أيام فقط قبل إيقاف جميع الأنشطة الثقافية والفنية، نظمت أيام الشارقة المسرحية في دورتها الثلاثين، دورة اختارت الاحتفاء بالعروض المسرحية الإمارتية الجديدة، ضمن مسابقة أفضت الى التنويه بالتطور الملحوظ في توظيف تقنيات المسرح الى جانب ظهور وبروز جيل من الشباب بدأ يعطون نفسا خاصا للحركة المسرحية الامارتية، هنا تقرير مفصل حول الايام والتي شهدت فعاليات فكرية وندوات تطبيقية وورش ولقاءات.

أيام الشارقة المسرحية

 

جوائز أيام الشارقة المسرحية ال30

تألفت لجنة تحكيم مهرجان أيام الشارقة المسرحية في دورتها ال30: من المخرج الأردني محمد الضمور رئيسا، الفنانة التونسية زهيرة بن عمار عضوا، الفنان الإماراتي وليد الزعابي عضوا، الفنان المغربي أمين ناسور عضوا، والفنان الدكتور جبار جودي من العراق عضوا ومقررا. وأصدرت اللجنة في ختام المهرجان بيانا جاء فيه: "ها هي الدورة الثلاثون لمهرجان أيام الشارقة المسرحية تصل الى ختامها، إذ أقيمت برعاية الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة راعي المسرح في الوطن العربي الكبير، والذي يُضيّف المسرحيين العرب في كل عام بمختلف الفعاليات المسرحية المائزة.
شهدت هذه الدورة، وعلى مدار سبعة أيام، العديد من العروض المسرحية من مختلف إمارات الدولة الأصيلة التي وضعت لجنة التحكيم في مكان صعب لفرز ممكنات هذه العروض... وقد لمست هذه اللجنة تفوقا وألقا في العديد من العروض المقدمة في المسابقة الرسمية، إضافة للعروض المشتركة في المسار الموازي في عروض مسرح الإمارات، وعاصمة هذا المسرح شارقة المبدعين من أبناء الدولة أو المقيمين العرب والأجانب، فكلٌ سواء بما لمسناه من حُسن التنظيم وحُسن الضيافة، كذلك البرامج المصاحبة لأيام الشارقة المسرحية ومنها المؤتمر الفكري للمهرجان، وبرنامج أوائل المسرح العربي المتميز، وأيضاّ الندوات النقدية المهمة التي عقدت بعد العروض.

وبعد العديد من اجتماعات اللجنة المباشرة في نهاية كل عرض، وتلك التي عقدت لاحقا ولساعات عمل جاد ودؤوب ومتواصل، حاولت هذه اللجنة توخي الدقة والتزام الجانب المهني الاحترافي بشكل متكامل في التوصل إلى إنصاف المبدعين من خلال الاستحقاق الحقيقي، بعيدا عن المجاملة والمحاباة".
وأعلت لجنة التحكيم في نهاية بيانها عن جوائز المهرجان على النحو الآتي:

جائزة أفضل ماكياج: نصرة المعمري عن مسرحية "ليلة مقتل العنكبوت".

جائزة أفضل أزياء: حسن رجب عن مسرحية "أشياء لاتصلح للاستهلاك الآدمي".

جائزة أفضل إضاءة: حميد العسيري عن مسرحية "ليلة مقتل العنكبوت".

جائزة أفضل ديكور: وليد عمران عن مسرحية "سمفونية الموت والحياة".

جائزة أفضل مؤثرات صوتية وموسيقية: ابراهيم الأميري عن مسرحية "سمفونية الموت والحياة".

جائزة أفضل ممثلة واعدة: سارة حيدر المازمي عن دورها في "مسرحية ليلة مقتل العنكبوت".

جائزة أفضل ممثل واعد: عبدالله خالد المهيري عن دوره في مسرحية "أشياء لا تصلح للاستهلاك الأدمي".

جائزة أفضل ممثلة دور ثانٍ: نساء حيدر المازمي عن دورها في مسرحية "ليلة مقتل العنكبوت".

جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ: محمود القطان عن دوره في مسرحية "أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي".
جائزة أفضل ممثلة دور أول: ريم الفيصل عن دورها في مسرحية "أين عقلي يا قلب".
جائزة أفضل ممثل دور أول: حميد فارس عن دوره في مسرحية "ليلة مقتل العنكبوت".
جائزة الفنان المسرحي المتميز من غير أبناء الدولة: الفنان الأردني أحمد العمري عن دوره في مسرحية "سمفونية الحياة والموت".

جائزة لجنة التحكيم الخاصة: إلهام محمد عن إخراجها لمسرحية "ليلة مقتل العنكبوت".

جائزة أفضل تأليف: اسماعيل عبدالله عن مسرحية "سمفونية الموت والحياة".

جائزة أفضل إخراج: محمد العامري عن إخراجه لمسرحية "سمفونية الموت والحياة".

جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل فنيا: مسرحية "سمفونية الموت والحياة" للمخرج محمد العامري.

واختتمت في الشارقة الجمعة 6 مارس/آذار الجاري فعاليات الدورة 30 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية بحضور الشيخ عبدالله بن سالم بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة.

وشهدت الدورة 13 عرضا مسرحيا هي: "صبح ومسا" تأليف وإخراج حافظ أمان لفرقة مسرح دبي الأهلي، "أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي" تأليف علي جمال وإخراج حسن رجب لفرقة المسرح الحديث بالشارقة، "أين عقلي يا قلبي" تأليف عثمان الشطي وإخراج أحمد الأنصاري لفرقة جمعية كلباء للمسرح، "حارس النور" تأليف عبدالله صالح وإخراج علي جمال لفرقة مسرح دبي الوطني، "لمس المواجع" تأليف حميد فارس وإخراج مبارك خميس لفرقة مسرح رأس الخيمة الوطني، "ليلة مقتل العنكبوت" تأليف إسماعيل عبدالله وإخراج إلهام محمد لفرقة مسرح خورفكان للفنون، "الرحمة" تأليف عبدالأمير شمخي وإخراج عبيد الهرش لفرقة مسرح الفجيرة، "سمرة" تأليف وإخراج مرعي الحليان لفرقة مسرح بني ياس، "بكاء العربي" إعداد وإخراج مهند كريم لفرقة مسرح دبا الحصن، "سيمفونية الموت والحياة" تأليف إسماعيل عبدالله وإخراج محمد العامري لفرقة مسرح الشارقة الوطني، ومسرحية "جي بي إس" تأليف وإخراج محمد شرشال للمسرح الوطني في الجزائر، التي جرى عرضها في الافتتاح.

وتنافست ٧ عروض مسرحية إماراتية في المسابقة الرسمية للمهرجان هي "أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي"، "أين عقلي يا قلبي"، "حارس النور"، "ليلة مقتل العنكبوت"، "سمرة"، "بكاء العربي"، و"سيمفونية الموت والحياة".

كما شارك في هذه الدورة أكثر من مائتي مسرحي وناقد وأكاديمي من دول عربية عديدة، منها مصر، الإمارات، العراق، الأردن، الجزائر، تونس، سوريا، المغرب، ولبنان.

وكان المهرجان قد انطلق المهرجان مساء السبت 29 فبراير/شباط الماضي، بحضور الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وعبدالله محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، وأحمد بورحيمة، مدير إدارة المسرح، ومدير المهرجان، وحشد من المسرحيين المشاركين. وسلّم الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، في الافتتاح، المخرج الجزائري محمد شرشال جائزة الشيخ القاسمي عن عرض مسرحية "جي. بي. أس" للمسرح الوطني في الجزائر، وهي المسرحية الفائزة بجائزة الشيخ القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي في الدورة الثانية عشرة من مهرجان المسرح العربي، التي نظتمها الهيئة العربية للمسرح في العاصمة الأردنية عمّان في يناير/ كانون الثاني الماضي.

البرنامج الثقافي المصاحب: حفل البرنامج الثقافي المصاحب للمهرجان بالعديد من الأنشطة أبرزها الملتقى الفكري الذي جاء هذه السنة تحت عنوان "المسرح والبحث الأكاديمي اليوم: الإشراقات والإشكاليات"، بمشاركة نخبة من الباحثين العرب، و"ملتقى الشارقة التاسع لأوائل المسرح العربي الذي شهد مشاركة 13 طالبا وطالبة من معاهد وكليات المسرح العربية.

كما عُقدت أربع ندوات تحت عناوين: "الإخراج المسرحي وهندسة صالة المتفرجين"، "الإبداع والصنعة: الكتابة تحت الطلب"، "تسويق الإنتاج المسرحي العربي: أين الخلل"، و"في عصر الإعلام الجديد: أي نجومية يحققها المسرح؟".

 

حفل الافتتاح تكريم للرواد وعرض "جي بي أس" المتوج بجائزة القاسمي

تعتبر أيام الشارقة المسرحية، وهي تظاهرة مسرحية ثقافية تقام سنوياً، محطة فنية سنوية لتتويج العروض المسرحية الإماراتية. لكن الدورة الحالية، والتي احتضن قصر الثقافة في الشارقة السبت 29 فبراير الماضي، حفلها الافتتاحي، تشكل دورة استثنائيا بحكم إطفائها لشمعتها الثلاثين. ضيوف من مختلف الدول العربية، ووجوه فنية ومسرحية عايشت أيام الشارقة المسرحية، والتي اختارت أن تكرم في دورتها الحالية، المؤلف والمنتج المسرحي والتلفزيوني الإماراتي سلطان النيادي (مواليد العين 1964) بوصفه «الشخصية المحلية المكرمة»، تقديراً من الأيام لمسيرته الفنية الخصبة، واحتفاء أيضا بمنجزه الفني والإداري في المجالين المسرحي والتلفزيوني. وبتوجيهات من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أطلقت جائزة الشارقة للإبداع المسرحي. دعما للجهود المسرحية العربية، واحتفاء بأسماء الرواد، وهكذا اختارت لجنة الجائزة هذه السنة 2020، الفنانين القديرين صالح زعل وسعود الدرمكي من سلطنة عمان، تقديرا لمسارهما الفني.

الفنان الاماراتي النيادي، من مؤسسي مسرح العين الشعبي، وهو مؤلف وممثل، إلى جانب كونه منتجاً ومديراً مسرحياً، كتب العديد من المسلسلات التلفزيونية، (طماشة، "من الثاني إلى السادس"، دروب المطايا/2009 وزمن طناف/2010، ومكان في القلب/2016،..) وقام بالتمثيل في معظم هذه الأعمال التي أنتجها أيضاً. مسرحيا شارك بالتمثيل في الأعمال المؤسسة لمسرح العين، مثل «للكبار مع التحية»، و«طارش والعنود»، كما كتب مسرحيات عدة، منها صرخة ميثاء، والفزعة.

ونظرا لظروفه الصحية، فقد وجه الفنان النيادي رسالة مسجلة مؤثرة لضيوف المهرجان، وتسلم ابنه درع التكريم، في حفل افتتاح اختار أن يختصر الكلام ويفسح للمسرح لغة العرض، حق إعلان الأيام، أيام الفرجة المسرحية والتي ستتواصل خلال الأيام الست القادمة.

"سمفونية الموت والحياة" لمسرح الشارقة الوطني، "لمس المواجع" لمسرح رأس الخيمة الوطني، "سمرة" لمسرح ياس، "حارس النور" لمسرح دبي الوطني، "أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي" للمسرح الحديث بالشارقة، "الرحمة" لمسرح الفجيرة، "أين عقلي يا قلب" لمسرح كلباء للفنون الشعبية والمسرح، "بكاء العربي" لمسرح دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح، "صبح ومسا" لمسرح دبي الأهلي، "ليلة مقتل العنكبوت" لمسرح خورفكان للفنون، الى جانب تقديم العمل الفائز بجائزة أفضل عرض في الدورة التاسعة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، "لير ملك النحاتين" و"مأساة الحجاج".

هذا الى جانب تنظيم ندوات تطبيقية للعروض المسرحية المقدمة، الى جانب الندوات الفكرية المصاحبة واللقاءات والحوارات المفتوحة. وتشهد قاعة، بإقامة الضيوف المشاركين، تنظيم الملتقى الفكري حول موضوع المسرح والبحث الاكاديمي اليوم، وكيف أثر التطور التكنولوجي في حركة البحث المسرحي الاكاديمي؟ والإخراج والسينوغرافيا في المسرح المعاصر، الى جانب احتفاء الأيام بأوائل المسرح العربي، من المتميزين من طالبات وطلاب معاهد وكليات المسرح في الوطن العربي. وتنبع إرادة المنظمين في خلق فضاء للتفاعل، بين المسرحيين العرب وإخوانهم الإماراتيين. وانطلقت الدورة الأولى لأيام الشارقة المسرحية، في 10 مارس 1984 واستمرت منذ ذلك الحين الى دورتها الحالية ال30، وكان لها تأثير إيجابي على الحراك المسرحي الاماراتي، أفضى الى ظهور تجارب جديدة من الشباب المسرحي الإمارتي.

 

جي بي إس: جرأة جمالية

وكان لجمهور حفل افتتاح الأيام المسرحية، مناسبة ضافية لمشاهدة العرض المسرحي الجزائري «جي بي آس» للمخرج محمد شرشال وإنتاج المسرح الوطني الجزائري، وهو العرض الذي توج بجائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي لسنة 2019، وهي الجائزة الأولى التي يتحصل عليها المسرح الجزائري منذ إحداثها سنة 2012، وألت إليه في الدورة الثانية عشرة لمهرجان المسرح العربي الذي أقيم بالعاصمة الأردنية عمان من 10 إلى 16 يناير 2020. المخرج الجزائري المسرحي محمد شرشال، والذي يعتبر كاتبا للسيناريو الى جانب انشغاله المسرحي، وضعت بصمته في المشهد المسرحي الجزائري، من خلال تقديمه للعديد من الأعمال، مسرحية بيت النار، ميلوديا، الهايشة، البركان، ما بقات هدرة.. هذا الى جانب أعماله التلفزيونية.

ويبدو أن شرشال، قد خالف توقعات المتتبعين للمسرح الجزائري ورواده، حينما اختار أن يسلك طريقا ثانيا، فيه الكثير من الجرأة الجمالية واختيارات إخراجية، قليلا من تحضر في التجربة المسرحية في الجزائر. فرجة مسرحية اعتمدت نصا حركيا، لا مقول حواري، وتقنيات تستمد من مجالات السينما والمسرح، حيث قوة الجانب البصري وحركة إيماءات أجساد الممثلين. مسرحية "جي بي أس"، راهنت على فكرة الانتظار المر، لكن من خلال مستويين، مستوى أول لا يبتعد كثيرا عن الثاني، من خلال التركيز على فكرة المسرح، والرغبة في الكتابة. هل يمكن اختيار كتابة نص على الورق، أم الاكتفاء بأجساد قادرة على استيلاب القول، وترجمة المقول الداخلي الأبلغ بالتعبير عنه ركحيا؟؟؟

اختيار فعل النحت، تشكيل مجسم أقرب الى السينوغرافية، وأقرب الى فضاءات التمسرح. لكن لا قدرة للنحات، وهو هنا كدراماتورج، أن يتحكم كليا في منحوتاته. وعبور هؤلاء الى فعل الأنسنة، من خلال مقاومة إرادة التحكم، لا ينفي أن كلاهما لا يستطيع أن يقرر فعل الاختيار، وتحديد مصيره. ينتقل المخرج في لحظة ثانية، الى الولادة، وهذه المرة في اختيار واعي للرحم/ بؤرة الميلاد والحياة. ستة كائنات مندمجة فيما بينها، حتى الوحيد الذي استطاع أن يلامس الوجوه، بهوية محددة، لم يستطع. النظام أقوى في حركة ضبط العالم. كائنات بدون ملامح، تبحث عن وجوهها، وأقنعة بديلة قادرة على تحديد مساحات اللعب، وأدوار وظيفية ثانية. لتأتي لحظة ثالثة وصراع ثنائي وثلاثي وجماعي، في محطة انتظار، عبثية، غير مهمة. مادام الزمن في مقابل إرادة الإنسان، الذي أمسى أقرب الى مسخ كافكا.

لذلك يعبر القطار المحطة، والجميع ينتظر دون جدوى، حين تأتي مرحلة شيخوختهم، يظلون يمارسون نفس الفعل، وكأن بداهة الأشياء اليومية وعبثية ما يعيشه الإنسان، وعدم قدرته على فرض اختياراته، تكاد تكون اللوحة المتصلة، لمشاهد ثلاث منفصلة، وبديكور متحرك، بما فيه الممثلون والذين أمسوا جزء، وفي الكثير من لحظات العرض، من سينوغرافيا ملموسة وأخرى متخيلة، يتحسسها المتفرج في أصواتهم وإيماءاتهم وبياضات الصمت.

لقد سبق ووصفت لجنة التحكيم مسرحية "جي بي إس"بأنها ّ"تحفة بصرية أخّاذة إلى أبعد الحدود"، على اعتبار ما اقترحته من كتابة إخراجية بصرية. تعكس القدرة على استدعاء عناصر حوار جديدة، لغة بصرية، تعتمد الجسد. والذي أمسى حامل مكان النص الدرامي، وحامل لرؤى المخرج في كتابته الثانية المتحققة على الخشبة.

 

مجلة الكلمة (الشارقة)