عن مسرح المستقبل، ما يكتبه الدراماتورج المغربي في اليوم العالمي للمسرح، والذي خلده العالم في صمت، ولم تدق الدقات الثلاث. ولأن الحدث يرخي بظلاله على العالم بأسره، ولأن العالم ما بعد كورونا لن يكون كما سبقه، يكتب المسرحي بصوته على الخشبة مؤشرا على ضرورة أن نعي اللحظة بكل حمولاتها في قدرتها على استبصارنا للطريق الإبداعي القادم، أن تكون السبيل لإعادة النظر فيما كتبناه وقدمناه، وأن نؤسس للحظة المستقبل.

المسرح في زمن الكورونا

ابراهيم الهنائي

 

"أريدكم أن تعرفوا شيئا واحدا…نسيت تماما مراسيم الجنازة، نسيتها تماما…لم أعد أتذكر سوى الخيول. كم كانت جميلة وعنيفة وهي تقف كالرجال

هوم

لتوني موريسون

من أجمل ما كتبه غابرييل غارسيا ماركيز رواية: ” الحب في زمن الكوليرا

من أجمل ما كتبت مارغريت دوراس مؤلفها: ” هيروشيما يا حبي

من أقوى التجارب المسرحية اشتغال سوزان سونتاغ على رائعة بيكيت: في انتظار غودو. مع مجموعة من الممثلين سنة 1993 في ساراييفو. حيث كانت الفرقة تتدرب ثم عرضت على ضوء الشموع.

من هنا، هل سيحرمنا الوباء أن نحتفل بالمسرح وبيومه العالمي هذه السنة (2020)؟ بالطبع لا. أكيد أن للاحتفال نكهة مريرة ولكننا سنحتفل.

سنحتفل كما احتفل ممثلوا مسرحية بيكيت في ساراييفو

سنحتفل كما عاش بطلا دوراس في هيروشيما حبهما العنيف في بلدة لم يبق منها إلا الإسم أو كاد يندثر

سنحتفل كما احتفل عجوزا ماركيز بحبهما بعد أزيد من خمسين سنة

أن نحتفل لا يعني أننا حمقى بالتفاؤل ولأننا ندير ظهرنا للواقع المأساوي اليومي الذي يشهد حصاد مئات الأرواح كل يوم

أن نحتفل يعني أن نقول أن المسرح سيكون لكي نكون ويكون. تلكم هي المعادلة الأساس.

الآن والموت يجلجل لا مباليا في كل ربوع المعمور نوقن أن المسرح سيبقى منتصب القامة لا يساوم ولا يساوم. يموت المسرحيون وتندثر الأعمال مهما كانت خالدة لكن المسرح يبقى كل يوم يبعث. لأنه اليوم وأكثر من أي وقت مضى هو الترياق والضرورة الملحة لحفدة ديونيزوس وعاشقيه. إنه الصيحة والجسم الذي يصيح جسم حي يقاوم الموت

فكما لا نموت فوق المسرح لا نموت بالمسرح. هو المنزلة بين المنزلتين. هو الجسر بين طرفي المعادلة الهامليتية : أن نكون أو لا نكون.

ونحن اخترنا أن نكون رغم أنف الوباء.

يقول آنطونان آرطو :

يستيقظ المسرح وإذا كل أصوات الطاعون والأوبئة القادمة من الشرق تتراجع أمامه

المسرح يقول للإنسان: لست وحدك. فكلما تلفظ الممثل فوق الركح إلا وتغلب على الصمت والموت. إنه الممثل/القربان الذي يذبح كل ليلة لكي لا تتوقف الحياة. فهو الجسد المنصهر في كلامه كما انصهار المسيح فوق صليبه. لا فرق بين المصلوب والصليب

ها هي المسارح تغلق. لكن هذا لا يعني توقف المسرح. فكل الأعمال المكتوبة والمعروضة لا تتحدث إلا عن شيء واحد: المسرح. المسرح في كينونته والذي نشعر الآن بضرورته في زمن الموت المتعجرف. مسرح آخر. لا المسرح الطحلبي الذي يطفو فوق الماء في غياب جذور تغذيه والذي يرمي به التاريخ سريعا بعد انتهاء موسم في سلة المهملات. مسرح الآن /الغد مسرح سيحمل الكارثة في ذاكرته لكي لا ننسى. نحتاج اليوم مسرحا لا يتجاوزه الحدث بقدر ما يساهم هو بطريقته في صنع الحدث والتنبؤ به. مسرح يقف في مواجهة المستحيل.

هذا هو المسرح الذي نحتفل اليوم بعيد ميلاده. مسرح وكما يقول آنطونان آرطو, يحمل في داخله وكما الطاعون شمسا غريبة لها قوة جبارة تجعل الصعب والمستحيل في الإمكان.

يحاصرنا الوباء فنرى الآن الأقنعة تسقط عن الأقنعة وبدأ الواقع يتجاوز حدود المحتمل. وللمسرح صدر رحب.

ونتساءل:

كيف يمكن للمسرح أن يعبر عن هذا الحدث/ المهول ؟

هل سنعود لنفس الممارسات “الفنية” ونتعامل بنفس المقاييس؟

أي لغة هي لغة مسرح اليوم/الغد؟

أي نصوص سنكتب وأي أعمال سنقدم؟

مسرح اليوم/الغد يحمل على عاتقه أن يرينا القمر لا الأصبع الذي يشير للقمر. عليه أن يقول الذي يصعب الآن قوله.

هذا هو المسرح الذي نريد. هذا هو المسرح الذي نحتفل اليوم بعيد ولادته الجديدة...

 

دراماتورج من المغرب

الهيئة العربية للمسرح