تاريخ الفن السينمائي في العالم لجورج سادول، مؤلف صدر في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية بشكل غير مكتمل، ثم صدر كاملا عام 1958، ترجم إلى العشرات من اللغات العالمية ويدرس في معظم معاهد السينما. وها هو يصدر مجددا باللغة العربية بعد ما يزيد عن الخمسين عاما من صدوره الأول.
واهتم العرب بشكل لافت بالمؤلف الذي صدر بصيغته الكاملة على ستة أجزاء بالفرنسية، وكان أول من تصدّى لترجمته عربيا الباحث والأديب السوري إبراهيم كيلاني المختص بالأدب الفرنسي الذي ترجم سابقا تاريخ الأدب العربي، والمتنبي للمستشرق بلاشير والغزل عند العرب لجان كلود والأدب الجزائري المعاصر والجاحظ لشارل بيلا.
وقد شاركه بالترجمة فايز كم نقش وصدر المؤلف عام 1968 في 590 صفحة عن دار عويدات في بيروت. كما نشر في إصدار ثان عن دار ومكتبة المعارف في بيروت من ترجمة بهيج شعبان عام 1985 وكان على 564 صفحة. وقبل أيام صدر بطبعة ثالثة عن وزارة الثقافة السورية ضمن سلسلة الفن السابع التي تنشرها المؤسسة العامة للسينما بترجمة بهيج شعبان، حيث تم نشر الجزء الأول من المؤلف على 119 صفحة، وهو يتناول مرحلة اختراع الآلات وتطوّر الإخراج، على أن تتم عملية نشر بقية الأجزاء تباعا خلال الفترة القادمة.
وتشبّع الناقد والباحث الفرنسي جورج سادول بالفن منذ طفولته من خلال مهنة والده شارل سادول الذي كان أمينا لأحد متاحف فرنسا في مدينة لورين، فتعرّف من خلال عمل والده وعلاقاته وقراءاته على بعض أوجه الفن الفرنسي والعالمي في سن التاسعة عشرة وكان طالبا جامعيا. أسّس في مدينة نانسي الفرنسية لجنة نانسي باريس التي كان هدفها تعريف أهالي المدينة بفناني نانسي وباريس، وكان رئيس تحرير مجلة الشباب الصادرة عن الحزب الشيوعي الفرنسي.
كانت أوروبا تعيش خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية غليانا سياسيا كبيرا، وهي الفترة التي ظهرت فيها بشكل كبير الحركات القومية الأوروبية المتشددة مثل الفاشية والنازية. وكما الكثير من المبدعين اندفع سادول خلال هذه الفترة إلى المشاركة في الحياة السياسية، فانتسب للحزب الشيوعي الفرنسي عام 1927 مع صديقه أراغون.
درس في موسكو وحصل على دكتوراه في تاريخ الفن من جامعتها ودرس في المعهد السينمائي الفرنسي في السوربون، أعدّ دراسات عن بعض مشاهير الفن السينمائي، فكتب عن شارلي شابلن وجورج ميليس وغيرهما، كما تأثر بماياكوفسكي الفنان السوفييتي الشهير. كتب في الكثير من المجلات والدوريات الفرنسية والعالمية عن السينما، فنشر في فرنسا وهوليوود وبراغ وبودابست وألمانيا وترجمت مقالته وكتبه إلى ثماني عشرة لغة عالمية. واهتم سادول بشكل أساسي بالتأريخ للسينما كرد فعل على السينما المؤدلجة التي كانت تعتمدها الفاشية والنازية، وعلى الضفة الأخرى الولايات المتحدة.
بدأ منذ عام 1938، حيث كانت الحرب العالمية الثانية على وشك أن تندلع، في التأريخ للفن السينمائي في العالم، فاختار عددا من الدول التي كانت تمتلك صناعة سينمائية قوية، وتحدّث عن تاريخ الفن السينمائي فيها منذ نشأته وجعله في أربعة أجزاء. ولكن الكتاب لم ينشر بسبب الحرب، ثم نشره بعد نهايتها، وواجه عاصفة من النقد كونه لم يؤرّخ لكل سينما العالم كما حمل العنوان، وهذا ما دفعه على امتداد ثمانية عشر عاما لاحقة إلى الإضافة والتعديل.
وقد زار خلال تلك الفترة أكثر من خمسين بلدا في العالم متعرفا على سينماها، منها البرازيل والأرجنتين وكوبا والهند والصين واليابان ويوغسلافيا وبولندا والمجر، وعربيا زار مصر وسوريا والجزائر وتونس ولبنان. كما زار المئات من المهرجانات السينمائية في العالم. وأضاف لمؤلفه الضخم جزأين آخرين قدّما معلومات كثيرة عن تاريخ السينما في العديد من بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وبعد أن أكمل سادول عمله في الجزأين الأخيرين نشره كاملا في باريس عام 1958، قبل رحيله بتسع سنوات عام 1967. وقد ترجم خلال العقد الأول من تاريخ نشره إلى ما يقارب العشرين لغة عالمية، وهو يعتبر حتى اللحظة أهم كتاب عالمي أرّخ للفن السينمائي، وهو يدرّس في معظم معاهد السينما العالمية.
وقد تناول جورج سادول في مؤلفه الضخم الممتد على أجزاء وفصول موضوعات عديدة منها: نشأة الفن السينمائي والأخوان لوميير، والحضور الأميركي القوي المبكر، ثم وجود الفن السينمائي في فرنسا وإيطاليا، كما تحدّث عن اكتشاف السينما الألمانية والانطباعية في فرنسا، ثم ما أسماه الانفجار السوفييتي السينمائي، ثم بناء هوليوود وبعدها ظهور السينما الناطقة. كما تحدّث عمّا أُطلق عليه تسمية السينما الشعرية التي راجت في أوروبا في تلك الفترة، ثم كتب عن نهضة السينما في إنجلترا وأوروبا عموما، كما تحدّث عن المدارس السينمائية الأشهر: الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية الجديدة. وفي المراحل المتأخرّة تحدّث عن سينما أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا والسينما العربية بشيء من الإيجاز.