تبلور الشاعرة الإماراتية في قصائدها التي ننشرها هنا مقولة التشظي بنية ورؤية معا عبر تأكيد الانتماء المطلق لعوالم القصيدة التي لا تخلو من حس بصري يعمق من لعبة الدوال في اللغة الشعرية، ويكشف عن تبايناتها.

قصائد

ميسون صقر

1ـ العَوَاصِفُ فِي الدِّمَاءِ
مَنْ لَنَا
مِنْ كُلِّ لَيْلٍ
إِلَى كُلِّ يَوْمٍ
نَصْحُو
ونُغَرِّدُ
غيرهُ، الشِّعرُ
يُنَاوِلُنَا صَوْتَنَا
فَنَنَامُ فِيهِ
عَائِدِينَ إِلَى زَمْجَرَةِ الرِّيحِ، وَالعَوَاصِفِ فِي الدِّمَاءِ
وَاضِعِينَ أَيْدِينَا،
أَكُفَّنَا التي ارْتَشَحَ فِيَها البُكَاءُ عَلَى زُجَاجِ نَافِذَةٍ غَائِصَةٍ
نُطِلُّ مِنْهَا عَلَيْنَا
وَنُصِيبُ بَعْضَ أَحْزَانِنَا
بِسِهَامِ اللُّغَةِ.

2 ـ فِضَّةُ الأَسْلاَفِ
مِنْ "عَدَنَ" إلى "أَصِيلَةَ" مُرُورًا "بالقَيْرَوانِ"
تَنْشَقُّ يَداي عِنْ فِضَّةِ الأَسْلاَفِ وَقَهْوَةِ البَهْوِ فِي الفَنَادِقِ
مِنْ عَالَمٍ مَمْزُوِجٍ بَخِلِيطِ الأَسَاطِيرِ الطَّازَجَةِ
إِلَى "الأَنْبَاطِ" بِتَارِيخِهِمْ فِي مَدِينَةِ "رمّْ"
وَمِنَ المَاسِ فِي نَهْرِ النِّيلِ
إلَى قُلوبِ البَحَّارِينَ فِي الخَلِيجِ
إلَى لُؤْلُؤَةٍ دَاخِلَ صُنْدُوقِ الشَّخْصِ
أَبْحَثُ عَنْهَا
هَكَذَا تَمُرُّ الحَيَاةُ دُونَ اكْتِرَاثٍ.
وَحِينَ أسْقُطُ مِنْ "بَيْرُوتَ" إِلَى الجَنُوبِ
عِنْدَ "بَوَّابَةِ فَاطِمَةَ"
يَسِيلُ الدَّمُ مِنَ الجِهَاتِ
يَصِلُ إِلَى "الحَمْرَاءِ".
الوَرْدَةُ تَنْدَفِعُ فَتَمُرُّ انْتِكَاسَاتُ كِيانِي فِي حَجَرٍ
أَرْمِيهِ عِنْدَ الحُدُودِ الفَاصِلةِ وَأَرْمِي عَجْزِي
وَأَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الطُّرقِ التي نَسِيرُ فِيَها
سَتَصِلُ بِنَا حَتْمًا إِليْهَا ـ بَوَّابَة فَاطِمَةَ ـ
كَفَاصِلٍ حَقِيقِيٍّ في مَوَاقِفنَا التي سَنَمُرُّ عَلَيْهَا مِئَاتِ المَرَّاتِ مُذَبْذَبِينَ
قَبْلَ أَنْ نَأخُذَ حَجَرًا نرميه بِقُوَّةِ المَاضِي عَبْرَهَا.

3 ـ تَحْتَ ظِلِّ خَيْمَةٍ
مَرَرْتُ عَلَى صَخْرةٍ
تَوَسَّدْتُهَا وَنِمْتُ
صَحَوْتُ عَلَى شَمْسٍ
وَذَهَبْتُ إلى نَهْرٍ يَغْسِلُني
إِنَّهُ ليسَ دَفْقًا
أَسْمَيْتُهُ النُّهَيْرَ، وَضِعْتُ فيهِ
سَكَنَتْ قَدَمَاي عُمْقَهُ
لكنَّ جَسَدِي لَمْ يَرْتَوِ
رَكَضْتُ وَغُصْتُ فيهِ
غَرقْتُ وَلَمْ أكتملْ بِهِ
اختبأتُ في خَيْمَةٍ
كَأَنَّ غَيْمَةً مَرَّتْ فَوْقِي
خَرَجْتُ وَنَدَهْتُ
يَا الله
الكَوْنُ وَاسِعٌ
وَأَنَا وَحْدِي هُنَا
أَخْتَبئُ تَحْتَ ظِلِّ خَيْمَةٍ مُهْتَرئَةٍ
فَكَيْفَ لِي أَنْ أَخْتَبِئَ تَحْتَ ظِلِّ خَيْمَةٍ مُهْتَرِئَةٍ فِي الضَّيَاعِ
حَتَّى الصَّبَاحِ؟.

4 ـ هَلْ كَانَ بُوذَا؟
يَوْمَ ذَهَبْتَ،
لاَ شَيءَ حَرَّكَ الكَوْنَ
العَافِيَةُ سَرَتْ فِي الطَّرِيقِ
وَأَتَيْتَ
المَلاَئَكِةُ تَحُفُّ حَوْلكَ
وَالصَّمْتُ.
يَوْمَ أَتيْتَ
لاَ جَرَسَ يُقْرَعُ فَنَسْمَعُهُ
لاَ صَوْتَ مُقْرِئٍ يَسْلِبُ اللُّبَّ
وَلاَ آَذَانَ
لاَ شَيْءَ سِوَى حَفِيفٍ خَفِيفٍ للشَّجَرِ
وَخَيْطِ نُورٍ.
كُنْتَ فِي الصَّحْرَاء تَسِيرُ
حَافيًا
كُنْتَ فِي البَحْرِ تَغُوصُ
خَفِيفًا
كُنْتَ وَحْدَكَ فِي الحَيَاةِ
نَرَاكَ مِنْ بَعِيدٍ، نُشِيرُ إِلَيْكَ:
ـ إنَّه هُوَ، هُوَ
لا تلتفتُ إِلَيْنَا
لاَ تَسْمَعُنَا.
إِنَّكَ هُنَاكَ
وَنَحْنُ هُنَا فِي هَذَا العَالَمِ السَّاكِنِ
نَطْمَئِنُّ لِوُجُودِكَ البَعِيدِ.
هَلْ كَانَ بُوذَا مَنْ يَمْشِي هُنَاكَ؟
هَلْ كَانَ غَاندي؟
هَلْ كَانَ شَخْصًا عَادِيًّا
مَرَّ بِهُدُوءٍ
حَمَلَ العَالَمَ في يَدٍ صَغِيَرةٍ
سَارَ مْثَلمَا نَرَاهُ
ثُمَّ اسْتَدَارَ
ابْتَسَمَ
وَرَحَلَ؟

شاعرة من الإمارات