هل وَصلْنا الى وضعٍ أصبحت مَزْبطَة الشّعوب العربيّة تبدو كأنّها من خَتْم الحكّام؟
هل سنقول دائماً إنّ الشّعوب العربيّة ليست خاضعة للحكّام، أم أنّ الواقع يوحي بأنّ الشّعوب العربية لم تتّخذ خُطوات جدّيّة لمحاسبة حكّامها، أو لاختيارهم كما تشاء، وليس كما يشاء حكّامها، بحجّة أنّ الجميع خاضعون لقوى عُليا عُظمى تُملي على الجميع شروطها وأوامرها؟
هل سنكرّر ونجترّ مقولة “إنّ الشّعوب إذا هبّت ستنتصر” فتمرّ عقود بدون أن نذوق خلالها ولو طعماً طفيفاً للنصر؟
هل سنجترّ مقولة “يُمهل ولا يهمل”؛ والى متى نقولها ونحن ننتظر بفارغ الصّبر، حلولاً جذريّة لقضايانا المصيريّة، الوطنيّة، الأمنيّة، الاقتصاديّة، والحدوديّة..الخ، ولكن الزّمن لا يسعفنا. (وعد بلفور نُفّذ منذ 1917، أي قبل حوالي مائة سنة، وقيام “دولة اسرائيل” تمّ سنة 1948 أي قبل 72 سنة، واتفاقية وادي عربة سنة 1994، أي قبل 26 سنة، واتفاقية أوسلو سنة 1993، أي قبل 27 سنة.
هل حكّامنا العرب يوقّعون مع العدوّ اتّفاقيات هزائميّة مهينة لنا، وينفّذونها بحذافيرها، والشّعب لا يتدخّل؟ هل هذا نابع من شعور الشّعب بالعجز، وشعور الحاكم بقوّته في التّحكّم بخيوط اللعبة السّياديّة؟
لماذا لم نستطِعْ، عرباً وفلسطينيين، التّخلص من أية اتّفاقية نُفّذت ضدّنا، مع العلم أنّ مَنْ وقّعناها معهم لا يلتزمون بها، حتى وهي موقّعة من قِبل الأمم المتّحدة؟
هل على الشعوب العربيّة أن تتّخذ موقفاً ضد التّطبيع فقط، ولا حاجة بعد كل هذا الوقت الطّويل المطالبة بإلغاء الاتّفاقيات الـمُبرَمة عَلناً وسرّاً مع إسرائيل؟
هل ينتهج الحكّام فلسفة “التّقية” الى حدّ العمالة، بينما الشّعوب العربية تتظاهر بالمعارضة وضد التّطبيع بدون الوصول الى مرحلة المطالبة بإلغاء الاتّفاقيات والسّعي الحثيث والصّادق من أجل إلغائها؟
هل الشّعوب العربية قويّة أم ضعيفة، وإذا كانت قويّة، فلماذا هي عاجزة عن تقرير مصيرها بنفسها؟ وإذا كانت ضعيفة، فإلى متى ستبقى كذلك؟ وهل عَجْزُ الشّعوب في مواجهة الحكّام والأعداء، وعجْزها في تغيير الحكّام بأفضل منهم، يجعل الحكّام أحراراً باتّخاذ قراراتهم، فيديرون ظهورهم للشّعوب؟
هل بإمكاننا ذِكْرُ نقاط القوّة التي يمتلكها العرب حاليّاً لكي يَفرضوا شروطهم على غيرهم، أو على الأقل لكي يكون بمقدورهم رفض التّوقيع على اتّفاقيات استسلاميّة؟
هل استطعنا إلغاء ولو قرار واحد اتُّخذ ضدّنا كعرب وكفلسطينيّين، وهل توجد اتّفاقية واحدة أو معاهدة واحدة تمّ إقرارها ضدّنا، وقمنا بإلغائها بقوانا الذّاتية؟
لماذا اضمحلّت الحركات الثّورية في العالم العربي؟ ألا يبدو الكثير من الذين يبدون بمعظمهم ثَّوريين ومثقّفين، بأنّهم نفعيّون ومنظّرون في فراغ؟
هل وصلنا الى درجة الإشباع في مسألة التّحليل والتّفسير والتّنظير، ولم نرقَ بعد الى مرحلة القُدرة على الثّورة من أجل التّغيير الفعلي والعملي، والانطلاق الى مشروع التأسيس لحماية أمننا القومي والوطني، والوصول الى استقلالنا الذاتي، وتقرير مصيرنا بقوانا الذّاتية، وباستقلاليّة قراراتنا من مُنطَلق القوّة وليس من مُنطلَق الضعف؟
* * *
هل كان الأمر مبرَّراً بالنّسبة للشّعب المصري أن يزور الكنيست الإسرائيلي رئيسُ أكبر دولة عربية اسمها “مصر أمّ الدنيا”، بينما في الإعلام المصري الى يومنا هذا يُطلِق على “أنور السّادات” لقب “بطل النّصر والعبور”، وندّعي أنّ الاتّفاقيّة وُقِّعت من منطلق القوّة وليس من منطلق الضّعف، وأنّها صحيحة ولا نريد إلغاءها، بدليل أن الشّعب المصري لم يطبِّع مع العدوّ؟ هل ستبقى الاتّفاقيّة سارية المفعول الى الأبد، وقد مضى على توقيعها 42 عاماً؟ هل هذا يبرّر للشّعب نيّته الصّادقة في عدم الرّغبة في إلغائها، أو عجزه عن ذلك هو وحكّامه، فيجدون في رفض التّطبيع مع إسرائيل موقفاً كافياً، فيعتبرونه موقفاً ثوريّاً، مع الأخذ بالحسبان فلسفة “التّقيّة” النّابع من الخوف من الامبراطوريّة الأمريكيّة؟
إذا كانت إسرائيل هي العدوّ المحتل لفلسطين، فهل نسعى من خلال علاقاتنا واتّفاقياتنا معها أن نسمح لها بأن تحتلّ القسم الأكبر من فلسطين، وأن تتنازل فلسطين عن جغرافيتها وتاريخها الأصلي، فيصبح نضالنا ضدّ هذا “العدوّ” بالنّضال من أجل الحصول على ما تبقى من فُتَاتِ فلسطين؟ إذا قبلناها كأمر واقع وأقمنا معها سلاماً، فهل سيصبح هذا الأمر الواقع بديلاً لفلسطين الأصليّة، فنغيّر جوهر نضالنا الأصلي الى نضال جزئي راضخ للأمر الواقع الجديد؟
ما هو مصير فلسطين إذا افترضنا أنّ إسرائيل أصبحت واقعاً حتمياً لا مفرّ منه؟
هل استطعنا الإبقاء على الصهيونيّة كحركة عنصرية، أم أنّ عنصريتها تحوّلت الى قرار ضدنا باتّهامنا كإرهابيّين ولا-ساميّين؟
هل استطعنا أن نجعل إسرائيل تستعطفنا لكي نعترف بها، بينما نحن الآن نستعطفها، عرباً وفلسطينيّين، لكي تعترف بنا؟
* * *
بما أنّ غالبيّة العالم العربي هم مسلمون، فهل هذا يبرّر استبدال التّسمية من “العالم العربي” كتسمية قوميّة، الى “العالم الإسلامي” كصفة دينيّة؟ كأن نقول: اذا كان الأمريكان في غالبيتهم مسيحيّون، والأوروبيون وغيرهم كذلك، فهل يصحّ تسميتهم “العالم المسيحي” او “العالم النّصراني”؟ فنُحوّل الدِّيانات الى كيانات دول وسلطات وحكّام، ونلغي عُنصُرَيّ الوطنيّة والقوميّة، فندعم مِن حيث ندري أو لا ندري مفهوم إسرائيل الدولة اليهوديّة، فتصبح دينيّتها مُبرّرة على حساب فلسطين التّاريخيّة؟
هل كان من المنطقي وقوف الحكام العرب مع جيوش الاستعمار ضد العراق الدولة العربيّة، والمساهمة في تدميره، نابعاً من مُنطلق الإيمان بالعدل والحقّ، أم بسبب عدم قدرة العرب على تسوية أمورهم بأنفسهم، وليس الرّضوخ لأوامر الامبراطوريّة الأمريكيّة، وقد تفرّقوا أيدي سبأ بواسطة الجامعة العربيّة؟
هل سنقول دائماً أنّ الامبراطوريّة الأمريكيّة هي قضاءٌ مُبرَم لا يمكن مواجهته، ولذلك من الأسلم لنا الرُّضوخ لها بدلاً من محاولة مواجهتها، في وقت نظنّ فيه أنّ الرّضوخ أقلّ خطراً من المواجهة والتّحدّي لقوّة جبّارة لم يستطِع غيرنا مواجهتها الى الآن.. مع كل ما تسعى اليه الصين من تحدّيات؟
هل وقوف معظم الحُكّام العرب ضدّ المقاومة اللبنانيّة، أو لزوم بعضهم موقف الحياد في حرب المقاومة مع إسرائيل كان لصالح العرب أم لصالح أمريكا وإسرائيل؟ بدا الأمر وكأنّ العدو هنا هم الشيعة وإيران وليس إسرائيل، فتصرفّات بعضهم الآن تثبت ذلك.
هل وقوف بعض الحكّام العرب في حربهم ضد سوريا، ومدّ داعش والنصرة بالسّلاح والمال، كان لصالح العرب أم لصالح أمريكا وإسرائيل؟
هل اتّفاقيّات السّلام العربيّة مع إسرائيل، والعداءات المستمرة فيما بين العرب يصبّ في النّهاية في صالح إسرائيل وأمريكا، أم في مصلحة العرب؟
لماذا لم نشاهد أيّة مظاهرة عربيّة أو إسلامية ضدّ داعش وقطع الرؤوس وحرق الأحياء واغتصاب النساء وسَبيهنّ؟ لماذا اعتدنا على وجود مظاهرات في الغرب، ولا يوجد مظاهرات لدى العرب والمسلمين ضدّ داعش والنصرة أو ضدّ الحكّام العرب الديكتاتوريين؟
أين مؤسّسة الأزهر وموقفها المخزي بأنها لا تستطيع ان تكفّر داعش والنّصرة على أفعالها الشّنيعة باسم الإسلام؟
ماذا كان موقف الحكّام العرب والشّعوب العربية من الحرب في لبنان، وتصوير المقاومة الفلسطينيّة في لبنان وكأنّها غير مرغوب فيها، ولم نشهد دعماً عربيّاً مع فلسطين في مقاومتها لإسرائيل إلا من قبل حزب الله وإيران وسوريا، بحجّة أنّ المسلمين السّنة أعداء للمسلمين الشيعة والعلويّين؟
وأخيرا..هل إثارة مثل هكذا تساؤلات تَحثُّنا على التّفكير بعُمق وباجتهاد بأحوالنا، طُموحاً منّا من أجل الوصول الى استعادة كرامتنا واستقلالنا، أم أنّه من المفضّل عدم نبشها لكي لا يُشتّم منها رائحة الإحباط والعجز؟
(مسرحي وباحث وروائي فلسطيني)