يا الطيّب
صلاتك في الكواكب جمرة عشبية الكلمات
في تكبيرها لله تركض للتحوّل تربة السودان
يا الطيّب
حروفك موجةٌ وحشية الاحلام
تمنح نفسها لعواصف الانسان
تربكنا
وترتبك الغرابة في تجولها
وراء حديقة المعنى وباب الرمز
ترقص كالنواعير الصبية في جراح ألان
هل تذكر
تكلمنا عن (الزين) الذي في العرس
فرّح قريةً، بالحب لوّنها ولم تفرح به الألوان
عن (مريود)
عن تطوافه السرّي بين الصبح والظلمات
عن إعشاب ليل العصر،
عن سرٍ يجاهر بالعواطف
هل ترى في الأفق غير مساحةٍ خضراء؟
هل في الماء أسئلة لطفلٍ عاشر الأنواء؟
هل تذكر
نهارات الجماعة أصلها فردٌ
وصبح الارض لا ينمو بدون مشاعر الأكوان
يا الطيّب
تحدثنا عن السودان
عن صوفية الأطياف
عن قاف الحروف وعن صدى جلسات من عشقوا
وعاشوا كالندى في حافة الأوراق واندلقوا
هل تذكر
تمر على ضفاف النيم
تسأل عن طفولتك المراقة
عن رفاقك في شقاوتهم
وعن دربٍ تكسر ناسه وشواهم النسيان
يا الطيب
قرأنا في عيونك
في تجاعيد الكلام وحرقة البسمة
خرائط أول الهجرات
عن فتوى اختيار البرق للمنفى
وما تعني علاقات السواد مع البياض
وكيف لنا اكتشاف الذات والأخر
وكيف نرى الى أحلامنا في ظلعنا الناخر
يا الطيّب
أقول وأنت تتركنا على برٍ كأن البحر
كنت لنا
بريد القول بين عواصم الدنيا
كنت لنا مواسم هجرة الآتين من تاريخنا الكوني
مشتاقين للفعل المغاير
للتوغل في أقاليم الغرابة
نركب الغيمات من دارٍ الى اخرى
ونفتح للتسامح بابه الممتد من ابنوسة الدنيا
الى ارضٍ تحرّك أهلها في اخر الجوزاء
يا نيلا نما من دبة الفقراء
يحمل في الفضاء دفاتر شقشقات النيل
يا أسطورة السودان
كاللحن الطري تغادر الدنيا
وتتركنا نرى أثارك الخضراء
بين عواصم العالم
لماذا نلتقي يوما ويصفعنا البعاد على مدى أعوام؟
لماذا نزرع التاريخ في أحلام تربتنا
ويخلعنا صدى الماضي؟
لماذا...
دبة الفقراء بين الاسم والمعنى
تراك... تراك يا الطيب
جميلا مثل ضحك النيل
وقت حصاد من زرعوا
سنابل بذرة الانسان
يا الطيّب
إذا ذكروا لنا السودان
شاهدناك ممتلئا بوعد حين يزف خطوته
الى تفاحة الصحراء
إذا ذكروا لنا السودان
شاهدناك مشتغلا
كأن البرق يخرج عن رزانته
ويبدأ في زراعة غابة الإلحان
إذا ذكروا لنا السودان
قلنا الصالح الطيب:
هو السودان.
شاعر من البحرين
يقف الشاعر في هذه القصيدة على فجائعية رحيل الكاتب الكبير الطيب صالح، مستعيدا جزءا من تفاصيل علاقة لا تنمحي حيث ينبلج الكاتب الكبير من تربة الوطن الذي حمله في متخيل نصوصه وفي ألق الكينونة الحبلى.
الطيب صالح