كعادتها ترصد الشاعرة المصرية بعضا من ألق القصيدة في دواخلها وهي تكتب بحثا عن ملاذ لحرف يأبى أن يشكل نبوءة، ليست رؤيا لعرافة بقدر ما تنجلي كحلم ينعتق من اللغة، ويشكل بحر القصيدة مكانا آسرا تتحلل فيه الشاعرة وهي تخيط من الكلمات بعضا من شجنها وعزلة اللغة أمام هذا العدم.

نبوءة

ديمة محمود

 

لأنّ العناقيد لا تأتي فرادى

فإنّني أصدّق _ وجدّاً_

أنّ أحذيتنا ستحملنا في المسير

بعد أن تهترئ

سنمشي بها خفافاً أو ثقالاً

في سراديب تائهة

قد يأخذنا نحيب وردةٍ

سقطت من كتاب حبيبة نحو الطّريق

أو خرقةُ رضيعٍ رموه

في رصيف الأخطاء

أو مجدافٌ في ضفّة ينتظر اليوم الّذي

لا يجدّف فيه العاشقان نحو نقطة.

 

لأنّ الشّعر ينضح من العدم

سأجمّد عدمي في قوالب ثّلج

أخرجها وقت الحاجة

فتلد غاباتٍ من صنوبر

وبلّوط وكستناء وخوخ

أوزعها على طارقي الأبواب

والحاجات

والصّعاليك

أمّا القشور

فسأعوّذ به سلالمي

وأوطّدها بالأرواح الشّريرة.

*

 

بذرة المحو لا تكبر

إلا شجرة

لأنها تتقيّأ ماءها

على بعد كيلومترات

بأحماض نتنة

بذرة المحو

عقيمةٌ لا تمدّ جذوراً

عمياء لا ترى الشمس

بكماء صماء تتآكل

بلا أسيد أو ديزل

ومع ذلك تغنج بين النّاس في الأسواق

وتكبّر!

*

 

فيما مضى

عهدت أمي بي

إلى عرّافةٍ من الأرمن

تكبُّ الزّيت في كلّ بقعةٍ من جسدي

وتمتم في أذني اليمنى:

"هنا خبّأتُ العفاريت

والصّولجان

والحمّى

لتربي سنابلها

وأقلام التّوتياء

والنّسرين

للحلول يومٌ خريفيٌّ يلوّن السّماء

والأظفار

والقدور

ستكون عروساً للنّهر

وتنخل القصيدة

كوزغٍ لا يقدر على التقاط خطّ رحلته أحد".

 

هذي القبّعات

ليست لنا والسّرادق ينتظر الجماهير

طريقنا هناك بعصيّنا نهشّه

وأنتما قنديلاي

وكلانا قنديل أخيه

لله ما أعطى

ولله ما أخذ

والرّكب لا ينتظر الثّغاء!