يكاد يجمع الدارسون على أن نهضة العرب في العصر الحديث بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر نتيجة عوامل عديدة، داخلية وخارجية. ومن أهمها الاحتكاك المباشر بالغرب الذي أخذ أوجها عديدة: عسكرية بالغزو المباشر، واقتصادية عبر التبادل التجاري، وعلمية وثقافية عبر البعثات العلمية الى أوربة، والبعثات التبشيرية التي أسست مدارس حديثة في مصر وفي بلاد الشام، على غرار المدارس المنتشرة في أوروبة وأمريكا. هذه المدارس التي بدأت تُؤَسَسُ للذكور في بلاد الشام منذ عام 1834*، وللاناث بعد عام 1860، سدت فراغاً كبيراً في النظام التعليمي أثناء العهد العثماني، الذي قضى تدريجياً على الحركة العلمية والتعليمية النشطة التي عرفتها بلاد الشام قبله، فقد كانت دمشق "مدينة تعليمية شديدة النشاط في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي وقبله. وتبدى هذا في العدد الكبيرمن دورالتعليم التي كانت منتشرة في أرجائها."(1) والتي كان يتلقى فيها الطلاب العلوم الدينية، وتوابعها، موزعة على المذاهب السنية الأربعة، بالاضافة الى مدارس لتعليم الطب وغيره.
لكن هذه المدارس، كما أكد بعض المؤرخين العرب المهتمين بالنشاط التعليمي- المدرسي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين "قد خبا نشاطها ومالت الى خراب. ونسبوا الى الدولة المملوكية الجركسية في أواخر عهدها، والى الدولة العثمانية التي حلت محلها في الربع الأول من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، مسؤولية ذلك الضياع الثقافي والتعليمي، وخسارة تلك المراكز التعليمية أوقافها التي كانت تمدها بالحيوية والفعالية"(2) وتلاشى تقريباً وجود هذه المدارس في القرن التاسع عشر. لكن هذا القرن كان قد شهد بداية حركة اصلاح واسعة في الامبراطورية العثمانية في مختلف الميادين، ومنها ميدان التعليم. "وقد مهد حكم مصر لبلاد الشام (1832-1840) لتلك الاصلاحات التعليمية التي كانت مصر قد سبقت الدولة العثمانية في مضمارها. فمن المعروف أن ذلك الحكم أنشأ في سورية (برنامجاً للتعليم الابتدائي) على نمط ذاك الذي جرى تطبيقه في مصر. ولم تلبث الدولة العثمانية أن أوجدت تنظيماً جديداً للتعليم بموجب (نظام المعارف) الصادرفي 24 جمادى الأول 1289هـ/ الفاتح من أيلول 1869، وفيه نظمت المدارس في خمس مراحل."(3)
الابتدائية كانت المرحلة الأولى، وهي الزامية، ومدتها أربع سنوات. أما المرحلة الخامسة، فقد شملت دور المعلمين والمعلمات التي انتشرت في المدن الكبرى من بلاد الشام، والتي تخرجت فيها عدد من الرائدات. التحقت بعض الرائدات بالمدارس العثمانية، وأخريات انتسبن الى المدارس التبشيرية التي انتشرت في جميع مدن بلاد الشام الكبرى، كبيروت، ودمشق، وحلب، وحمص، وحماه، والناصرة. وعلى الرغم من أن هذه المدارس لم تنشئها الارساليات التبشيرية الأجنبية بهدف خلاص شعوب المشرق العربي من الجهل والتخلف المخيمين عليها تحت سيطرة الحكم العثماني، وأنما كانت الغاية منها تنشئة جيل من المتعلمين والمثقفين المتأثرين بثقافة هذه الارساليات وتوجهها الديني والطائفي، تمهيداً للتدخل السياسي المباشر أو غير المباشر، فان هذه المدارس لعبت دوراً حيوياً في بث الوعي في مئات الطلاب، خاصة فيما يتعلق بأهمية التعليم ودوره في تقدم الأمم ورفعة المجتمعات. فعمل عدد من خريجيها على تأسيس مدارس وطنية تحاكي مناهجها وطرق تدريسها. وفيها تخرجت كوكبة من أعلام النهضة الفكرية والأدبية العربية، كالمعلم بطرس البستاني، وأحمد فارس الشدياق، وفرنسيس مراش، وغيرهم من الذين ناصروا المرأة، ودعوا الى تعليمها، وتحررها من القيود الاجتماعية التي كبلتها لقرون طويلة، وحرمتها من حقها في التعليم، والانخراط في الحياة العامة، فعطلت طاقاتها، وحرمت المجتمع من قدراتها.
وقد استقبلت هذه المدارس منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر أعداداً من بنات الأسر الميسورة والمتنورة من لبنان وسورية، خاصة من العوائل المسيحية. وفيها تلقت عدد من الرائدات علومهن، وتشكلت بذور وعيهن لأهمية دور المرأة في الحياة العامة، ولأهمية حصولها على حقوقها المسلوبة، ونفض غبار قرون من التخلف والجهل والانصياع الأعمى لعادات وتقاليد جعلتها حبيسة البيت والرجل. ويحمد لهذه المدارس، على الأقل في مراحل تأسيسها الأولى، أنها على الرغم من تدريسها المناهج بلغات أجنبية (انجليزية، فرنسية، ألمانية، ايطالية، روسية)، كانت تعنى بتدريس اللغة العربية، بخلاف السواد الأعظم من المدارس الأجنبية في البلاد العربية في أيامنا هذه. وهذا ما أسهم في اجادة الطلاب والطالبات للغة العربية الى جانب اللغات الأجنبية. وقد كانت حافزاً للمسلمين المتنورين الذين لم يرغبوا في أن يرسلوا بناتهم اليها خشية من توجهها الديني، أن يوفروا لبناتهم تعليماً منزلياً لائقاً على أيدي أساتذة أكفاء، وان يعملوا في مرحلة لاحقة على انشاء مدارس وطنية حديثة للبنات، تحاكي مدارس الارساليات الأجنبية.
التعليم فتح مغاليق عقول العرب في القرن التاسع عشر، وازال الغشاوة عن عيونهم، فبدؤوا يصدرون الصحف والمجلات، ويؤسسون المطابع، والجمعيات الأدبية والسياسية التي كانت مقراً لمناقشة واقع الأمة السياسي والاجتماعي، ومنطلقاً لبث الأفكار النهضوية الداعية الى الأخذ بأسباب العلم، والعمل على تقدم المجتمع، والتحرر من جور الحكم العثماني، وقيوده الضاغطة على الحريات العامة، والساحقة للكرامة الانسانية، وصولاً الى المطالبة بالاستقلال عنه، والثورة ضده.
لم تتأخر استجابة المرأة السورية لدعوات النهضة، وللتحرر من الجهل والتخلف وسيطرة العثمانيين على مقدارات البلاد وقواها البشرية. فقد بدأ انخراطها في الحياة العامة، بأوجهها المختلفة، منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك التاريخ بدأت تحث الخطى لاستعادة حقوقها المسلوبة، بالتزامن مع عملها على استعادة وطنها حريته من المحتل الأجنبي. وسنحاول في هذه السطور القاء الضوء على اسهام عدد من الرائدات في ميادين السياسة، والصحافة، والأدب، والعلم، وميادين العمل المختلفة. وبالتأكيد لا يمكننا التعريف بجميع الرائدات، والاحاطة بكل ما قدمنه، لكننا سنختار نماذج تشير بجلاء الى اندفاعة المرأة السورية للاسهام في مختلف ميادين العمل والحياة العامة منذ عام 1870، حتى الستينيات من القرن العشرين. وسبب اعتمادنا لهذين التاريخين أن عام 1870 شهد أول نشاط صحفي نسوي سوري منشور، وأن عقد الستينيات من القرن العشرين شهد اكتمال دائرة الريادة الرئيسة. أما ما حققته المرأة لاحقاً، فهو استمرار لما بنته الرائدات. وسنشير الى بعض الانجازات التي سُجلَت بعد هذا العقد عندما تقتضي الضرورة ذلك.
يلحظ الدارس أن الرائدات السوريات أقبلن بحماسة على التعلم، وممارسة النشاط الصحفي والأدبي، والاجتماعي، والعمل الوطني العام المناهض للحكم العثماني، ومن بعده الاحتلال الفرنسي، واستطعن التغلب على الكثير من المعوقات الاجتماعية في مجتمع مغلق، محافظ، يرى مكان المرأة الوحيد بيت والدها أو زوجها، ودورها الوحيد خدمة الأهل والزوج والأبناء. وقد ساعدهن على ذلك انتماء معظمهن إلى الطبقة الثرية، أو البرجوازية الناشئة، وقرب عدد لا بأس به منهن من النخب المتعلمة النهضوية، ومن رجالات الفكر والسياسة المتنورين آنذاك.
جمعت الرائدات سمات عديدة مشتركة، أولها الايمان بقدرات المرأة، وأهليتها للعلم والعمل، وضرورة العمل على تحريرها من ربقة الأوهام والجهل والتخلف، ومن سطوة المجتمع الذكوري عليها، وضرورة العمل على استعادة حقوقها المسلوبة. وثاني هذه السمات، أنهن لم يرين حرية المرأة مفصولة عن حرية المجتمع كلل، فعملن على تحرير الوطن من الغازي المغتصب، وأسهمن في كل جهد لنيل سورية استقلالها، ولدعم حركات التحرر العربية؛ فقارعن العثمانيين والفرنسيين، وأدن سلخ لواء الاسكندرون عن سورية، وضمه الى تركيا، ودعمن ثوار فلسطين وأهلها قبل النكبة وبعدها. وتضامن مع المصريين ابان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وأيدن الثورة الجزائرية، وكن من المتحمسات للوحدة السورية المصرية عام 1958.
ويجمع هؤلاء الرائدات أيضاَ اقبالهن على تحصيل العلم بمراحله المختلفة، واتقان اللغات الأجنبية، وممارسة النشاط الصحفي، والتأليف العلمي، أو الأدبي بأنواعه المختلفة، والاشتراك في تأسيس المنتديات الأدبية، والجمعيات التعليمية والتثقيفية والخدمية الخيرية. وبعضهن قرن كل ما تقدم بدراسة الموسيقا والعزف على احدى الآلات الموسيقية. وقد تخطى نشاط عدد لا بأس به منهن حدود سورية أو البلدان المجاورة لها، فسافرن إلى أوروبة وأمريكا والصين، وروسيا، اما بداعي التعرف على ثقافة الغرب، أو لحضور بعض المؤتمرات. والأهم من هذا كله بغية الالتحاق بالجامعات العالمية المرموقة، لنيل الشهادات الجامعية، أوالالتحاق ببعض الدورات التخصصية.
مريانا مرّاش:
الرائدة السورية الأولى في تاريخنا المكتوب هي الشاعرة والصحفية مريانا مراش (1840-1919)، ابنة حلب ثاني أكبر المدن السورية، والتي كانت مركزاً فكرياً رئيساً للامبراطورية العثمانية. كانت أول عربية تؤسس صالوناً أدبياً في المشرق العربي (النادي الأدبي) سبق صالون مي زيادة الشهير في مصر الذي أسسته عام 1913. وكان يحضر جلساته نخبة من أدباء حلب وشعرائها، أمثال رزق الله حسون، والقسطاكي الحمصي الذي وصفه بقوله:” كان منزلها في حلب مثابة الفضلاء وملتقى الظرفاء والنبهاء وعشاق الأدب"(4) ولم تغب النساء عن حضور جلساته. وكانت مراش تعزف بعض المقطوعات الموسيقية على آلة البيانو خلال انعقاده. ومراش كانت أيضاَ أول سورية تطبع ديواناً شعرياً، وكان ذلك في عام 1893، حمل الديوان عنوان (بنت فكر)، ولا يخفى ما للعنوان من دلالة. وهي أول سورية تنشر مقالات صحفية ابتداء من عام 1870 في مجلة (الجنان) الشهيرة التي أسسها المعلم بطرس البستاني، وجريدة (لسان الحال) التي أسسها خليل سركيس. وقد انتقدت في مقالاتها واقع المرأة العربية، ودعت الى تعليمها، وشجعتها على التعبير كتابة عن أفكارها. كما دعت، على غرار أدباء وصحفيي عصرالنهضة، الى تطوير أساليب التعبير بالعربية، والابتعاد عن التقعر في اللغة. وألفت كتاباً بعنوان (تاريخ سورية الحديث)، أرخت فيه لأواخر العهد العثماني، ولعله أول كتاب يتناول تاريخ سورية المعاصر.
تلقت مريانا مراش الرعاية والاهتمام منذ صغرها من أبيها فتح الله مراش المولع بالمطالعة واقتناء الكتب النفيسة، ومن أخويها فرنسيس وعبد الله مراش اللذين كانا من كبار أركان النهضة الأدبية في القرن التاسع عشر. درست في مدارس حلب وبيروت؛ فأتقنت الفرنسية والانجليزية، وتعلمت العربية على أبيها وأخويها. سافرت الى أوروبة، فاطلعت على الحياة الفكرية والثقافية هناك. وقد يكون تأسيسها لصالونها الأدبي بتأثير مما شاهدته هناك.
وبتأثير من مراش وغيرها من الرائدات أسست مجموعة من النساء عام 1880 جمعية علمية أدبية أطلق عليها اسم (باكورة سورية) هدفت إلى العمل على " ترويض عقول النساء بالخطب والمباحثات العلمية والأدبية، والنظر فيما من شأنه تحسين الهيئة الاجتماعية بين النساء. حتى تقاسم المرأة الرجل أشغاله علماً وأدباً"(5). وقد استطاعت هذه الجمعية بعد عام على تأسيسها من أن تطبع كتاباً ضمّ ست خطب لعضوات في الجمعية، تمحورت موضوعاتها حول: "الغاية التي خلق الإنسان لأجلها، وتهذيب العقل، والكتب ومطالعتها، والارتقاء، وحياة الإنسان وواجباته، وحقوق النساء"(6). هذه الموضوعات تدل بجلاء على إيمان هؤلاء الرائدات بضرورة الارتقاء بعقل الانسان وأهمية المعرفة للرجال والنساء، وبأن للمرأة حقوقاً يجب أن تنالها. ولا شكّ أن هذه الأنشطة تدل على أن المجتمع السوري آنذاك، على الرغم من أنه كان مجتمعاً محافظاً، الا أنه كان قد بدأ بالانفتاح على مناقشة قضايا حقوق المرأة وواجباتها في مشاركة الرجل أعماله، والا لما أبصرت هذه الخطب طريقها الى النشر، ولما كان قد تطور تقليد الصالونات الأدبية التي أسستها نساء. ففي حلب أيضاَ أسست نفيسة الملاح (1902-1982) صالوناً أدبياً آخر، كان يرتاده نخبة من مثقفي حلب وأدبائها، كعمر أبي ريشة وسامي الكيالي. والملاح حصلت على أهلية التعليم من دار المعلمات في حلب، وأتقنت الفرنسية والتركية، إلى جانب العربية، وكانت تهوى الرسم والعزف على العود.
ماري عجمي:
في دمشق أسست الشاعرة والصحفية الكبيرة والخطيبة ماري عجمي (1888-1965) عام 1910 أول صحيفة تصدرها امرأة أسمتها (العروس)، وكانت من أهم المجلات الأدبية العربية الصادرة في زمانها. هدفت منها إلى "تحرير المرأة من قيودها والرجل من جموده." وقد استقطبت هذه المجلة خيرة الأدباء والكتاب العرب أمثال جبران خليل جبران، ومعروف الرصافي، وأحمد شوقي، وحافظ ابراهيم، وعباس العقاد، وشبلي ملاط، وفارس الخوري. وقد تبنت فيها إلى جانب قضايا المرأة والاصلاح الاجتماعي، الدفاع عن السجناء السياسيين أيام حكم الطاغية جمال باشا السفاح، الذي حكم سورية بالبطش وتعليق المشانق، فطالبت بإطلاق سراح المعتقلين، ونشرت مقالات، تحدثت فيها عن المعاملة السيئة التي يتعرض لها المعتقلون، ونشرت تحقيقات عن بؤس المعتقلات. وشنت على صفحات مجلتها هجوماً حاداً على السفاح حتى استغرب الناس كيف لم يضمها إلى قوافل شهداء ساحة المرجة، الذين أعدموا بأمر منه في السادس عشر من أيار/ مايو عام 1916.
وقد رثتهم بقصيدة حضت فيها السوريين على الاستيقاظ من رقادهم، وعلى مقارعة المستعمر(7). وقاومت بعد ذلك احتلال فرنسا لسورية عام 1920. وتابعت بهمة عالية نشاطها الأدبي والصحفي والاجتماعي، فكانت تكتب المقالات، وتنشرها في مجلتها، أو في مجلات أخرى، ك (الحارس) و(الطريق) و(الطليعة). وتلقي الخطب في موضوعات تحرير المرأة، ومكارم الأخلاق، والدعوة الى التقدم في المنتديات الأدبية، وتنشرها بعد ذلك على صفحات مجلتها (العروس) التي صدر منها أحد عشر مجلداً في ستة آلاف وتسعمئة صفحة. بالاضافة الى ما تقدم ذكره من نشاطات ماري عجمي، مارست التعليم في سورية ومصر والعراق وفلسطين. وترجمت عن الانجليزية كتاب (المجدلية الحسناء) عام 1913، وكتاب (أمجد الغايات) عام 1927. وقد أصدرت لها وزارة الثقافة السورية، بعد وفاتها، عام 1969 ديواناً بعنوان (دوحة الذكرى) ، ضم قصائد مختارة من شعرها المنثور.
تعدد مجلات النساء:
لم تكن ماري عجمي السورية الوحيدة التي أسست مجلة، فقد أصدرت نازك العابد - والتي سنأتي على ذكر ريادتها- مجلة (نور الفيحاء) عام 1920 . وأصدرت ماري عبدة شقرا (1901-1987) بحمص مجلة (دوحة الميماس) عام 1928. وعام 1930 صدرت مجلة (المرأة) بحماة لصاحبتها نديمة منقاري (1904-1992). ماثلت مجلة (دوحة الميماس) مجلة (العروس) بنشر مقالات تعنى بشؤون الفن والأدب والقضايا الاجتماعية، الى جانب عنايتها بموضوعات المرأة. في حين صبت نديمة منقاري، جل اهتمامها وغيرها من الكتّاب في مجلة (المرأة) على مناقشة قضايا المرأة، التي وجهت المجلة لها بالدرجة الأولى. وقد اشارت صاحبتها في العدد الأول الى ذلك بقولها: "ذهب بعض الباحثين إلى وجوب بقاء المرأة على الفطرة الطبيعية، زاعماً أن الخير في عدم تعليمها. وذهب بعضهم إلى ضرورة مساواة المرأة بالرجل في جميع نواحي الحياة. وبقيت المرأة المسلمة أمام هذه التناقضات حائرة مضطربة لا تدري في أي طريق تسير، فأخرجت هذه المجلة لتكون وسطاً صالحاً لمباحث السيدات الفاضلات، وإن المجلة تفتح أبوابها لكل فاضل".(8)
توقفت المجلة عن الصدور في حماة لفترة من الزمن، ثم أعادت اصدارها في دمشق عام 1947 بعد أن نقلت اقامتها الى هناك. وصفت منقاري المجلة باصدارها الجديد بـقولها: "لسان حال المرأة الحديثة في عهدها الإنشائي الجديد، ورسالة النهضة الثقافية العامة والأدب الرفيع"(9). وذكرت ما يشي بالصعوبات التي واجهتها المجلة: "وإذا قدر لهذا الصوت أن يخفت حيناً، فلأنه كان غريباً وجديداً، والغريب الجديد في نظر الناس هدف للخصومة والمقاومة. وبعد، فهذه مجلتك أيتها المرأة الفاضلة، فيها صوتك الذي لا يخفت، واتجاهك الذي لا يخذل، وطريقك الذي لا ينقطع، وإنك ستتخذين فيها منبراً حراً للفكر والمفكرين، وغذاء ثقافياً يرمم نقصنا الأدبي، وفقرنا إلى المعرفة"(10). عنيت المجلة بالمشكلات التي تواجه المرأة في العمل والتعليم، وطالبت بحصول المرأة على حقوقها المدنية، وعرفت قراءها بعدد من شهيرات التاريخ العربي والاسلامي. وطرح الكاتبان حافظ الجمالي وابراهيم مجاهد الجزائري على صفحاتها موضوع (بين السفور والحجاب). كما أنها خصصت عدداً ممتازاً لموضوع نهضة المرأة السورية، حمل رأي عدد من السوريين في نهضة المرأة السورية. وخرج العدد بعنوان: (المرأة تسأل ونخبة من مختلف طبقات الشعب تجيب). فقد طرحت المجلة – كما يظهر على صفحتها الأولى- على عالم دين ووجيه و(شعبي) وأديب، وتاجر، والأديبة منيرة المحايري، السؤال التالي: "ما هو رأيكم في نهضة المرأة السورية؟ وهل ترونها نهضة بالمعنى الصحيح تغبط المرأة السورية اذ تواصل سيرها في حدودها؟ أو تنصحون لها أن تصلح منها؟"(11)
استقطبت المجلة عدداً كبيراً من الكاتبات والكتاب السوريين، كثريا كرد علي، ونعيمة المغربي، وسميحة الصابوني، وثريا الحافظ، ووداد سكاكيني، ومنيرة المحايري، وتوجان الحسيني، وحمد مبارك، وفؤاد الشايب، وعبد الغني الدقر، وخلدون الكتاني الذي كان يراسل المجلة من لندن، وغيرهم. وكان للمجلة مندوبون في كل من بيروت، وحلب وحمص.
أما مجلة (دوحة الميماس)، فلم يخل عدد منها من مقالات تتحدث عن حقوق المرأة والمطالبة بالعمل على النهوض بها اجتماعياً وثقافياً. ولصاحبتها ماري عبدة شقرا كتاب مخطوط بعنوان (عثرات نهضوي)، تناولت فيه القضايا التي تقف عائقاً أمام تقدم المرأة العربية. درست كلّ من منقاري وشقرا في مدارس الارساليات الأجنبية، وتزوجت الأولى من الشيخ عطا الله الصابوني مؤسس مجلة (الفجر) الصادرة عام 1927، وعملت في تدريس اللغة الفرنسية في حماة، بعد نيلها أهلية التعليم من دار المعلمات في حلب. كما عملت في الأربعينيات في اذاعة دمشق، حيث قدمت برامج توعوية للمرأة. وأسست فرقة مسرحية اسمتها (الحمامة البيضاء)، وعنيت برقص السماح. أما ماري عبدة شقرا، فقد نالت شهادة الثانوية العامة من مدرسة الشويفات في لبنان، وتزوجت من نسيب شاهين مؤسس جريدة ( صدى سورية) الصادرة عام 1921. ولا شك أن زواج هاتين الرائدتين برائدين من رواد الصحافة السورية دعم جهودهما في الخروج عن الصورة النمطية للمرأة آنذاك والأعمال التقليدية المناطة بها.
ريادة المرأة السورية في العملين الوطني والسياسي:
بدأت نواة مشاركة المرأة السورية في العملين الوطني والسياسي أواخر عهد الاحتلال العثماني بالأعمال الاغاثية التي تقوم بها النساء عادة أثناء الحروب، كتأمين الطعام والشراب والملجأ للمقاتلين، واسعافهم وشحذ هممهم لمنازلة أعدائهم. ثم بدأت بعض الأصوات النسائية تنتقد في الصحف الأوضاع السائدة الاجتماعية والسياسية آنذاك، كالأديبة ماري عجمي التي ذكرنا هجومها الشرس على الاحتلال العثماني بالمقالة والقصيدة. وعندما أفل عهد العثمانيين، أعلنت المرأة السورية عام 1919 موقفها الرافض لفكرة الانتداب الفرنسي، وعبرت عنه أثناء لقاء مجموعة من النساء السوريات بلجنة كنغ-كراين الأمريكية،(12) التي التقت بممثلين عن شرائح المجتمع السوري لبحث مستقبل سورية وفلسطين بعد الحرب العاليمة الأولى.
وعندما نجح الفرنسيون في احتلال سورية عام 1920، تصاعد تصدي النساء للاحتلال، وأخذ أوجها عديدة، بالتظاهر ضده، وبحمل السلاح أحياناً، وبمساندة الثوار وأسرهم، وبنشر الوعي الوطني بين السوريين عامة والنساء خاصة. ويحفل التاريخ الشفوي ببطولات النساء من المحافظات كافة، اللواتي رفضن أن تكون بلادهن مستعمرة للفرنسيين، فقدمن الدعم المادي والمعنوي للثوار، وكن أحياناً في ساحة المعركة بجانب الثوار، وبعضهن سُجِلت أسماؤهن في سجلات المجاهدين الرسمية.
أول ثائرة سورية حفر اسمها في وجدان السوريين كافة، هي نازك العابد (1887-1959) التي اختارت أن تكون في موقعة ميسلون في 24 تموز/ يوليو عام 1920، الى جانب وزير الحربية السوري يوسف العظمة وجنوده، لتقاوم زحف الفرنسيين لاحتلال سورية. لقد اندفعت في ذلك اليوم، وهي مرتدية البزة العسكرية، وكاشفة وجهها، لتقوم بواجبها الوطني، رغم اليقين باستحالة وقف تقدم الفرنسيين لغلبتهم بالعدة والعتاد. وتكريماً لعملها البطولي المفارق لواقع نساء بلدها آنذاك، وقّع الملك فيصل الأول ملك سورية، والذي عرف عنه مناصرته للمرأة، قرار منحها رتبة نقيب في الجيش. وقد كان هذا آخر قرار يوقعه قبل مغادرته سورية، ووقوع سورية تحت الانتداب الفرنسي. وبذا تكون العابد أول سورية تمنح رتبة في الجيش. لم تنل مشاركتها في موقعة ميسلون رضا رجال الدين، ولم يوافقوا على تكريم فيصل لها، لأنها برأيهم خرجت عن الأعراف، وارتدت الزي العسكري، وكشفت عن وجهها للرجال، وتدخلت في شؤونهم الحربية . لكن العابد، ككل الرائدات، كانت مؤمنة بما تقوم به، وكانت تتحلى بالصلابة الكافية التي تجعلها لا تلتفت الى ما يقوله رجال الدين وغيرهم.
ألقى الفرنسيون القبض عليها، وصدر أمر بنفيها إلى اسطنبول بين عامي (1920-1922)، ثم إلى الأردن، ولم يسمح لها بالعودة إلى وطنها إلا بعد تعهدها بعدم ممارسة العمل السياسي، لكن تعهدها ظل حبراً على ورق؛ اذ استمرت بعملها النضالي في غوطة دمشق التي اختارتها مكاناً لإقامتها، فحرضت الفلاحين على الثورة ضد المستعمر، واشتركت بالعمل المسلح في الثورة السورية الكبرى عام 1925 متنكرة بزي رجل . هذه السيدة النهضوية العظيمة التي آمنت بالعدالة الاجتماعية، وبضرورة نيل المرأة حقوقها كاملة بما فيها الحقوق السياسية وحق الانتخاب ، كانت تتقن الفرنسية والإنجليزية والألمانية، بالإضافة إلى العربية والتركية. وكانت تجيد العزف على البيانو، وملمة بفن التصوير، والتمريض والاسعاف.
بدأت نشاطها العام في شبابها بنشر مقالات في مجلة (العروس) و(الحارس) انتقدت فيها الأوضاع السائدة ابان الحكم العثماني، ودعت إلى تحرير المرأة وانصافها. ثم أصدرت -كما اشرنا سابقاً- مجلة (نور الفيحاء) في دمشق عام 1920، تحت شعار "إنهاض المرأة السورية ودفعها للمطالبة بحقوقها السياسية" (13). أسست العابد عقب الثورة العربية الكبرى جمعية (نور الفيحاء) لتعليم البنات، ومساعدة ضحايا الثورة،. كما أسست مدرسة لبنات الشهداء، وجمعية (النجمة الحمراء)- التي تحولت فيما بعد الى (الهلال الأحمر السوري) - والتي كانت تعنى بجرحى الحرب العالمية الأولى من السوريين. وكانت ممثلة لنساء دمشق بلقاء لجنة كينغ- كراين الأمريكية السالفة الذكر. وقد آثرت أن ترفع الحجاب عن وجهها أثناء اللقاء. تزوجت العابد عام 1929 من المفكر اللبناني ونصير المرأة محمد جميل بيهم (14)، فنقلت نشاطها الى بيروت، وأسست فيها عدة جمعيات (15).
وتكريماً لجهودها في نهضة المرأة اللبنانية منحت وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس، بالاضافة إلى أوسمة أخرى عديدة. أوج شبه عديدة جمعت بين مسيرة نازك العابد، وسوريات أخريات كثيرات لا تتسع هذه الصفحات لاستعراض جهودهن النهضوية الكثيرة التي أسهمت في تمهيد الطريق لما حققه الوطن من استقلال، وما نالته المرأة من حقوق. سوريات كثيرات من المحافظات كافة ناضلن لنيل الحقوق الوطنية والنسوية، القليل منهن ذكر أسماءَهن التاريخُ المكتوبُ، ومعظمهن ظلت أسماؤهن مجهولة حتى في التاريخ الشفوي المروي. وهذا حال السواد الأعظم من الثوار في سورية من كلا الجنسين، وفي كل بقاع الأرض، فالتاريخ عادة لا يتوقف الا عند القلة من المناضلين، والقادة منهم على وجه الخصوص.
ومن اللواتي غابت أسماء معظمهن، وبقي فعلهن النضالي المقدر والبالغ الأثر، سبعون امرأة سورية نظمن في 10 حزيران/ يوليو عام 1922 أول مظاهرة نسائية ضد الاحتلال الفرنسي رفضاً للانتداب الفرنسي على سورية، واحتجاجاً على اعتقال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وحسن الحكيم وآخرين، وتوجهن إلى القنصلية الأمريكية، فالبريطانية، ومن ثم الإيطالية، صادحات بهتافات الحرية والاستقلال، وملوحات بالمناديل البيضاء. وعندما أجبر الفرنسيون المظاهرة على التفرق سار الخبر في دمشق كالنار بالهشيم، فدب الحماس بالدمشقيين، وأغلقت الحوانيت أبوابها "وأصبحت المدينة مضربة إضراباً تاماً في لمحة البصر"(16).
عادلة بيهم الجزائري:
من الرائدات اللواتي حباهن القدر بتوافر الأسباب التي ساعدتهن على تفتح سمات الذكاء والتميز، وعلى الانخراط في العمل العام، عادلة بيهم الجزائري (1900-1975)، التي ولدت في بيروت في عائلة هيأت لها تلقي العلم في معهد (الديكاونيز) الألماني، ودراسة العربية على يد العلامة عبد الله البستاني، صاحب معجم (البستان)، فأجادت العربية والألمانية الى جانب الفرنسية. بدأت نشاطها العام، وهي في ريعان شبابها بنشر مقالات في جريدتي (الفتى العربي) و(المفيد) تحض فيها النساء على العمل على تحرير بلادهن من المستعمر، وتحريرهن من الاضهاد الذكوري الموروث. وكانت توقع مقالاتها باسم "الفتاة العربية".
نشطت في دعم النساء العاملات، فترأست عام 1916 لجنة دار الصناعة التي أمنت وجبات مجانية لألف وثمانمئة فتاة، كن يعملن في صناعات الغزل والنسيج والأعمال اليدوية. تزوجت عام 1917 من ابن المجاهد الكبير عبد القادر الجزائري، فنقلت اقامتها الى دمشق. وهناك تطورت شخصيتها، ونضج وعيها، وتنامى نشاطها الوطني والنسوي. قاومت الاحتلال الفرنسي بالتظاهر ضده عام 1925، وبتأمين العلاج والغذاء والكساء للثوار، بالتعاون مع سوريات كثيرات. وأسهمت في جهود دعم المتطوعين في جيش الانقاذ، واعانة الفلسطينيين القادمين الى دمشق بعد نكبة 1948 .
شجعت مع عدد من السيدات، عمل المرأة الريفية في الصناعات التقليدية من خلال جمعية (يقظة المرأة الشامية) التي تأسست عام 1927. واهتمت بنشر العلم بين فتيات طبقات المجتمع كافة. وأسهمت عام 1928 بتأسيس جمعية (دوحة الأدب) التي هدفت الى اشراك المرأة في الحركة الوطنية. ومن ثم أسست مدرسة تحمل الاسم نفسه كانت مقصد بنات العائلات الميسورة من كل المحافظات السورية. وكانت تضم قسماً داخلياً للطالبات القادمات من خارج مدينة دمشق. واستقطبت المدرسة نخبة من ألمع أساتذة ذاك الزمن كاحسان النص، وحافظ الجمالي، والموسيقي عمر البطش الذي دعته من حلب لتدريب بعض الطالبات رقص السماح. وقد برزت من طالبات المدرسة الاعلامية عواطف الحفار اسماعيل التي بدأت العمل في التلفزيون السوري عام 1962 بعد عامين على تأسيسه، والكاتبة والناشطة بادية الأتاسي (1934-2019) حفيدة هاشم الأتاسي، التي أسست وزوجها المثقف اليساري بشار الموصلي (النادي السينمائي في حمص)، و(الندوة الثقافية في حمص) التي كانت تستضيف في لقاءاتها الشهرية مثقفين وأدباء وشعراء معروفين، واستمر نشاط الندوة حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي.
شاركت الجزائري في أكثر من مؤتمر نسوي عربي ودولي، في القاهرة وبيروت وموسكو، على رأس وفود نسوية سورية. وتولت رئاسة الاتحاد العربي النسائي العام من 1957 حتى عام 1967. بالاضافة الى ما تقدم ذكره، كانت من الرائدات المطالبات بتعديل قانون الأحوال الشخصية السوري ليتيح للمرأة تولي المناصب السياسية والقضائية. وعندما حصلت المرأة السورية على حق الانتخاب المشروط بالحصول على الشهادة الابتدائية عام 1949، جالت وزميلاتها من الجمعيات النسوية السورية أحياء دمشق لحث السوريات على ممارسة حقهن في الاقتراع.
فائقة المدرس:
من الرائدات المتميزات في العمل الوطني أيضاً، وفي نشرالتعليم بين صفوف النساء، في الربع الأول من القرن العشرين، ابنة حلب فائقة المدرس (1885- 1986)، التي جعلت بيتها مقراً لمقارعة المستعمر الفرنسي، ومنطلقاً للمظاهرات النسائية في حلب ضده. وكانت إلى جانب حميدة بنت عبد الحميد ممثلة للنساء الحلبيات في الاجتماع بلجنة كينغ- كراين. وككل الرائدات قرنت نضالها الوطني بالعمل الخيري وبالعمل على تعليم الفتيات ورفع شأن المرأة، فأنشأت من مالها الخاص أول مدرسة للطالبات في سورية عام 1919، هي مدرسة (الصنائع) الشهيرة. وكانت مخصصة لإيواء اليتيمات وتعليمهن إلى جانب القراءة والكتابة، الخياطة والتطريز، والطهو، وشؤون المنزل، بالإضافة إلى الموسيقا والرسم. وكان عدد طالباتها أكثر من مئة طالبة. وفي عام 1929 ضمت إلى المدرسة أبناء الشهداء الذين قضى آباؤهم في قتال المستعمر الفرنسي. وكانت تحرص أن تنظم المدرسة سنوياً حفلاً فنياً، تُقدَم فيه الموسيقا التراثية ورقص السماح، وبذا تكون قد أسهمت في احياء التراث الفني الحلبي الأصيل(17).
ثريا الحافظ:
ومن السوريات الماجدات، اللواتي تركن بصمات واضحة على الحركة النسوية والأدبية والوطنية السورية ثريا الحافظ ( 1912-2000)، ابنة المناضل أمين لطفي الحافظ، أحد شهداء السادس من أيار/ مايو1916. فقد قاومت المحتل الفرنسي بحمل السلاح، واسعاف الجرحى، والمشاركة في التظاهرات النسائية في دمشق بين عامي 1928-1929. وأسهمت في تأسيس عدد من الجمعيات التي عملت على نشر الوعي بين النساء السوريات، مثل دوحة الأدب، ويقظة المرأة الشامية ، وجامعة نساء العرب القوميات، والنادي الأدبي النسائي، ودار كفالة الفتاة لرعاية بنات شهداء قصف الفرنسيين للبرلمان السوري عام 1945، وجمعية خريجات دورالمعلمات، التي ضمت مجموعة من أبرزالمناضلات السوريات ضد الاحتلال الأجنبي، والاستبداد الذكوري، مثل: ألفة الأدلبي، وجيهان الموصلي، وفوزية الريس، ويسرى ظبيان وسنية الأيوبي.
ساندت ثريا الحافظ ثوار فلسطين عام 1936، وأسست عام 1945 جمعية (رعاية الجندي) لرعاية أبناء الشهداء وتقديم المساعدات للجنود. وعام 1963 دعاها الرئيس المصري جمال عبد الناصر لتكون ضيفته في احتفال ثورة تموز/ يوليو. وهناك وصلها نبأ اعتقال زوجها الصحفي منير الريس، وخشيت أن يطالها السجن السياسي كزوجها، فظلت في مصر، بعد أن منحها الرئيس المصري حق اللجوء السياسي، وبقيت هناك حتى عام 1970.
أسست عام 1946 صالوناً أدبياً باسم (حلقة زهراء الأدبية)، وكان يقام في منزل زهراء العابد زوجة رئيس الجمهورية آنذاك. ثم أسست (منتدى سكينة الأدبي) عام 1953، الذي ذاع صيته، وعملت من خلاله على تنشيط الحركة الثقافية والأدبية في سورية، وتشجيع الأدباء والكتاب على التأليف والترجمة من وإلى العربية. وقد حضر حفل اطلاق المنتدى عدد من سياسيي وأدباء سورية، كمصطفى الشهابي، وخليل مردم، وعبد الكريم اليافي، وعبد السلام العجيلي، وألفة الأدلبي، وعزيزة هارون. استمر نشاط هذا المنتدى في دمشق حتى عام 1963، ثم نقلت نشاطه إلى مصر خلال لجوئها السياسي، وتوقف نشاطه نهائياً اثر عودتها الى سورية عام 1970. وكانت قد أسست في دمشق فرقة للرقص تابعة للمنتدى، باسم (فجر الأندلس)، أحيت عدداً من الحفلات في المناسبات الوطنية.
ومن أشهر ما عرف عنها خروجها على رأس مظاهرة من مئة سيدة سورية عام 1927، رفعن خلالها النقاب عن وجوههن في تحد صارخ للمجتمع المحافظ آنذاك. وقد جابت هذه المظاهرة شوارع دمشق بحماية شباب جامعيين مناصرين لتحرر المرأة. وكانت مواطنتهن نازك العابد قد سبقتهن الى خلع النقاب في مناسبتين أشرنا اليهما سابقاً، وسبقتهن أيضاً من مصر هدى شعراوي وسيزا نبراوي عام 1923. تقول الحافظ: "كنت عرضة لعداوة الطبقة الرجعية المتلبسة بلباس الدين باعتباري أول امرأة عربية سورية خرجت سافرة مع مئة سيدة سرن في مظاهرة ضد الرجعيين الذين كانوا يهاجمون النساء، ويرمونهن بالبيض الفاسد والبندورة العفنة، أو بماء الفضة لا لسبب بل لأنهن يرتدن داراً للسينما خاصة بالنساء، أو لأنهن يقصصن شعورهن ويقصرنها، فيزعم الرجعيون أنهن يتشبّهن بالرجال”.(18)
ألفت الحافظ مجموعة قصصية بعنوان (حدث ذات يوم)، وكتاب (الحافظيات)، وهو عبارة عن مجموعة مقالات تناولت جوانب من حياتها، ومن ذكريات صالونها الأدبي. وقد أهدت الكتاب إلى المجاهدات في سبيل تحرير فلسطين. ولا شك أن هذا الإهداء يشير بجلاء الى ايمانها بتلازم النضال النسوي والنضال الوطني، وبدور النساء في انجاز الاستقلال. يلخص هذا الكتاب أهم محطات حياتها الحافلة بالكفاح، التي انتهت بما لا يليق بها وبمثيلاتها، اذ عانت من الفقر والمرض في أواخر حياتها. وفارقت قبلها الحياة الرائدتان الكبيرتان ماري عجمي وفائقة المدرس دون ضجيج المحبين، ودون تشييع يليق بقامتيمها السامقتين، وبما قدمتاه لبلديهما. فماري عجمي عاشت أيامها الأخيرة في بؤس ومرض، ولم يخرج في وداعها الأخير الا ستة عشر رجلاً من أقربائها، لم يكن بينهم سوى أديب واحد هو فؤاد الشايب على ما يروى عيسى فتوح(19). وفائقة المدرس لم يدر أحد بموتها على ما يقول باسل عمر الحريري في مدونة التاريخ السوري المعاصر(20).
آمنت ثريا الحافظ بحق المرأة في العمل السياسي، وحق الانتخاب والترشح لعضوية مجلس الشعب، وعملت مع جيهان الموصلي وأخريات على نيل هذا الحق، فقدمن مذكرة الى مجلس الشعب للمطالبة بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، وأثمرت جهودهن عن موافقة المجلس عام 1949على حق المرأة الحاصلة على الشهادة الابتدائية بالانتخاب دون الترشح. وعندما حصلت المرأة السورية عام 1953 على حق الترشح لمجلس الشعب، كانت الحافظ أول سورية ترشح نفسها لعضوية البرلمان. وعلى الرغم من عدم تمكنها من الفوز بمقعد، الا أنها شجعت أخريات على الترشح فيما بعد، وأكدت على ضرورة مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
في عام 1954 دعي الى انتخابات برلمانية في سورية بعد الاطاحة بحكم أديب الشيشكلي وعودة الحياة الدستورية للبلاد، فرشحت نفسها لخوض انتخابات مجلس الشعب الشاعرة الدمشقية طلعت الرفاعي (1922- ). وقد قامت بنشاط انتخابي واسع، وقادت حملة ضد خالد العظم بمشاركة عدد من الصحفيين، لكن أبواب الندوة البرلمانية ظلت موصدة بوجهها أيضاً(21). لقد رأت الرفاعي في ترشحها للبرلمان شكلاً من أشكال الواجب تجاه وطنها الذي يجب ألا تتقاعس عن تأديته، تقول: "إني أرشح نفسي اليوم للانتخابات، ويدفعني إلى ذلك شعور قوي أفاخر به، شعور المرأة العربية، شخصيتها الجريئة، تحملها للجهد، وطنيتها العجيبة، وثقافتها على وجه العموم. أنا شخصياً فضلت طريق النضال منذ أول عمري. كنت أستطيع أن أقبع في بيتي مكتفية بعملي وبما وهبني الله، ولكن هذا يعدّ جبناً وتمرداً على أمتنا التي وهبتنا المعرفة والعلم والرزق، وهبتنا كل شيء، فحقّ علينا أن نرد دينها بشتى الطرق والألوان".(22) يذكر صاحب كتاب (سورية التي عرفت) أن أصوات النساء في تلك الانتخابات اتجهت الى دعم المرشحين التقدميين، لأنهم أميل لاعطاء النساء الحقوق التي كن يطالبن بها(23). وهذا دليل على وعي النساء السوريات المبكر لضروة التصويت لمن يعمل على نيلهن حقوقهن، وليس لاعتبارات شخصية أو اجتماعية أخرى.
بعد عدة سنوات من خسارة الحافظ والرفاعي للانتخابات التشريعية اختيرت زميلتان لهما في العمل السياسي والنسوي لعضوية مجلس الأمة ابان الوحدة بين مصر وسورية (شباط/ فبراير 1958- أيلول/ سبتمبر 1961)، بعد أن فازتا في انتخابات الاتحاد القومي، هما المحامية جيهان الموصلي (1908- 1966) ممثلة لدمشق، ووداد الأزهري ممثلة لمحافظة اللاذقية. ولم تدخل المرأة السورية البرلمان عن طريق الاقتراع الا عام 1973. يذكر أن نجاح الساعاتي (1925- 2017) اختيرت لعضوية (المجلس الوطني الموسع لقيادة الثورة) الذي لعب دور البرلمان في سورية بين عامي 1965 و1966. وكانت فيه عضوأً في لجنة الشؤون العربية والخارجية. والساعاتي أول سورية تحصل على شهادة جامعية في الصيدلة عام 1949، من كلية الطب في الجامعة السورية. وأول سورية من مدينتها تقود مظاهرة نسائية ضد الفرنسيين عام 1942، وتخلع الحجاب. وكانت من اللواتي أسسن (رابطة النساء السوريات). حازت شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من موسكو. واشتركت وزوجها الدكتور بدر الدين السباعي في انشاء دارين للنشر: الأولى في حمص باسم دار ابن الوليد، والثانية في دمشق باسم دار الجماهير، وقد عنيت هاتان الدارن بنشر الكتب العربية التراثية والكتب الماركسية.
الشاعرة طلعت الرفاعي التي لم تنجح في الفوز بمقعد في البرلمان، اختيرت عام 1964 لتحتل منصباً رفيعاً في جامعة الدول العربية، ولتكون ممثلة لسورية فيها بدرجة وزير مفوض. وهي أول عربية تحتل هذا المنصب في جامعة الدول العربية، وأول سيدة تتولى ملف الشؤون الفلسطينية فيها. واستمرت بعد ذلك في عملها في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لسنوات طويلة في القاهرة وتونس. وانتخبت فيما بعد أمين عام مساعد لاتحاد المغتربين العرب في جنيف.
الرفاعي حاصلة على اجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1947، وعلى الدكتوراه في الحقوق والاقتصاد من جامعة باريس عام 1955. وقد عرف عنها دفاعها القوي عن القضايا العربية في المحافل الدولية، وخاصة قضية فلسطين، وعرفت بمواقفها الصلبة المطالبة بحقوق المرأة في المساواة والعمل والحياة الكريمة. ففي عهد الوحدة بين مصر وسورية، طالبت الرئيس جمال عبد الناصر في أحد اللقاءات بمنع تعدد الزوجات، والعمل على تمكين المرأة، لأن ما يضعف المرأة يضعف الرجل والمجتمع ككل. وفي اللقاء نفسه، طالبت ثريا الحافظ عبد الناصر باللجوء الى القوانين المدنية فيما يتعلق بشؤون المرأة، فما دامت الشريعة الاسلامية لا تطبق في مصر وسورية على السارق والزاني، فلا يجب الاستمرار في اباحة تعدد الزوجات. وطالبت أيضاً الدكتورة المصرية الشهيرة سهير القلماوي في اللقاء عينه بأن يسمع لرأي المرأة كما يسمع لرجال الدين(24).
الرفاعي والحافظ كانتا شديدتي التأييد للوحدة بين مصر وسورية، وشديدتي الاعجاب بعبد الناصر. وقد رثت الرفاعي جمال عبد الناصر بقصيدة مؤثرة بعنوان (وداعاً عبد الناصر)، وصفته فيها بأهرام الكرامة وعملاق العروبة. وقبلها نظمت قصيدة أعلنت فيها موقفها الرافض للانفصال. فلم يكن تألق الرفاعي الشعري بأقل من تألقها في العمل الدبلوماسي والوطني والاجتماعي، بل فاقه أثراً وديمومة. فقد بدأت نشر قصائدها أواخر الأربعينيات من القرن الماضي. وشاركت في أول مهرجان للشعر في سورية عام 1959، الى جانب كبار شعراء العربية آنذاك، كعلي الجندي ، وأحمد رامي، وعلي أحمد باكثير، وشفيق جبري، وسليمان العيسى ويوسف الخطيب وغيرهم. وشاركت في المهرجان عينه أيضاً الشاعرة المصرية جليلة رضا، والسورية عزيزة هارون التي أشاد بشعرها طه حسين. أما طلعت الرفاعي، فقد أسهب في مدح شعرها الشاعر والأكاديمي المصري علي الجندي في كتابه (خمسة أيام في دمشق الفيحاء)، الذي وثق فيه لوقائع المهرجان، وأهدى هذا الكتاب لها، واصفاً اياها بالشاعرة الملهمة ووريثة الخنساء وليلى الأخيلية.
ألقت الرفاعي في هذا المهرجان قصيدة بعنوان (ثورة). وواظبت على المشاركة في المهرجات الشعرية اللاحقة، فألقت في المهرجان الثالث قصيدة بعنوان (أم عربية) وفي السادس عام 1965 ألقت قصيدة (تحية الى بغداد). طبع لها عدة دواوين: (مهرجان الشروق) وقد استهلته باهداء لافت: "الى كل حر ثائر على درب التحرير .. أهدي هذه المشاعر"، وديوان (فتاة القدس)، و(ثائرة)، و(حسناء قاهرتي)، و(معلقة القرنين). وآخر دواوينها المطبوعة كان بعنوان (جهنم الجنون .. خارطة الطريق) صدر عام 2003، وأعلنت فيه موقفها الرافض لخارطة الطريق، وللسياسات الغربية غير العادلة تجاه القضايا العربية. وفيه تقول في قصيدة (سيمفونية الخطر):
خَطرٌ.. خَطرْ/ أنّى يجولُ بك البصرْ/ هلعٌ وسَحْقٌ/ حيث كنتَ/ وحيث سرتَ/ ولا مفرْ..
وفي قصيدة (سكنت جماجمَنا القنابلُ) تقول:
خطر.. خطر/ سكنت/ جماجمَنا القنابل/ لا لسانَ ولا بصرْ/ أكلت ضباعُ القوة الرعناء/ أدمغةَ البشر/ ذعرٌ وفتكٌ/ في القيامِ/ وفي المنامِ/ وفي السهرْ.
خطر.. خطرْ/ في شاشة التلفازِ/ في المذياعِ/ في همس الوتر.
وفي الديوان أيضاً قصيدة بعنوان (بغداد)، خاطبت فيها العاصمة العربية الجريحة التي اجتاحها هولاكو العصر الحديث، وأكدت فيها انتصار الحق وهزيمة الباطل(25).
ما زالت الدكتورة الرفاعي المقيمة في دمشق، رغم تقدمها بالعمر تنظم الشعر، وتنتفض غضباً لما يحل بالأمة العربية من نكبات؛ فنظمت قصيدة بعنوان (السيف والحق) نددت فيها باعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالقدس عاصمة (لاسرائيل)، ونقل سفارة بلاده الى القدس. يذكر أن شعرها ترجم الى عدد من اللغات الأجنبية، وتناولته بالدرس عدد من الدراسات النقدية، منها كتاب (بناء الجملة في شعر الدكتورة طلعت الرفاعي) المنشور عام 2018.
واذا كانت الشاعرة طلعت الرفاعي أول امرأة سورية تمثل بلادها في جامعة الدول العربية، وتحصل على لقب وزير مفوض، فان الدمشقية أليس قندلفت قوزما (1895- 1965) كانت قد سبقتها الى تولي منصب دبلوماسي سوري رفيع بنحو عقدين من الزمن. فقد كانت أول سفيرة عربية تمثل بلدها في الأمم المتحدة في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي. وهي من أولى النساء في العالم اللواتي مثلن بلادهن في الأمم المتحدة. وقد كثفت جهودها في الأمم المتحدة لنيل سورية استقلالها عن فرنسا، ونيل النساء حقوقهن بما فيها حق التملك. وما زالت وثائق الأمم المتحدة تحتفظ بسجل نشاطات هذه السيدة الاستثنائية. وستمضي أكثر من أربعة عقود قبل أن تفوز سورية أخرى بمنصب سفيرة لبلادها، اذ عينت صبا ناصر سفيرة لسورية في بلجيكا عام 1988.
وكانت السفيرة الرائدة قندلفت قد حصلت على اجازة جامعية من الكلية البروتستانتية السورية، الجامعة الأمريكية في بيروت حالياً. وعلى شهادة ماجستير من جامعة كولومبيا الأمريكية، بعد أن حصلت، بترشيح من الزعيم الوطني الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، على منحة دراسية من لجنة كينغ- كراين الأمريكية -التي سبق ذكرها - لدراسة الماجستير في أمريكا عام 1919. وقد تكون قندلفت أول طالبة عربية تبتعث للدراسة خارج وطنها، اذ سبقت الطالبات المصريات الخمس اللواتي ابتعثن للمرة الأولى عام 1922 الى خارج مصر(انجلترا) لنيل الشهادة الجامعية الأولى.
بعد عودة قندلفت من البعثة الدراسية، وقبل أن تعين سفيرة لسورية في الأمم المتحدة، عملت مع الزعيم الوطني الدكتور الشهبندر حتى اغتياله عام 1940، ومع رئيس الوزاء السوري آنذاك فارس الخوري. وأسست عام 1942 في فندق أمية في دمشق، مع الدكتور مدني الخيمي نادي (المنتدى الفكري)، الذي كان يلتقي فيه رجال الفكر والأدب والسياسة أمثال: فارس الخوري، عمر أبو ريشة، ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، فخري بارودي، محمد سليمان الأحمد وآخرون. ومنه "انطلقت عدة حركات سياسية كوّنت أحزاباً مؤثرة في الحياة السياسية السورية اللاحقة، ومنها "البعث".(26)
لم تترك المرأة السورية الرائدة ميداناً وطنياً الا وعملت فيه. ومن الرائدات في العمل الاجتماعي والصحي والنسوي قمر قزعون شورى ( 1917-2013) التي أسهمت في تأسيس عدد من الجمعيات الخيرية والصحية، مثل (جمعية الندوة الثقافية النسائية)، وجمعية مكافحة السل السورية، والجمعية السورية لمكافحة السرطان. الا ان أبرز اعمالها كان اشتراكها في تأسيس الهلال الأحمر العربي السوري مع مجموعة من نساء سورية ورجالها عام 1946. وقد انتخبت عام 1965 رئيسة لفرع الهلال الأحمر في دمشق. ثم أسندت لها عام 2002، الرئاسة الفخرية لهذا الفرع مدى الحياة. شاركت في عدد من المؤتمرات النسوية العربية منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وشاركت كغيرها من الرائدات في دعم الثوار السوريين، وفي التظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي . ووقعت وزميلات لها عريضة بالدم تطالب السلطات الفرنسية بمنح سورية استقلالها تماشياً مع أهداف الثورة الفرنسية. وكانت ممن طالبن بمنح المرأة السورية حق الاقتراع، وتطوعن للتدرب على السلاح عام 1957. ومن اللواتي عملن على اغاثة اللاجئين الفلسطينين بعد النكبة، وجمعن تبرعات للثورة الجزائرية عام 1954.
ريادة المرأة السورية في التحصيل العلمي والعمل
قبل نحو ثلاثة عقود من حصول السفيرة أليس قندلفت على شهادة الماجستير من أمريكا، حازت الدمشقية ثبات السلامبولي عام 1885 شهادة دكتورة في الطب من كلية الطب للاناث في جامعة بنسلفانيا الأمريكية، وهي أولى الجامعات في العالم التي سمحت للمرأة بدراسة الطب. وحازت عام 1890 على درجة الدكتوراه في الأمراض النسائية. وبذا تكون السلامبولي من طليعة الطبيبات في العالم. عادت الى دمشق بعد حصولها على الدكتوراه، ولا يعرف ان كان قد مارست الطب بعد عودتها. انتقلت عام 1919 الى الاقامة في مصر، وظهر اسمها في وثائق إدارة التمريض المصرية كممرضة(27).
في عام 1912 حصلت ظريفة الياس بشور( 1885-1969) من مدينة صافيتا في محافظة طرطوس على شهادة في الطب العام من جامعة الينوي بشيكاغو. وكانت قد سافرت الى أمريكا عام 1907، برفقة أخيها الطبيب بشور بشور بغية دراسة الطب. مارست الطب بعد عودتها الى سورية في مدينة حمص، ومدينة طرابلس الشام التي كانت ومدينة صيدا جزءاً من سورية قبل الاعلان عن نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920، ووضعها تحت وصاية الانتداب الفرنسي.
واذا كانت الطبيبتان السلامبولي وبشور قد نالتا شهادتيهما في الطب من جامعتين أمريكيتين، فان الدكتورة لوريس ماهر كانت أول سورية تتخرج في المدرسة الطبية في الجامعة السورية في دمشق عام 1930، والتي باتت تعرف منذ عام 1958 بجامعة دمشق. وقد تخرج معها في كليات الطب والصيدلة والحقوق ومدرسة القابلات مئة وتسعة شاب وشابة. يذكر د. جوزيف زيتون في مدونته أن الدكتورة ماهر تابعت دراستها العليا في فرنسا، وألفت كتاباً بالفرنسية عام 1935 بعنوان "تمريض الأطفال ودور القائمات على ذلك والعناية اللازمة". وقد لاقى الكتاب -كما يذكر- رواجاً بين أطباء فرنسا(28).
ماثلت تجربة الدكتورة وحيدة العظمة تجربة الدكتورة لويس ماهر في دراسة الطب، والايفاد الى فرنسا، واختلفت عنها بكونها ثاني سورية تحصل على رتبة عسكرية في الجيش بعد نازك العابد بثلاثة عقود. فقد تخرجت في كلية الطب في الجامعة السورية عام 1949، ثم تقدمت عام 1950 لمسابقة تعيين أطباء عسكريين في وزارة الدفاع السورية، فكانت من بين الأطباء الفائزين، ومن الذين أسعفوا وعالجوا جرحى حرب 1948، في مشفى المزة العسكري بدمشق قبل أن تتخرج بسنة. أوفدتها قيادة الجيش الى فرنسا لمتابعة دراستها، فحصلت على شهادة اختصاص بطب الأطفال من جامعة باريس، وشهادة في طب الأطفال الاجتماعي من المركز الدولي للطفولة في باريس. مارست بعد عودتها مهنة الطب في مستوصفات وزاة الدفاع، ومن ثم في عيادتها الخاصة حتى عام 2000. نشطت في العمل النقابي والاجتماعي والعلمي؛ فأسهمت لربع قرن في تحرير المجلة الطبية الصادرة عن نقابة الأطباء في سورية. وشاركت لعدة سنوات في تحرير مجلة الطبيب الصادرة بالعربية في باريس. ونشرت العديد من الدراسات، وألفت وترجمت عدداً من الكتب حول الأسرة والأمومة والطفولة.
واذا ما تركنا الريادة في ميدان الطب، وتوجهنا الى الريادة في العلوم الانسانية، فسنرى أن الدكتورة زاهدة حميد باشا المولودة في حلب عام 1922، كانت من أولى السوريات اللواتي سافرن الى أمريكا لمتابعة دراستهن العليا. فقد حصلت على شهادة الماجستير بالفلسفة من جامعة جورج تاون عام 1949، وعلى شهادة الدكتوراه في فلسفة علم الاجتماع من جامعة واشنطن عام 1951. ولنيل هاتين الشهادتين أعدت أطروحتين، الأولى بعنوان (نظرة القرآن الفلسفية في طبيعة الانسان)، والثانية عن فكر ابن خلدون. والرسالتان منشورتان بالانجليزية. في العلوم الانسانية أيضاً، كانت الدكتورة عزيزة مريدن ( 1929- 1992) السورية الأولى التي تعين عضواً في الهيئة التدريسية في كلية الآداب في جامعة دمشق عام 1966. حصلت على درجة الاجازة في اللغة العربية عام 1951 بعد حصولها على أهلية التعليم من دار المعلمات في دمشق. وكانت تجيد الفرنسية. أوفدتها وزارة التعليم العالي الى معهد الدراسات العالية في القاهرة، فحصلت على درجة الماجستيرعام 1964 بدرجة امتياز، وعلى الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1966، عن أطروحة بعنوان ( القصة الشعرية في الأدب الحديث)، والرسالتان كانتا باشراف الدكتورة سهير القلماوي. ثم عينت في السنة نفسها في قسم اللغة العربية أستاذة لمادة الأدب العربي الحديث.
كانت ملهمة للعديد من طالباتها برصانتها العلمية واخلاصها للعمل الأكاديمي تدريساً وتأليفاً. أغنت المكتبة العربية بتسعة كتب نقدية تناولت الأدب المهجري والشعر الحديث والقصة والرواية. نشر كتابها الأول في القاهرة عام 1966، وحمل عنوان الأطروحة التي تقدمت بها لنيل درجة الماجستير (القومية والانسانية في شعر المهجر الجنوبي). وتكريماً لريادتها في الانضمام الى الهيئة التدريسية في جامعة دمشق، سميت احدى قاعات كلية الآداب في الجامعة باسمها.
وفي العلوم الانسانية أيضاً، تميزت الرائدة الدكتورة ليلى الصباغ (1924 -2013). فهي أول سيدة سورية وعربية تنتخب لعضوية مجمع علمي، هو مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1998، وتعين رسمياً عضواً عاملاً فيه في الشهر الثاني من عام 2001 بعد أن مضى على تأسيسه ما يربو على ثمانية عقود. وهي من طليعة النساء بالعالم اللواتي نجحن في الحصول على عضوية المجامع العلمية. ففي فرنسا مثلاً، تأخر حصول المرأة على عضوية المجامع العلمية الى عام 1980، رغم أن الأكاديمية الفرنسية تأسست عام 1635. وعندما التحقت الصباغ بمجمع اللغة العربية في دمشق، لم يزد عدد النساء في الأكاديمية الفرنسية عن ثلاث من أصل أربعين عضواً هم أعضاء الأكاديمية، على الرغم من أن المرأة كانت ترشح نفسها لتنافس الرجل كلما شغر مقعد في الأكاديمية بوفاة صاحبه، منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر(29). وبعد رحيل الصباغ، لم يضم مجمع اللغة العربية في دمشق لعضويته العاملة، سوى سيدة واحدة هي الدكتورة لبانة مشوح.
ظلت الدكتورة الصباغ عضواً نشطاً في مجمع اللغة العربية في دمشق حتى وفاتها. وهي في سيرة حياتها وفي كفاحها للحصول على حقها في التعليم الجامعي في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي تمثل نموذجاً لما واجهته المرأة من تحديات، ولما يمكن أن تحققه من انجازات على المستويين الشخصي والعام عندما تتاح لها الفرص لتحقيق ذاتها وتطوير قدراتها. فعندما حصلت من دمشق على الشهادة الثانوية عام 1942، ونجحت بامتياز في اجتياز مسابقة قبول الطلاب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا)، جوبهت برفض محيطها الاجتماعي لسفرها، وهي في سن صغيرة، الا أن اصرارها على متابعة تحصيلها العلمي، ودعم امها الكبير لها اتاحا لها السفر والالتحاق بالجامعة. نالت شهادة الاجازة في التاريخ عام 1947 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى. وحصلت من الجامعة نفسها على درجة الماجستير بمرتبة الشرف. ثم نالت عام 1966 درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عن أطروحتها المعنونة بـ (الجاليات الأوربية في بلاد الشام في القرنين السادس عشر والسابع عشر).
عملت ابتداء من بداية السبعينات في تدريس مادة التاريخ الحديث في جامعة دمشق، ومن ثم في الجزائر والامارات. وللدكتورة الصباغ عشرة كتب مطبوعة والعديد من الدارسات القيمة. من كتبها (المرأة في التاريخ العربي: تاريخ العرب قبل الاسلام) نشر عام 1975، وكتاب ( رجال ونساء في السياسة والأدب واصلاح المجتمع) نشرعام 1995، ترجمت فيه لعدد من النساء والرجال من الشرق والغرب، و(من الأدب النسائي المعاصر العربي والغربي) 1996. ولها بحثان هامان منشوران في مجلة مجمع اللغة الغربية بدمشق، الأول بعنوان ( المدرسة الفارسية)، والثاني بعنوان (المجمع العلمي العربي بدمشق والمرأة). وهو وثيقة هامة جداً لتبيان بعض جوانب مشاركة المرأة السورية في الحياة الثقافية والعلمية في سورية، منذ عام 1923 حتى مطلع القرن الحادي والعشرين. ومما ذكرته نستشف جهود الرواد والرائدات في نشر الوعي بين السوريين عامة، وأبناء دمشق من الذكور والاناث بشكل خاص في النصف الأول من القرن العشرين، والعمل على تثقيف النساء بدعوتهن للمشاركة في الأنشطة الثقافية والعلمية التي كانت، في الأغلب الأعم، حكراً على الرجال.
فقد ذكرت أن المجمع نظم ابتداء من 1923 حتى 1946 سلسلة محاضرات مخصصة للنساء، وأخرى مقتصرة على حضور الرجال. وكان يلقي هذه المحاضرات الأدبية والثقافية والاجتماعية أعضاء المجمع، وعدد من أدباء وأديبات سورية، يدعون لالقاء محاضرات باشراف لجنتين علميتين مؤلفتين من عدد من أعضاء المجمع كعارف النكدي، وفارس الخوري، وعبد القادر المبارك ومصطفى الشهابي. وقد ألقت النساء خمساً وثلاثين محاضرة بما نسبته 15% من اجمالي عدد المحاضرات، لكن المحاضِرات كن يلقين محاضراتهن على النساء فقط، باستثناء جيهان موصلي وعفيفة الحصني اللتين كلفتا بالقاء محاضرتين على جمهور الرجال، بالاضافة الى القائهما المحاضرتين على جمهور النساء.
محاضرة جيهان الموصلي كانت بعنوان (مدام كوري: عبقرية المرأة تكشف عن أعظم سر من أسرار الكيمياء) ، ومحاضرة عفيفة الحصتي تناولت (التربية السورية ومبادئ التربية الحديثة)(30). أما السيدات اللواتي كلفن بالقاء محاضرات على بنات جنسهن فقط، فكن كثيرات: أديبات ومعلمات وناشطات في الحقل الاجتماعي، من مثل: ماري عجمي، مسرة الأدلبي، سارة الخطيب، فلك دياب، ثريا الحافظ، مقبولة الشلق، روز سحقة، وداد سكاكيني، ريمة كرد علي، مديحة برازي، منيرة المحايري، نديمة منقاري، قمر قزعون، مديحة حمودة(31). واللافت أن الدعوات لحضور المحاضرات المخصصة للنساء، كانت أحياناً لا تذكر اسم المحاضِرة الصريح، وانما يشار اليها بنسبتها الى ولي أمرها، كأن يقال في دعوة لمحاضرة ألقيت عام 1924 انها لـ" كريمة السيد شاكر الحنبلي"(32).
ذكرت الصباغ في هذا البحث أنه لا يعرف ان كان المجمع في سنوات نشاطه الأولى قد دعا النساء ليشاركن في الفعاليات التي كان يقيمها خارج اطار المحاضرات المخصصة لهن، كحفلات التكريم والتأبين للأدباء والعلماء، لكنها أشارت الى حضور "عشرات من فضليات السيدات بدمشق في مكان خاص بهن"(33) حفل تكريم الشاعر حافظ ابراهيم عام 1929. وفي حفل تأبين أمير الشعراء أحمد شوقي عام 1932 "حضر نحو مئة من عقائل دمشق وأوانسها"(34). وفي عام 1944 انتقلت المرأة من حضور بعض الفعاليات العامة التي يقيمها المجمع الى الاسهام في صنعها. ففي المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري الذي عقد في أيلول/ سبتمبر من عام 1944، والذي دعي اليه عدد من كبار أدباء ومفكري العرب ألقت جيهان الموصلي محاضرة بعنوان (المعري والمرأة)(35). واتسعت صفحات مجلة المجمع لبحوث عدد من الباحثات السوريات والعربيات، وعرّف بنتاج بعض الأديبات السوريات كوداد سكاكيني وسلمى الحفار الكزبري، والدكتورة نشأة ظبيان(36). ولا شك أن تعريف المجمع بنتاج بعض السوريات الأدبي، ونشر النتاج العلمي والفكري لأخريات في مجلته، دليل صريح على القيمة المعرفية والأدبية الرفيعة لما انتجته المرأة السورية.
وتحدثت الصباغ باسهاب في البحث عينه عن دور عدد من السوريات الجامعيات وخريجات دور المعلمات في تحقيق مخطوطات التراث العربي ونشرها، بتكليف من مجمع اللغة العربية. ولعل أول سيدة عملت على تحقيق مخطوطة هي "الآنسة ملك هنانو، التي تابعت تحقيق مخطوط (تاريخ دمشق) الضخم (لابن عساكر). وهي خريجة الجامعة الأمريكية ببيروت. من مواليد حلب عام 1928، تتقن العربية والانجليزية. وقد تكون على معرفة بالعربية بدليل ما أتى في بحثها القيم (من التوراة) المنشور في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1964" (37). بالاضافة الى هنانو، ذكرت أسماء عدد من الباحثات، كروحية النحاس وأسماء الحمصي (1925- 1997) التي عرفت بنشاطها العلمي والثقافي، وعينت مديرة للمكتبة الظاهرية التابعة للمجمع. ومن المحققات أيضاً نشاط غزاوي من مواليد 1932، والدكتورة وفاء تقي الدين من مواليد 1946، وسكينة الشهابي التي قالت عنها الصباغ: "من أولى الاستاذات اللائي انكببن في المجمع على تحقيق التراث بهمة عالية ودأب ومثابرة. اذ جنّدت نفسها من سنة 1973 الى الآن (2003) لمتابعة تحقيق تاريخ دمشق) لابن عساكر، وتمكنت من أن تنجز ثمانية وعشرين مجلداً ... ولقد أسهمت وتسهم في نقد بعض المؤلفات المحققة، كنقدها على سبيل المثال، كتاب ( الحدائق الغناء في أخبار النساء) للمؤرخ علي بن محمد المعافري."(38)
من الرائدات المتميزات أيضاَ في العمل الأكاديمي وترجمة الأعمال الأدبية عن الفرنسية والانجليزية الدكتورة ملكة أبيض (1928-2019)، ابنة حلب التي ناهضت الاحتلال الفرنسي، وخرجت في مظاهرات ضده، وهي ما زالت تلميذة صغيرة، فعاقبتها ادارة مدرستها بحجب المنحة الدراسية عنها، فاضطرت هي وأخواتها الى العمل في التطريز لاتمام دراستها الثانوية. أوفدت الى بلجيكا بعد نيلها الشهادة الثانوية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، فحصلت من جامعة بروكسل على شهادة الاجازة في العلوم التربوية. ومن ثم حصلت على الماجستير من الجامعة الأمريكية في بيروت، وعلى الدكتوراه في تاريخ التربية العربية الاسلامية من جامعة ليون الثانية في فرنسا. تلقت الدعم المعنوي والتشجيع من والدها الذي لم ير ما يمنع من أن تسافر ابنته الى بلجيكا للدراسة وهي لم تكمل عقدها الثاني، بل كان عوناً لها في الحصول على موافقة والدتها على سفرها.
ثم ساندها زوجها الشاعر سليمان العيسى، الذي اقترنت به بعد عودتها من البعثة، لتكمل دراستها العليا في بيروت وباريس. عملت أستاذة في جامعتي دمشق وصنعاء. ولها ثلاثة عشر كتاباً مطبوعاً بين التأليف في المسائل التربوية، والترجمة عن الانجليزية والفرنسية. كانت من أوائل المترجمين السوريين عن الفرنسية، اذ نشرت عام 1961 ترجمة لديوان مالك حداد (الشقاء في خطر)، وعام 1962 ترجمت عن الفرنسية مسرحيتين لكاتب ياسين هما (الجثة المطوقة) و(الأجداد يزدادون ضراوة). وعن الانجليزية كان أول كتبها المترجمة (تسع قصص) لذرج سالنجر، طبعه اتحاد الكتاب العرب عام 1964.
لم يقتصر اقبال المرأة على التعليم العالي، والسفر الى الخارج بهدف مواصلة التحصيل العلمي على بنات المدن السورية الكبرى، فسلوى عزام (1928 -2020) ابنة محافظة السويداء، حصلت على شهادة الاجازة في اللغة الفرنسية من جامعة دمشق عام 1953، وأوفدت بعد التخرج بعدة سنوات إلى فرنسا لتدرس طرائق تدريس اللغة الفرنسية. وبعد عودتها عملت لسنوات طوال في تدريس اللغة الفرنسية، وادارة المدارس. وظلت بعد التقاعد تعمل على تطوير مهارات الطلاب باللغة الفرنسية دون مقابل.
وفي ميدان الهندسة، الذي ما زال البعض حتى في الغرب، يعده عملاً أصلح للرجال منه للنساء، تخرجت قبل نحو سبعة عقود (صيف 1953) مهندستان سوريتان في الجامعة السورية في دمشق، هما سميرة سلحدار من مواليد 1929، وثبيتة كيالي من مواليد 1931. وكانتا من بين المهندسين التسعة عشر، الذين احتفى بتخرجهم حشد كبير من السوريين في حفل حضره رئيس الجمهورية. وقد رَحَبَ بالمهندسة ثبيتة كيالي مؤتمرُ المهندسين العرب في مصرعام 1953، كونها أول مهندسة عربية تحضر مؤتمراً للمهندسين. وبعد أكثر من نصف قرن على تخرج الكيالي وسلحدار، فازت المهندسة هالة النصر عام 2009 بمنصب نقيب المهندسين السوريين، لتكون أول سورية تشغل هذا الموقع، رغم أن الجامعات السورية تخرج سنوياً مئات المهندسات من جميع الاختصاصات الهندسية.
ريادة المرأة السورية في الأدب والاعلام والفن التشكيلي
أشرنا سابقاً الى ريادة مريانا مراش وماري عجمي في الشعر وكتابة المقالة، وذكرنا الشاعرة والسفيرة طلعت الرفاعي التي واظبت على نشر قصائدها منذ أواخرالأربعينات. وأشرنا اشارة سريعة الى الشاعرة عزيزة هارون (1923-1986). وهي من شاعرات مدينة اللاذقية، نشرت أولى قصائدها (خمرة الفن) عام 1946 في العدد الأول من جريدة (القيثارة) الصادرة في مدينتها. كانت هارون والرفاعي من مجموعة قليلة من الشاعرات العربيات اللواتي نشرن أعمالهن في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كنازك الملائكة وفدوى طوقان. وهي من أولى السوريات اللواتي عملن في اذاعة دمشق، اذ كانت تلقي بصوتها قصائد شعرية لكبار الشعراء في برنامج (شاعر ينشد)، فحققت شهرة واسعة في الأوساط الأدبية، وانضمت الى منتدى سكينة الأدبي وغيره. جمعت الشاعرة عفيفة الحصني قصائدها المنشورة في عدد من المجلات الأدبية العربية المرموقة كالآداب والمعرفة والموقف الأدبي، وصدرت، بعد رحيلها، في ديوان نشر عام 1992.
أما الشاعرة الدمشقية عفيفة الحصني (1018-2003)، فكانت بدورها، من مجموعة صغيرة من السوريات اللواتي قرضن الشعر في النصف الأول من القرن العشرين. نشرت ديوانها الأول (وفاء) عام 1966، وديوانها الأخير (وطني) عام 2000، وما بينهما نشرت عدة دواوين ودراسات حول قضايا المرأة وحقوقها. وصدرت لها عام 1980 دراسة بعنوان (المرأة في شعر أبي العلاء المعري). وهي من السوريات الرائدات في الاقبال على العلم وممارسة مهنة التعليم. فقد حصلت على اجازة في اللغة العربية من مصر عام 1941 من قسم اللغة العربية وآدابها في معهد التربية، وعملت مدرسة ومديرة مدرسة، وشاركت في تأليف الكتب المدرسية حتى تقاعدها عام 1978.
الدمشقية هيام نويلاتي ( 1932-1977) جمعت بين نظم الشعر وكتابة الرواية. تخرجت في قسم الفلسفة في جامعة دمشق عام 1958. ولها تسع مجموعات شعرية مطبوعة، نَشرت سبعاً منها بين عامي 1973، 1974. وقبل هذه المجموعات نشرت عام 1958 رواية (في الليل)، أعقبتها عام 1973 بأخرى بعنوان (أرصفة السأم) بالاشتراك مع القاصة خديجة الجراح نويلاتي (1923- 2000 ) التي نشرت مجموعتها القصصية الأولى (ذاكر يا ترى) عام 1960 .
ومن الرئدات أيضاً في الشعر والتحصيل العلمي والنضال الوطني العام الشاعرة مقبولة الشلق (1921- 1996)، التي كانت السورية الأولى التي تحصل عام 1944 على اجازة في الحقوق من الجامعة السورية. شاركت منذ مطلع شبابها في الأنشطة الوطنية الرافضة للاحتلال الفرنسي، وسلخ لواء الاسكندرون، والمؤيدة لثورة يوليو. وكانت ضمن وفد السيدات السوريات اللواتي زرن بور سعيد للتضامن مع المصريين عقب العدوان الثلاثي. وهناك ألقت قصيدتين حماسيتين. للشاعرة ديوان مطبوع بعنوان (أغنيات قلب) صدرعام 1982، ولها عدد من المجموعات القصصية الموجهة للأطفال والناشئة.
في شعرمعظم الرائدات غلب الميل الى الشعر العمودي التقليدي، والموضوعات الوطنية والقومية والنبرة الحماسية، دون اغفال قضايا تحرر المرأة. واتجهت الى الشعر الوجداني نبيهة حداد ( 1920-1977) ونادية نصار( 1934-1994)، في حين جمعت هيام نويلاتي بين الشعر الوجداني، والموضوعات الوطنية(39).
في الرواية والقصة والمقالة والنقد الأدبي لمع اسم الرائدة وداد سكاكيني (1913- 1991) تلميذة العلامة النحوي مصطفى الغلاييني (1885-1944) الذي لاحظ تميزها المبكر، فعني بتوجيهها، وشجعها على الكتابة. وهي صاحبة الرواية النسوية السورية الرائدة (أروى بنت الخطوب)، التي نشرتها عام 1950 وأعقبتها عام 1952 برواية (الحب المحرم) . وكانت قد نشرت في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين مقالات في الصحف والمجلات، جمعتها عام 1931 في كتاب صدر ببيروت بعنوان (الخطرات). وفي عام 1945 نشرت كتاباً ترجمت فيه لأمهات المؤمنين بعنوان (أمهات المؤمنين). وبعد عشر سنوات نشرت كتاب (العاشقة المتصوفة: رابعة العدوية)، ثم كتاب (مي زيادة في حياتها وأثارها) . ولها في النقد الأدبي (سواد في بياض) 1959، و(نقاط على الحروف) عام 1960، و(شوك في الحصيد) عام 1981.
شغل الكاتبة واقع المرأة المتردي وظلم المجتمع لها، ونظرة المثقفين الدونية لامكاناتها ودورها في الحياة، فكتبت روايتها الأولى لاعادة الاعتبار للمرأة، اذ صورتها نقية، فاضلة، تقية، وضحية غدرالرجل وخسته وتمرغه في رغباته. تقول عن سبب تأليف الرواية: "آسفني في خلال الأربعين من هذا العصر والمرأة تنهض من خمولها فتتعلم وتتقدم، وتدخل الجامعة، وتشارك في خدمة المجتمع، أن تبقى متهمة بالقصور والتخلف. وكانت أقلام الأعلام من أدبائنا ترميها بكل نقيصة. فآليت على نفسي أن أكتب رواية أودعها صبر المرأة على الأذى، مما يدعون عداوتها ظلماً ووهماً، فكانت في (أروى بنت الخطوب) صور لما لحق بالمرأة من بهتان وهوان، عبّرت فيها عن شقاء المرأة (بلعنة) الرجل وبقاء كرامتها في اعتصامها بالتقوى"(40). ألفت عام 1950 كتاب (انصاف المرأة) وهو من الكتب المبكرة التي دارت حول المرأة، وعنوانه يفصح بجلاء عن الفكرة المركزية للكتاب. وما عملها على الكتابة عن النساء المتميزات في تاريخنا العربي الديني والصوفي والأدبي الا تعبير عن رغبتها في رفع شأن المرأة، وتقديم نماذج تصلح لأن تكون حافزاً للمرأة السورية والعربية لتطور ذاتها، بالقدر الذي تكون فيه رداً على من يتهم المرأة بالقصورالعقلي.
ومن الرائدات في الفن القصصي والروائي الأديبة ألفة الأدلبي (1912-2007) التي بدأت بكتابة القصة القصيرة عام 1947. نشرت مجموعتها القصصية الأولى عام 1954 بعنوان (قصص شامية) التي قدّم لها القاص المصري الكبير محمود تيمور، وأعلن في مقدمته عن ميلاد كاتبة قصصية عربية، يقول: "سوف يفرغ القراء من هذه المجموعة وقد اختلفوا أذاواقاً وأهواء، تتفاوت مراتب اعجابهم بهذه القصة أو تلك، لكنهم سيتفقون جميعاً على أن كاتبة قصصية قد بزغ نجمها في أدبنا العربي، وأن هذا النجم قد أخذ يبحث في عرض الأفق ضوءه الوادع اللماح."(41) ثم صدر لها أربع مجموعات قصصصية وروايتان، (دمشق يا بسمة الحزن) عام 1980(42) و(حكاية جدي) عام 1991. ولها عدد من الدراسات حول الأدب الشعبي السوري، وموضوعات دمشقية، مثل (عادات وتقاليد الحارات الشامية القديمة). تلتقي الادلبي مع معظم الرائدات في رفض الاحتلال الفرنسي لسورية والتظاهر ضده، والاسهام في الأنشطة التوعوية والثقافية. فقد نشطت في صفوف (جمعية الندوة الثقافية النسائية) التي تأسست عام 1942، وهدفت الى مساعدة الطالبات الفقيرات وأسرهن، والنهوض بالمرأة اجتماعياً وثقافياً، وتحريرها من الأمية، ومن الجهل من خلال محاضرات وقراءات منظمة للعضوات، وتأسيس مكتبة تضم أمهات الكتب في الأدب والمعارف العامة.
من الرائدات أيضاً في الشعر والرواية والقصة القصيرة وأدب السيرة سلمى الحفار الكزبري (1923- 2006). تلقت تعليمها الأساسي في مدرسة (الفرنسيسكان) الشهيرة في دمشق، وكانت من تلميذات الأديبة مي العجمي. تعلمت في المدرسة الفرنسية، والانجليزية، ولاحقاً أجادت الاسبانية خلال وجودها في اسبانيا. وكان لمكتبة والدها لطفي الحفار- السياسي السوري البارز- الغنية بالكتب التراثية أثر بين في تكوينها المعرفي واللغوي. بدأت نشاطها الأدبي، كمعظم الرائدات، بنشر مقالات في الصحف، فنشرت في أواخر الثلاثينيات مقالات في جريدة (الأحد) الدمشقية، وجريدة (أصداء سورية) التي كانت تصدر بالفرنسية. عام 1950 نشرت رواية (يوميات هالة) فكانت ثاني رواية نسوية سورية بعد رواية السكاكيني الآنفة الذكر. ونشرت ثلاثة دواوين بالفرنسية ابتداء من عام 1950. تتالت بعد ذلك مؤلفاتها في الرواية والقصة القصيرة وأدب السيرة، وفي المقالات والدراسات الأدبية. عنيت بشكل خاص بأدب مي زيادة، فألفت كتاب (رسائل مي زيادة الى اعلام عصرها) 1982، و(مي زيادة أو مأساة النبوغ) 1987، وقبلهما نشرت بالتعاون مع الدكتور سهيل بديع بشروني عام 1979 رسائل جبران خليل جبران لمي زيادة بعنوان (الشعلة الزرقاء).
وكمعاصرتها وداد السكاكيني اهتمت بالتعريف بسير نساء نابغات من الشرق والغرب، فكتبت (نساء متفوقات) 1961 و(جورج صاند) 1979. يذكر أن أدب تراجم شهيرات العرب والعجم بدأ في المشرق العربي في الربع الأخيرمن القرن التاسع عشر. فقد نشرت مريم نصر الله النحاس الطرابلسية السورية عام 1879 كتاب (معرض النساء في تراجم مشاهير النساء). ونشرت اللبنانية الرائدة الكبيرة زينب فواز عام 1894 كتاب (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور). وأشرنا سابقاً الى جهود نديمة منقاري في نشر تراجم لنساء العرب والمسلمين في مجلة (المرأة). وفي الفترة الواقعة بين 1892 و 1939 نُشرت في مصر وحدها، في ثماني عشرة دورية، خمسمئة واحدى وسبعون سيرة نسائية ألفها رجال ونساء، "وكانت هذه السير نتاجاً للقاء مثمر بين مورثين، أولهما الموروث العربي الغني بكتابة السير والتراجم، وثانيهما الموروث الأوربي في الكتابة عن مشاهير النساء."(43)
قرنت الحفار الكزبري نشاطها الأدبي بالنشاط الاجتماعي النسوي، فشاركت في شبابها بعدة مؤتمرات نسوية كالمؤتمرالاقتصادي الاجتماعي الذي عقد في مبنى اليونيسكو في بيروت عام 1949 لمناقشة حقوق المرأة. وأسهمت عام 1945 مع زميلات لها بتأسيس جمعية (مبرة التعليم والمواساة) للعناية بالأطفال اللقطاء. وكالعديد من الرائدات كانت مولعة بالموسيقا، وتجيد العزف على البيانو.
وكما أسهمت المرأة السورية في الصحافة المكتوبة منذ بداياتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أسهمت في العملين الاذاعي والمتلفز منذ انطلاقتهما الأولى، فكانت مقدمة نشرات أخبار وبرامج، ومخرجة وممثلة. تأسست اذاعة دمشق عام 1947، فكانت ثاني اذاعة عربية بعد اذاعة القاهرة. واول صوت نسائي سمع عبر أثير اذاعة عربية كان صوت اللبنانية عبلة أيوب الخوري ( 1919- 1992) التي انضمت الى اذاعة دمشق عام 1949، بعد أن نجحت في اجتياز امتحان القبول في أول مسابقة لتعيين مذيعين ومذيعات في سورية. تبع تعيين عبلة الخوري في الاذاعة تعيين عدة أصوات نسائية سورية كلمياء الشماع وفاطمة البديري، فشكلن مع عدد قليل من الرجال رعيل المذيعين الأول. تبعتهن ست مذيعات أخريات، منهن: نجاة الجم وفردوس حيدر وسعاد نحّاس.
عندما أسس التلفزيون السوري عام 1960، انضمت الى مجموعة مذيعيه الرجال الدمشقية نادية الغزي المولودة عام 1935. وقد قدمت برنامج (البيت السعيد) الذي كان موجهاً للمرأة. وهي ابنة سعيد العزي رئيس وزراء الحكومة السورية لمرتين في عهدي هاشم الاتاسي وشكري القوتلي. وكانت تحمل شهادة جامعية في الحقوق. وهذا يعني أن انضمام المرأة المبكر الى العمل الاذاعي والمتلفز حظي بتأييد من بعض السياسيين والنخبويين السوريين، ولم ينظر اليه على أنه عمل غير لائق بالنساء، خاصة بما يتطلبه من احتكاك واسع ومباشر بالمجتمع. وقبل تأسيس التلفزيون بيوم واحد عينت غادة مردم بك (1941-2017) مساعدة مخرج، ثم أوفدت الى ألمانيا في دورة تدريبية لتطوير مهاراتها في الاخراج.
يذكر أنه كان يعمل في التلفزيون السوري عند انطلاقته الأولى خمسون موظفاً من مذيعين ومذيعات وفنيين وممثلين وغيرهم، ومن الرجال وسيدات المجتمع حسب تقرير مرفوع على قناة الـ(اليوتيوب)، كان قد بثه التلفزيون عام 1960. واستمر التلفزيون يستقطب وجوهاً اعلامية نسائية لعبت دوراً هاماً في تطوير عمله في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كالمذيعة عواطف الحفار اسماعيل التي التحقت بالعمل فيه عام 1962، وهيام طباع، وهيفاء عربي كاتبي، وسهام ترجمان، ونجاة الجم مقدمة برنامج (مرحباً يا صباح) الشهير، وعادلة الشمعة التي ترأست القسم الفرنسي في اذاعة دمشق عام 1968. وفي عام 2008، أي بعد مضي أربعين عاماً على تأسيس التلفزيون السوري استطاعت امرأة للمرة الأولى تولي منصب ادارته، وهي ديانا جبور. وفي العام نفسه تولت سورية أخرى، هي سميرة المسالمة، رئاسة تحرير جريدة تشرين الرسمية، على الرغم من مضي نحو مئة وسبعة وثلاثين عاماً على بدء اسهام السوريات النشط بالصحافة المكتوبة، سواء بكتابة المقالات، أو بتأسيس المجلات والاشراف عليها.
في الفن التشكيلي، كانت اقبال ناجي قارصلي (1925-1969) أول فنانة تشكيلية في سورية، وأول سورية تقيم معرضاً فنياً فردياً، وكان ذلك في دمشق عام 1964. ثم أقامت ثلاثة معارض فنية فردية في مدينتي دمشق والطبقة السوريتين، وفي مدينة رستوك في ألمانية الديقراطية. وعرضت لوحاتها في قاعة عرض (وان) في بيروت منذ عام 1963 حتى وفاتها. كما شاركت في جميع المعارض الفنية الجماعية السورية داخل سورية وخارجها منذ عام 1954 حتى وفاتها عام 1969 الناجمة عن تسمم مزمن من مادة الرصاص الموجودة في الألوان الزيتية التي كانت تستخدمها. رسمت أكثرمن سبعمئة وخمسين لوحة، حمّلتها رؤيتها الخاصة لطبيعة بلادها المتنوعة المناخات، ولصور حياة الناس من حولها. وما زال أثر فنها بعد أكثر من نصف قرن على غيابها الجسدي موضع تقدير واعجاب من النقاد ومتتبعي حركة الفن التشكيلي في سورية. تلا الرائدة قارصلي ظهور عدد قليل من الفنانات التشكيليات، من مثل: ليلى نصير (1941-)، هالة مهايني (1947-) ، وليلى رزوق (1955-) . وما زال عدد الفنانات التشكيليات حتى يومنا هذا قليلاً مقارنة بالفنانيين الذكور.
لم تكن الأنشطة الرياضية غائبة عن ممارسة النساء منذ أربعينيات القرن الماضي، فقد شُكلت فرق رياضية نسوية تابعة لبعض النوادي، أو بعض المدارس. فالوثائق المنشورة في مدونة التاريخ السوري المعاصر، تظهر صوراً لمبارة كرة سلة عام 1949 بين فريقين للبنات تابعين لناديين دمشقيين. كما تظهر اشتراك أول فارسة سورية في مسابقة دولية لركوب الخيل عام 1959، هي عايدة الشرباتي. وستمضي أكثر من ثلاثة عقود على هذا التاريخ حتى تحقق فتاة سورية انجازات رياضية دولية ابتداء من عام 1993، هي غادة شعاع التي فازت عام 1993 بميدالية فضية في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في فرنسا، وبميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية في دورة اتلانتا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1996، وهي أول ميدلية ذهبية تحصدها الرياضة السورية بتاريخ اشتراكها بالألعاب الأولمبية.
وبعد، لا شك أن المرأة السورية حققت خلال مسيرة المئة والخمسين سنة الكثير من الانجازات في مختلف الميادين. فقد وصلت نسبة التحاق الاناث بالتعليم الأساسي عام 2011 في حلقته الأولى 98%، وفي حلقته الثانية 94%. (44) وأعلنت قبل نحو عشر سنوات أربع محافظات سورية (طرطوس، السويداء، درعا، القنيطرة) خلوها التام من الأمية بين الذكور والاناث. واقتربت نسبة التحاق الطالبات بالتعليم الجامعي نسبة التحاق الطلاب، وزادتها في بعض السنوات، كعام 2014. وعملت السورية في شتى الميادين المدنية والعسكرية. وقد شكلت نسبة القوى العاملة النسائية من القوى العاملة في سورية عام 2019 ما نسبته 15.47% بعد أن وصلت عام 1990 الى 25.15 بالمئة(45). ولهذا التراجع أسباب عديدة، من أهمها تداعيات الحرب الدائرة منذ عام 2011. وماثلت المرأة الرجل في الأجر والتعويضات، وفي تكافؤ الفرص للحصول على عمل. وحصلت على جملة من الحقوق السياسية، فازدادت نسبة تمثيل النساء في مجلس الشعب، ووصلت الى 12%. واختيرت امرأة لمرة واحدة رئيسة لمجلس الشعب (46)، وبلغت نسبة النساء في الادارة المحلية 3.1%، وفي السلك الدبلوماسي 11%. ولم تخل تشكيلات مجلس الوزاء منذ 1976 حتى الآن من وزيرة أو اثنتين، وأحياناً ثلاث وزيرات، كما هي الحال في التشكيلة الوزارية الحالية.
وعينت نائبة للرئيس لمرة واحدة، ومستشارة للرئيس لثلاث مرات. ودخلت سلك القضاء والنيابة العامة، وباتت تشكل 13% من قضاة سورية، و16% من المحامين. وشغلت عام 1998 سيدة منصب النائب العام. ووصلت الى رتبة لواء في الجيش عام 2016 ، ولواء في الشرطة عام 2017. ومع ذلك ما زالت تعاني المرأة السورية من تمييز بعض القوانين ضدها، كقانون العقوبات (عقوبة الزنى)، وقانون الجنسية (منع المرأة من منح الجنسية السورية لأولادها من زوج غير سوري)، وقانون الأحوال الشخصية (حقوق الولاية والوصاية والقوامة، وحرية التنقل والسفر والاقامة، والمساواة في الزواج والطلاق والارث). وأغفلت القوانين تماماً حق المرأة المتزوجة في مشاركة الزوج ما تمتلكه الأسرة بعد الزواج، سواء أكانت الزوجة منتجة، ولها دخل منفصل عن دخل زوجها، أو كانت شريكة له في الأعمال الزراعية في الأرض التي يمتلكها، أو متفرغة للقيام بشؤون الأسرة وتربية الأولاد. لقد تركت القوانين تنظيم شؤون مؤسسة الزواج المالية للزوجين يديرانها كيفما يشاءان، فعرضت المرأة لاستغلال الزوج الذي يستند لارث اجتماعي وثقافي يمنحه سلطة مطلقة على الأسرة والزوجة.
وبهذه السلطة يستولي، كرهاً أو طواعية، على ما تنتجه الزوجة، فيرفض في كثير من الأحيان أن تقاسمه زوجته امتلاك ما جنته يداها من عمل بعد الزواج، ويصر على أن يكون السيد والمالك الوحيد لبيت الزوجية وغيره مما يستطيعان معا امتلاكه طوال فترة زواجهما. وغالباً ما ترضخ المرأة، مهما علا شأنها في المجتمع أو مكان العمل، لرغبة الزوج حفاظاً على أولادها، وتمسكاً بديمومة حياتها الزوجية، وخوفاً من أن يجلدها المجتمع بسياطه ان طالبت بحقها، ويرميها بتهمة الجشع، وتفضيل المال على الزوج والعائلة. كما ترضخ المرأة أيضاً، في غالب الأحيان، الى رغبة أسرتها في التخلي عن حقها في الارث لصالح أخوتها الذكور، خاصة في الأرياف، خوفاً من نبذ الأهل لها، وتشهير المجتمع بها.
ما زال المجتمع السوري رغم مضي عقود كثيرة على بدء نهضته، يصدر عن ثقافة بطريركية تعطي الرجل حق قيادة الأسرة والمجتمع، وتقصي المرأة الى المرتبة الثانية. وهذه الثقافة ما زالت مسيطرة على قيادات الأحزاب السياسية السورية العلمانية وغير العلمانية. فسياسات الدولة والاحزاب المتحالفة معها، والاحزاب المعارضة لها ما زال يرسمها الرجال، وما زال وجود المرأة في مركز صنع القرار، مهما بلغت نسبة تمثيلها التي قد تصل الى 30 بالمئة في بعض كيانات المعارضة(47)، وجوداً شكلياً، تمليه، غالباً، ضرورة مواكبة العصر، ومتطلبات المنظمات الدولية، أكثر مما تمليه القناعة الراسخة بأهلية المرأة للعب دور سياسي. وآلية اختيار النساء لأدوار قيادية سياسية في سورية، لا تتم، في الأغلب الأعم، وفق معايير الكفاءة، بل وفق درجة الولاء للحزب، أو بعض قيادييه، وأحياناً وفق انتمائها الطائفي في حال انتمائها للمعارضة. وبهذا تحرم المرأة ذات الكفاءة أحياناً من تولي مهام قيادية فعالة تعمل من خلالها على التنمية المجتمعية والاقتصادية الشاملة، بالتزامن مع عملها على منح المرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل. وعندها يكون الولاء للقضايا الوطنية التي تتبناها المرأة، وليس لمتطلبات الوظيفة التي تحتلها، وان كانت حقيبة وزارية.
ان منح حرية تشكيل الجمعيات والاحزاب يسهم في تنشيط الحياة المدنية السورية، ويعيد للمجتمع حيويته الفكرية، ويدفع قدماً عملية تطوير المرأة، ويتيح للكيانات والهيئات المدنية المناصرة لقضايا المرأة استقطاب شريحة من النساء السوريات، اللواتي تجتذبهن التجمعات النسوية الدينية الدعوية المغلقة الناشطة حالياً، والتي تعزز المقولات الاجتماعية المتوارثة عن قوامة الرجل وسيطرته، وتكبل انطلاقة المرأة لتطويرالذات والانفتاح على الأفكارالحديثة التي تعلي من شأن الحرية الفردية المتاغمة مع الحرية الجمعية.
ولا شكّ أن العمل على تطوير واقع المرأة السورية في الوقت الراهن يحتاج الى تضافر جهود جبارة من الدولة والمجتمع المدني للتغلب على نتائج الحرب الكارثية اثر انطلاق الحراك المعارض في آذار/ مارس 2011، وتبنيه من عدد من الجهات الاقليمية والدولية، التي عملت على ادخال المنظمات الاسلامية الراديكالية الى سورية، وأمدتها بالمال والسلاح والمقاتلين، ومكنتها من السيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي السورية. فكان أن حدث تراجع مريع في الحقوق التي كانت قد حصلت عليها النساء، ففرض عليها في أماكن سيطرة هذه المجموعات لبس النقاب، وتغطية كامل جسدها. وحرمت من الخروج من بيتها دون محرم. ومنعت من الاختلاط بالرجال، والمشاركة في الحياة العامة. وتعرضت للسبي، وللزواج المبكر، والزواج غير المتكافئ. وازدادت نسبة النساء الأرامل، وزادت حالات الطلاق، وتصاعدت نسبة النساء اللواتي بتن المسؤولات عن اعالة أسرهن، نتيجة فقد الزوج، أو وجوده في ساحات المعارك المحتلفة(48).
واذا كانت الدولة السورية قد استطاعت اعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية، فان نتائج ما خلفته هذه المنظمات في بنية المجتمع السوري عامة، وفي واقع النساء خاصة يحتاج الى سنوات طوال من العمل المخلص والدؤوب لاعادة النساء للانتظام في الحياة المدنية، والمشاركة الفعالة في الحياة العامة بمختلف صورها التي سبقتهن الى الانخراط بها رائدات سوريات كثيرات خرجن من قوقعة الحريم، وكسرن حواجز اجتماعية ودينية موغلة بالقدم، فنلن احترام مجتمعهن، وسجلن مآثر وطنية وفكرية وأدبية سيخلدها التاريخ الوطني السوري. والأمل معقود على أن يشهد بناء سورية ما بعد الحرب اسهاماً أوسع للنساء في الحياة السياسية وصنع القرار، بما يخدم تطور المجتمع وتقدمه برجاله ونسائه. وأن نشهد تطوير القوانين للوصول الى المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات، تطبيقاً لما ينص عليه روح الدستور.
ونأمل أن يتحلى صناع القرار بالجرأة في مواجهة الكثير من رجال الدين المتشددين الذين يرفعون عصاهم عند كل خطوة يخطوها المجتمع المدني أو الدولة باتجاه تحسين واقع النساء، وتعديل بعض القوانين المجحفة بحق المرأة. ولِيُذَكّرْ من يرى أن حرية المرأة تتعارض مع الدين، أن عدداً لا بأس به من رجالات النهضة العرب كانوا من رجال الدين الذين دعوا الى تعليم المرأة، والاعلاء من شأنها، والى مشاركتها الرجل في بناء المجتمع، كمحمد عبده، ورفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، وعبد الرحمن الكواكبي.
الهوامش:
* بدأ انشاء المدارس في جبل لبنان، فأسس العازاريون مدرسة عينطورا 1834، وتبعتها مدرسة عبية الابتدائية عام 1835 التي أسسها الانجيليون البروتستانت الأمريكان، والتي تحولت بجهود المعلم بطرس البستاني ومجموعة من مثقفي عبيه الى مدرسة عالية لاعداد المعلمين عام 1847 . ثم انتقلت عام 1866 الى بيروت ،وتحولت فيما بعد الى الكلية السورية الانجيلية، المعروفة اليوم باسم ( الجامعة الأمريكية). وأسس اليسوعيون أيضاً عام 1847 مدرسة في بلدة غزيز، والتي تكونت منها عام 1874 كلية القديس يوسف، الجامعة اليسوعية اليوم. وقد بدأت الجامعة الأمريكية والجامعة اليسوعية تدريس العلوم باللغة العربية، واضطر أساتذتها الأجانب الى تعلم اللغة العربية، وتأليف كتبهم التدريسية بها، الا أن هذه الحال لم تدم طويلاً، اذ تحولوا الى التدريس بالانجليزية والفرنسية ابتداء من عام 1880. انظر: الدكتورعبد الكريم الأشتر: تعريف بالنثرالعربي الحديث، منشورات جامعة دمشق،ط4، 1998 صص 4،5
- الدكتورة ليلى الصباغ: " المدرسة الفارسية في دمشق"، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 83، الجزء 1، ص 35
- المرجع نفسه، ص 38
- المرجع نفسه/ صص50،51
- هادي البحرة "مريانا مرّاش (1840-1919).. من رائدات النهضة" http://musawasyr.org/?p=1991
(5) موقع مركز مساواة الإلكتروني http://musawasyr.org/?p=1991 عن مجلة المقتطف، السنة الرابعة 1879-1880، الجزء التاسع، ص249
(6) المرجع السابق، عن مجلة المقتطف، السنة السادسة، الجزء الثاني، يوليو 1881م، ص127
- صبحي حديدي:" الأدب القصصي والشعري النسائي في سورية القرن العشرين"موسوعة الكاتبة العربية، مج1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة ، ط1، 2004، ص187
- مهيار الملوحي: " صحافة متخصصة: مجلة المرأة" http://esyria.sy/ecal/article/%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D8%AE%D8%B5%D8%B5%D8%A9-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9
- دار الوثائق الرقمية، https://www.dig-doc.org/index.php?page=Ym9vaw==&op=ZGlzcGxheV9ib29rX2RldGFpbHNfdQ==&book_id=MzM0&lan=YXI=
- مهيار الملوحي: " صحافة متخصصة: مجلة المرأة "،http://esyria.sy/ecal/article/%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D8%AE%D8%B5%D8%B5%D8%A9-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9
- دار الوثائق الرقمية، https://www.dig-doc.org/index.php?page=Ym9vaw==&op=ZGlzcGxheV9ib29rX2RldGFpbHNfdQ==&book_id=MzM0&lan=YXI=
- لمعرفة المزيد عن لجنة كينغ- كراين ومهامها، انظر: الموسوعة الفلسطينية https://www.palestinapedia.net/%D9%83%D9%8A%D9%86%D8%BA-%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9/
- جريدة النور، عدد 20/8/2018 https://alnnour.com/?p=48463
(14) العلامة والمؤرخ محمد جميل بيهم (1887-1978) من رواد النضهة الفكرية والسياسية العربية، كان نصيراً للمرأة، ومدافعاً عن حقوقها ورافضاَ التمييز ضدها والعنف الواقع عليها. ألف عدة كتب عن قضايا المرأة وتاريخها، منها " كتاب ( المرأة وقضاياها وتاريخها) و ( المرأة في التمدن الحديث) و ( فتاة الشرق في حضارة الغرب). انظر: النهضة النسائية في بيروت المحروسة، آذار ، 2013، https://web.archive.org/web/20140102194635/http://lcaclebanon.wordpress.com:80/2013/03/05/beirutwomen/
(15) منها جمعية (نقابة المرأة العاملة، 1932)، وأسست أيضاً في لبنان مدرسة و ميتماً ومشغلاً لأطفال شهداء فلسطين. كما أسست ميتماً لبنات شهداء لبنان، تلقين فيه التعليم العام والمهني. وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 انبرت ومجموعة من السيدات اللبنانيات لدعم الشعب المصري. وفي العام نفسه شاركت في ( المؤتمر النسائي الدولي ) الذي عقد في الصين الشعبية. بالإضافة الى ذلك أسست لجنة للأمهات تعمل على رفع سوية الأم اللبنانية، وانتخبت عام 1959 رئيسة لها، ونُظِم بإشرافها أول عيد وطني للأم في لبنان.
- انظر" تميم مردم بك:" صفحات من حياة جميل مردم بك (4)" ، مدونة التاريخ السوري المعاصرhttps://syrmh.com/2019/08/10/%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%B1%D8%AF%D9%85-%D8%A8%D9%83-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%B5%D9%84%D9%8A/
- انظر: باسل عمر حريري " فائقة المدرس"، مدونة التاريخ السوري المعاصر https://syrmh.com/2018/01/23/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%81%D8%A7%D8%A6%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3-1885-1986/
(18) هنادي سليمان علي : ثريا الحافظ رائدة في حركة التحرر وحقوق المرأة في سورية، سبتمبر 2018
(19)" نساء من سورية: ماري عجمي (1888-1965).. صاحبة أول مجلة نسائية عربية في سورية، جريدة النور، عدد 682، 20/8/2018
(20) انظر: باسل عمر حريري " فائقة المدرس"، مدونة التاريخ السوري المعاصر، مرجع سابق https://syrmh.com/2018/01/23/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%81%D8%A7%D8%A6%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3-1885-1986/
(21) نزار أسعد هارون: سوريا التي عرفت، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2017، ص 137
(22) انظر: مركز داراسات المرأة ( مساواة) http://musawasyr.org/?p=16243
(23) نزار أسعد هارون: سوريا التي عرفت، ص 137
(24) هدى جمال عبد الناصر: المجموعة الكاملة لخطب وتصريحات الرئيس جمال عبد الناصر، مج السابع، ص638
(25) فوّاز حجو: "شاعرة الشام طلعت الرفاعي" الموقف الأدبي، دمشق مج 37/العدد 445/أيار/ مايو 2008 صص 40- 58
(26) كمال شاهين "أليس قندلفت".. حضور ريادي مميز في الأمم المتحدة
(27) كمال شاهين: " ثبات اسلامبولي.. عبرت البحار من أجل الطب" http://esyria.sy/sites/code/index.php?site=damascus&p=stories&category=characters&filename=201511260034201
(28) انظر مدونة د. جوزيف زيتون http://josephzeitoun.com/2018/12/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%A8%D8%A9 -%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D9%85%D8%A7%D9%87%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82%D9%8A%D8%A9/
(29) الدكتورة ليلى الصباغ: " المجمع العلمي العربي بدمشق والمرأة"، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 78، الجزء الثاني ، ص267http://www.arabacademy.gov.sy/uploads/magazine/mag78/mag78-2.pdf ج2
(30) المرجع نفسه، ص 265
(31) المرجع نفسه، انظر: صص،273 274، 275، 276
(32) المرجع نفسه، ص 277
(33) المرجع نفسه، ص 279
(34) المرجع نفسه، 279
(35) المرجع نفسه، ص 297
(36) المرجع نفسه، 287
(37) المرجع نفسه، ص280
(38) المرجع نفسه،ص285
(39) صبحي حديدي: " الأدب القصصي والشعري النسائي في سورية في القرن العشرين" مرجع سابق صص 189-190
(40) انظر: ايمان القاضي، الرواية النسوية في بلاد الشام: السمات النفسية والفنية ( 1950-1985)، دار الأهالي، دمشق، 1992، ص 77
(41) صبحي حديدي:" الأدب القصصي والشعري النسائي في سورية في القرن العشرين" مرجع سابق ص192
(42) للوقوف على موضوع الرواية، وشخصية البطلة فيها، انظر: ايمان القاضي، الرواية النسوية في بلاد الشام، مرجع سابق، صص72-74
(43) مقدمة موسوعة الكاتبة العربية ، مج1، مرجع سابق، ص 18
(44) انظر: جانيت عرنوق: تداعيات الحرب- الأزمة على واقع المرأة السورية، مركز دمشق للأبحاث والدراسات( مداد)، 30 أيار/مايو2017
(45) بيانات البنك الدولي https://data.albankaldawli.org/indicator/SL.TLF.ACTI.FE.ZS?locations=SY
(46) فازت هدية عباس بالتزكية برئاسة مجلس الشعب عقب انتخابات 2016، وعزلت بعد اقل من سنة، بسبب التصرفات غيرالديمقراطية، كما أعلن بيان صادرعن مجلس الشعب.
(47) للوقوف على واقع المرأة في الكيانات السورية المعارضة، انظر: لمى قنوت: المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش، اللوبي النسوي السوري، ط1، 2016، صص 31-82
(48) للاطلاع على أوضاع المرأة السورية خلال الحرب في سورية، انظر: جانيت عرنوق: تداعيات الحرب- الأزمة على واقع المرأة السورية، مرجع سابق http://www.dcrs.sy/%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9
د. إيمان القاضي
أستاذة جامعية، وناقدة سورية حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة دمشق.
نشرت عام 1992 كتاباً بعنوان: الرواية النسوية في بلاد الشام: السمات النفسية والفنية ( 1950-1985)، وكان أول كتاب في المكتبة العربية يتناول الرواية النسوية في بلاد الشام.
شاركت في تأليف المجلد الأول من (موسوعة الكاتبة العربية: ذاكرة للمستقبل) المنشورة في القاهرة عام 2004 بدراسية بعنوان ( الرواية النسوية السورية في نصف قرن).
لها عدد من الدراسات النقدية المنشورة في المجلات الأدبية السورية. وفي هذا العام نشرت لها مجلة (الكلمة) دراستين، الأولى بعنوان:" الرواية النسوية في سورية في سبعة عقود: جدلية الخاص والعام."، والثانية بعنوان" اكرام أنطاكي: المتألقة في فضاءات الغربة والمسكونة بخيبات الوطن".
قدمت عدداً من الأوراق البحثية في ندوات ثقافية في سورية والإمارات وكندا، كان آخرها ورقة بعنوان:
“Syrian Women between Cultural and Social Heritage And Discrimination of Laws”
قُدمت في جامعة يورك في تورونتو في ندوة أقامها قسم اللغات والآداب واللغويات لمناقشة قضايا شرق أوسطية إعلامية وجندرية.
شغلت منصب رئيسة قسم اللغة العربية والدراسات الإماراتية بالإنابة في كليات التقنية العليا في أبو ظبي.
ودرّست الأدب العربي الحديث، ومهارات اللغة العربية، والدراسات الإعلامية في جامعة دمشق في سورية وفي جامعتي زايد والعين وكليات التقنية العليا في الإمارات العربية المتحدة، ودرّست اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة ريرسون الكندية.