معتقل منذ العام 2003، ومحكوم بالسجن 6 مؤبدات و50 عاماً. مصاب بسرطان الحنجرة والحبال الصوتية، تدهورت صحته وفقد صوته، وأخيراً تمت إصابته بفايروس كورونا، حياته في خطر ومهدد بالموت. هذا حال الأسير الفلسطيني كمال أبو وعر الذي يبلغ من العمر 46 عاماً، من بلدة فباطية في مدينة جنين والمعتقل في سجن "جلبوع" النازي، بعد أن أمضى للآن 18 عاماً في زنازين المحارق الصهيونازية.
أمين شقيق الأسير يذكر أن أخاه قد أصيب بسرطان الحنجرة في العام 2019 وأن الفحوصات الأخيرة أظهرت أن "حجم الورد يزداد". وتقول شقيقته نسرين أن "حالة كمال المعنوية مرتفعة جدا، لكن وضعه الصحي خطير" تضيف "أتمنى أن يتم إنقاذه قبل فوات الأوان". الأسير الذي يصارع المرض اعتقلته قوات الاحتلال في بداية عام 2003 ووجهت له تهمة الانتماء لكتائب شهداء الأقصى، والقيام بأعمال المقاومة ضد الاحتلال وقتل العديد من جنود العدو الصهيوني. الأسير أبو وعر والذي يكنى "أبو أمجد" أعزب من بلدة قباطية جنوب جنين، وله شقيقين وشقيقة واحدة.
كان من الرجال الصناديد في مواقع العمل الوطني بصفوف كتائب شهداء الأقصى في مدينة نابلس "جبل النار". مناضل شجاع لا يهاب شيئاً، كريم وصاحب شهامة ومروءة كما يقول جميع من يعرفه. اعتقلته قوات الاحتلال حين قام بطعن جندي صهيوني حاول التحرش بفتاة فلسطينية قرب مدينة نابلس، حتى الموت.
تعرض للتعذيب الشديد طوال شهور عديدة، أثناء فترة التحقيق في أقبية جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت"، قبل أن تصدر المحكمة العسكرية الإسرائيلية عليه حكماً بالسجن المؤبد 6 مرات و50 عاماً إضافية.
الشهداء الأحياء
ما يتعرض له الأسير أبو وعر، يتعرض له جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني، منهم ما يقرب من 1000 أسير يعانون أمراضاً مزمنة وخطيرة، 100 اسير منهم على الأقل يعانون من أورام سرطانية بدرجات متفاوتة. ورغم خطورة الظروف الصحية لهؤلاء الأسرى إلا أن إدارة السجون لا تقدم لهم سوى المسكنات والمنومات، رغم أن غالبيتهم يعانون من الشلل والإصابة بالرصاص والأمراض المزمنة، ويتنقلون على كراس متحركة، ويعتمدون على أسرى آخرين للقيام باحتياجاتهم اليومية.
تتعمد سلطات الاحتلال مواصلة سياسة الإهمال الطبي الكشفي والعلاجي والدوائي بحق الأسرى الفلسطينيين. وتماطل في إعطاء الأسرى المرضى بعض الأدوية. وتحول السجون إلى محارق جديدة، اشبه بالمحارق التي تعرض لها اليهود أنفسهم في أربعينيات القرن الماضي. فقد استشهد في العام المنصرم فقط بالسجون الإسرائيلية أحد أقدم الأسرى الفلسطينيين، الأسير فارس بارود، 51 عاماً، وقد قضى 28 عاماً في الأسر. وبعده أُعلن عن استشهاد الأسير ياسر اشتية، 36 عاماً، في ظروف ما زالت مجهولة.
ثم استشهد الأسير سعدي الغرابلي 75 عاما من قطاع غزة، جراء معاناته من مرض السرطان الذي أصيب به خلال فترة اعتقاله التي دامت 26 عاما، حيث كان يشتكي من عدم اكتراث سلطات السجون لوضعه الخطر، وعدم تقديم العلاج اللازم له. الأسرى الفلسطينيين الذين ضحوا بحياتهم، ويمضون أجمل سنين عمرهم خلف القضبان في معتقلات وحشية فاشية، يجب أن تبقى قضيتهم في مقدمة اهتمام القيادة الفلسطينية، ويجب أن يتم اعتبارها واحدة من أهم الثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني.
إن الأسرى الفلسطينيين ليسوا أرقاماً في قوائم إدارة السجون الإسرائيلية. فلكل اسير منهم حكاية تقطر وجعاً، فهم غصة لا تبارح في قلب كل واحد من ذويهم ومن شعبهم. واستمرار اعتقالهم في الزنازين الصهيونية وصمة عار على جبين هذا العالم البغيض. فالمخالفات التي يرتكبها الاحتلال البغيض في حق الأسرى لا تمت للإنسانية بصلة وكل ذلك يجري أمام صمت كريه ومفضوح من الأوساط العالمية، التي تتجاهل قيام إسرائيل انتهاك القانون والأعراف الدولية، ومن هذه الانتهاكات منع الأهالي من الزيارات، والتعذيب الجسدي والنفسي، والاعتقال الإداري، وهو اعتقال بدون أي تهمة، أو لأسباب تسميها قوات الاحتلال بالأدلة السرية، وماهي إلا حجج واهية لتبرر جرائمها.
على سبيل الذكر فإن الحاجة لطيفة أبو حميد "أم ناصر" من مخيم الأمعري للاجئين قرب رام الله فقدت أي خبر عن أبنائها الأسرى الأربعة المعتقلين في سجن عسقلان والمحكومين بعدة مؤبدات، بعدما منعتها سلطات الاحتلال من زيارتهم منذ خمس سنوات على الأقل. قضية الأسرى الفلسطينيين في المحارق الصهيونازية لم تكن يوما مجرد عناوين في الصحف وقنوات الأخبار، أو مجرد جرائم كالتي يرتكبها الاحتلال يومياً، بل تحولت لسياسة ممنهجة تهدف إلى إخضاع الشعب الفلسطيني. لكنها بالنسبة للفلسطينيين هي عقيدة يؤمن بها ويناضل من أجلها كل فلسطيني حر، وهي أيقونة الحرية المُنتظرة.
فيما تواصل إسرائيل سياسة الإهمال الطبي والقتل العمد للأسرى الفلسطينيين في سجونها، المعتقلين في ظروف قاسية للغاية، حيث تفتقد الزنازين التي يقبعون داخلها إلى أبسط ضروريات الحياة البشرية. ويواصل الشعب الفلسطيني نضاله المشروع، ولن يتوقف حتى استعادة حريته ونيل استقلاله، ليعيش كريماً حراً في دولته الفلسطينية التي ستظل عاصمتها القدس الشريف.
الغرب المنافق
الغرب الذي يذرف الدموع لرؤية قطة تتعرص لحادث دهس في الشارع العام، لكنه يتجاهل القتل الممنهج الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، على أيدي الصهاينة النازيين الجدد. فلا يمر يوم دون ان تقوم قوات الاحتلال بإطلاق الرصاص على رأس أحد المواطنين الفلسطينيين، في مدينة أو بلدة فلسطينية، دون أن نسمع أي إدانة للكيان المغتصب. الغرب الذي يصرف المليارات لأجل مكافحة انقراض بعض أنواع الحيوانات والنباتات في مناطق مختلفة من العالم، لا يفعل شيئاً للإنسان الفلسطيني المهدد بذاته ووجوده وحياته وبوطنه وأرضه وعائلته وبمستقبله منذ قرن من الزمن.
يبدو أن حقوق الإنسان وكرمته ماركة غربية، لا تصلح لغير الغربيين. فالحكومات الغربية التي تثير زوبعة حول حقوق الإنسان حين يتم اعتقال مواطن غربي في أي بقعة، ولأي سبب من الأسباب، لا ترى في قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ عمليات الإعدام بحق الشباب والشابات الفلسطينيين، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال إطلاق الرصاص على رؤوسهم في الشارع بتهمة الاعتداء على الجنود، لا ترى في هذا الفعل جريمة تستحق أن تُجر إسرائيل بسببها إلى محكمة الجنايات الدولية، ولا ترى أنها جريمة تستدعي مقاطعة اقتصادية للكيان الصهيوني.، وغالباً تمر هذه الجرائم دون أي إدانة من الدول الغربية.
الغرب، والعالم برمته الذي اهتزت أركانه لمقتل المواطن الأمريكي الأسود "جورج فلويد" خنقاً تحت ضغط ركبة شرطي أمريكي أبيض، وهو يستغيث "إنني أختنق، لا أستطيع أن أتنفس". من المعيب لهذا العالم ألا يحرك ساكناً، والشعب الفلسطيني برمته ومنذ قرن يتعرض للاختناق. من المخجل أن لا تهتز أركان الغرب لوجود 8000 أسير فلسطيني "لا يستطيعون التنفس"، يختنقون كل يوم، ويموتون كل يوم، ويستغيثون كل يوم، والبعض منهم أمضى 41 عاماً في الزنازين، ومعظمهم مضى على اعتقاله أكثر من 15 عاماً.
إن هدف الحصول على الحرية، الذي بسببه يوجد آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الصهيونية، وكذلك التحرر من الاحتلال، والانعتاق من العبودية، ونيل الاستقلال الوطني، هي مطالب وأهدف حقيقيه وسامية وعادلة لجميع الأفراد والشعوب، هذا ما تأكده جميع الثورات التي شهدها التاريخ منذ ثورة "سبارتاكوس" الثائر القائد المُستعبد، حتى مقتل "فلويد" الأمريكي ظلماً.
جبهة واسعة
منذ أن تم استيلاد الكيان الصهيوني العنصري إسرائيل، في قلب الوطن العربي فلسطين، وتمكينه ودعمه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من قبل الدول الغربية، بريطانيا وفرنسا بداية بصورة رئيسية، ثم الولايات المتحدة، بهدف حماية المصالح الاستعمارية، والإبقاء على تقسيم العالم العربي، وتقويض قدرة أي دولة عربية تحاول تعزيز استقلالها وسيادتها الحقيقية. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية عمدت الدول الغربية دائمة العضوية بمجلس الأمن على حماية الكيان الصهيوني العدواني سياسيا، وتمكينه الإفلات من تنفيذ أي قرار يصدر عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة. واستخدمت حق النقض على مدى سبع عقود ماضية لكي تمنع صدور أي قرار يلزم إسرائيل بموجب الفصل السابع على تنفيذ القرارات الدولية. هذا الوضع جعل من إسرائيل دولة محصنة من المحاسبة والمساءلة عن الجرائم التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، مما جعلها دولة فوق القانون.
نحتاج إلى إنشاء جبهة واسعة تضم دولاً وأحزاباً ومنظمات مجتمع مدني ونقابات، على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، بهدف مواجهة التعنت والغطرسة والعنجهية الإسرائيلية التي تتحدى الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية. والمطالبة بعزل الكيان الصهيوني العنصري الذي يمعن بتبجح في رفض تنفيذ أي قرار صادر عن مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة. واستصدار قرار بتوجيه إنذار للكيان الصهيوني يطالب بإنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية، والإفراج غير المشروط عن جميع الاسرى الفلسطينيين.
ومحاولة استصدار قرار بتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة خلال الفترة الزمنية المحددة لإنهاء الاحتلال. ثم الضغط لطرد الكيان الصهيوني من عضوية الأمم المتحدة لانتفاء شرط قبولها القاضي بتنفيذ قراري 181 و194 في حال استمرار رفضه لتنفيذ هذين القرارين الدوليين.
على درب الحرية
لم يعد مقبولا عدم اضطلاع المجتمع الدولي بواجباته تجاه تنفيذ القرارات التي اتخذها عبر هيئاته الدولية. لقد حان الأوان لوضع حد لإفلات إسرائيل من المساءلة الدولية، والتملص من العقاب. لم يعد مقبولاً ولا مفهوماً استمرار اعتقال 8000 من الأسرى الوطنيين السياسيين الفلسطينيين في الألفية الثالثة. هذه مسؤولية مباشرة للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ورئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وجامعة الدول العربية، والدول دائمي العضوية في مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، على عاتق هؤلاء جميعاً تقع مسؤولية التدخل وممارسة كافة أنواع الضغوط على دولة الاحتلال لوقف محرقة الأسرى، وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من سجونها، وإغلاق هذا الملف مرة واحدة إلى الأبد.
الحرية للأسير المريض كمال أبو وعر الذي يكابد بصمت وجع السجن، وألم المرض، ووحشة العزلة. الحرية لجميع الأسرى الفلسطينيين الشهداء الأحياء في المحارق الصهيونية. سلاماً لك وسلام عليك أبو أمجد، فأنت ورفاقك الوجع في قلب فلسطين، في قلب كل عربي ومسلم وطني غيور، وكل حر شريف في الكون. أنتم الأحرار ونحن المعتقلين. أنتم وجع في قلب جميع الفلسطينيين الذين ينتظرون أن يمدوا أذرعهم لاحتضانكم جميعاً، وأنتم أحراراً في وطن حر مستقل.