تقدم الكاتبة المصرية هنا عرضا لأفكار وآراء الشاعر كما دونها في كتابه، وقد آثرت أن تعرض الكثير من تصوراته عن الشعر ودوره في حياة الإنسان وحياة المجتمع الذي يعيش فيه، كي تغني القارئ ربما عن العودة للكتاب، بدلا من تحليل النص أو اتخاذ أي موقف نقدي منه.

أن تكون إنسانا

قراءه في كتاب الشاعر فتحي عبد السميع «الشاعر والطفل والحجر»

فاطمة الحصي

 

فليسمح لي الشاعر فتحي عبد السميع أن أستعير منه تعبير "أكتبُ وفق مفهوم البركة " فقد تلقفتُ -متأخرة- كتابه البديع الشاعر والطفل والحجر) بالصدفة من إحدى مكتبات هيئة الكتاب بوسط البلد، وغلبتني رغبتي في الكتابة حول محتواه؛ وكما يقول المثل الفرنسي أن تأتي متأخرا خيرُ من ألا تأتي. عشتُ مع هذا الكتاب أياما؛ قرأته في صمتٍ مره و بصوتٍ عالٍ مرة أخرى لأولادي، هذا الكتاب الصادر ضمن سلسلة سير ذاتيه من مكتبة الهيئة العامة للكتاب؛ ولولعي بالسير الذاتية واعجابي بقصائد شعريه نثريه قرأتها من قبلُ لكاتبه الذي لم أقابله بعد، لذلك منيتُ نفسي بوجبةٍ دسمةٍ حول سيرت ، والحق أن الشاعر لم يخيب ظني فقد غنمتُ بكتابٍ فكري من الطراز الرفيع ليس فقط مجرد سيرة ذاتية، ولكنه تجاوز ذلك بمراحل، فالكتاب عباره عن تحليل للذات الإنسانية عبر أفكار فلسفيه مكتوبه على شكل قصائد نثريه متتالية ومتواصلة تُعبر عن العشق لعالم الشعر والشاعر والقصيدة .

المؤلٍف هو الشاعر المصري فتحي عبد السميع، حائز على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية، له مقال أسبوعي بجريدة القاهرة يحمل عنوان "رفرفة الحجر"؛ صدر له "الخيط في يدي"، تقطيبة المحارب، خازنة الماء، فراشة في الدخان، تمثال رملي، الموتى يقفزون من النافذة، الجميلة والمقدس، القربان البديل، الشاعر والطفل والحجر، أحد عشر ظلا لحجر."

الشاعر والطفل والحجر:

كتب الكاتب كتابه بلغةٍ علميهٍ بامتياز؛ ولكن بلسانٍ شعري ممتع قراءةً وفكرا، أحاطه بشجيراتٍ من لوحاتٍ تشكيليه بديعة من صُنع قلمه الشعري، ومشاهد متكاملة الأركان، يكتب فيها الكاتب بلا تكلف ظاهر ولا ادعاء معرفي خارق، يكتب بلغةٍ صادقه تستمتع فيها بجمال اللغة العربية، غزل صريح في مًلكة الشعر وفي الشاعر الجيد والقصيدة الجيدة، يطلعنا الكاتب على أهمية الشعر للإنسان وللمجتمع وللحياة الإنسانية بصفة عامة .. إلى حد اعتبار الكتاب مجموعة اسكتشات لفنان مغموس في طين هذا الوطن؛ نجد ذلك في صورة الجمل الذي يمرح في خرم إبره، وصورة عواء عامل الشادوف، وصورة الأم التي "تعدد"، وصورة المسخ ذو العين الواحدة، وصورة أستاذ اللغة العربية ورفضه لأشعار الصبي وقسوته في الإدلاء برأيه حول شعره؛ وصورة الشاعر المعطوب الرافض للتجديد؛ كلها صور تصلح للتصوير في عمل سينمائي.

الجزء الأول من الكتاب قصيدة غزل طويلة في محبة الشعر والشعراء. وفي القصيدة: حيث كل مقطع منها هو قصيده مستقله بذاتها؛ يتحدث المؤلف بلغة العاشق، يصور الصراع ما بين السفاح والفنان، البشري والإنسان، المسخ والحقيقي؛ ويميز بين الإنسان والبشري بشيء مهم وفريد وهو تلك الروح الشعرية التي يمتلكها الإنسان "الإنسان شاعرُ في المقام الأول - والشاعر الذي يحمله كل إنسان هو الخصم الحقيقي لصورتنا بوصفنا وحوشا بشريه جبارة " إلخ..

يقول الكاتب: الشعر بالنسبة لي عملاقُ مناوئ لذلك المسخ، جمال يصارع القبح على الدوام؛ الشعر بطلا مناوئا للعنف والفوضى؛ كل انحطاط ثقافي يعني فتح المجال للوحش البشري وكل رقي ثقافي يعني فتح المجال للنبل الإنساني في أزهى صوره". يتحدث الكاتب حول فلسفة الشعر، أهميته للذات الإنسانية يقول: "الشعر يرابط على جبهة خاصة ومهمة من جبهات الصراع بين قوى التدمير وقوى التعمير، والشاعر الحقيقي يعيش في حالة نضال على مستواه الفردي وعلى مستوى الجماعة وعلى مستوى الإنسانية ككل. الشعر لدى عبد السميع انفتاح على الذات بالنسبة للشاعر لكنها الذات غير المعروفة التي تشبه الأخر معتبرا أن "كل كتابه حقيقية تحمل في طياتها ميلادا جديدا لوعينا الممتد للأمام."

اذن الشعر لدى فتحي عبد السميع "غريزي في الإنسان يعمل من أجل الحفاظ على حياتنا من قوى التدمير – ويؤكد أننا بحاجة الى قدرات الشعراء بدرجة لا تقل عن حاجتنا لقدرات الأطباء"، الشعر عنده هو الحبل السُري البديل، الشعر هو الطفولة التي تظل حاضرة على الدوام وكلما تعمقت علاقتنا بالشعر كلما تعمق اتصالنا بالطبيعة؛ الشاعر طفلُ في المقام الأول"؛ "والشعر يدُ حانية تهتم بهذا الطفل".

يجيب عبد السميع في هذا الكتاب عن سؤال مهم حول أهمية الشعر فيقول "الشعر ضرورة وسيبقى ضرورة في كل وقت "-هو بوابه ملكية للخروج من السطح الى العمق من الحيوانية إلى الإنسانية من غلاف الواقع إلى متن الواقع"، الشعر عنده يعلمنا الحرية ويرسخها في أعماقنا. يحررنا من العبودية ككل ما أدركنا منها وما لم ندرك، الشعر يحارب المسوخ في العالم ويقول أيضا "حسبي من الشعر مقاومته للمسخ الذي ينمو بداخلي ولا أشعر به"؛ "الشعر يمنحني القدرة على تجاوز أو ملاعبة كل ما يحًول حياتي الى موت، كل ما يحاول النيل من طبيعتي"؛ "مع الشعر كتابة وتلقيا، نمارس الحرية بشكل أعمق، نمارس الحياه بشكل أروع وأليق بطبيعتنا الإنسانية." يقول عبد السميع "هناك أمور لا يمكنننا التعبير عنها إلا بالشعر وما لا يمكن التعبير عنه يتحول بداخلنا الى جثة". والحق أن حديثه هذا دفعني أن أشكر الله كوني بدأت كتابتي الشعرية منذ الطفولة فلا يحق لي والحمد لله التساؤل عن عدد الجثث بداخلي.

حول الشاعر يؤكد المؤلف أن عليه أن يكون عضويا فاعلا في مجتمعه الشاعر يقول: "الشاعر الحق ذهنُ متوقد وحساسية مرهفة وإمعان عمق في الحياه، يغرق في آلام جماعته وآمالها يتطلع لحياة إنسانيه نموذجيه - يتحرك كما يتحرك الحارس الأمين عند نوم الناس - يلعب في قلب البحر لا على الشاطئ؛ والشاعر طفلُ في المقام الأول - وواجب الشعر هو حراسة الطفل وإطعامه على الدوام، ولو مات ذلك الطفل نحمل داخلنا جثة".

ألم أقل لكم أن مؤلف الكتاب يرسم لنا لوحات واسكتشات تشكيلية، بل ومشاهد سينمائية، ويعرض علينا أفكارا فلسفية، ولكنه يرسمها بلغة فاتنة، وأفكار قوية، فلسفية وشعرية. وحول علاقة الشعر بعمر الشاعر يرى عبد السميع أنها علاقه غير عادية. فالشاعر مهما صغرت سنه لابد وأن يكون شيخا، ومهما كبرت سنه لابد وأن يكون طفلا ومراهقا وكهلا"، "الشاعر يكسر المسافة بين الطفل والكهل ، كلاهما يثري الاخر. وحول لحظة الكتابة يقول: "لا أفهم تلك اللحظات باعتبارها إلهاما بل هي نتيجة لعملية تبدأ بالتأمل والتساؤل والوعي الذاتي بالانفعالات، ويلعب فيها اللاشعور دورا "؛ والممارسة الشعرية هي عملية معقدة للغاية.

ميز فتحي عبد السميع بوضوحٍ تام ما بين الشاعر الجيد والشاعر المعطوب والشاعر المغامر؛ ويرى أن من مميزات الشاعر الجيد بأنه يحرر القصيدة من نفسه عبر اصغائه العميق واهتمامه البالغ وادواته المكتملة فيخرج لنا كائنا مدهشا مما يجعله يتساءل قائلا لماذا لا ننظر إلا للأدعياء المستسهلين؟ لماذا لا نحتمل المغامرين قليلا في مقابل توفير المناخ الذي ينجح في تحقيق إضافة للشاعر الحقيقي تُثري شعرنا العربي؟

ويصف الشاعر الرديء بأنه يمارس القمع على قصيدته "يقمع ويقمع حتى يخرج من بين يديه كائنا ميتا لا فتنة فيه ولا دهشة؛ أما الشاعر المعطوب فهو ذلك الذي يكره الفم الذي لا يصفق، لا يفخر بمنتقديه أكثر مما يفخر بمن يكيلون له المديح. في حين ميز الشاعر المغامر بأنه الغناء خارج السرب. فالمغامرة جزء جوهري في الشعر يؤكد هنا على كون القيمة في الإضافة وليس في الحجم.

خصوصية حالته وتجربته الخاصة:
عن تجربته الخاصة يقول :"الشعر بالنسبة لي جزء جوهري من الحياة، جزء فاتن ينفتح على كينونتي كلما اهتممتُ به قراءة أو كتابة". الشعر اذن لدى عبد السميع بمثابة علاج نفسي يقول "نقلني نقلة كبيره جعلت حياتي ثريه جدا قياسا بالمقارنة مع حياة أندادي الذين أغلقوا أبوابهم في وجه الشعر" / الشعرٌ متراسي، "يحاول استيعاب الواقع وإعادة تفسير الذات الإنسانية وفهمها فهما متجددا وعميقا"، ثم يدق جرس إنذارٍ منبها إلى أن" موت الشعر يعني موت الإنسان، فالعلم يحتاج إلى الشعر احتياجه الى العلم، وهو يشير هنا الى الشعر باعتباره يستوعب القصيدة والرواية والسينما وكل الفنون الأخرى حيث الحالة الشعرية واسعة، فالعلم رافد كبير من روافد عبقريتنا الإنسانية لكنه ليس الرافد الوحيد. وعلم بلا حكمه يعني نتيجة عكسيه تماما يعني دمارا لا عمارا ".

عن المؤثرات يحدثنا عن تأثره بشعراء الربابة ثم "عديد" الأم وعمال الخرسانة اما عواء عامل الشادوف فيحتاج من القارئ ان يلجأ الى الكتاب لقراءته. يعترف فتحي عبد السميع في هذا الكتاب بأن حياته تغيرت إلى الأفضل بفضل صداقته للشعر؛ لكنه في الوقت ذاته ينبهنا إلى ضرورة ألا أن نتخذ من الشعر تسلية لأن "الشعر أكبر من كونه إبداعا ممتعا فهو وردة وسنبلة في الوقت ذاته"؛ وينتهي إلى أن الشعر أمر ثقافي ولكنه أيضا غريزي ودليله على ذلك أن "الشعر موجود في كل الثقافات المعروفة وقدرته تتجاوز الطبقات والإيديولوجيات والعصور". يقول عبد السميع "الشعر أمر غريزي يشبه ابتسامتنا عندما نشعر بالمسرة فالابتسامة الحقيقية ليست سلوكا نتعلمه، لكنها تتداخل مع الثقافة فالثقافات تختلف حول الأمور التي تسعد الفرد وتختلف في أمر البسمات المصطنعة. فالشعر في أجسادنا يقوم بدوره بشكل غريزي وهذا الدور لا يكفي وعلينا الاهتمام به كما نهتم بعلم الطب، ولا نعتمد على الجسد لمقاومة المرض بغريزته فقط؛ لذا علينا الاهتمام بالشعر بتنمية الوعي وامتلاك القدرة على تذوقه. وهنا يتساءل لماذا تتمثل أهداف المؤسسات التعليمية في قتل الشعر باختيار نماذج توافق قدرات التلميذ أو تعبر عن وجدان وعالم الإنسان في عصر بعيد، ولماذا الشعر غريب في حياتنا!!

علاقة الكتابة بالانخراط في عمل أو وظيفه
ينصح الشاعر فتحي عبد السميع الشعراء بالدخول في معترك الحياه والوظيفة لأنها ستكون المادة الخام التي من خلالها ينسج تجربته الذاتية وبصمته الشخصية. والصراع الذي يدور بين الشاعر والموظف فيصل إلى المعادلة وهى أن الشاعر والعمل وجهان لعملة واحده، هما شقيقان متناغمان، فالموظف الذي تخلو حياته من الشعر جثة؛ والشاعر الذي تخلو حياته من العمل جثه، مادام يعيش في مناخ لا يعتبر الشعر عملا. يقدم الكاتب الحل للشعراء الذين يعانون ويريدون الانفراد بعملهم كشعراء فقط يقول: "لم أنظر إلى العمل الإنساني من خلال قيمته النفعية في وجهها المباشر فالعمل الانساني أكبر بكثير من مجرد الحصول على العائد المادي، لأن الإنسان أكبر من كونه كائنا يأكل وينام ويتناسل. العمل في ثقافتنا الشعبية أكبر من مسألة الربح المادي؛ يخلص الكاتب إلى أن الشعر مربح جدا فهو ليس مالا فقط إنه العيش في الحياة بشكل متناغم، والخروج من السجن الكبير الذي شيدناه بداخلنا، وحتى يصبح العمل ممتعا علينا دمج الشعر بالعمل ولابد من تصالح بين الشعر والعمل لينجو العالم من الشقاء. قارئ الشعر شاعر بل ان الشاعر يغار من القارئ، ويوجه عبد السميع نصيحته لشباب الشعراء قائلا: "واصل طفولتك أيها الشاعر وازرع المحبة في العالم! كن نصيرا للعقلانية المرنة وعدوا للمنطق الحسابي ، قم لتنقذ طفولة العالم لزرع الطفولة في أحداق الكهول والشيوخ".

يرى الكاتب أن الشاعر لن يفقد دوره التنويري أبدا، لأن مفهوم الشعر نفسه يتجدد ويتسع بفضل حوار الشاعر مع الواقع، فالشعر ليس شيئا معلبا بل هو كائن حي ينمو بنمو الإنسان حضاريا، ويتفاعل مع تحدياته الجديدة، ولاشك أن صورة الشاعر الآن تعبر عن كائن هامشي مهجور ومنبوذ، لكن الوضع الإنساني المأزوم ـ رغم التقدم العلمي والتقني ـ يكشف عن حاجتنا الكبيرة للشعر، كما أن الشعراء الجادين يبذلون جهودا حقيقية لتحرير الشاعر من الصورة المشوهة التي جرحت قيمة الشعر، منذ صار الشاعر يعمل في بلاط الساسة، وراح يوظف الشعر في أغراض غير شعرية، كما هو الحال في الدور الإعلامي والدعائي للشاعر، ذلك الدور الذي تعانق الشاعر فيه مع السلطة فانتقلت إليه أمراضها، وهذا تحديدا من أبرز ما ترفضه الأجيال الجديدة.

بدأت صورة الشاعر تتغير في عصرنا، أو على الأصح تحررت من ملامح غريبة عليها لكنها ارتبطت بها ارتباطا جعلنا نعتقد في أصالتها بينما هي زائفة، ومهما كان الوضع الهامشي للشاعر في حياتنا الآن، إلا أنه سوف يستعيد حيويته وعافيته، طالما ابتعد الشعراء عن الجمود ونسخ التجارب القديمة، وانفتحوا على واقعهم، وعلى الشعر، بشكل عميق.

يشبه المؤلف بعض الشعراء بصائدي السمك يقول :" صائد السمك لا يذهب الى النهر عندما يرغب في اصطياد السمك بل يذهب الى الطين ليجمع الطُعم الذي يصطاد السمك ، ثمة شعراء لا يستوعبون الدرس فيذهبون إلى الماء مباشرة يذهبون للصيد بلا طُعم فيصطادون أعشابا وطحالب ونفايات " يقول " الشاعر صياد علم نفسه كيف يُلقي صنارته وكيف يصبر وكيف يجذب بمنتهى الخفة والسرعة."

يتأمل الكاتب فكرة الخصوصية ويقدم لنا تجربته الخاصة وهى جديرة بالقراءة العميقة يقول "لامعنى لشاعر اذا لم يقدم تجربة خاصة، هذه الخصوصية في رأيه تتمثل في كل انسان يحمل ذاتا فريده لا تتطابق مع ذات أخرى - الكائن الانساني هو كائن اجتماعي يتأثر بمحيطه الثقافي والمجتمعي والاشتباك مع الحياه هو ما يعطي كينونتنا الخاصة قوامها وخصوصيتها."

ولم يفت الكاتب أن يعرض لنا أزمة الشاعر العربي حيث لا يمكنه أن يعيش معزولا عن صوت الدم الذي يصرخ في أرجاء العالم العربي، ولا أن يسد أذنيه عن أنين شعبه الفقير وحياة الناس البائسة. مؤكدا على عدم قدرته أن يكون محايدا تماما. ويقدم الكاتب روشته لشباب الشعراء يقول "لكي أصون خصوصيتي عليً أولا حمايتها من الزيف والانسياق وراء الرواج الكاذب والقبول بمكانتي الحقيقية في عالم الشعر مهما كانت صغيرة ولا تناسب رغباتي أو طموحاتي. وثانيا الانفتاح الجاد على عالمي الخاص فكل شاعر يمتلك كنزا من المشاهد والخبرات لا يملكه شاعرُ أخر فحياة الشاعر هي النهر الذي ينبغي له الجريان في تجربته الشعرية ليصنع طعمها الخاص ومن هنا يحكي لنا عن تغير نظرته إلى عمله والبدء في قبوله بعد فترة طويله من الرفض المعنوي إلى حد أن اعتبره هدية لا لعنة وبدأ من تعايشه هذا مرحلة التأمل للوجوه والمواقف التي تُولد رغبه في السرد بل ان نظرته إلى مدينته الصغيرة التي كان يعتبرها منفى أو زنزانة أكبر قليلا من مبنى المحكمة الذي يعمل به تغير أيضا، فبدأ في النظر إليها على اعتبار أنها شريحة من الحياه صالحه لتفتح الكينونة الداخلية بدأت عين المٌنقب في العمل، ألم يقل لنا الشاعر فتحي عبد السميع أن الشعر أثرى حياته!!

كان لانفعاله بثورة أطفال الحجارة دورا في تشكيل خصوصية الشاعر ويعتبرها النقطة التي انطلق منها إلى الشعر. الكتاب يعد مجموعة شهادات من المؤلف حول الشعر والشاعر والقصيدة والحياة، لكنها كلمات مكتوبة من القلب والروح والعقل معا، يقول الشاعر: "في وسعنا أن نكون جذورا تحت الأرض لسنا بحاجه سوى الا للطين"؛ يقول الشاعر: "العبرة بالجذور وهى تسري في صمت تزحف في الأعماق". الشعر روح العالم؛ الشعر هدية وعليه دوما أن يسبق الثورة. ومن العبارات التي اعجبتني واضحكتني في آن حين يقول الشاعر "أحبٌ قواعد الشعر واحترمها جدا خاصة تلك القاعدة التي تحرضنا على هدم قواعد الشعر، ومن هنا يدعو الشاعر الى ان الحرية من الأمور الجوهرية في الشعر .

ربط الكاتب بين ثورة يناير وقصيدة النثر كتجربة جديده وحريه حقيقيه وإضافة. فهو يرى أن الشاعر عليه أن يسبق الثورة؛ أما أدعياء الشعر ففي رأيه أنهم هؤلاء الذين لا يفرحون بالنصوص الجيدة فأنت من الأدعياء ان لم تبحث بضراوة عن الشعر الحقيقي وتحتفي به احتفاء الطفل بالعيد.

والحق أن الشاعر صدمني بقوله في حوار مع جريدة انه ينتظر دوره في نشر ديوانه الجديد" ولد على ظهر عقرب" عن قصور الثقافة، كما ذكر في متن الكتاب أيضا أن مما يجعلنا نتساءل حول امكانية ايجاد طريقة أفضل للتعجيل بنشر كتابات المبدعين بشكل عام من خلال هذه الهيئات بشكل أسرع وأكثر إيجابية وبطريقة مبتكره نوعا ما عن هذا الطابور الذي يقف فيه مبدعون مهمون والذي غالبا ما يمتد لسنوات مما يبعث على الإحباط في روح المبدع.

يقول الشاعر: "انتظرت مجموعتي الشعرية "الخيط في يدي" ثلاث سنوات في انتظار دورها في النشر ضمن سلسلة ابداعات هيئة قصور الثقافة. وفي حوار بإحدى المجلات يصرح ان ديوانه (ولد على ظهر عقرب) ينتظر دوره في النشر منذ عامين وهو ما يجعلني اتساءل عن إمكانية خلق آلية أخرى ضمن وزارة الثقافة تخفف من طول هذا الطابور حتى لا يتعدى الانتظار اكثر من شهور للتعامل مع المبدعين بدلا من الوقوف في طابور طويل لسنوات كافيه لتحطيم آمال وطموحات أي مبدع.

 

*أكاديميه ورئيس تحرير مجلة وموقع هوامش تنوير