعر، والشعر خلق لها، فغيرت وجهة نظرها وتحولت رحاب فكرها من القصة القصيرة الى الشعر الحر.
تتوزع تجربة نازك الملائكة الإبداعية على اختصاصات مختلفة، وتمتد صوب اتجاهات متعددة في تنوعها بين الشعر والنقد والقصة القصيرة والرواية. بادرت نازك الملائكة أن تظهر مواهبتها الأدبية من خلال القصة القصيرة. فقد كانت تجربتها القصصية الأولى" منحدر التل" التي عدت باكورة من أعمالها في هذا الميدان. إن مساهمتها في مجال القصة القصة لا تتعدى سبع قصص تحتوي عليها مجموعة تم نشرها مؤخرا.
مولدها ونشأتها:
ولدت نازك صادق جعفر الملائكة في 23من أغسطس عام 1923م[i] في محلة "العاقولية" بغداد، العراق. نشأت وترعرعت في بيت علم وأدب تحت رعاية أمّها الشاعرة "سليمة عبد الرزاق" التي تعرف بين أفراد الأسرة بسلمى. كانت تقرض الشعر وتوقع على قصائدها بأم نزار. وكان أبوها الأديب الباحث "صادق الملائكة" الذي كان يعمل مدرسا للغة العربية. فتربّت في بيئةٍ هيّأت لها أسباب الثقافة والعلم. اختار أبوها صادق جعفر اسم "نازك" لأبنته معناه لطيف ورقيق وطيب الخلق. انتشر هذا الاسم في العشرينات والثلاثينات بالعراق. وكذلك اطلق هذا اللقب على عائلة نازك الملائكة سكّان المحلّة، مستوحين هذا اللقب من دماثة أخلاقها، وهدوئها وسكونها وانتظام علاقاتها مع الجار والناس، وحسن معشرها وغير ذلك من الأوصاف التي تتصف بها الملائكة. حيث كان سكّان المحلّة يقدرون بما عليه هذه العائلة من جميع هذه الصفات فيقولون عنهم هؤلاء "ملائكة"[ii] وليسوا بشراً.
وأكملت نازك الملائكة دراستها الابتدائية والثانوية في مدرسة الكرادة للبنات ثم انتقلت إلى دار المعلمين العالية ببغداد. تخرّجت في عام 1944م بدرجة امتياز. كانت تحب الموسيقى من خلال الشعر حيث تشعر بأنّ الشعر موسيقى، وإنّ الموسيقى هي جناح الشعر الذي يحلِّق به في فضاءات الجمال الحسي؛ ولذا قررت دراسة آلة العود حيث التحقت بمعهد الفنون الجميلة تحت إشراف وتدريس الأستاذ الشريف محي الدين حيدر؛ لكنّها لم تستمرّ لأسباب مختلفة. ثم التحقت بمعهد الفنون الجميلة وتخرّجت في قسم الموسيقى عام1949م. وفي نفس العام بدأت دراسة اللغة الفرنسية مع أخيها الصغير أولا، ثم واصلت دراستها دون مساعدة أي استاذ لعدة سنوات. دخلت المعهد العراقي عام1953م وقرأت خلال اقامتها هناك موباسان وموليير والفونس دوديه. وفي عام1956م حصلت على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة "وسكونسن" في أمريكا.
وبعد عودتها من الولايات المتحدة حضرت مؤتمر الأدباء العرب في بلوان بدمشق عام 1958م. وفي هذه الأثناء كانت ثورة تموز في العراق، التي تركت أثرا كبيرا في قلبها. بدأت حياتها المهنية كمدرسة في دار المعلمين العالية في بغداد ومنها انتقلت إلى جامعة البصرة ثم جامعة الكويت. قدمت نازك استقلالها من جامعة الكويت عام 1982م بعد أن منحت إجازة خاصة وراتبا لمدة سنة كاملة تقديرا لمكانتها الشعرية. قامت لجنة في جامعة الكويت لوضع كتاب على إسهاماتها الأدبية والشعرية. وقد صدر هذا الكتاب عام 1985م تحت عنوان "نازك الملائكة: دراسات في الشعر والشاعرة" بقلم نخبة من أساتذة الجامعات العربية.[iii]
وفي عام1987م، عادت نازك الملائكة إلى العراق وهي كانت مرضية مرهفة الأعصاب. فقد أهدى لها رئيس العراق السيد صدام حسين سيارة جديدة، لأن سيارتها سرقت في أحد شوارع بغداد، ونشر الخبر عنه خلال الإذاعة. قررت الحكومة العراقية بتخصيص راتبا تقاعديا تقديرا واعترافا لانجازاتها الأدبية والشعرية في العالم العربي. وفي عام 1992م قررت جامعة البصرة منحها شهادة الدكتوراه تقديرا واعترافا لإنجازاتها الشعرية والأدبية، ولعملها في جامعة البصرة. توفيت نازك الملائكة في20من يونيو عام2007م.
إنتاج الملائكة الأدبي:
ربما يكون الإنسان في بعض الأحيان في صراع مستمر، يجري بين أفكاره ومعتقداته في جانب وبين واقع الحياة الذي يعيشه هو بنفسه من جانب آخر. ونجد هذا الصراع الداخلي عند كاتبتنا نازك الملائكة، بكل وضوح في إنتاجاتها الأدبية من شعر ونثر. إن العصر الذي عاشت فيه نازك الملائكة هو عصر التمازج الأدبي، والتلاقح الفكري، والارتباطات الثقافية الواسعة. إن نازك الملائكة ذات حساسية شديدة ومرهفة الحس، فهي تتأثر بالأحداث العامة البسيطة، وتنفعل بها، وتحمل عاطفة حساسية رقيقة. نشأت عواطف رقيقة لا تحمل أية صدمة. لذا استنكرت المجتمع الذي نشأت فيه، لأن التقاليد القديمة كانت تستحوذ فكرها وتمتلك ذهنها، إنها كرهت ذلك المجتمع الذي كان يعتبر تحرير المرأة إهانة له وللموروث من تقاليده. فهذا الاستنكار جعل هذه الشاعرة والقاصة تنشأ نزاعة إلى الاستقلال في تفكيرها، وصادقة عن المجتمع الذي نشأت فيه.[iv]
عالجت نازك الملائكة في انتاجاتها الأدبية من شعر ونثر القضايا الإنسانية والقضايا الاجتماعية والقضايا الوطنية السائدة في العالم العربي: مثل حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، والعلاقات العاطفية للحب والمودة، والوحدة العربية وحرية المواطن، ومقاومة الاستعمار في كل شكل من اشكاله الاقتصادية والثقافية والسياسية.
نازك الملائكة ومسيرتها القصصية:
إن الشعر هو الجنس الأدبي الذي يتصدر الأدب العالمي، ولكن القصة القصيرة تبقي الجنس الأدبي الأكثر تنظيما لنفسها ولزمنها الإبداعي. وهي تعرض مجالا واضحا وخاصا من الزمن، ولها تأثير بالغ الأثر. وهذا الأثر الأدبي احتل مكانا مرموقا واكتسب مقاما عاليا في أكثر بلدان العالم، وعلى مر الزمن، شاعت الأنواع المختلفة من القصة القصيرة. وهذا الفن أصبح متنوعا ومتكاملا. القصة القصيرة تشير إلى الواقعية ، وتفسر لنا زمنا خاصا، وتعرض قلق الإنسان في الناس، وهي تشير إلى حياة الناس الصعبة، وتسعى إلى أن تحرك ذاكرة الحياة، وتبين الأحلام الإنسانية. فنظرا إلى أهمية القصة القصيرة، فقد سارع الكثير من الكتاب على اختلاف مشاربهم وتوجيهاتهم، إلى استخدام الفن القصصي كوسيلة من وسائل الترويج لأفكارهم ومواقفهم على أرضية المشهد الثقافي. لأن القصة القصيرة قد احتلت، كلون أدبي وذائع الصيت، موقعا متميزا على خارطة الأدب العربي. ولا تخلو نازك الملائكة من هذا الإطار، لقد أدركت نازك الملائكة أن القصة لها أثر بالغ على أذهان الناس والمجتمع ، ولها دور بارز في تغيير والآراء والمواقف، فاختارت هذا الفن القصصي من الفنون الأدبية الحديثة وسيلة للتعبير عن إحساساها ومشاعرها. وقد أبانت نازك الملائكة في كتاباتها القصصية عن رحابة فكرها وقدرتها على التخيل دفعا للصمت وطلبا للحياة. كما امتاز أسلوبها في مجالات عديدة، وتنوع سردها وتنوعت جمالية لغتها، حتى لا يمكن لنا أن نقول إنها لغة أنثوية. بدأت محاولتها الأدبية بكتابة القصة القصيرة، وتركت لنا من الآثار القصصية التي تدل على براعتها وإبداعاتها في القصة القصيرة.
نازك الملائكة وإبداعاتها في القصص الفني:
القصة أسلوب من اساليب التعبير عن المظاهر المختلفة للحياة. ولا تخرج قصص نازك الملائكة من إطار هذه الكلية. نشرت قصتها الأولى "ياسمين" لأول مرة في مجلة الآداب التي كانت تصدر من لبنان في صيف عام 1977م. نالت هذه القصة شهرة واسعة في الأوساط العامية والأدبية. كانت تنوي صاحبها نازك الملائكة أن تخرج أول مجموعة قصصية لها، وأن يكون عنوان "القصة الأولى" نفس،ه ولكن ظلت هذه المجموعة القصصية متناثرة في مختلف المجلات والجرائد. وتحدثت نازك لأختها إحسان عن مجموعة قصصية عنوانها "الشمس التي وراء القمر". وأنها المجموعة القصصية نفسها التي كانت تنوي أن تصدرها تحت عنوان "ياسمين".
لقد أسهمت نازك الملائكة في الفنون النثرية المختلفة إلا أنهالم تنل حظا وافيا بالدرس والتحليل، إذ تغلب شعرها على نثرها الفني، وقد أصبحت نازك مجهولة في باب النثر. أرادت نازك الملائكة أن تثبت حضورها في مجال الرواية والقصة، فكتبت العديد من القصص الفنية. هكذا نجد أن مواهب نازك الأدبية الفنية تنوعت في الشعر والقصة والرواية. وهذا التنوع يؤكد أنها قدمت في أدبها ألوانا متعددة وأنماطا مختلفة من أشكال التعبير الأدبي من شعر ونثر. فحين تعرف نازك الملائكة كشاعر كبيرة ورائدة في الشعر الحر. أظهرت نازك الملائكة مواهبها الأدبية من خلال القصة القصيرة. وتركت لنا من الآثار القصصية الفنية التي تدل على براعتها وإبداعاتها في القصة القصيرة وكلها تختلف في المضمون والشكل وتتميز عن الآخر في الأسلوب والبيان. ومن آثاراها الخالدة في القصة القصيرة هي:
-
"الياسمين" عام 1958م
-
"ضفائر السمراء عالية"عام1977م
-
"إلى حيث النخيل والموسيقى" عام 1977م
-
"منحدر التل" عام 1959م
-
"قصة للعطاش: قناديل لمندلي المقتولة" عام 1978م
-
"الشمس التي وراء القمة" عام 1979م
-
"رحلة في الأبعاد " عام 1979م
هذه القصص، بالرغم على اختلافها في الموضوعات والنزعات تمثل صوتا جديدا وتكشف علاقة المرأة مع نفسها ومع الرجل، ومع الأم والأب والمجتمع من حولها بكل ما تزخر بها من سياسة وتطورات اجتماعية. عندما نقرأ هذه القصص تؤدي بنا إلى الشعور بأنها ليست إلا الانطباعات التي ارتسمت على ذهن الكاتبة نتيجة أي حدث أو واقع، ولا تخلو هذه القصص من ميزات الفنية القصصية. عالجت نازك الملائكة في قصصها القضايا الإنسانية والقضايا الاجتماعية والقضايا الوطنية السائدة في العالم العربي مثل حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، والعلاقات العاطفية للحب والمودة، والوحدة العربية وحرية المواطن ومقاومة الاستعمار في كل شكل من أشكاله.
احتلت القصة القصيرة كلون أدبي وذائع الصيت موقعا متميزا على خارطة الأدب العربي. ولا تخلو نازك الملائكة من هذا الإطار، لقد أدركت نازك الملائكة أن القصة لها أثر بالغ على أذهان الناس والمجتمع، ولها دور بارز في تغيير والآراء والمواقف، فاختارت هذا الفن القصصي من الفنون الأدبية الحديثة وسيلة للتعبير عن إحساساها ومشاعرها. عندما بدأت نازك الملائكة أن تكتب القصة القصيرة، فحاولت أن تسجل الحياة العربية كما رأت وشاهدت وجربت في حياتها اليومية. أرادت أن تحمل القصة القصيرة قضايا الوطن وتوصل رسائل للمجتمع الذي عاشت فيه، فعالجت القضايا الاجتماعية وعلى رأسها قضايا المرأة العربية وهمومها. وقد أبانت نازك الملائكة في كتاباتها القصصية عن رحابة فكرها وقدرتها على التخيل دفعا للصمت وطلبا للحياة، كما امتاز أسلوبها في مجالات عديدة وتنوع سردها وتنوعت جمالية لغتها حتى لا يمكن لنا أن نقول إنها لغة أنثوية. بدأت محاولتها الأدبية بكتابة القصة القصيرة وتركت لنا من الآثار القصصية التي تدل على براعتها وإبداعاتها في القصة القصيرة.
إن دراسة قصص نازك الملائكة تدفعنا إلى التفكير بأن الكاتبة تبحث عن عوالم بعيدة مع أنها تعيش بين أهلها وفي بلدها. فكانت تعيش في عالم خاص بها ينهض على اليأس والألم وحده والغربة والعيش مع ذكريات الماضي. فإن بواعث الكآبة التي تتجلى في قصصها ليست في الحرمان، ولا في الحب الضائع، ولا في فكرة الموت، وإنما الحزن الذي نشأ في الحياة والموت من جهة، والتأمل في الأحوال الإنسانية من جهة ثانية، ثم انتقلت هذه التأملات إلى صعيد الحس فتركت في قلبها جروحا لا تندمل.
إن السمة الغالبة التي تتجلى في هذه المجموعة القصصية بوضوح هي التعبير عن كاتبتها واتجاهاتها فهو الحب، حب الإنسان لأخيه، حب الإنسان لسائر المخلوقات حتى لكل الموجودات في الكون. والسمة الثانية التي تغلب على قصصها فهي الاغتراب والوحدة، حيث بحثت الكاتبة عن الحب من حولها فلم تجد أثاره وثماره بين الناس، وإنما رأت الظلم والجشع نتيجة البغضاء والكراهية والحسد، هي النزعات الشائعة في التعامل بين الناس. ولا شك في أن الكاتبة قد اختارت عناوين شعرية خالصة لهذه القصص إذ أنها شاعرة قبل كل شيء. أما القصة فلعلها دخلت في هذا المجال حرصا على التنوع في اساليبها التعبيرية، خاصة وأن القصة تتسع أكثر من الشعر لتسجيل الانطباعات التي تتركها أحداث الحياة على النفوس البشرية.
لقد حاولت القاصة الشاعرة أن تنسج في مجموعتها دراما قوية بدفقات مشاعر قوية تمتلك التأثير وتعوض عن حبكة الحدث الذي غاب عن بعض قصصها، تمزجه بتنويعات كثيرة، تتظافر جميعها لترسخ فكرة القصة وسرد الأحداث لتكون متحدة منسجمة دون تشتيت، وقد نجحت في إضاءة الأبعاد الرمزية لها، لإدخالها. وهكذا نجد أن نازك الملائكة تتميز بجهودها في القصة القصيرة بإسهاماتها الإيجابية في مجال القصة القصيرة، وفي موضوعاتها وبنائها السردي من بعض القضايا الاجتماعية في الأدب العربي المعاصر.
أستاذ امساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة العالية- كولكاتا- الهند
الهوامش:
[i] محمد عبد المنعم خاطر: دراسة في شعر نازك الملائكة، الهئية المصرية العامة للكتب، ط1، عام 1990م ص،11
[ii] فرحانة طيب صديقي: نازك الملائكة وآثارها الأدبية والشعرية، ص،21
[iii] المصدر السابق: ص،63
[iv] د. بدوي طبانة: أدب المرأة العراقية في القرن العشرين، ص، 99
المراجع والمصادر:
- حياة شرارة: صفحات من حياة نازك الملائكة، رياض الريس للكتب والنشر، المملكة المتحدة، عام 1994م
- فرحانة طيب صديقي: نازك الملائكة وآثارها الأدبية والشعرية، غد ورد بوكس، نيو دلهي عام 2002م
- د. عبد الرضا علي: نازك الملائكة ، دراسة ومختارات، الطبعةالأولى، بغداد، دار الشئون الثقافية العامة، عام 1987م
- عبد المعين الملوحي: الأدب في خدمةالمجتمع ودراسات أخرى،منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق عام 1980م
- ماجد أحمد السامراي: نازك الملائكة، الموجعة القلقة، بغداد، دار الحرية للطباعة، عام 1975
- نازك الملائكة: التجزيئة في المجتمع العربي، الطبعة الثانية، بيروت، دار العلم للملايين، عام 1980م
- نازك الملائكة: ماسأة الحياة وأغنية للإنسان، دار العودة، بيروت، عام 1986م
- نازك الملائكة : الشمس التي وراء القمة، ( قصص قصيرة) المجلس الأعلى للثقافة، عام 1997م
- يوسف عز الدين: شعراء العراق في القرن العشرين، بغداد ،مطبعة أسعد، عام 1969م