شغف ضوئي
مرَّةً كانَ يحدِّثني صديقي عن تاريخ مدن الساحل الفلسطيني بينما كنت بشغف أراقب النجوم وأحدِّثه عن المسافات الخيالية والسنين الضوئية التي تفصل بين كل نجمة وأخرى.
*
روحي غيمة ضالة
آويت إلى فراشي لأنام ولكن كانت روحي كغيمةٍ ضالة تعبى تجوبُ الأرض مدينةً مدينةً من أقصاها إلى أقصاها.. من أصغر كوخ خشبي في طوكيو إلى أصغر زقاقٍ متسِّخ في بوينس آيريس يعجُ بالقطط الضالة والفتيان الذين يلعبون كرة القدم .. كنتُ أتحسَّسُ الاسفلت بيدي لأصدِّق أنني هناك .. وبالفعل مسستهُ.. هل هذه أحلام يقظة من تأثير جوجل مابس؟ لا أعرف.. هل أفرطتُ في التدخين أو شرب القهوة السادة اليوم؟
*
طريق الشعر
غالباً ما تقودك طريقُ الشِعر الى واحدٍ من ثلاثةٍ.. مجد أو صعلكة أو تسوُّل.
*
شبح كورونا
لا يختلفُ شبحُ الكورونا عن شبحِ العمى في رواية ساراماغو الشهيرة.. من يتذكَّر رواية العمى للروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو..؟ وكيفَ يكشفُ العمى حقيقتنا وضعفنا كبشر يتدفقون في رواية الحياة تدفقَّ العميانِ على جدران الليلِ في رواية ساراماغو؟ بداية غامضة للعمى الضبابيِّ وانتهاءٌ غامضٌ لهُ أيضاً. في عمى ساراماغو تحميل بعد فلسفي تخييلي لأحداث الروايةِ يخفِّفُ من وطأةِ اللغةِ الكابوسيَّةِ مقابل فوبيا الوباء الجديد الذي يطلُّ على الأرضِ من مرايا لا تُحصى.. الهلع.. الخوف.. القلق.. الوهم.. الاغتراب.. قلة الحيلةِ.. العجز البشري المطبق أمامَ هذا الكائنِ المجهريِّ الغامضِ. العالمُ مدينةُ أشباح كبيرة.. جبلٌ سحريٌّ يحتاجُ لخيالِ توماس مان، روايةٌ تبحثُ عن الحبِّ وموهبة جابرييل غارسيا ماركيز في زمنِ الكورونا، تقاطعٌ مجازي مع قصة البئر المسحورة التي تتوسطُ المدينة النائمة في الميثولوجيا الشعبيَّة.. الكورونا ريحٌ عاتية تعصفُ بأشخاص روايةِ الحياةِ في مشهد تراجيدي شبيه بعميان ساراماغو في ظلِّ عصف العمى بهم.. كأنَّ العالم المادي الحديث استيقظَ من حلم على كابوس مريع يفضح هشاشتهُ ويحجرهُ كما لم تحجرهُ حربٌ كونية من قبلُ.. بين ليلة ومطلع فجرها.. تنقلبُ الموازين رأساً على عقب وتمشي البشرية بخطى مترنحة نحو مصير غامض، من يدري ربما ستشكلُّ الكورونا حالة خصبة لقصص الخيال العلمي وتشحن مخيلة السينما العالمية في المستقبلِ بأعمال كثيرة.. بعد تنفُّسِ الصعداء.. وبعدَ أن ترتخي قبضتها قليلا عن أنفاس البشرية.. سأواجهُ الكورونا بالحياةِ وبالقصيدةِ.. وبالحبِّ الخصوصيِّ الذي لا يفنى.
لا تكتبوا عن العجوز النَّخاسةِ "كورونا".. ألا يكفي أنها حوَّلتنا إلى كائنات فضائية أقرب لأشباح تجوب شوارعَ مقفرة هاربة من بعضها البعض؟ بهذا الهذر المجَّاني ستعيدنا خيالاتُ هذه المشعوذة البغيضة إلى القرونِ الوسطى؟ لا تكتبوا عنها.. سواء كانت قيامة الأرض والحياة أو مجرَّد غيمة صيف أو وجع عابر.. أكتبوا عن أحلامكم الأولى، عن نيسان، عن تفتُّحِ زهرةِ النرجسِ، عن سيرِ الشعراءِ المنسيِّينَ، عن همسِ الموجةِ في صدرِ مراهقةٍ، عن لسعةِ الشوقِ، عن آخرِ الليلِ، لا تكتبوا عن كوفيد 19.. فما زال في الحياةِ متَّسعٌ لقصائدَ عن كيوبيد شديدِ الجمالِ ومعهُ سهمُ الحبِّ، ما زالَ في المساءِ الربيعيِّ متَّسعٌ للحديثِ عن الرواياتِ الجميلةِ.
*
عزلة
العزلةُ حديقةٌ مهجورةٌ تعتني بها امرةٌ أربعينيةٌ مهجورةٌ أيضا.. تشذِّبُ زنبقة مراهقة وتربطُ ساقَ جورية جريحة، العزلةٌ شرفةٌ بضفائرِ لبلابٍ طويلة.. شرفةٌ تطلُّ منها على نفسكِ وعلى النجومِ الصديقة.. وعلى الكتبِ التي لن تجدَ الوقتَ لقرائتها، أجملُ اللحظاتِ تلكَ التي تهبُّ من جهةٍ غامضةٍ، أجملُ الشعر وأصفاهُ ذاك الذي يُكتب في ملكوتِ العزلة.. بعيداً عن مساربِ التكنولوجيا الضيِّقة.. بعيداً حتى عن غرورِ التفكير بالنشر.
*
سماء شعرية
قرأت خلال عشرين سنة المئات من المجموعات الشعرية لشعراء عرب وأجانب وملكت تلك الحاسة التي تستطيع أن تميِّز بن الحقيقي واللا حقيقي..تستطيع أن تعرف ذلك النوع من الشعر الذي عندما تقرؤه تحسُّ بأنك تسبح فوق الغيوم.. شعر محمود درويش ينتمي الى هذا النوع من الشعر.. هو شعر يبلغُ مستوى رفيع من الجمالية والحساسية.. ومكاشفة الذات.. شعر حقيقي يجوب سماء ومساحات شاسعة وعالية جدا من النور.. هذه كلمة حق لا أقَّل ولا أكثر.. مشهورة بوجوه كل المتخرِّصين كذَّابي الشعر الذين لا يروق لهم تربُّع درويش على هرم الشعر العربي وهي على كل حال انطباع ذاكرة قارئة.. باحثة أبدا عن أشياء الجمال.
*
بداية القصيدة
تبدأُ القصيدة من كلمةٍ واحدة لا غير، كلمة تستفزُّني جماليتها وغرائبيتها وبعدُها الذي يضيفُ شيئا ما الى نفسي.. كلمة واحدة لا غير.. تائهة في أغوار اللا وعي البعيدة. أتبعها كالمسرنمِ.. أُراودها.. أتخطَّاها، أستدرجها، أبني عليها كل مداميك القصيدة، التي غالبا ما تتأرجحُ بينَ الوعي واللا وعي الشعريَّين، الكلمةُ هي ظلُّ المعنى، والكتابةُ هي حرفةُ التشابكِ والتنافرِ فيما وراءِ الكلام، أتقمَّص بول فاليري، وتعاليمه.. لا أُفكِّرُ بالقصيدةِ حتى تأتي، ولعلَّها لن تأتي، لن تترجَّل من مرايا الضوءِ والماءِ، ففيها الكثيرُ من طباعِ الغزالةِ النافرةِ والمرأة الخريفيَّة. أنسى نظريَّاتِ النقدِ الحديثِ وأتذكَّر مقولةَ ستيفان ملارميه "القصيدةُ تصنعها الكلماتُ وليسَ الأفكار".