حينما التقينا، أنا وكورونا، للمرة الثانية، وقعنا في الحب من النظرة السادسة، لأن النظرات الخمس الأولى أصابها الحول. ثم زالت كل الفواصل، والفواصل المنقوطة، والنقاط المتتالية، والحدود الفاصلة بين ووهان وليشتنشتاين، وبين سوق الجملة ببئر القصعة والمتحف البحري للرؤساء المحنّطين في مقاطعة «نيو برونزويك» الكندية. وفجأة، لم يحدث شيء البتة. وبقي الوضع ككرة البينغ بونغ، يتضخم يوما بعد نصف يوم. ثم أخذ الشرطي المتفاني في عمله ينبح، لأن الأحلام الرومنسية انطلقت، هكذا ودون سابق إنذار أو شفقة، في إلقاء اللوم على من لم يكن ذات مساء سرمديّ غائمٍ، واقفا فوق ربوة مقلوبة على رأسها، متغافلا عن عاهرات الحرب وطاهرات السلم، يغني: «أجوع لمين؟» ليجيبه الرب الأصمّ هامسا: «للعجين.» - هل كان الرب بحاجة لكل ذلك الكم من السكّر كي يصنع عالما مرّا كعالمنا؟ لا أعرف، بيد أنني سأعوضك عن الإجابة بشريحة من سمك القرش السابح في مرق العدس وبألف لتر من عصير البؤس المركّز، لكن اسمح لي قبل ذلك بأن أقصّ عليك قصة قصيرة لا تحتوي إلا على عبرتين وموعظة واحدة فقط، واعذرني على ضيق بصيرتي: «يحكى أن تنّينا يتيما جدا شعر ذات ليلة بالخجل لأنه تكبد عناء السفر على ظهر زوج من الجراد الصحراوي إلى جزيرة غرينلاند، ولمّا اكتشف أن وخز الضمير لا ضمير له، أمر القلب المتغلغل في كل رأس بالاعتراف بالحقيقة كاملة، بعد أن كان قد أخفاها داخل عبوة ناسفة في بطن أبيه، والتي مفادها أن الالتزامات المتعلقة بخدمة الدين المتخلد بذمة الحيوانات الناطقة بلغة النجوم البكماء تفيد بأن النهار ليل أبرص وبأنّ الشيخ فتيّ وبأن الفراشة تمساح وبأن البحر حَجر وبأنّ النحس هو الحل؛ ولو كان الحل منحلّا لما احتلّ الحلو محلّ الأملاح المحلّاة بـحال المحال المملّح بـالحلويات التقليدية التي كانت على حافة النحول، حيث طفقت الهدية التي بعثت بها الهمجية إلى الحضارة تصرخ كأنما أصابها مسّ من المساس بالوحدة البهيمية الـــ...» - أوه! توقف عن هُرائك رجاء، ودَعِ الحكيمة «ليدي غاغا» تنير لنا الرصيف بفكرها الثاقب العابر للمجرات.
تتقدم الحكيمة ليدي غاغا – التي لم يتسنّ لها الوقت لتصفيف شعرها عند الإطفائي - متهادية واثقة، كبطة نيجيرية عانس، وفي جيدها حبل أخضر مصفرّ من فرط السأم والروماتيزم، وتتنحنح قائلة: «إن النيك والموت بصقتان لصفعة واحدة. ومثلما رسمتِ القمامة في السماء وحشا لطيفا جدّا ينام في جسدك ويأكل أوصالك، فإنّ الحياة ستهديك، حين تودّعها، قطعة بقلاوة شهية في الدبر».
مع فائق الود والتقدير
بنزرت – تونس