في قصيدته الجديدة التي يخص بها الشاعر العراقي الكبير الكلمة، نتعرف معه على وقوف جديد على الأطلال، أطلال تواريخ ورؤى مجيدة، ونكتشف عبر هذا الوقوف التحولات، أو الانقلابات التي انتابت الحياة والمبادئ والأحلام، في عالم ضؤل فيه الحلم تحت وقع الزحف الاستهلاكي

أوّل أيّار في موريس بلاتسه (برلين)

May Day in Morisplaz - Berlin

سعدي يوسف

قالت لي جْوانُ:
الليلةَ نسهرُ حتى منتصفِ الليلِ
فقد نلقى ساحرةً في عَتْمةِ منعطَفٍ...
(لَيلَتُهُنَّ!)
وفي الصبحِ
الصبحِ العالي
سنسيرُ إلى ساحة موريسَ، لننضمَّ إلى العمّالِ
ونهتفَ تحت الراياتِ الحمراءِ...
....................
....................
....................
كان الليلُ عجيباً في برلينَ الشرقيةِ
(لا أسهرُ في الغربيةِ)
كان الليلُ شوارعَ من موسيقى الجازِ
وأنهاراً  لقناني البيرةِ.
أغلقت الشرطةُ بضعةَ أحياءٍ.
(كان مئاتٌ من شرطةِ منْعِ الشغَبِ انتشروا...)
قلتُ :
جْوانْ...
إنْ كان الليلُ عنيفاً هذا العنفَ، فكيف، إذاً، سيكونُ الصبحُ؟
....................
....................
....................
الراياتُ الحُمْرُ، الراياتُ الخفّاقةُ، راياتُ الأيّامِ الذّهَبِ
التأسيسِ، وكارل ماركس، وإرنَسْتْ تَلْمان، بْرَيْخْت،
الكابارَيت. الراياتُ المرفوعةُ أعلى من أبراجِ الكاثدرائياتِ
وأعلى من تاريخِ التاريخِ. الراياتُ الدفّاقةُ في كلِ ذراعٍ شُهُباً.
تلك الراياتُ سنشهدُها، صبحاً في الساحةِ، آنَ نُفِيقُ!
* * *
كان الوقتُ ضحىً. بُرْجُ الساعةِ لم يشهدْ بَعدُ مواعيدَ العشّاقِ.
أَمْ أن الناسَ، جميعاً، في الساحةِ حيث مُظاهرةُ الأوّلِ من أيّارَ؟
وفي هذا العامِ التاسعِ بعدَ الألفَينِ، القلعةُ تهتزُّ. العمّالُ بلا عملٍ.
سيكونُ الناسُ جميعاً في الساحةِ!
أمواجُ بَيارقِنا
وهديرُ حناجرِنا
في الساحةِ...
* * *
سيّاراتُ الشّرْطةِ، ساكنةٌ. لا صوتَ، ولا شرْطةَ .
والساحةُ «أعني موريس بلاتسهْ» بَدَتْ فارغةً إلاّ من متسكِّعةٍ
 أفرادٍ. أحسستُ بأني في غيرِ مكاني. قلتُ: جْوان... أنحْنُ
وصلْنا؟
 قالت: طبعاً!
* * *
عجباً!
حتى التركيُّ
الكرديُّ التركيُّ
استبدلَ بالبيرقِ، دكّانَ كَبابٍ!
لا مطرقةُ ستالينَ، ولا منجلُ ماو...
العمّالُ الألمانُ يعومون، سعيدينَ، بأنهارِ البيرةِ،
ثمّتَ شمسٌ ساخنةٌ
والفتياتُ تمدّدنَ على العشبِ.

لندن 29/ 5/ 2009م