تقترح الباحثة العراقية مفهوم الازدواجية الناعمة كصيغة ثقافية لوضع الفلسطيني في الشتات وسط معمعة التعددية الثقافية، والهويات المتصارعة، والجغرافيات المتباينة، والأزمنة المتراكبة، وتلخص تمثيلاتها الثقافية في التحكم النفسي في الجسد، وكاريزما التعايش والتهجين، ومركزية الأمومة في مجموعة واسعة من الروايات الفلسطينية.

الازدواجية النّاعمة في روايات الشّتات الفلسطينيّة

قراءة في تمثيلاتها الثّقافيّة

نادية هناوي

 

مدخل
لئن أصبح مهماً للكينونة الإنسانية التعايش والانفتاح، فإن القوة الناعمة هي الحجر الأساس في تتشيد مبدئيات هذا التصور وأدبياته. وواحدة من دلائل هذا التشييد هو تموضع الذات الإنسانية في منطقة ما بينية عابرة للحدود ومتجاوزة للموانع ومتعددة بالتعايش الذي به تتصالح مع نفسها من أجل الآخر أو بالاندماج الذي به تصالح الذات الآخرَ من أجل نفسها. وبهذه البينية تجاور الهوامش مراكزها، متكافئة تكافؤاً منطقياً من دون وهم أو تبعية أو اضطهاد. ويمكننا أن نصوغ هذا التصور ما بعد العولمي العابر للحدود والثوابت والنوع الاجتماعي(الجندر) بمفهوم (الازدواجية الناعمة Soft Duplication) الذي نستلهم في اجتراحه الرؤية الانثروبولوجيا النقدية التي ترى "أن السلوك العام السائد في أي ثقافة من الثقافات يمكن فهمه بطريقة أفضل وأعمق في ضوء القيم والمثل والاتجاهات العامة التي تسود هذه الثقافة ذاتها وأن هناك عدداً من الضوابط المحددة التي تحكم انفعالات الأفراد في كل ثقافة مما يعني أن هذه الضوابط تختلف من مجتمع لآخر([1]) .

وعلى وفق الأنثروبولوجيا النقدية تغدو (الازدواجية الناعمة) بنية انفتاحية وتمثيلاً من تمثيلات القوة الناعمة التي بها تتمكن الذات المستلبة والهامشية من استيعاب مقتضيات ما بعد الحداثة والتمثيل عليها، وإذ تصير المتضادات محتواة في داخلها فستتولد منها طاقات تتجه نحو الداخل ثم تتعداها باتجاه الخارج، معززة وجود هذه الذات أولا ومؤكدة وجود الآخر معها الذي ستنتفع منه في بناء حياة مشتركة المصائر وبطاقات جديدة كامنة أو مدخرة وقد يعاد تورديها إلى تلك الذات من جديد.

وهذا الاحتمال الأخير هو ما نعنيه بالنعومة التي بها تمتلك الذات صورة ازدواجية، فيها تكون مستقطِبة الآخر المركزي ومحتوية له في آن معاً، وبالشكل الذي لا تعود فيه لواحد منهما هيمنة مطلقة واستبداد عام أو تبعية مفروضة وتهميش تام.

وهذا لا يعني أن الازدواجية الناعمة تصادر الأصالة وتمحو الكينونة والأثنية أو السلالية؛ بل هي في تحديد أو تسمية أي تجمع أو فئة من الناس لا تمنع الأفراد من التحرك بين الجماعات أو الفئات المختلفة([2])، وهو ما يمنحها اللاتنميط في إعادة انتاج الاختلاف الثقافي بين ما هو طرفي وما هو محوري، وبطريقة تفاعلية واندماجية وإنتاجية، كثيراً ما تطلعت له ودعت إليه طروحات المفكرين ما بعد الحداثيين مثل دريدا وشتراوس وألتوسير وغرامشي.

ويقوم هذا التصور اللانمطي لمفهوم (الازدواجية الناعمة) على فكرة الصهر التي بها تذوب الحدود السياسية والاجتماعية والتاريخية في حد عام كوسوموبوليتي عابر لـ"فضاءات واستراتيجيات الفعل التي تقوم النظرة القومية باخفائها"([3]) ليتم بعدها العبور الثقافي الذي به تتجسرُ داخل النوع وخارجه حدود جديدة تصب في باب المواطنة الحرة أو العالمية.

وعلى الرغم من أن جذور هذا الفهم الناعم العالمي تعود إلى رؤية الفلاسفة الرواقيين للعالم؛ فإنه لم ينتعش إلا زمن العولمة، واجداً تطبيقاته في القرن الواحد والعشرين مع التشكيلات العابرة للقوميات والتنظيمات فوق القومية والهجرات العابرة للحدود. والناتج صور إنسانية غير نمطية ونظم لا طبقية، تمد جسور التعايش بين الأجناس والأعراق بلا تنافس أو تسيد، مبتغية التغيير الثقافي الذي هو ليس أوهاماً رومانسية أو أحلاماً وردية؛ وإنما هو حقائق دامغة يشهد عليها النظام العالمي الجديد الذي به ستدخل البشرية مرحلة جديدة في تاريخها الإنساني، وقد غادرت الكيانات المستضعَفة والمضطَهدة استقلالها الوهمي وحريتها الظاهرية باتجاه الاندماج الجريء والحقيقي مع الكيانات القوية ذات الغنى.

وبموجب الازدواجية الناعمة تتقابل السمات الثقافية وتتقارب الفوارق الطبقية والعرقية على مختلف المستويات الحياتية، ومنها المستوى الإبداعي النصي والتناصي والميتانصي وبتمثيلات ذات أنماط ثقافية حيوية مختلفة. إن الازدواجية الناعمة هي مساواة انثروبولوجية ناعمة ورؤية سوسيولوجية ملتزمة، بهما يغدو الاختلاف بين المهمش والمركزي طريقاً للتوافق والائتلاف لا بوصفهما ندين وضدين؛ وإنما بوصفهما فاعلين متشاركين وعنصرين متقاربين ينزعان إلى التعايش والتبادل متنازلين عن ما اعتاداه في تاريخهما الطويل من الانغلاق والاضطهاد أو الاستحواذ والاستبداد. وبهذا التنازل وذاك التقارب تنعتق البطريرياكية من أغلال انتهازيتها وأصفاد جبروتها، وتتحرر من نزعات المحو التاريخي والإلغاء الفكري لمن هو مستضعف (من وجهة نظرها) سواء من الأقليات العرقية أو الفئات المشتتة والمنبوذة، متبرئة من فكرها المتروبولي التدميري الذي يرى التابعين مجرد كيانات دونية، مأمورة بخدمتها ومحكوم عليها بالرضوخ والطاعة لها.

وتسعى الدراسات الاجتماعية والانثربولوجية ومواضعات الفكر ما بعد العولمي إلى ترسيخ الفكر الحر المؤمن بالتعايش والتعددية الثقافية pluralism بلا تقوقع في أطر قومية أو عرقية أو إقليمية ولا تعصب بنمطية أثنية ونوع اجتماعي؛ وإنما باتساع يشمل أنساقاً فرعية متعددة داخل الوحدة الاجتماعية أو السياسية([4]) .

وليس في بلوغ هذا المطلب أية أوهام طوباوية؛ بل هو واقع تفرضه مقتضيات التعايش الثقافي الذي به تغدو الظواهر الحياتية طبيعية. وأهم تلك الظواهر وأكثرها إلحاحاً في المشهد الثقافي العالمي ظاهرة الهجرة بنوعيها الجماعي والفردي وبشكليها الشرعي وغير الشرعي وبنمطيها الداخلي بالارتحال داخل البلد الواحد أو الخارجي بالارتحال من البلد الأصل إلى بلد بديل.

وجدير بالذكر أن هذا التصور النظري والاجرائي لمفهومي التعدد والازدواج كان قد عرفه تراثنا الأدبي والفكري، فكان الاختلاط بين العرب والأمم الأخرى طبيعيا كما أن الأخذ عنهم والتصدير إليهم كان واقعا قائما وانفتاحيا، يضاف إلى هذا الواقع قبول المنظومة الثقافية الرسمية آنذاك لمصنفات تتناول الهوامش ويحضر فيها المستضعفون من الموالي والجواري والقيان والمنبوذين والمتسولين والمعدمين بشكل مركزي، وبخطاب أدبي متصل ومتوازن إقرارا بأهمية التعدد والاندماج الذي به تزدوج الأقلية بالأغلبية مجادلة واحتجاجا، وهو ما نجد مثاله في رسائل الجاحظ وكتاب الاغاني للأصفهاني وغيرهما. وفي مقدمة ما يعنيه هذا الخطاب الأدبي المتوارث أن الحاضنة الرسمية الثقافية وقت ازدهار الدولة العربية الإسلامية في العصور الوسطى كانت في تعددها وازدواجها عالمية، بعيدة عن التنميط في نسقيتها، فلم تتخذ من نمط معين نموذجا ثقافيا cultural pattern فتبني عليه؛ بل على العكس كانت متنوعة ذات قوة ثقافية بها استقطبت المهاجرين الطالبين للعلم والمال والعيش الآمن.

وفي ظل المتغيرات التي يشهدها العالم اليوم صارت الهجرات الجماعية ظاهرة كونية ساهمت ما بعد الاستعمارية في إذكائها بعد أن خسرت الاستعمارية مركزيتها وتهجنت البنى الاجتماعية بالتدفق البشري الذي ولّدته الصراعات العرقية والطائفية والحروب الأهلية والنزاعات العشائرية. ولعل أوربا هي الأكثر قصداً من قبل أفواج اللاجئين والمهاجرين والمنفيين الباحثين فيها عن وطن بديل هو بمثابة الملاذ Habitus ، كما غدت بعض المدن العربية كأربيل وبغداد وبيروت والقاهرة وعمان جاذبة لأفواج المهجرين والمهاجرين الذين اضطرتهم النزاعات والفتن المذهبية ومخاطر الإرهاب إلى الهجرة القسرية داخل الوطن أو الأوطان المجاورة، وكذلك جاذبة للنازحين الذين أجبرتهم ظروف العيش ومتطلبات العمل والدراسة وضرورات الحياة المدنية على ترك مناطقهم والسكن في العواصم.

ومن هؤلاء جميعا يتشكل (الشتات) Diaspora انثروبولوجياً كفئة بشرية تمثل الهامش ومع ذلك تتطلع إلى التعايش الحر مع فئات أخرى تمثل المركز الذي ينبغي أن يكون متفاعلاً مع مشاكلها مذللا ما بينهما من صعوبات التعايش وعوائقه. وما تسعى إليه فئة الشتات هو الاندماج بكل ما يعنيه من الاحتواء والتبني والانتماء والتمركز والتعدد والاختلاط، مع المحافظة في الوقت نفسه على العادات المتوارثة وخصوصية الشفرات المتبادلة التي بها تختلف القوميات وتتعدد الإيديولوجيات وتتنوع المنظورات.

ولعل أخطر المعوقات التي تواجه اندماج الشتات بالسكان الأصليين هي البطريرياكية وسماتها الطاردة إقصاءً وتعالياً واستحواذاً واستعماريةً. وهنا تبزغ الازدوجية الناعمة كاستراتيجية ثقافية بها يمتلك الشتات القدرة على عبور الحدود وتجاوز ثوابتها الراسخة والتوافق مع المختلفين فكرياً وتاريخياً بمواضعات جديدة تقلب المسميات الذاتية التي تتعلق بالانتماء والمواطنة والهوية واللغة والمعتقد إلى مقولات عالمية وبمديات رحبة ومتسعة، يتحرر بموجبها الشتات من أساليبه وسلوكياته التي اعتادها في بلده الأصل والتي ينبغي ألا تقف حجر عثرة أمام مأسسة كيانات بشرية منفتحة ومتوالدة تستوعب العلاقات الإنسانية بكاريزما لا تريد طمس الآخر أياً كان هذا الآخر أقليةً أو أغلبيةً، متقدماً أو متخلفاً، أبيض أو أسود، امرأة أو رجلا؛ وإنما إيجاد مساحات فكرية وميادين عملية بها تؤكد الذات تقبلها لوجود الآخر معها ككيان متساوٍ وأصيل تحترمه وتتعايش معه.

ولا تستدعى ظاهرة الهجرة في الرواية الفلسطينية عموماً والرواية النسوية تحديداً إلا وهي مقولبة في صيغة ازدواجية ناعمة، بها تتوكد المفارقة التاريخية التي بها صار الشعب الفلسطيني مشتتا في المهاجر والمنافي بعيداً عن وطنه الأصل، بينما حلَّ محله شتات يهودي تائه أو متجول ليكون هو الشعب البديل. وهذه المفارقة التي بني عليها الشتات اليهودي وجوده تعضدت ببروتوكولات استعمارية حالت دون العيش المشترك وأغلقت كل السبل المتاحة للعبور والتجسير بلا تطرف أو انغلاق بأسلمة أو أنجلة أو يهودة او انحياز إلى أمركة أو أوربة أو روسنة.

وقد تتبع جمال حمدان الشتات اليهودي انثروبولوجياً، فوجد أن اليهود في الأصل شعب مر بثلاثة أشتات، الأول كان في ما قبل التاريخ وهو الشتات البابلي، والثاني كان مع المرحلة الهيللنية، والثالث كان مع الامبراطورية الرومانية. والموجود من هذا الشتات اليوم جاليات كثيرة منهم السفارديم والاشكنازيم الذين يسمون في البلقان الاسبانيوليين([5]). وفي العصر الحديث ظهرت الصهيونية كصورة جديدة تبنت إسقاط شتاتها على الفلسطينيين بكل وسائل الإبادة والطرد والاستيطان([6]). والأهم من ذلك ما توصل إليه حمدان من أن الشتات هو الذي جعل اليهود منغلقين منعزلين في الغيتو ghetto، وأن دورة التاريخ ستثبت أن إسرائيل ليست سوى "مرحلة في رحلة الشتات التاريخية، مجرد جملة اعتراضية في تاريخ فلسطين، وقريب هو لا شك الخروج الجديد"([7])

وإذا كان الشتات تمثيلاً انثروبولوجياً نقدياً على الازدواجية الناعمة، فذلك لأنه ثيمة ثقافية غايتها أن يتمتع الفرد بالتعددية والدينامية التركيبية والتداولية عبوراً وبينيةً وانفتاحاً؛ متصفاً بالنعومة التي تعطي للشتات إطاراً فكرياً مزدوجاً يماشي مقتضيات الخطاب ما بعد العولمي المتطلع إلى إنسانوية جديدة، يتآلف فيها المتن مع هامشه والمتسيد مع تابعه كما يتساوى المختلف مع المتشابه ويتأقلم المركز مع الأطراف ضمن مجتمع كوسموبولويتي فيه تتعدد الكيانات والأنواع والاتجاهات وتشيع أجواء التفاهم والتجانس والتواصل كأساسات مهمة لحياة متعايشة وحرة، ليس فيها انفراد واعتزال ولا أحادية أو فوقية.

ونجد التمثيل على هذا الفهم الانثربولوجي للازدواجية الناعمة متجلياً سردياً في الروايات التي اتخذت من الشتات ثيمة، فيها تتم عملية زحزحة الخطاب الاستعماري الذي اعتاد أن يفرِّق بين ثقافة مهيمنة قوية مصطفاة، وأخرى هامشية منكودة ومستضعفة، ليُستبدل بخطاب ما بعد استعماري مرن وتعددي، يستجيب لمتغيرات الواقع الراهن الذي تتلاشى فيه مقتضيات التفرد والأحادية وما رسخته العقلية الإمبراطورية من مواضعات الغلبة والهيمنة التي سادت الأدبيات الكلاسية والحداثية التي كانت تنظر للآخر المختلف ولا سيما المرأة نظرة دونية مؤسلبة كهامش تابع. وتتبنى روايات الشتات الازدواجية الناعمة بتمثيلات كثيرة توظف فيها موضوعة الهجرة القسرية والطوعية، معبرة من خلالها عن كينونات سردية آدمية تسعى إلى إحداث التحولات بالتعاون الذي به تتمكن من التخلص من تبعات التكبيل والتشظي.

وإذا قصرنا الأمر على روايات الشتات الفلسطينية؛ فإننا سنضيف إلى دواعي الشتات والهجرة باعثاً جديداً هو الاحتلال الإسرائيلي الذي هو أكثر خطورة وسطوة من النزاعات العرقية والمذهبية وأشد قسوة من الفقر والجهل وتقييد الحريات، نظراً للصيغة العسكرية التي بها تعامل هذا الاحتلال مع الشعب العربي الفلسطيني باستراتيجيات استيطانية عدوانية جائرة ووحشية تستحقر الآخر وتستضعفه. وهو ما أجبر الفلسطينيين على الهجرة على مدى عقود مضت وما زال يجبرهم إلى اليوم ليكونوا من الشتات الضائع في المنافي المهاجر بشكل طوعي حيناً وبشكل قسري في أكثر الأحيان.

وقد اتخذ التمثيل على الازدواجية الناعمة في روايات الشتات الفلسطينية صيغتين: الصيغة الإيجابية التي فيها الشتات مندمج ومهجن متأقلم يمتلك هوية مزدوجة تتصف بالتعددية وتحتفظ في الوقت نفسه بالخصوصية والاستقلال بأنماط عملية قائمة على التواد الاجتماعي والتعايش الثقافي وبنماذج واقعية تحمل في داخلها أمل العودة إلى فلسطين، والصيغة السلبية التي فيها الشتات كينونات استهلاكية غير راسخة ولا مركزية وقد انخرطت في مجتمعات مركزية وطيدة بتنامٍ ضاع معه أي أمل لها بالعودة، ومن الحَسَنِ أن تكون الصيغة الأولى في روايات الشتات الفلسطينية هي الغالبة إبداعياً. وسنقف فيما سيأتي على روايات انتهجت الازدواجية الناعمة بشكل عملي، مبينين ما يكتنفها من إستراتيجيات فكرية وصيرورات إجرائية إزاء الشتات جماعاتٍ وأفراداً ورجالاً ونساءً وبعلاقات إنسانية متعارضة وودودة.

تمثيلات الازدواجية الناعمة
تقوم الازدواجية الناعمة بوصفها صيغة ثقافية على تبنٍ ناعم لمفهوم التعددية الثقافية الذي استعمل لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية مع اندلاع حركات الاحتجاج والتظاهر ضد البيض والتي قام بها أمريكيون من أصل أفريقي وحركات نسوية وأقليات عرقية ثم شاع في الدراسات الفكرية والثقافية. وتعد الازدواجية الناعمة تطبيقاً عملياً لمفهوم التعددية من خلال التمثيل على الشتات بهويات جماعية وذاتية وانتماءات عدة ومتنوعة، وبالشكل الذي يجعل الفرد المتصف بالازدواجية الناعمة مشتركاً نفسياً مع الجماعة، وفي الوقت نفسه مستقلاً مع ذاته مكانياً وزمانياً. وإذا كانت التعددية الثقافية هي الحاضنة النظرية للازدواجية الناعمة؛ فإن مفهوم المواطن العالمي الذي طرحه اولريش بيك يعد الأرضية التي عليها تتقعد أشكال هذه الازدواجية، وذلك بناء على أساس تكافلي يلغي التمييز بين (نحن والآخرون) من خلال بناء الانتماء المزدوج للجميع وبالشكل الذي يجعل الفرد ينظر إلى العالم على أنه ملكه، فيعيش في وطن مزدوج فيه هو مواطن العالم وهو أيضا مواطن المدينة والدولة([8]).

وكثير من أشكال العنصرية والطائفية والنزاعات الثقافية والحضارية قد لا يحل أزماتها استعمال القوة الخشنة بالعنف والإرهاب؛ وإنما تحلها قدرتنا على استثمار القوة الناعمة التي بها نندمج مع الآخر من دون غلبة أو تفوق، أياً كان هذا الآخر أنظمة حكم استبدادية أو شركات متعددة الجنسيات أو عوالم رقمية افتراضية. وما يؤكد فاعلية هذه القوة الناعمة هو انهيار المشاريع الطوباوية ونماذجها البطولية والنضالية والقومية والبيروقراطية والدكتاتورية والإيديولوجية التي فشلت في تحقيق أغراض شعوبها، في ظل عالم متعدد، تزدوج فيه مصائر البشر لغات وهويات وثقافات، تحررت فيه الهوامش من سجن عبوديتها وسقطت الأقنعة التي تريد تنويمها.([9])

وهو ما أخذ يبدو واضحاً لدى الجيل الجديد جيل الواي الفاي، في انتفاضاته الشعبية وتظاهراته السلمية، واحتجاجاته المدنية في مدن عربية كبغداد وبيروت؛ واستطاع أحداث بعض التغييرات السياسية المهمة إزاء الأنظمة التي خرج ضدها قالباً موازين القوى لصالحه. وهو ما يعطي للازدواجية الناعمة طابعاً كوسموبوليتياً يدمج الشتات بالآخر دمجاً اجتماعياً في بوتقة العالمية وينفتح بهما انفتاحا ثقافيا تذوب معه التناقضات وتتداخل المتضادات فيغدو التباعد بين الأطراف والمحاور تقارباً هو بمثابة ازدواج ثقافي، تتعدد فيه الأقطاب المتعارضة وتتهجن السمات السامية والصافية وتتزحزح الأنماط الجامدة أو الثابتة Stereotype متحولة إلى أنساق مرنة رمزية ذات علاقات اجتماعية مستمرة وفاعلة.

وعلى وفق ما تقدم تغدو الازدواجية الناعمة لا تنميطية في تحقيق التآلف الثقافي المتواصل والعابر للجغرافيا والتاريخ والحامل لمجموعة من السمات الثقافية التي تتسم بها الثقافات الوافدة مع الشتات وقد امتزجت في متغيرات الفعل الاجتماعي للمجتمعات المستقبلة له. ولهذه اللانمطية في الازدواجية الناعمة تمثيلات موضوعية وفنية تميزت بتوظيفها الرواية الفلسطينية على الشتات، عاكسة سماته تفاعلاً وتبادلاً أو عزلةً وجموداً، ولا تسير هذه السمات في خط واحد امتدادي أو تصاعدي؛ بل هي تتحرك بشكل لولبي. والهدف التعبير عن معاناة الشتات وتطلعاتهم على مختلف الصعد الحياتية التي تستدعيها موضوعة الهجرة، بدءاً بالصعد السياسية والعسكرية المتعلقة بالاحتلال والاستيطان والنزاع العرقي والطبقي التي تجبر الفلسطينيين على التشتت في المخيمات والمعسكرات ومناطق اللجوء والإيواء، وانتهاء بالصعد الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالظروف الديمغرافية والمعيشية التي تدفعهم إلى الارتحال باتجاه الدول المتقدمة والغنية. وسنقف على ثلاثة تمثيلات سردية للازدواجية الناعمة، بها عالجت هذه الرواية موضوعة الشتات بطرائق فنية مختلفة، وكالآتي:

أولا: سايكولوجيا التحكم بالجسد
في هذا النوع من الازدواجية الناعمة يتمحور الشتات في صورة نقدية اندماجية وبفاعلية انثروبولوجية ناعمة قد تكون سلبية وقد تكون ايجابية، وذلك بحسب الكيفية التمثيلية التي بها تتلاقى عالمية الثقافة بسايكولوجيا الشخصية. وأهم أشكال هذا التمثيل (الجسد) الذي هو ليس أداة للتعبير الرمزي فقط؛ وإنما هو تمثيل سيكولوجي على الإرادة الواعية التي بها يكون الجسد وحدة اجتماعية قائمة بنفسها تتنوع وتتجانس وتتحكم مركزياً، وبمحورية تتقاطع حولها "التغيرات المؤقتة كارتداء الزي والتزين وأسلوب تصفيف الشعر وتلوين الجسد وتغيرات دائمية كالوشم."([10])

ولكي تصبح المتغيرات الطارئة على الشتات دائمة ومنطقية، محصلتها التكيف النفسي والتوازن الحياتي في علاقة الشتات بالآخر، فإن ذلك يقتضي قدرة على التحكم بصور الجسد، وأكثر تلك الصور تحكماً بالجسد في روايات الشتات هي الذاكرة التي قد تكون مؤهلة نفسياً لأن تتكيف مع الروح وقد تكون غير متكيفة معطوبة بالنسيان، وغير متوازنة بالمحو.

ولأهمية الذاكرة سماها بول ريكور المعجزة الصغيرة، مؤكداً أن التاريخ نشأ منها، وأن أهم ما تتمتع به الذاكرة من سمات هو جماعيتها التي تجعلها قادرة على مقاومة التهديدات بالغفران، الذي به تقاوم المحو والنسيان في ظل عالم يسوده العنف.([11]) والذاكرة بالنسبة للشتات مزدوجة كونها فاعلة لكن بكمون من خلال الإحساس بالوحدة والتشظي أو بالعكس؛ ومعاقة لكنها ليست فائضة بالنسيان من خلال مقاومتها الخرف، كما في رواية (ترانيم الغواية) لليلى الأطرش التي فيها البطلة العمة ميلادة أبو نجمة امرأة مسنة بذاكرة شائخة مهددة بالزهايمر، لكنها مع ذلك حية ومتجددة بالذكريات، تتحدى المحو وهي تريد احتواء الآخر "من قال إن الزهايمر يمكن أن يهزم امرأة مثلها؟ تزهو بالذكرى وتنتعش بعنفوانها."([12]) وكلما استدعتها بدت فاعليتها قوية تقاوم النسيان ومفعمة بالتفاصيل المتدفقة على الدوام، والذي يحفز العمة على الاستدعاء، هو الهجرة بدءاً بهجرة أبيها سالم إلى تشيلي، ثم هجرة أخويها وابن أخيها إلى أمريكا.

وما بين الهجرة والعودة تغدو ذاكرة العمة منيعة لا مخرومة، وهي تسترجع تفاصيل هجرة أخويها إبراهيم وحبيب غير الشرعية، وكيف عملا في سفينة شحن صغيرة الى أن حصلا على الجنسية بالتبعية. وتمنحها الذاكرة ازدواجية ناعمة بها تصبح واعية لذاتها فلا تُسيء استعمال ذاكرتها التي بها تدرك نوايا الساردة/ المخرجة وحقيقة ما تريده من وراء صنع فلم سينمائي عن حياتها، وأن أهمية ذاكرتها تقتضي منها أن تتخذها أداة طيعة في يديها، فلا تقبل بالمقايضة والمساومة.

وتخيب مساعي الساردة التي لن تتمكن من معرفة مكان إخفاء الأوراق التي بها تحصل عائلة أبي نجمة على اللجوء للأبد في بلاد الغربة ليكون شتاتهم شتاتاً دائماً. وما إخفاء ميلادة للأوراق سوى تعبير عن رغبة نفسية دفينة في لمِّ شتات عائلة أبي نجمة. وعلى الرغم من أن ذلك كان متحققا داخل صندوق ذاكرتها فقط، فإن المهم هو ألا تغلق العائلة باب عودتها إلى فلسطين للأبد. في إشارة اليغورية إلى أن الهجرة لن تكون أبدية بلا عودة، فالوطن ليس أوراقاً بها يثبت الشتات وطنيته؛ بل هو شعور صميم بالتوحد مع المكان "أعرف أن عائلة أبو نجمة تريد أوراق أبي لتهاجر، يتصلون بي ليسألوا عنها، كثيرا قلت إنني لا أذكر مكانها لكني أخفيتها عنهم ليظلوا في بلادهم، وعن الاسرائيليين حتى لا يفرحوا بهجرتنا، قولي لهم ميلادة حرقت الاوراق حتى لا ينتهي اسم عائلة أبو نجمة من البلاد ويروح منكم حتى بيت الوقف."([13])

وفي رواية (حبي الأول) لسحر خليفة تندمج الذاكرة بالخيال كتوأمين بهما يزدوج حضور البطلة بغياب الحبيب، فتتساءل بحدس أنثوي "أليس غريباً أن نعيش الخيال كما لو كان جزءاً منا من حاضرنا من ماضينا كما لو كان كلا فينا؟ أليس غريبا أن نتذكر ما ليس لنا؟ أليس غريباً أن نشعر بالحب لمن رحلوا وعادوا إلينا بورق وصور؟ "([14])

وتسرد بطلة رواية (بينما ينام العالم) لسوزان أبو الهوى قصتها بتفاصيل مكتنزة بالذكريات الجميلة والمؤلمة التي عاشتها في الشتات "من أوضح ذكرياتي عن ليلتي الأولى في الولايات المتحدة النوم لأول مرة في حياتي على سرير حقيقي، لا على حصيرة أو فرشة ممزقة"([15])، متنقلة بين بلدان عربية وأجنبية. والازدواجية الناعمة هي التي مكّنتها من التكيف مع الوطن البديل (الولايات المتحدة)، محسنة استعمال ذاكرتها وقد بدا بلدها (فلسطين) حاضرا معها في ذكرياتها. ومن صور التحكم بالجسد الحملقة الشاملة التي بها تتمثل الازدواجية الناعمة وقد اتسعت مديات الرؤية الواعية وتماهى الشتات بالآخر بلا إعاقة أو معاداة أو تعنيف أو مقاومة.

ففي رواية (أصل الهوى) لحزامة حبايب تغدو الحملقة حلا غريزيا به يعرف البطل أن الازدواجية الناعمة مع الآخر لا تحتاج قوة ومقاومة ومراقبة وقتالا .. الخ. وهكذا يقابل أي موقف سلبي يتعرض له بالنظرة التي تعبر عن إحساسه السيكولوجي بالشتات، ومن ذلك موقفه أبان غزو العراق للكويت، وهو يقف أمام الضابط العراقي الذي حملق فيه متسائلا عن جنسيته: "عاينه بنظرة ساخطة قائلا: على مود نرجعلكم فلسطين" فما كان من البطل اللاجيء إلا أن قاوم الحملقة بحملقة مثلها مضادة، متسائلا مع نفسه بتهكم "القدس في الخريطة التي أحفظها جيدا لا تمر عبر الكويت".([16])

وما يجعل الحملقة غير سلبية الرغبة في التعايش مع الآخر، لا كعنصر مختلف وبطولي؛ بل كعنصر منفتح قابل للاحتواء والاندماج. وهو ما تمتعت به ميلادة أبو نجمة سواء في نظرتها للاخرين أو في نظرة الآخرين لها كإنسانة متفردة ومختلفة عن بنات جيلها "إذا مرت في طريق أو دخلت مكانا تابعتها عيون النساء قبل الرجال."([17])

ومن صور التحكم بالجسد تحول الملاسة والرهافة إلى قوة بدنية ناعمة بها تصبح المرأة مزدوجة كالرجل، الذي هو أيضا راع ومبارك لهذه القوة، من ذلك ما اعتاده الناس في تسمية ميلادة أبو نجمة بميلادة الحنش مصدقين حكايتها حول قتل الحنش الذي هاجمها في صباها وصاروا يقولون عنها إنها "مثل الحنش إذا التفت على شخص عصرته بغيرتها وقتلته بحقدها."([18]) بينما حقيقة الخبر هي أن صديقها هو الذي قتل الحنش لا هي، لكنه ظل مختفيا في الحكاية ليكون اللقب معبرا عن قوة ميلادة الناعمة التي أساسها متخيل اجتماعي، به غدت المرأة قوية بالآخر وقد قاومت شتات عائلتها في المهاجر.

وفي رواية (عين المرآة) لليانة بدر تؤكد شخصية أم حسن هذه الازدواجية، وهي تنقل عن إحدى العجائز قولها إن المرأة الفلسطينية ستكون ذات يوم كالرجل بسبب الهجرة والشتات "سنصير كلنا نساء قبضايات هل خلوا لنا شيئا آخر كي نكونه، كل شيء يأخذونه منا، الزوج الأولاد والبيوت والحواديت والعواجيز كل شيء، لهذا نظل طيلة الوقت كأننا لسنا نساء؛ بل واقفات وراء متراس."([19])

ويغدو الجسد جامداً وسلبياً حين يشعر إنسان الشتات أنه غير قادر على التحكم بمصيره، فتخيب مساعيه في التكيف النفسي مع البلد المستقبل، شاعراً أنه متعب ومكدود ومطارد لا يستقر على حال؛ ويتلاقى في هذا الشعور الرجال والنساء. ومن أمثلة جمود الجسد ما شعر به إبراهيم وهو يرى نفسه فأراً يلعب مع القط لعبة لا نهاية لها "لم نطق الحياة في سانتياغو، ثم أتعبتنا لعبة القط والفار مع الشرطة الاميركية؛ يستحيل أن تعيش حياتك خائفا من الترحيل، هاربا متوجسا لا مكان ولا عنوان، عملنا في أسوأ الظروف عند من لا يشي بوجودنا."([20])

وهو ما شعرت به بطلة رواية (حبي الاول) وقد صارت شيئاً جامداً ينتقل من هنا إلى هناك، "مرة كطرد بريدي، ومرات أخرى كسيف فرد وبيدق شطرنج "ذهب الأبطال فتيتمنا، بتنا بيادق شطرنج ولا نعرف من يحركنا: أهم الحكام أم الاستعمار أم غباء الشعوب أم الأقدار؟"([21])

والشعور السلبي الذي غمر سمية بطلة رواية (زمن الخيول) لإبراهيم نصر الله جعلها ترى جسدها صرّة ثياب، حين أجبرها أهلها على الصعود إلى الشاحنة، لتكون شتاتا بالعنوة سائرة نحو المجهول، وهي التي عزمت على عدم مغادرة الوطن والبقاء مع الحمامة التي ظلت ترافقها: "ألتفت على نفسها كما لو أنها صرة ثياب، لا أحد يعرف صاحبها، صرة وجدت نفسها في شاحنة لا أحد يعرف إلى أين تمضي أو أين ستقف."([22])

ومن سلبية الجسد أن يغدو حائلا دون الاندماج بالاخر الذي هو نفسه متعايش مع الشتات، وقد اندمج فيه المركز بالهامش. وهو ما عرفته لكن بعد فوات الآوان بطلة رواية (بينما ينام العالم) لسوزان أبو الهوى، التي آثرت أنْ تذوب كلياً في الآخر، لعلها تتخلص من مشاعر النقص بسبب بشرتها الداكنة، ولكنتها الأجنبية اللتين تشيان بأجنبيتها، ففشلت في الازدواج: "تحولت إلى مخلوق هجين عربي غربي غير مصنف وغير معروف وبلا جذور. شربت الخمر، وواعدت عدة رجال، تصرفات من شأنها أن تجلب عليّ العار والاستنكار في جنين."([23]) وتغدو هامشاً يجد في هامش آخر تهجيناً به تتأقلم مع شتاتها: "إن الناس في ويست فيلي كانوا يعتبرونني جميلة لا مختلفة، ولم تكن لهجتي دعوة لعدم الثقة."([24])

ثانيا: كاريزما التعايش والتهجين
وصف ماكس فيبر الكاريزميا (Charisma) أنها أحد الأنماط الثلاثة للسلطة التي تعتمد على الصفات الشخصية. وتظهر أهميتها في أوقات الأزمات الاجتماعية خاصة. ولأن الكاريزما هبة من السماء، فإن من الممكن لحاملها أن يفقد سلطتها ويشعر أنه منسي، وتظهر نماذج الكاريزما الحقيقية في القادة والانبياء والأبطال العسكريين والقادة الثوريين([25])، لكن اولريش بيك حذر من تحول السلطة الكاريزمية إلى سلطة بيروقراطية، تشي باللعب على البعد الإنساني والتاريخي من أجل بعد آخر سياسي هو الأشمل والأهم مستقبلا([26]). وهو ما يتنافى مع ما تريده الازدواجية الناعمة من امتلاك الكاريزما، وما ينبغي أن تضفيه على التعايش من سمة تجعله حتمية ثقافية "كأساس تفسيري يمكن أن يفسر صيغ أنماط واختلافات السلوك بين الجماعات الانسانية."([27])

وتعد الكاريزما تمثيلاً اجتماعياً على الازدواجية الناعمة، عماده الاحتكاك بين الكيانات المتنافرة والمجتمعات المتغايرة لا بالمعنى الاستعماري القائم على الإبادة والإقصاء كاحتكاك البيض بالهنود الحمر، وإنما بالمعنى التعايشي ما بعد الاستعماري القائم على التنوع الذي تتطلبه ظواهر العولمة وما بعدها. وفي مقدمتها الهجرة التي لن يكون الارتحال فيها مأمون الجانب إلا بالاحتكاك والتفاعل الايجابي والتثاقف الحضاري بين المهاجرين الوافدين وأهل البلاد الأصليين أخذاً وعطاءً كما حصل قديماً عند فتح العرب للأندلس، وحديثاً في الهجرات الجماعية القادمة من البلدان المهددة بالحروب ومخاطر الإرهاب وفقر الموارد إلى البلدان المستقرة والآمنة والغنية.

ومؤدى التمتع بالكاريزمية "التغير الثقافي الذي ينشأ حين تدخل جماعات من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال مباشر ومستمر مما يترتب عليه حدوث تغييرات في الانماط الثقافية الاصلية السائدة في احدى هاتين الجماعتين او فيهما معا"([28])

والكاريزمية أهم وسيلة تحقق للشتات ازدواجية ناعمةـ بها يتكيف مع نفسه والآخر متخذاً من التهجين طريقاً ليس فيه تشويه للخصوصية أو ذوبان للهوية، بل هو صيغة للإتصال الثقافي الذي فيه تتجسر الصلات بين الشتات والدول المستقبلة له، مهيئة الأجواء لإقامة مجتمعات جديدة مهجنة متنوعة الايديولوجيات والقيم والأنساق، ولا خوف عليها ولا رهبة من كوميونات (communes) ([29]) تتضاد مع أقامتها ما دام الأفراد والجماعات يتمتعون بكاريزما التعايش والانتماء.

وتتجلى النظرية الكاريزمية في روايات الشتات الفلسطينية اجتماعياً من خلال الشخصيات العازمة على العودة إلى فلسطين، التي هي القطب المركزي الذي به تتوكد قدرة هذه الشخصيات على التعايش والتأقلم الطبيعي مع الأمكنة، أياً كان هذا التأقلم إقامة ولجوءا مؤقتين أو استقرارا ومكوثا دائميين. فتغدو فلسطين في رواية (حبي الأول) لسحر خليفة هي دار العيلة التي لا بد من العودة إليها. وما بين الهجرة والعودة ازدواجية ناعمة تمثلها الساردة (نضال) التي فارقت فلسطين عقوداً عاشت فيها في غربة وارتحال. وبالرغم من فجاعة هذا الواقع؛ فإنه لا يمنعها من العودة لتضع نهاية لحياة السفر والهجرة، بادئة حياة جديدة في دار العيلة، وقد عادت إليها لأجل أن تبنيها وتعيد إليها رونقها "ما عدت أطيق جو الغربة والطيارات والمطارات والبدء من جديد في كل مكان أذهب إليه."([30]) ويؤهلها تمتعها بالكاريزما على الالتصاق بفلسطين والتعايش مع المحتل، مسترجعة ذكريات التهجير القسري الأليم "مر احتلال وعواصف وزلزال رهيب جعل مدينتنا مقلوبة .. وكذا الاحتلال مثل الزلزال، وكذا الهجران والوحشة وبقايا أهل هجروها وغابوا عنها رحلوا عنها .. باتوا ذكرى في زمن عتيق منقطع."([31])

ووراء قرار العودة كاريزما اجتماعية تجعل (نضال) ترفض المواجهة والعنف، مفضلة عليها القوة الناعمة، ليس ذلك حسب؛ بل ترفض أيضا ما في اسمها من دلالات المقاومة الخشنة "فعل ناقص .. وكأن النضال لا يتأتى إلا بالعنف وكأن العنف لا يتأتى إلا بالسيف والبارودة وزرع الالغام."([32]) ولأن (نضال) اتخذت من الفن وسيلة تداري بها ضياع الصاحب والمأوى في المهجر، امتلكت وجهة نظر ازدواجية تنبذ العنف، وتشكك في فاعلية الثورة على استعادة فلسطين. تلك الثورة التي لم تعد جزافية بلا نظام ولا انضباط؛ بل غدت مؤسسة رسمية لها قائد وجيش ودولة وطنية. وما رؤيتها هذه سوى خلاصة لذكريات استرجعتها عن الشخصيتين الثوريتين الحسيني ووداد القحطان، وحكاياتهما ضد المحتل التي لم تصدقها "حاصرنا مئة ألف يهودي في مستعمرات حول القدس .. قطعنا عنهم الماء والكهرباء والإمدادات والتموين والقوافل .. لم أصدقه فأخذ يصف لي كيف فجروا أنابيب الماء."([33])

وبكاريزما شخصيتها المصرة على الازدواج الناعم، تدرك أن في القوة الناعمة وحدها إفشالاً لمخططات المحتلين الذين "يريدون القدس وحيفا ويافا وكل فلسطين دولة يهودية بدون مسلمين ولا مسيحيين. هذا ما يريدون دولة عنصرية فقط لليهود"([34])

وغالبا ما يفضي ازدواج التعايش المبني على امتلاك الكاريزمية إلى التهجين الذي فيه "يحتمي المهاجرون الجدد بتجمعات يقاومون فيها ما يعتقدون أنه استلاب لهويتهم الدين واللغة والعادات .. يتبادلون حكايات الاوطان .. ثم تصير قصص الاسلاف تراثاً يؤكد الهوية."([35])

وهو ما نلمسه في رواية (لا تشبه ذاتها) لليلى الأطرش التي فيها تتبنى الساردة مواقف تعكس كاريزما شخصيتها المتعايشة مع الآخر. منها موقفها الفكري من المهاجر الذي ينخرط في المهجر، ويحتفظ في الوقت نفسه بخصوصيته واستقلاله، قائلة: "تلقي الأوطان بأزماتها على نجاحات .. اللاجئين حتى إذا تكيفوا مع الجديد علقوا الأوطان صورا في بيوتهم، وكرسوها ذكريات وأعيادا وطنية .. الوطن قيد المهجر بحضور لا يغيب حبل سري تغذيه أخبار الشاشات بلا توقف."([36]) وبكاريزما التعايش تغدو هواجس الغربة والتشتت غير حائلة دون الاندماج الاجتماعي والثقافي "جالية كبيرة لاجئة حملت وطنها وأفكارها معها تبحث في فضول عمن سبقوها تلوك قصص الاغتراب وتتباهى بالاحتفاظ بتقاليدها."([37])

وإذا كانت هجرة عائلة ارسلان القلزاني طوعية خوفاً من غرباء محتلين، فإن أمل العودة ظل يرافقها "انتظار عودتنا إلى حيث يجب أن نكون؛"([38]) ولأنها حملت الوطن (فلسطين) فكرياً معها، لا تخاف الشتات والشبهات وأمراض الغربة والحنين، بانية حياتها على التهجين، متعايشة مع ما هو مسموح وممنوع.

وبالمقابل قد تفقد الشخصيات كاريزما التعايش فتغدو عرضة إلى التآكل والذوبان كما في رواية سوزان أبو الهوى (بينما ينام العالم) التي من عناوين فصولها المتوزعة بين (النكبة والنكسة والندبة والغربة وبلادي نهاية وبداية) يتضح ما في شخصياتها ومنها شخصية (آمال) من نزعة سلبية إلى التعايش، وقد فقدت الكاريزما فلم تحتمل العيش لا في المخيم ولا في الوطن، فالأول تراه مدمراً "في مخيم اللاجئين الذي ستسميه اسرائيل أرضا خصبة للإرهابيين، ووكر فاسد للإرهاب كنت شاهدة على حب يتضاءل أمامه الوجود."([39]) بينما ترى الثاني غير مرحب بها "لم يعد لي هناك أي شيء لا احد يرجع اليه."([40])

ويكون الفشل في التعايش مرافقاً لها أيضا في كل ترحالاتها التي لا تستقر فيها على مآل إلى أن تصل إلى الولايات المتحدة التي فيها لم يعد أسمها آمال؛ بل صار أيمي وقد ذاب وجودها، وتشوه بالآخر اجتماعياً ونفسياً، ففقدت أية إمكانية في الازدواج الناعم "بعد سنة واحدة من البدء بالدراسات العليا. وصلتني البطاقة الخضراء وأصبحت الولايات المتحدة بلدي الجديد. أصبحت الآن أيمي في أرض الامتيازات والوفرة. بلاد كانت الواجهة التي اشتريتها لنفسي، غير أني بقيت انتمي إلى الأبد إلى تلك الأمة الفلسطينية التي نفيت إلى اللامكان."([41])

وفقدان كاريزما التهجين يجعل أخاها شخصية عنيفة، وقد اتخذ من المقاومة المسلحة طريقاً لتحقيق الاهداف "لقد أخذوا كل شيء يا آمال وما زالوا يأخذون المزيد، لا أستطيع الجلوس ومشاهدة ما يحصل وأنا مغلوب على أمري. أرجوك يا أختي الحبيبة اغفري لي هذا الرحيل أنا ذاهب للمقاومة."([42]) وقد لا يعني فقدان الكاريزما فقدان الازدواج والتعايش الناعم مع الآخر حسب؛ بل يعني أن الشخصية نفسها عاجزة عن التكيف الاجتماعي مع واقعها الجديد فأينما غربت أو شرقت يظل الشعور بالغربة والتشتت معيقاً لها، وهو ما نجده في رواية (رأيت رام الله) لمريد البرغوثي التي فيها يفكر الوالد بولده الذي يراه مكتوباً عليه الشتات، متسائلاً "هل سأخرجه من سجلات اللاجئين والنازحين وهو لم يلجأ ولم ينزح وكل ما فعله أنه ولد في الغربة."([43]) ناظراً بمنظار ضيق إلى الشتات واجداً المهاجر شخصاً غريباً "يجدد تصريح إقامته .. يملأ النماذج ويشتري الدمغات والطوابع هو الذي عليه أن يقدم البراهين والاثباتات. هو دائما العنصر المندس في المظاهرة إذا تظاهروا .. هو الذي تتعطب علاقته بالأمكنة، يتعلق بها وينفر منها في الوقت نفسه."([44])

وهو ما نجده أيضا في رواية (أولاد الغيتو) لالياس خوري التي فيها يعجز البطل آدم اجتماعياً عن الازدواج. ووراء هذه الأسلبة الاجتماعية تجربة حب فاشلة لدالية "أريد الهرب من هذا المكان الذي يخنقني ونسيان هذه المرأة التي زال سحرها فجأة كأن لم يكن، وضربني الأسى لا لأنني فقدتها حين مضت لا أعلم إلى أين، بل لانني فقدت نفسي. وأنني دخلت في دوامة يأسي من نفسي وهي الدوامة التي سوف تقودني بعد ذلك بستة أشهر إلى الهجرة إلى أمريكا."([45])

ويحول منظوره السلبي للشتات دون أن يتمتع بالازدواجية الناعمة "كانت البداية أو ما اعتقدناه بداية هي النهاية؛ لكن النهاية الواضحة التي قادتني إلى الهجرة من بلادي بدت أشبه ببداية كاذبة. لبسني هذا الوهم من المخرج السينمائي الاسرائيلي الذي كان صديقي. موحياً أن حياة كل إنسان تصلح أن تكون رواية أو فيلما سينمائيا."([46])

ويتسع هذا المنظور السلبي ليشمل الوطن الذي ما عاد الاندماج به ممكناً، فقد ضاع للأبد. ليكون الشتات والترحال الدائم في بلدان العالم قدراً مكتوباً على الفلسطيني "هكذا سأكتب وصيتي فأنا لا أملك قبراً في بلاد لم تعد بلادي كي أطلب أن أدفن فيه معانقاً أرواح أجدادي."([47]) وبالعكس فإن التمتع بالكاريزما يجعل علاقة الشخصية بالمكان علاقة واعية، كأن ترى في الشتات شكلاً من أشكال التعايش، سواء أكانت عاشت في الوطن أو توطنت في بلد بديل عنه، وهكذا ظلت فلسطين في عين ادوارد سعيد هي نفسها "فلسطين ليست مكانا عاديا إنها متوغلة بعمق في كل التواريخ المعروفة."([48]) مع أنه ابتعد عنها أكثر من خمسة وأربعين عاماً.

ويبدو أن الشخصيات النسوية هي الأكثر قدرة على امتلاك الكاريزما كما في رواية (عين المرآة) للبانة بدر التي فيها تتمكن (آمنة وعائشة وزينب) من التعايش بسلام سواء عشن في الملجأ، أو عدن إلى فلسطين. "كل سنوات البعاد عن البيت لم تنس عائشة حكايات العشية التي كانت تنعم عليها بها الأم منذ زمن طويل."([49])

وواحدة من أساليب التهجين التساؤل الذي به تبحث الشخصية عن إجابات تمنحها ازدواجية ناعمة، فيها تجد ممكنات التعايش مع المحتل "الأمر الوحيد الذي يؤرقها الآن هو أن تفهم لمَ حدث كل هذا؟ لمَ الحرب؟ لمَ نحن هنا؟ لمَ الموت؟ لمَ لا نعيش حياة طبيعية؟ لمَ لا يقبلون أن يتركونا في حال سبيلنا؟ لمَ يخرجوننا من بلادنا، ويغضبون حين نعمل على الرجوع إليها ثم لا يقبولنا حيث نحن، أين نذهب إذا؟"([50])

والمقاومة المبنية على الصبر والمطاولة أسلوب آخر يمكّن زينب من الصمود متحلية بالصبر، وهي التي دفعتها أمومتها وخوفها على أبنائها أن تقدمهم على نفسها في ركوب الشاحنة، التي ستنطلق بهم إلى المخيم من دونها: "وقفت زينب وراء الشاحنة التي يتدافع البشر إليها كأنهم في يوم الحشر كانت تحمل أولادها ليستطيعوا أن يتسلقوا وسط الهرج اللامتناهي الممزوج بالكلمات وحركات الجذب والابعاد والدفع والارتطام."([51]) لكنها لم تفقد الأمل وظلت تنتظر إلى أن عثرت عليهم من جديد في إشارة إلى أن فلسطين ستعود الى أهلها مهما طال الزمان. ويتمتع فراس عياش في رواية (أصل الهوى) لحزامة حبايب بهوية متعددة ساعدته في التعايش، من دون أن يفقد هويته الأصلية "كان عليه أن يتذكر أنه أردني من أصل فلسطيني، وفي الوقت نفسه عليه أن يكون مواطناً أردنياً كاملاً."([52])

وما ولّد لديه هذا الإحساس هو كاريزما شخصيته القوية القادرة على الازدواج الناعم مهجنا وجوده بوجود الآخر: "كان لا يستطيع أن ينسى للحظة أو لجزء من لحظة أنه فلسطيني وهو أمر كان يثقله، لا لأنه كان يريد أن ينسى ذلك بل لأنه لم يكن بحاجة لأن يتذكر. كانت فلسطينيته حاضرة معه بقوة رغما عنه، يحددها ليس شعوره أو الأرث النكبوي وإنما قوانين الحياة في اللجوء التي تضيق الدائرة على هويته."([53])وهو ما مر به أيضا عادل الكرمي في رواية (عباد الشمس) لسحر خليفة، واجداً أن التعايش الحقيقي والكامل ينبغي أن يكون من المحيط إلى الخليج فلا فرق بين فلسطيني وخليجي، وأن بالتهجين يتساوى البشر رجالا ونساء "التعايش بين الشعبين لم يتم بشكل صحي، ما لم يبلغ الشعبان مرحلة النضج والقناعات المشتركة."([54])

وتتمثل هذه الرؤية المنفتحة أيضا في شخصية أبي صابر الذي تمتع بكاريزما منحته أفقاً بعيداً، وجعلته يخشى مستقبلا أن ينعدم الازدواج الناعم بالآخر فيحل الانغلاق محل التعايش وتضيع فرص الفسلطينيين في العودة وتصبح فلسطين بلدا غريبا "الوضع الاقتصادي يجعلهم يرحلون .. بالالوف، ناس للاردن وناس للسعودية وناس للعراق وغيرها، وغيرها والله انا خايف يجي يوم وحالنا مثل عرب يافا سياج قدامهم وسياج وراهم وسياج من الشرق وسياج من الغرب وحواليهم اغراب واجانب ولسانات ترطن بكل اللغات إلا العربي."([55])

وكاريزما الشخصية القوية تنعكس على فلسطين فتغدو قوية، تأنف من الهجرة وترحب بالآخر لكن من دون أن تذيب له تاريخه أو تشوه هويته ولغته "القدس مدينة قاسية. تعطي الغرباء مكانا فيها لكنها لا تحضنهم. صدرها لا يلم وحشة غريب. حضنها لا يعرف الدفء. دائما تضع مسافة بين أهلها والآخرين. الغريب في القدس مثل النبي إيليا في بطن الحوت، صحيح خرج منه سالما، لكنه لم يخرج مثلما كان. غيّرته الظلمة والخوف وانتظار الرحمة في ثلاثة أيام"([56])

ثالثا: مركزية الأمومة واللاتنميط النسوي:
احتلت النسوية مكانة مهمة في الرواية العربية ما بعد الحداثية بعد أن صارت ظاهرة لافتة للانتباه، وهي لا تبغي من وراء تغليب حضورها الأنثوي استئصال الذكورية أو تهميش دورها؛ وإنما العدالة والتناصف من خلال استعادة الأدوار، وتوكيد تساويها ترسيخاً لمنطق الانفتاح تعددا واندماجا. وهو مطلب تسعى الرواية إليه سعيا حثيثا لا عند الكاتبات فقط؛ وانما عند الكتّاب الذين يعملون على تركيز الدور النسوي في قصصهم ورواياتهم، معتمدين تمثيلات مختلفة، بعضها يظل في حدود الاشتغال النصي ويتعدى بعضها الآخر إلى الاشتغال الميتانصي. ولا غرو أن لعلاقة الذات المؤنثة بالذات المذكرة مديات من النمو، بها تقل الفوارق فتغدو الأولى ناضجة ومعقدة، بينما تتمتع الثانية بخاصية التعاطف المتبادل مع الأولى، وبما يفسح "المجال أمام التمكن والشرعية ومعرفة الذات .. فالشخص يتميز ليس بالفصل الذي يؤكد الاختلاف عن الآخر، ولكن بإثبات فعالية المرء، وتوكيد حاجاته ومشاعره وقدراته."([57])

وإمكانية تحقق هذه العلاقة بين الذاتين تؤكدها بعض المنظورات التي تذهب إلى أن المرأة هي الأسبق وجوداً، وأنها هي الأقوى حيلة والأكثر موهبة، مما كانت قد دللت عليه أرصن الدراسات العلمية. وبالطبع يكمن وراء هذا التصور مسائل فسيولوجية ودينية وفلسفية تربط الجسد باللغة دالا ومدلولا، وتجعل الجسد جسرا وقد تجعله هدفا. وللكينونة النسوية حضورها الذي يجعل من اختلافها مصدر تميز لها، وليس العكس. وما يترتب على هذا الفهم من تبعات منها أن الاختلاف عن الغير هو ـ كما يقول علي حرب ـ "اختلافنا عن أنفسنا فما نكرهه فيه كامن فينا"([58])، ولا شك أن في الخصوصية الأنثوية تكمن القوة النسوية التي منها تستمد سلطتها التي قد تضاهي السلطة الذكورية.

وعلى الرغم من أن روايات الشتات لا تكاد تفرق بين رجل وامرأة وهي تصور المعاناة الإنسانية المترتبة على الهجرة؛ فإن الثقل الأكبر يظل منصبا حول الرجل، لا لأنه يشكل النسبة الأكبر في الشتات؛ بل لأن الفكر المتروبولي هو الذي يعطي الرجل السيادة والتفوق، جاعلا منه سيدا يفرض على المرأة التابعية له. وإذا كان لكل من المرأة والرجل في روايات الشتات معاناتهما مع الهجرة؛ فإنهما يظلان موصوفين أما بالتهميش والضياع أو بالتمركز والحضور، وذلك ما يتجلى أيضا في روايات الشتات الفلسطينية التي فيها المرأة حاضرة حضورا مزدوجا لا بالمعنى المركزي الذي فيه المذكر مقصي، أو مغلوب، ولا بالمعنى السلبي الذي فيه المؤنث مركزي تارة وتارة أخرى مهمش؛ بل بالمعنى الايجابي الذي فيه يزدوج المؤنث في المذكر، والمذكر في المؤنث حتى يمركز أحدهما الآخر بقوة عابرة للجندر، وبفاعلية مرنة وروح متحولة غير نمطية، تندمج فيها هوية المرأة في الرجل وبالعكس، فتمتزج الخصوصية الفسيولوجية لكل منهما بجنوسية تعددية هجينة، هي ليست جنوسة ثالثة مشبوهة أو متحولة، وإنما هي ازدواجية ناعمة سيّالة تتغاير وتتقارب ثقافيا وفي الوقت نفسه تتشابه وتختلف جنوسيا.

ولتمثيل الشتات النسوي روائيا مواضعات ثقافية تواكب متغيرات مرحلة ما بعد العولمية وتطلعاتها التنويرية ونزعاتها اللاتقليدية التي تحاول إثبات أهمية الكينونة النسوية وأولوية سماتها الفكرية التي تعطي المرأة أدواراً فاعلة في الثقافات وبناء المجتمعات. ومن تلك السمات الأمومة والمركزية والأنثوية ورؤيا العالم النسوية وغيرها. وهو ما يجعل للمرأة كينونتها المستقلة وهي تتناصف مع الرجل في الأهمية الجنوسية، ليكون مصدر قوة لها، لا يهددها بالتهميش ولا يقابلها بالدونية.

وبالرغم من أن المرأة في روايات الشتات تشارك الرجل معاناة التهجير والارتحال، فإن الخطاب المكتوب من قبلها سيغدو مختلفا عن الخطاب الذي يكتبه الرجل عنها، والسبب أن حقيقة معاناتها "لا ينطق بها سواها وإرادتها لا يعبر عنها غيرها."([59]) .

ولا خلاف أن الروائية الفلسطينية أثبتت جدارتها في التعبير عما يخصها مبتدعة خطابها المستقل بنفسها ممتلكة هويتها التي فيها يتحدد وجودها وتتبلور كينونتها غير مستقلة عن الرجل في ميولها واستعدادتها وصفاتها ومواهبها وجسدها وروحها. وتعد الامومية المطرياركية Matriarchal خصوصية جسدية ونفسية واجتماعية، بها تملك المرأة سلطة مركزية، هي أول سلطة عرفتها البشرية. وما دام نظام سلطة الأم هو أقدم أشكال المجتمع الإنساني([60]) فلا غرابة إذن أن يسبق النظام الأمومي نظام السلطة الأبوي تاريخيا.

ومن الأدوار الامومية التي بها تتحقق الازدواجية الناعمة استعادة المرأة لدورها التاريخي كأم، توكيداً لمركزية هذا الدور واستمراريته في الأسرة أولا والجماعة البشرية آخرا. وقد أدت شخصية ميلادة في رواية (ترانيم الغواية) لليلى الاطرش الدور الأمومي حين صارت بالنسبة لأهل بلدتها أُماً تربي وحكاءة تتجول في تاريخ الملوك والأباطرة الذين دخلوا القدس، وطبيبة تعالج آلام الجسد والنفس، مبطلة أثر كل عين حاسدة. ([61]) وهي الحكيمة التي خبرت ما في الهجرة عن فلسطين من معاناة "من يعتاد السفر لا يرجع، ومراكب البحر غربت بالناس إلى بلاد بعيدة وابتلعتهم،([62]) أو "الأوطان ضاقت .. والهجرة هوس أصاب العائلة."([63]) ولهذا لقَّبها الناس بـ(العمة) كقطب يجمعهم مهما طال بهم الشتات في المهاجر "لقب العمة تاه في الهروب الكبير تسرب على مفارق الهجرة والشتات وما لا يتداوله أهل القدس من قصصهم يضيع في زحمة أحداث مدينة عادتها تبدل الوجوه وتزاحم الحكايا في توالي الحروب عليها."([64])

وصارت ذاكرتها تحمل حكايات مريعة عن مهاجرين ذهبوا ولم يعودوا لأن البحر أغرقهم "قوارب التهريب تتكدس بالمهاجرين، وكثيرها غرق في انواء محيط لا يرحم، وشرطة خفر السواحل تراقب امتداد الشواطئ الامريكية، لتعيد من لا يحمل أوراقا رسمية او تسجنه."([65]) وأمومية العمة جعلتها ترفض الهجرة مصرة على البقاء، بينما آثر الرجال الهجرة، ومنهم إبراهيم الذي اختار أمريكا مهجرا، فما كان لها إلا أن تحذره متنبئة بما سيقع له مستقبلا "والله يا ابن أخي العرق دساس جدك سحبه البحر قبلك ونسي من تركهم."([66])

وتتحلى شخصية سلوى في رواية (عباد الشمس) لسحر خليفة بالامومية لا بمعنى التخلي عن الأبوية؛ وإنما الاستعاضة عن الأدوار البطولة بالأدوار المرنة والناعمة من أجل التغيير، واجدة أن "الثورة لن تحل مأساة الشعب."([67])، رافضة الشعارات الطوباوية التي لم تأتِ إلا بمزيد من التبعية ومثالها الثورة الجزائرية التي أعادت المرأة بعد الاستقلال إلى قاعدة الحريم. وتفسر بازدواجية ناعمة سبب فشل التطبيقات التي تستبعد المرأة من الواجهة معتبرة القوة الخشنة هي الأهم في مقارعة الاحتلال. ودليلها سالم الذي انخرط في المقاومة لكنه لم يفلح "عن فهم واقعي ومواكبة متطلباته فهو عاجز عن رؤية واقع المرأة ومتطلبات هذا الواقع..عاجز عن دمج الواقع بالنظرية ومن يعجز في الجزء يعجز في الكل."([68])

والحب أداة ناعمة بها تتمكن النسوية من توكيد مركزيتها محدثة التغيير، وهو ما تؤكده بطلة رواية (حبي الأول) لسحر خليفة التي فيها الحب أقوى أثراً من الثورة. وبسبب نظرة ربيع الذكورية للقوة المتجسدة في الثورة، يغدو مسلكه انهزاميا غير مسؤول "لا مال ولا أرض ولا مستقبل فماذا لدي لأعطيك. لا شيء لدي أعدك به. لأقول بصدق انتظريني كوني لي وانتظريني وها أنا أقول لا تنتظري لأني سأهج من هذه الارض وأبحث عن أرض تؤويني أنا لا شيء."([69])

والاحتواء أسلوب مهم في توكيد مركزية النسوية في تحقيق مكاسب قد لا تحققها اعتى أنواع القوى وأشدها فتكاً. بمعنى أن المرأة بحدسها الأنثوي وغريزتها الأمومية قادرة على احتواء الآخر، فإبراهيم الذي هجر داره في القطمون زمنا طويلا وكذلك هجر أولاده وزوجته، أراد أن يعود إليها فوجد أن الإسرائيلي يقطن فيها وقد تعامل مع عودته بنعومة "قال تفضل اشرب معي الشاي .." بينما تعامل إبراهيم بالضد قائلا: "كمان بتعزمني على داري؟ اليهودي ما زعل خلص حاله وقال: أنا فاهم عليك بس هذا واقع ولازم نقبله."([70]) وبعدها مات من الحسرة، في إشارة إلى أن الاحتواء قوة ناعمة بها يستطيع الفلسطيني التعامل بواقعية مع المحتل وبطريقة لا تعيق الأول عن بلوغ مقاصده التي بها سينتصر على الثاني.

وتعد اللانمطية سمة من سمات المركزية النسوية، وهي ذات صلة بالشخصية والاتصال والوظيفة الثقافية التي تقسم إلى قطاعات مادية وفكرية واجتماعية وانثربولوجية([71]) من منطلق أن النمط وحدة وظيفية متكاملة تسمح بالتغيير من دون وجود نموذج فيه من الثبات ما يعيق التغيير. ولأهمية اللاتنميط استعمل دوركايم مصطلح الوعي الجمعي بديلا عن مصطلح الثقافة، حيث كل نسق من أنساق الثقافة هو "قدرة تفسيرية جيدة. ومجموعة مصالح وأنشطة وهو يفترض وجود نظام مكون من اجزاء ومظاهر متآلفة في ترتيب منظم يتميز بالتنسيق في العمل والتكامل في البنيات."([72]) ومن الأنساق اللانمطية ما تملكه المرأة من تاريخ نسوي خاص يمثل حياتها وتجاربها ومنها تجربة الهجرة والشتات الذي به تصبح المرأة "حامل الثقافة cultural bearer"([73])

وهو ما نجده في رواية (ترانيم الغواية) لليلى الاطرش التي تقدم لنا التاريخ النسوي في شكل تذكارات تستعيد عبرها العمة ميلادة أدواراً مارستها المرأة في الماضي القريب لكنها اليوم تغيرت، من ذلك أنها لم تعد كما كانت بالأمس ضعيفة تقبل أن تقال عنها وعن بنات جنسها أقوال تحجم إمكانياتها مثل "خلفة البنات هم للممات .. البنت ليست حمل غربة ولا بهدلة هجرة."([74]) أو "تتزوج البنت وتنجب فيصير همها البيت ومن فيه ويتزوج الرجل فيظل همه خارج داره. أما إذا لم تنجب فتصير حياتها كلها أن تثبت بأنها لا تقل عن الأخريات."([75]) وهي جريئة حين تكتب تاريخها الشخصي أيضا بوجهتي نظر مختلفتين الأولى بصوتها "عندما أصل الخمسين وأحس أن العالم كله يقفز من حولي، دون أن يكون لي فيه ملجأ سأحسد الأطفال والشباب والناضجين. وأنا سأكون وحيدة." والنظرة الأخرى بصوت الرجل "المرأة العصرية غير هذا، اندماجها في المجتمع والعمل سيحول دون إحساسها بالعزلة ([76]) واللاتنميط النسوي هو الذي يجعل المرأة قادرة على تطبيق الازدواجية الناعمة، ممتلكة القوة وهي تحاور الرجل محاولة إقناعه بوجهة نظرها. وهو ما نجده في رواية (عباد الشمس) لسحر خليفة التي فيها البطلة محاورة عنيدة وهي تريد إثبات أن قضية الوطن مثل قضية المرأة "ككل المثقفين متناقض متذبذب..قضية المرأة جزء أساسي من قضية الوطن"([77]).

وتقرر بطلة رواية (حبي الأول) للكاتبة نفسها أن ضعفها يجعلها قوية متمكنة من العودة النهائية إلى فلسطين بعكس كثيرين غيرها "بتنا نعوم في بحر النفي والغربة ونحن ما زلنا في أرض الوطن .. كنا الاقوى حتى بالضعف كنا الأقوى."([78]) وهو ما تعتمده أيضا ميلادة التي فضلت البقاء على الهجرة مخالفة المجموع الذي أغوته الهجرة، مترنمة بالمثل الشعبي(اللي يطلع من داره بينقل مقداره)([79])، بعكس أخويها اللذين ظل حلم العودة يراودهما بعد أن أدمنا الهجرة وورثا حبها من أبيهما ملقيين بالعجز مرة على القدر(قدري البحر ولا راد للقدر والمكتوب) ومرة أخرى على الحظ "حظي يلاعبني كلما رجعت إلى البلاد غافلني وظل ورائي فيجبرني على الرحيل"([80]).

والتساؤل الدائم والممض نسق ثقافي لا نمطي يطبع الشخصيات النسوية بالازدواجية الناعمة، كما في شخصية عائشة في رواية (عين المرآة) للبانة بدر التي خطرت في بالها تساؤلات عدة وهي ترى أمواجاً بشرية تتلاطم هاربة من فلسطين: "أيحدث معنا هذا لأننا نريد العودة إلى فلسطين .. لماذا اندفعوا وراء رعبهم إلى ما يتصورونه حياة في الخارج؟ لماذا لم يعرفوا أنهم سيواجهون ما يلقونه الآن بعد رحلة المرارة والتعب؟ .. لو كان لديهم ذرة من الحكمة لعرفوا .. أنه كان من الأفضل أن يبقوا هناك يعيشون أو يموتون."([81])

والتشبث بالأرض سمة أنثوية كونها هي الحضن الطبيعي الذي فيه تتجسد الازدواجية الناعمة، وعن ذلك تقول الساردة في رواية (بينما ينام العالم) "كانت فلسطين تنبعث من عظامي إلى أواسط حياتي الجديدة ببساطة ومن دون أعلان مسبق .. يتحول شجر الصفصاف المتهدل في ميدان وبتنهاوس الى اشجار تين في جنين.. كان وخزا متواصلا ينبض في خلايا جسدي. ومن ثم يعود ليكمن في الأعماق."([82])

الخاتمة:
الازدواجية الناعمة ملمح مهم من ملامح الشتات؛ وهي بمثابة منهج إجرائي فيه تتمكن هذه الفئة البشرية من تحقيق التعايش والانفتاح على الآخر، مقاومة نظمه المتفوقة والطبقية وبصورها الاستعمارية المختلفة. وهو ما تعمل خطابات ما بعد الاستعمار على تجسيده، مانحة الشتات الأهمية معطية له الأولوية في استراتيجياتها. وسرديا تتمثل في الرواية الفلسطينية سمات الشتات كفاعل ثقافي، ولاسيما في الرواية النسوية التي تكتبها الفلسطينيات. والسبب ما فيها من دلائل التعايش والتعدد التي تجعلها موصوفة بالازدواجية الناعمة بعكس الروايات التي يكتبها الفلسطينيون التي فيها الشخصيات معاقة أو فاشلة في تحقيق الازدواج الناعم ومن هنا كانت العينات الروائية التي انتقيناها في الأغلب نسوية. وقد تميزت رواية الشتات الفلسطينية بثلاثة تمثيلات فنية فيها تتجلى علاقة الشتات بالآخر، وكالاتي:

التمثيل الاول/ فيه الازدواجية الناعمة طريقة بها يتعايش الشتات تعايشا سايكولوجيا يندمج عبره مع الآخر، فتتعدد الهويات واللغات، من دون أن يلغي هذا التعدد استقلالية الشتات وخصوصيته. ولا غرابة بعد ذلك أن تزول أية بوادر للازدواجية الناعمة حين تتحكم في الشتات المشاعر السلبية بالغضب والحنق والحقد، مضمرة العداء للآخر ومدمرة أية أمكانية في التعايش معه.

التمثيل الثاني/ فيه تتوكد إمكانيات التعايش بكاريزما التهجين التي هي أكثر وضوحا عند الشخصيات النسوية منه عند الشخصيات الذكورية التي تظل سلبية ومترددة في الاعتراف بأهمية الازدواجية الناعمة وقدرتها على التغيير نحو الأفضل.

التمثيل الثالث/ فيه الامومية والمركزية والأنثوية معطيات نسوية تحقق الازدواجية الناعمة التي بها يتعامل المهاجرون مع موضوعات النفي والاغتراب والارتحال والتهجير والنزوح والاستيطان والاحتلال والعودة وغيرها بطريقة إيجابية وفاعلة.

فهرس الروايات:

  • أصل الهوى رواية، حزامة حبايب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 2009،
  • أولاد الغيتو رواية، الياس خوري، دار الادب، بيروت، ط2 ، 2016
  • بينما ينام العالم رواية، رواية سوزان أبو الهوى، ترجمة سامية شنان تميمي، دار بلومزبري الدوحة، ط1، 2012
  • ترانيم الغواية رواية، ليلى الأطرش، منشورات ضفاف، بيروت، ط1، 2014.
  • حبي الأول رواية، سحر خليفة، كتاب في جريدة، عدد 158 ،5 /تشرين الاول/2011، كتاب اليونسكو. وقد صدرت الطبعة الاولى للرواية عن دار الآداب، بيروت، 2010.
  • رأيت رام الله رواية، مريد البرغوثي، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط4، 2011
  • زمن الخيول البيضاء رواية، إبراهيم نصر الله، الدار العربية للعلوم ناشون، بيروت، ط6، 2012
  • عباد الشمس رواية، سحر خليفة، دار الاداب، بيروت، ط4، 2008.
  • عين المرآة رواية، لبانة بدر، شرقيات للنشر والطبع، بيروت، ط1 ، 2000.
  • لا تشبه ذاتها رواية، ليلى الأطرش، دار الشروق للتوزيع والنشر، عمان، ط1، 2018.

فهرس المصادر والمراجع

  • الاقتصاد والمجتمع، ماكس فيبر، ترجمة محمد التركي، مراجعة فضل الله العميري، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2015.
  • انثروبولوجيا اليهود، د. جمال حمدان، دار الهلال، مصر، 1996.
  • الانماط الثقافية للعنف، باربرا ويتمر، ترجمة ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة 337، الكويت، 2007.
  • ثورات القوة الناعمة في العالم العربي، علي حرب، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط2 ، 2012.
  • الحب والفناء، علي حرب، دار المناهل، بيروت، ط1، 1990.
  • خطاب الهوية سيرة فكرية، علي حرب، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط2، 2008.
  • الذاكرة التاريخ النسيان، بول ريكور، ترجمة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد، بيروت ، 2009.
  • السلطة والسلطة المضادة في عصر العولمة، اولريش بيك، ترجمة جورج كتورة والهام الشعراني، المكتبة الشرقية، بيروت، ط1،2010.
  • سوسيولوجيا الثقافة، عبد الغني عماد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1 ،2006.
  • الشخصية والثقافة، روث بندكت، ترجمة ، أحمد أبو زيد، مجلة عالم الفكر، دورية العدد الثاني، المجلد الثالث عشر، الكويت، 1982.
  • موسوعة علم الإنسان المفاهيم والمصطلحات الانثربولوجية ، شارلوت سيمور-سميث، ترجمة مجموعة من أساتذة علم الاجتماع، باشراف محمد الجوهري، المطابع الأميرية، القاهرة، ط2 ،2009.

 

 

([1]) الشخصية والثقافة، روث بندكت، ترجمة ، أحمد أبو زيد، مجلة عالم الفكر، دورية العدد الثاني، المجلد الثالث عشر، الكويت، 1982، ص348.

([2]) ينظر: موسوعة علم الإنسان المفاهيم والمصطلحات الانثربولوجية ، شارلوت سيمور-سميث، ترجمة مجموعة من أساتذة علم الاجتماع، باشراف محمد الجوهري، المطابع الأميرية، القاهرة، ط2 ،2009، ص70.

([3]) السلطة والسلطة المضادة في عصر العولمة، اولريش بيك، ترجمة جورج كتورة والهام الشعراني، المكتبة الشرقية، بيروت، ط1، 2010، ص106.

([4]) ينظر: موسوعة علم الانسان، ص217.

([5]) ينظر: انثروبولوجيا اليهود، د. جمال حمدان، دار الهلال، مصر، 1996، ص79.

([6]) ينظر: المرجع السابق، ص83.

([7]) المرجع السابق، ص84، وعن الرأي القائل بقرابة العرب واليهود قال حمدان:(فبالرغم من أن الثابت المقرر في القانون الدولي أن ترك شعب لوطنه الافا سحيقة من السنين لا يمكن إلا أن يحرمه كل حق في المطالبة بالعودة اليه الان.. فإن فكرة قرابة العرب واليهود في الدم قد يمكن أن تلقي بعض الظلال على قضيتنا المصيرية الأولى في فلسطين) المرجع نفسه. والغيتو يعني(الحي اليهودي الذي هو عادة معزول عن المدينة والناس)

([8]) ينظر: السلطة والسلطة المضادة،ص115ـ116. ومفهوم المواطن العالمي هو إحدى استراتيجيات الكوسموبولتية التي بموجبها تتعدد الهويات وتزدوج الانتماءات. وليس في ذلك تشويه للهوية الوطنية والمحلية؛ بل المواطنة العالمية هي التي تجعل التمتع بهويات وولاءات عديدة ممكنة. وقد طبّق المفهوم في الولايات المتحدة الامريكية بوصفه لب الوعي للسياسة الكوسموبولتية التي قامت على الاعتراف بغيرية الآخر وأيضا بحقيقة الصراعات والوجود بالقوة والخيال الحواري الذي تستثيره قصص الحياة الخاصة. ينظر: المرجع السابق، ص118.

([9]) ينظر: ثورات القوة الناعمة في العالم العربي، علي حرب، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط2 ، 2012.

([10]) المرجع نفسه.

([11]) ينظر: الذاكرة التاريخ النسيان، بول ريكور، ترجمة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد، بيروت ، 2009، ص20ـ 28

([12]) ترانيم الغواية رواية، ليلى الأطرش، منشورات ضفاف، بيروت، ط1، 2014، ص63.

([13]) ترانيم الغواية، ص370.

([14]) حبي الأول رواية، سحر خليفة، كتاب في جريدة، عدد 158 ،5 /تشرين الاول/2011، كتاب اليونسكو. وقد صدرت الطبعة الاولى للرواية عن دار الآداب، بيروت، 2010.

([15]) بينما ينام العالم رواية، سوزان أبو الهوى، ترجمة سامية شنان تميمي، دار بلومزبري الدوحة، ط1، 2012، ص255.

([16]) أصل الهوى رواية، حزامة حبايب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 2009، ص128ـ129.

([17]) ترانيم الغواية رواية، ص13.

([18]) ترانيم الغواية رواية، 14ـ15.

([19]) عين المرآة رواية، لبانة بدر، شرقيات للنشر والطبع، بيروت، ط1 ، 2000، ص404.

([20]) ترانيم الغواية رواية، ص64.

([21]) حبي الأول رواية، ص9 .

([22]) زمن الخيول البيضاء رواية، إبراهيم نصر الله، الدار العربية للعلوم ناشون، بيروت، ط6، 2012، ص505.

([23]) بينما ينام العالم رواية، ص258.

([24]) بينما ينام العالم رواية، ص264.

([25]) الاقتصاد والمجتمع، ماكس فيبر، ترجمة محمد التركي، مراجعة فضل الله العميري، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2015، ص503.

([26]) ينظر: السلطة والسلطة المضادة، ص126ـ127.

([27]) موسوعة علم الانسان، ص263.

([28]) سوسيولوجيا الثقافة، عبد الغني عماد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1 ،2006، ص57.

([29]) ينظر: موسوعة علم الانسان، 446ـ447.

([30]) حبي الأول رواية، ص5.

([31]) حبي الأول رواية، ص5.

([32]) حبي الاول رواية، ص5.

([33]) حبي الاول رواية، ص10.

([34]) حبي الاول رواية، ص12.

([35]) لا تشبه ذاتها رواية، ليلى الأطرش، دار الشروق للتوزيع والنشر، عمان، ط1، 2018، ص81

([36]) لا تشبه ذاتها رواية، ص15.

([37]) لا تشبه ذاتها رواية، ص18.

([38]) لا تشبه ذاتها رواية، ص63.

([39]) بينما ينام العالم رواية، ص281.

([40]) بينما ينام العالم رواية، ص275.

([41]) بينما ينام العالم رواية، ص267.

([42]) بينما ينام العالم رواية، ص184.

([43]) رأيت رام الله رواية، مريد البرغوثي، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط4، 2011، ص19.

([44]) رأيت رام الله رواية، ص7.

([45]) أـولاد الغيتو رواية، الياس خوري، دار الادب، بيروت، ط2 ، 2016، ص37.

([46]) أـولاد الغيتو رواية، ص22.

([47]) أـولاد الغيتو رواية، ص21.

([48]) رأيت رام الله رواية، ص7. ورد القول في مقدمة الطبعة الانجليزية للرواية بقلم ادوارد سعيد، 2000.

([49]) عين المرآة رواية، ص46.

([50]) عين المرآة رواية، ص403.

([51]) عين المرآة رواية، ص392.

([52]) أصل الهوى رواية، ص125.

([53]) أصل الهوى رواية، ص125

([54])عباد الشمس رواية، سحر خليفة، دار الاداب، بيروت، ط4، 2008، ص183ـ187.

([55]) عباد الشمس رواية، ص80.

([56]) ترانيم الغواية رواية، ص147.

([57]) الانماط الثقافية للعنف، باربرا ويتمر، ترجمة ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة 337، الكويت، 2007، ص223.

([58]) خطاب الهوية سيرة فكرية، علي حرب، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط2، 2008، ص105.

([59]) الحب والفناء، علي حرب، دار المناهل، بيروت، ط1، 1990، ص15.

([60]) ينظر: موسوعة علم الانسان، ص524.

([61]) ينظر: ترانيم الغواية رواية، ص36.

([62]) ترانيم الغواية رواية، ص153.

([63]) ترانيم الغواية رواية، ص9.

([64]) ترانيم الغواية رواية، ص12ـ13.

([65]) 88 ترانيم الغواية رواية، ص ـ89 .

([66]) ترانيم الغواية رواية، ص62.

([67]) عباد الشمس رواية، ص176.

([68]) عباد الشمس رواية، ص176.

([69]) حبي الأول رواية، ص8.

([70]) ترانيم الغواية رواية، ص36.

([71]) ينظر: سوسيولوجيا الثقافة، ص48.

([72]) المرجع السابق، ص92.

([73]) موسوعة علم الانسان، ص262. ويستخدم هذا المصطلح (عند الإشارة إلى عمليات الهجرة وظهور أنماط ثقافية جديدة وينظر إلى الفرد والجماعة كحامل لبعض السمات الثقافية أو مركبات السمات والتي يمكن أن ينقلوها الى مناطق أخرى عند هجرتهم)

([74]) ترانيم الغواية رواية، 126.

([75]) ترانيم الغواية رواية، ص146.

([76]) عباد الشمس رواية، ص25.

([77]) عباد الشمس رواية، ص21.

([78]) حبي الأول رواية، ص12.

([79]) ترانيم الغواية رواية، ص111.

([80]) ترانيم الغواية رواية، ص74.

([81]) عين المرآة رواية، ص400.

([82]) بينما ينام العالم رواية، ص260.