يشير الباحث إلى أن مصطلح "النقد الجديد" أطلق على جماعة من النقاد الإنجليز والأمريكيين في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. وتطور نظريته التطبيقية، وسعى نحو ترسيخ السياق التاريخي، وإزاحة المؤلف لصالح النص. وتكمن أهميته في أن هذه الممارسات النقدية كانت ممارسات ذاتية واجتماعية نفسية، ووثائقية.

نظريات المنهج في تحليل الخطاب النقدي

مقارنة بين الأنجلوساكسوني الجديد والشكلانية الجديدة

حفـناوي بعـلي

 

أولا: مقاربة في النقد الجديد الأنجلوساكسوني

أطلق مصطلح النقد الجديد The new criticism على جماعة من النقاد المنظرين الإنجليز والأمريكيين في عشرينات وثلاثينات هذا القرن. وتطور النقد الجديد نظرية للنص، تجاوزا لتطبيقات في قراءة النص الأدبي، كانت سائدة في القرن التاسع عشر، متمثلة في الانطباعية والتاريخية. ترى الانطباعية استجابة القارئ الوجدانية، لها أسبقية على الفهم الحقيقي لتفاصيل النص، وسعت التاريخية في قراءة النصوص إلى ترسيخ السياق التاريخي للنص والبحث عن مصادره التاريخية وتأثيراتها، ووضع النص مكانه في حياة المؤلف، وبتعبير آخر، حولت العمل الأدبي إلى وثيقة تاريخية، تكمن أهميته الرئيسية ومعناه الخاص في وضعه ضمن فترة زمنية معينة. وهكذا فإن الممارسات النقدية على النص كانت ممارسات ذاتية، واجتماعية نفسية، ووثائقية، لم تتجه أي ممارسة منها على النص الأدبي ذاته.[1]

يرى المهتمون بتاريخ النقد الجديد، أنه يعود إلى ابادوند ومقولاتة المبعثرة أيام جماعة ”نادي الشعراء” في لندن 1907، وان أشهر ممارسية المؤسسين ت. س إليوت، و ا. ريتشارد، ويضاف إليهم ف. ر. ليفز.

ويمكن أن نقسم مدرسة النقاد الجدد عموما إلى تيارين؛ طور أحدهما مقاربته للنص في انجلترا وأطلق عليه اسم ”النقد العملي الموضوعي”، وارتبط باسم ا.ا. ريتشاردز. أما التيار الثاني وهو امريكي، حاول التكيز على خصوصية النص الأدبي ولغته وجوانبه الفنية والجمالية ومن الأسماء التي أطلقت على الامريكيين: النقاد الجنوبيين، والنقاد الريفيين، والنقاد الهاربين، على أن الاسم الذي استقر هو ”النقاد الجدد”. وكانت نظرية التيار البريطاني نظرية عملية بصورة أساسية، تتبني مناقشة وظيفة الأدب ومقاربته، لفحص سيكولوجية القارئ في عملية إدراكه للنص، وافترض ريتشاردز في نقده الموضوعي، الكيفية التي يقرأ بها القراء الشعر بالعقل، تلازم أربعة أنواع من المعنى: الفهم والشعور والنغمة والهدف، وصار هذا التقسيم لفهم المعنى، استراتيجية أساسية في تدريس هذا التطبيق في إنجلترا[2].

ظهر ريتشارد في كامبردج، فحاول رصد وقياس نجاح قراءة الشعر جامعا في تجاربة بين الأدب وعلم النفس،حتى أساسا ”عمليا ” صلبا يؤدي بدوره إلى ممارسة نقدية ”تطبيقية” (ولعل محاولته هذه، هي الخطوة الأولي نحو انتشار نظرية الاستقبال في عصرنا هذا) واتجهت أراؤه نحو ”النقد التطبيقي” وكان يسعى إلى تحديد الإشكاليات التي تبرزها القصيدة بالنسبة للقارئ، فوجد أحسن النصوص التي تتسم ”بالمفارقة، وعلل ذلك بأن المفارقة تسمح للقارئ أن يصل إلى حالة من التوازن الداخلي، وقد نبه إلى العلاقة بين الفكر والعاطفة. لكنه أكد على نبذ ”قصد” المؤلف، وأصر على الاهتماع بقضايا الأسلوب الفنية.

أما تيار النقد الجديد في أمريكا فانطلق من توجهات أرسطو Aristolt في الشعرية ومن الكلاسية الإنجليزية الجديدة في القرن السابع عشر. وتعود بعض جذور النقد الجديد إلى المفاهيم العقلية المثالية عند كانط كمفهوم ”المخيلة والوحدة العضوية”، وبعضها يعود إلى عموميات ماثيو ارنولد Matthew Arnold، وبنديتو كروتشة في نظريه الجمالية، إلى الشكلانية الروسية، إلى ت. ا هيوم في توجهاته الكلاسية الجديدة. ثم اكتملت خصائصه على يد أليوت و جماعة النقد –عموما– لدى مدرسة النقد الجديد في أنه:[3]

يركز الاهتمام على العمل الأدبي ذاته، ويحاول ان يكون موضوعيا.

- يرفض الاعتماد على قواعد محدة ويعنى بخصوصية الأدبي وجوانبه الفنية و الجمالية.

يهتم بعملية التحليل، والمقارنة، ويكاد يهمل عملية التقدير والتقويم.

- نقد إبداعي بكل معاني الكلمة، ولذا فالنتاج النقدي بمثابة عمل أدبي أخر ينصب ”النقد الجديد” عموما على الشكل، ويتسم بالتطبيق، ويركز على الوحدة المتجانسة للصنعة الفنية، وكذلك على اهمية الأسلوب، ويستبعد علاقات العمل ”الفني” بالحياة كما يقلل من أهمية نظرية المحاكاة، ومن أهمية الفكرية التي تري أن قيمة الفن العليا تكمن في أمانة تصويره للعالم الخاجي أو الواقعي، كما يرفض الفصل بين الشكل والمحتوى، وبقول بالوحدة بينهما، بل يري أن الشكل هو "المحتوى المتحقق".

تكونت جماعة النقد الجديد الأمريكي، بصورة أساسية من نقاد أمريكيين ومن النقاد الشعراء، الذين طور بعضهم نظرياته خارج المؤسسة الأكاديمية، وتأثروا تأثرا عميقا بإليوت؛ وتشمل هذه الجماعة ألن تيت Allen Tate وارشيبالد ماكليش، وكلينث بروكس Cleanth Brooks، ورونية ويليك. وتكونت جماعة أخرى، لكنها داخل الجامعة، وطورت نظرية النقد الجديد إلى أبعد الحدود، وتضم كل من جون كرو رانسوم John Crowe Ranson، وادموند ولسون Edmund Wilson، ونورثروب فراي Northrop Fraye. وانطلق رانسوم في موقفة ومواقف "جماعة الهاربين الجنوبيين"، التي تعود إلى العشرينات من آراء إليوت النقدية، وتعليقاته ومراجعته لقصيدة ”الأرض الخراب” وقبل انضمام ”الن تيت” هو الذي تبني مقولات إليوت وأساليبة وعمل جادا على الدعوة له والتعريف به. ومن ثم تبني جماعة الهاربين نظريات إليوت النقدية، وعد كبيرهم في مدرسة النقد الجديد.[4]

ومع هذا النشاط الذي يجمع بين التنظير والممارسة تغير جذريا الدراسات الأدبية، كان الهدف دائما هو توطيد مصطلحات النقد الجديد: الاهتمام الدقيق المتأني بلغة النص الأدبي، وتكوين المقاييس الفنية التي تحدد وتفسر النغمة والنبرة الأسلوبية والصوت الشعري وفعاليات الاستعارة والرمز وتكونها السياقي، وكذلك تحديد وتفسير المبادئ الشكلية، التي توحد بين الشكل والمحتوى والمعنى أهم ما يقول به بروكس هو أهمية الموقف الدرامي ”إذ إن القصيدة هي نفسها دراما، لا يمكن اختزالها إلى مقولة المعنى أو التجربة الإنسانية المألوفة بل إن القصيدة تتركب من بنية درامية، تقوم أساسا على الاستعارة والمجاز، وتتسم بالمفارقة، ومن ثم فإن أجزاءها تتفاعل بطريقة عضوية، تعمل معا لتشكل القصيدة. وبالتالي تعكس صورتها من خلال أجزائها، في كل متكامل ذي وحدة عضوية، فتعتمد القصيدة على الاستعارة التي بدورها، تتصف بالغموض، مما ينشأ عنه ”توتر” ينظم أجزاء القصيدة بأكملها، حتى يصبح هذا التطوير هو في النهاية عمود التوازن في الكل المتكامل العضوي أى حتي يتحقق التوازن الداخلي للقصيدة.

ومجمل العناصر الفنية التي تدخل في بناء القصدة هي: لغة الشعر وهي لغة حية معقدة بسبب اعتمادها على المجاز ثم ضرورة المفارقة، وتليها الضرورة الدرامية للموقف واللغة المجازية التي تعمل بطريقة غير مباشرة وهي سمة الشعر الناضج ووسيلة القصيدة في تحقيق وحدتها العضوية، ثم لاذاتية أو لا شخصانية الشاعر إلى غير ذلك من الآراء، التي أخدها بروكس وجماعة النقدية الجديد من إليوت، والتي سنوضحها في الصفحات اللاحقة وفي مكانها من هذا الحث.[5]

كانت جماعة النقد الجديد أو جماعة ”نادي الهاربين”، ومن انضم إليهم مثل بروكس ”قد تبنوا رسالة حادة في العشرينات، تملث في الدفاع عن الجنوب ضد الشمال الذي يروون فيه تدميرا لنمط الحياة الجنوبية ونوعيتها، كي يحل محلها نمط الحياة الأمريكية بما ينطوي علية من رأسمالية وثقافة صناعية، تعادي الثقافة الجنوبية الموروثة وقد انعكس بل حفز هذا الوضع على المفاهيم النقدية فبدأوا يربطون سمات الشعر والأدب عموما؛ سلامة الأسلوب في الشعر وضرورة البنية وأفضلية الصيغة الغنائية وسمات المفارقة كل ذلك بأسلوب الحياة في الجنوب. فأوجدوا توازنا وتراسلا بين الأخلاق الاجتماعية الجنوبية والوزن بين الحياة الريفية وبين القيم، بين الدقة في الفن وبين سلامة الثقافة كل هذه السمات الثقافة والفنية، تهددها طريقة الأمريكية الشمالية الوافدة. فتحول اسم الجماعة في الثلاثينيات من الهاربين إلى ”الريفيين الجنوبيين” قبل أن يستقروا على ”النقاد الجدد”، فبذلوا جهودهم في إثبات أن ثقافة الجنوب تمجد التراث وهي وحدها التي تهيئ المناخ الملائم للخيال والشعر والدين، وفي الجنوب وحده يمكن إيجاد العلاقة الصحيحة بين الخالق والمخلوق بين الإنسان والطبيعة بين المجتمع والفرد وعبر الريفيون الجنوبيون في بياناتهم عن تحديدهم للعدو: الماركسيون، والتجار الجدد، وممثلو الحياة الأمريكية الليبراليون والانطباعيون والذواقة العاطفيون.[6]

رأى النقاد الجدد أن من واجبهم مجابهة ومناهضة التفاهة والبساطة. التي استشرت في البلاد فيما يخص الأدب، فاتجهوا إلى التدريس والتنظير والصحافة النقدية ولما لم يجدوا النصوص التي تهيئ لهم عملية الإنقاذ هذه، قاموا هم بتألف ما يحتاجون إليه وجمع مقالاتهم في كتب فانتشرت الكتب التي تستهدف دارسي الأدب مثل كتاب بروكس بالتعاون مع ويمزات تاريخ النقد الأدبي، وكتاب الن تيت ”دراسات في النقد” وكتاب ستانلي هايمن ”النقد الأدبي ومدارسة الحديثة“ وكتاب ديفد ديتشس منهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق وكتاب و. ف اوكونور "النقد الأدبي في نصف قرن"، وكتاب رونية ويلك ووارين استن "نظرية الأدب".

امتد تأثير مدرسة النقد الجديد، وحافظت على سماتها عند الأبناء واجتاحت موجته الآداب الأنجلوساكسونية، ووجدت من يثبت أقدامها في العقدين الثالث والرابع من هذا القرن وظلت أمريكية إلى حد كبير في أقوى مؤثراتها، ولكن الجيل الثاني من المدرسة لم يلبث أن عاد إلى المقدمة، قوة استكشافية في العقد الرابع، بظهور هربرت ريد Herbert Read الذي ظل شعره يتمتع بميزة خاصة، ويمكن إدراج كتاباته في تيار الكلاسية الجديدة، والنزعة الإنسانية الجديدة، المتأثرة بإليوت، حيث أن الفنان يعتقد بإمكان الفن أن يحيا بالخيال، أنه يذوي ويموت في الاسرافات العقلية الجادة إنه لا جدوى في الفن من تعليل الإنسان من خلال المنطق.[7]

تمتع ف. ر ليفر F.R.Leaves أحد تلامذة إليوت، - وأستاذ جبرا، وجيل من النقاد العرب – بما أن يكون الناقد الأنجلو أمريكي، بعد انتقاله إلى أمريكا، فكان الأكثر تأثيرا في القرن العشرين، يأتي في المرتبة الثانية بعد أستاذه إليوت، عرف بالتلميذ البار لأستاذه، حاول أن يرسي قواعد منهج نقي جديد، يقوم جديد، يقوم على الصرامة والدقة والموضوعية في إطلاق الأحكام النقدية، وبهذا المنهج حصل على تقدير تلامذته والمنصفين أوضح ليفز على نحو ملموس المقارنة والتحليل لخاصيات الشعر التي تشير إليها عبارات اللغة، وربط العلاقة بين الشعر والحياة البسيطة إن الطبيعة الأساسية للعمل الفني، تقتصي ان تمكن الشمولية على حساب البناء الفني، ومعنى ذلك غياب الهدف وأساس النظام عن حياة، يصعب تحويلها لتسهيل أعلى نوع من أنواع النظام الفني، ولكن عندما ننافش كل المزايا، تبقى الأرض الخراب عملا كبيرا، بل واحدا من أول الأعمال الأدبية المهمة في الشعر الإنجليزي ونجد فيها فكرا دفاقا واعيا لعصرة.[8]

اقتحم النقد الجديد نواحي أخرى من وجوه النقد، أضحت تعرف أنها من ضمن اهتماماته الخاصة دون غيره ومنها النقد الشكسبيري ” فتح إليوت هذا اللون من النقد على مصراعية بمقاله المشهور عن هملت عام 1919 واتخد غالبية النقاد الجدد هذا المقال أساسا في نقدهم لشكسبير.

النقد الشكسبيري الجديد، حقل خصب لمقارنات مختلفة الطرائق فهناك المهتمون بأن يبينوا أن شكسبير عمل في نطاق عرف عصره وتقاليده أي إذا راد الناقد أن يفهم ما صنعة شكسبير في مسرحياته فعليه أن يعرف ذلك العرف والتقاليد، وهذا التصور أسس له إليوت جيدا بمقاله المعروف ”الموهبة والموروث”، ثم حذا حذوه النقاد الجدد ومن هؤلاء E.E.stoll في كتابه "الفن والصنعة" لدي شكسبير عام 1933، ثم ج. ولسون نايت كتب أربعة كتب طور فيها تفسيرا مسرحيا لشكسبير، ثم يان كوت في كتابه "شكسبير معاصرنا"، وأخيرا ا.س بردالي في كتابه "التراجيديا الشكسبيرية"، وتأتي محاولات فرنسيس فرجسون الجادة في هذا المجال بكتابه “فكرة المسرح” فهو من أعلام النقد الجديد المتخصص في النقد الشكسبيري، وبخاصة الدراسات الأكاديمية أو النظرية الصرفة، التي تعد من باب المتعة الذهنية والطرف الفكري الخالص وفي هذا الجانب متأثر بإليوت إلى حد بعيد وهو بالإضافة إلى هذا رجل فلسفة ومسرح تطبيقي، ومن هنا يصيب الإغراب والغموض تعبيراته، ويجعل الأفكار والآراء التي يحاول إيصالها إلى أفهامنا شيئا يعسر هضمه بل عسير الهضم إن لم نتسلح لهذه الأفكار والآراء بأسلحة شتى، بل أيضا يجب أن نلم بأطراف من الأدب والشعر في العصور القديمة ثم في العصور الموالية ثم ما حدث في دينا المسرح في القرن السابع عشر بخاصة عصر شكسبير، وفي كل هذا كان فرجسون معجب أشد الإعجاب بمواطنه الأمريكي الشاعرو الناقد إليوت وبشعره المسرحي ونقده الذي دار حول ”مسرح شكسبير”، وبمذهبه التي آثر فيه التمسك بالسنن الكلاسكية والرجوع إلى تقاليد شكسبير ونهج القدامى، فرارا من صناعات المدينة الصناعية وآلية العصر الحديث، ولست على يقين أنني قد فهمت اصطلاح مستر إليوت المشهور بالمعادل الموضوعي للشعور أو على الأقل لم افهمه في تطبيقة على المسرحية: فهل يعني إليوت أن الأشياء والوقائع وسلاسل الأحداث الكثير التي يعرضها شكسبير ليجعلنل نفهم هملت ونشاطره مشاعره لا تعمل عملها من أجلنا؟[9]

المؤلف بالرغم من إعجابه بإليوت، لا يرى بدا من مخالفته، والأخذ بفكرة أرسطو في المحاكاة بدلا من فكرته في ”المعادل الموضوعي” لأن قول إليوت ما ينقص هملت، هو التعادل بين الموضوع والإحساس أو الحقائق والوجدان قول فية تحقير شديد للمسرحية التي على هذا الأسلوب الدقيق يمارس فرجسون النقد الشكسبيري.

يهدف النقد الشكسبيري أيضا إلى دراسة واستكشاف الترتيب، الذي ظهرت به مسرحيات شكسبير -حتى ولو كان ذلك بالتقريب– نوع مقعدا حقا، ثم يتتبع التغيرات الأسلوبية التي طرأت في آثاره إن قراءة متأنية لمسرحية ريتشارد الثالث، تكفي للتدليل على نوع المادة التاريخ التي استعملها شكسبير لكي يوضح الحقائق المتعلقة بعصره، ويملأ المسرح بمعاصريه الحقيقيين وهناك في هذه المسرحية التي هي من بواكير أعمله، بوسعنا أن نرى الخطوط العريضة لكل مآسيه الكبري، فإذا شاء المرء أن يؤول عالم شكسبير بأنه العالم الحقيقي، وجب عليه أن يبدأ قراءة مسرحياته بالتاريخيات.[10]

عرف النقد الجديد نوعا من الانعطاف نحو مناهج نقدية، كالنقد، أي النقد الشكلاني، الذي يدعو إلى قراءة النص وتحليله، بمعزل عن أية عناصر خارجية ومن ضمنها النصوص الأخرى يحاول هذا المنهج التوفيق بين التوجه الشكلاني، والممثل بالنقد الجديد وما ظهر بعده، خاصة النقد الوجودي الإنساني، فهو يعتمد على التأمل واللغة والرؤية في قراءة الأدب. إن إلحاح النقد الوجودي على اتجاه الوعي إلى الخارج أو ”قصديته” كان يعني تحولا خطيرا في النقد الفني اللغوي لأن اتجاه الوعي أو قصديته تتنافي في جوهرها مع فكرة سلطان اللغة القاهر، اللغة القاهر، اللغة عن الوجوديين الجد تصنعنا، ولكن لا تقهرنا اللغة هي الفلك الذي تسبح فيه الكائنات الإنسانية اللغة هي تعالي الإنسان فوق الجزء والمحدود والفردي، نحو الوجود الكلي الشامل[11]. ومهما يكن من أمر، فإن هذا النوع من النقد الذي ارتبط بالنقد الجديد، هو عودة إلى فكرة التواصل وحوار والوجود الإنساني مع العالم، ويأتي جادامرGadamer الناقد الأمريكي في مقدمة من نحو هذا المنحى، متأثرا بإليوت في نظرته إلى معنى ”القصدية” أو "التاريخية والموروث". وقد أعاد جادامر هذا الحوار بين الماضي والحاضر، وفهم ان التقاليد متصلة بعضها ببعض، جادل العقلانية وتأثر بإليوت بوجه عام في قوله التقاليد لها تبرير خارج نطاق الحجج، بمعنى أنه لا يمكن فهم التفسير بمعزل عن التواصل. كان المسعى الأساسي لدى النقاد الجدد مثل رانسوم وبروكس وإليوت وجادامر إنسانيا في أساسه، من حيث هو ينتصر للخيال الإنساني، ضد المد التقني العلمي بعقلانيته الصارمة. وهذا المنحى الإنساني هو ما يربط النقاد الجدد بالوجوديين، وغيرهم من الداعين إلى نقد إنساني، أو ميتافيزيقا في قراءة الشعر. وقد أدى هذا الوضع باتحاده مع الصوفية الشائعة، التي تركز على شخصية الفنان إلى خلق نخبوية خاصة ترى أن المرء إما أن يعرف القراءة معرفة جيدة أولا يعرفها[12].

يهتم النقد السياقي، كما رأينا، بتناول النصوص مستشعرا كونه تجربة ذاتية، أو معيشة بين الذات من جهة وما تصوره النصوص الأدبية عبر اللغة، التي تتحول بدورها إلى وجود شفاف هنا تنعقد الصلة بين ذات الناقد، وذات الكاتب التي تسكن النص، هذا يذكرنا بلحظات التماهي في بعض تجارب الوجد الصوفي بحيث يتداخل الدوران بين الناقد والكاتب، لتغدو القراءة حينئذ عملية إبداعية انطولوجية. ويبدو أن النقاد الجدد استمدوا هذا التصور من مرشدهم العام إليوت في تصوره لفكرة الناقد المبدع –كنا سنرى في صفحات لاحقة– عرف النقد الجديد في اندفاعاته الكبرى نحو التطور ”النقد التحليلي المقارن” ويمثل الناقد جون فيلتشر في هذا المجال مكانة خاصة، طرح الدرس المقارن من زاوية الوعي التاريخي بالظاهرة الأدبية ودعا إلى الخروج من سراديب الوطنيات إلى سماء جميع الآداب في كل اللغات، كما تبلورها الأعمال الفنية ضمن سياقاتها الثقافية إن الأدب المقارن هو فرع من الدراسة الأدبية، التي تعني بالنيات الجوهرية الكامنة وراء الظواهر الأدبية في كل زمان ومكان، وإن الأدب المقارن يعالج العلاقات المتعددة الجوانب بين العمل والسياق.[13]

اهتمت مدرسة النقد المقارن في أمريكا بالذوق وبتحليل الشكل، ودراسة العلاقات الجمالية بين الآداب، التي يؤثر الواحد منها بالضرورة في الآخر، تجدر الإشارة إلى أن المدرسة الأمريكية، متأثرة جدا بالنزعة الإنسانية الجديدة التي من شأنها أن تشمل ثقافات وحضارات وآداب العالم بأسره، والغاية من ذلك تقريب الإنسان من أخية الإنسان.

يدرس رونية ويلك الأدب المقارن من منظور دولي، وبوعي لوحدة كل تجربة وخلق أدبيين وبهذا التصور فالأدب المقارن، يكون مماثلا لدراسة الأدب دراسة مستقلة، عن حواجز السياسية والجنس واللغة، وأن الفرق بين الأدب المقارن والأدب العام مصطنع، ومن المؤكد أن الأدب المقارن يريد أن يتغلب على التحيزات القومية والإقليمية، لكنه لهذا لا يتجاهل أو يقلل من وجود الموروثات القومية المختلفة وحيويتها، فنحن نحتاج إلى كل من الأدب القومي والأدب والنقد الأدبي ونحتاج إلى النظرة الروحية، التي يمكن أن يقدمها الأدب المقارن فقط.[14]

اتجهت مدرسة النقد الجديد إلى التوسع الشديد في مفهوم الأدب المقارن، بحث شملت المقارنة بين الآداب المختلفة مع التجاوز عن شرط وجود علاقة تبادلية بينها كما أن في الأمريكيين من يستند إلى الأدب المقارن، مهمة دراسة العلاقات بين الادب وفروع المعرفة الأخرى، ولا سيما في مجال الفنون والعلوم الإنسانية. فالتركيز على إشكالية العلاقات بين الأدب، يكاد يكون الهم الأساسي في النقد المقارن.

ولما تولي الأستاذ هاري ليفين رئاسة الأدب المقارن في جامعة هارفارد، أعاد النظر في برنامجه، ويعتبر ليفين الأدب المقارن موقفا أو وجهة نظر لا علما ومادة، وان هدف المقارنة الميل إلى ترسيخ العلاقات، وانطلاقا من منظور عضوي للأدب "إن هناك دواعي لعمل بأن طريقة المقارنة يمكنها أن تقلي الضوء على المفاهيم الجمالية والشكلية الأدب وعلى أساليبه وبنائه".[15]

وتكشف دراسات ومقالات هاري ليفين في كتابه انكسارات: مقالات في الأدب المقارن عن تمرس طويل بالأدب المقارن، وفيه يدخل المؤلف عمقا في قضايا الأسطورة والنقد الأسطوري.

تطور النقد الجديد في مراحله المتأخرة، نحو ما يعرف باسم نقد النماذج العليا أو النقد الأسطوري. يتصل في جذوره، بما كتب في أواخر القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين حول الأسطورة، ومن ما أوردته الآنسة جسي وستون حول أسطورة الكأس المقدسة في كتابها "من الطقوس إلى أدب الرومانس"، وما ذكره الانثروبولوجي الإنجليزي جيمس فريزر في كتابه "الغصن الذهبي" الذي صدر ما بين 1890 و1915، والواقع أن إليوت يدين الكتابين بشكل يحمل على القول أنهما يوضحان صعوبات قصيدة "الأرض الخراب"، ويشرحان أساطيرها على نحو أفضل. وقد اكتسب النقد الأسطوري أبعادا، نظرية وتطبيقية واسعة في إسهامات النقاد الجدد مثل الآنسة مود ودكين التي نشرت عام 1934 كتاب أنماط نموذجية في الشعر وكذلك ولسون نايت، ثم نورثروب فراي الأكثر تأثيرا، والذي كاد هذا المنهج أن يرتبط باسمه خاصة بعد صدور كتابه الشهير ”تشريح النقد” عام 1957، ويقوم هؤلاء على تحديد النموذج الأعلى، بأنه نمط من السلوك أو الفعل أو نوع من الشخصيات او شكل من أشكال القص أو صورة أو رمز في الأدب الأساطير، ويعكس أنماطا أو أشكالا بدائية وعالمية، تجد استجابة لذي القارئ ومن الأمثلة على ذلك أساطير الموت والبعث، في بعض الثقافات القديمة، كأسطورة ”تموز” عند البابليين، وأدونيس ”لدي اليونانيين القدماء. ويتناول فراي في كتابه ”تشريح النقد” أعمالا أدبية يرى أنها تنتظم في إطار نماذج عليا، تأخذ شكل تكوينات أسطورية (حبكات وعناصر بنائية تنظيمية) وتتماشى هذه النماذج والتكوينات مع الفصول الأربعة: ربيعا وخريفا، وشتاء وصفيا، وذلك ضمن التقابل الأشمل بين الأدب والأساطير في هذا التوجة النقدي. لقيت بحوث فراي اهتماما واسعا، الأمر الذي شجعه على مواصلة جهوده في هذا المنهج الأسطوري، "وما عتمت أن وجدت نفسي واقعا في شرك نواح من النقد، تتعلق بكلمات مثل الأسطورة، والرمز، والشعائر، والنموذج البدائي. كما أن الجهود التي بذلتها سابقا، لإيضاح هذه الكلمات في عدة مقالات منشورة، لاقت من الاهتمام ما شجعني على المضي قدما في هذا النهج"[16].

إن المنطلقات الأساسية للنقد الأسطوري، تقربه كثيرا كما هو واضح من الأنثروبولوجيا غير أن ثمة ارتباط قويا بين توجهات النقد الجديد أيضا، خاصة في أعمال فراي، فالقول باستقلال الأدب مقولة من مقولات التحليل الفني، اعتمدها النقاد الجدد في أمريكا، قال بها غيرهم من النقاد الشكلانيين وبهذا يكون النقد الجديد في آخر رهاناته المستقبلية على يد فراي يقترب من البنيوية شيئا فشيئا. بل من الممكن أن نعد أعمال فراي وغيره من النقاد الجدد الأسطوريين إرهاصا للبنيوية وتاكيدا لبعض الملامح، التي جاءت به على مستوى الشكل والبنية فما هي أصعدة اللقاء بين النقد الجديد والنقد الشكلاني البنيوي؟

* * *

ثانيا: النقد الجديد والنقد الشكلاني البنيوي: مقارنة، تقويم

1- النقد الجديد والشكلانية الروسية.

لم ينفرد النقد الجديد الأنجلوا أمريكي وحده بالمقاربات النظرية، التي تهتم أساسا بتكامل الأدب والنص الأدبي، ويتعلق الأمر هنا بمشاركة ”الشكلية الروسية” له في هذه المهمة. لكن القول إن النقاد الجدد والشكلانيين الروس، كانوا مشدودين إلى النص لا يعني الغمض من قيمتهم ذلك لأنهم في الحقيقة كانوا يتعاملون مع قصائد هي ذاتها إبداعات نصية وعلاوة على هذا، فإنه بالنظر إلى حالة النقد السابق عليهما، الذي كان قد كرس نفسه في معظمه لسيرة المؤلف الذاتية ونفسيته، على حساب النص، فقد كان لديهما المسوغ للإلحاح على الاهتمام بالنص وقد انبثق النقد السابق عليهما من تقليد بلاغي، ولم يكن في الحقيقة ماهرا في التعامل مع الخطاب النصي المستقل بذاته يمكن النظر إلى التحول من النقد القديم إلى الشكلانية والنقد الجديد، بوصفه تحولا من عقلية ذات بقايا بلاغية سياقية، إلى عقلية نصية غير سياقية.

تعرف ”الشكلية الروسية” بصور متنوعة باسم البوطيقيا، أو السيموطيقا، أو البنيوية الروسية، لها بعض أوجة التشابه مع النقد الجديد الأنجلو أمريكي. نشأت أثناء الحرب العالمية الأولى بالتالي فهي معاصرة تقريبا للمرحلة الباكرة من النقد الجديد ومع هذا لم يدرك معظم منظريها شكلية النقد الجديد بينما كان هؤلاء مدركين لتطورات نظرية الأدب الروسية بالرغم من أن مدرستي التنظير كلتيهما إلى حد ما من أصول فلسفية متشابهة، ترجع إلى نهاية القرن التاسع عشر.[17]

انبثق عن الشكلية الروسية ”حلقة براغ" اللغوية، والتي كان لها أثر عظيم في تطوير ”الفونولوجيا” أو علم الأصوات الوظيفي، وهو العلم الذي تأثر به النقد الأسطوري الجديد في مرحلة لاحقة، وطبق مبادئه نورثروب فراي.

نظر الشكلانيون إلى ”الباطن” وإلى العناصر التي تتفاعل مع بعضه، لتكون بناء شكليا فريدا، يستخدمون في وصف هذه العلاقات الشكلية ألفاظا مثل الإيقاع، والانسجام، والوتر، والتصميم البصري والموسيقي، تحدثوا بازدراء عن الذين يتخذون من الفن حافزا للانفعالات، ثم يقيسون قيمة العمل الفني، وليس من قبيل المصادفة أن نجد إشارات الشكلانية في كتابات النقد الجديد، إذ أن نظرتهم إلى الفن كانت متشابهة إلى حد بعيد لنظرة النقاد الجدد، يقيم رانسوم توازنا بين القصيدة وبين الشكلي التصميم للقصيدة الفنون البصرية، ويرى بروكس أن القصيدة نمط من حالات الاستقرار التوافقي والتوازن والانسجام، المستمدة من لغة الموسيقى، ويرى سوليتز "أن الاهتمام انصب عند النقاد الجدد، كما هو الحال عند الشكلانيين على الوسط، أي اللغة".[18]

تظهر أيضا قواسم الاشتراك بين الشكلانيين والنقد الجديد، في التحليلات الحديثة للشكل والإيقاع في الدراما، وهو مجال يجري استكشافه على نحو لم يسبق له مثيل في ”النقد الأدبي” والكشف عن حتمية اللجوء إلى الدراما من أجل تصوير عصر بعينه تصويرا فنيا، منطلقين من الجوهر المضمونى للقوانين البنائية والشكلية الخاصة بالشكل.[19]

كان لطغيان الشكل في المدرسين أهمية مضمونية عميقة، يحقق من الناحية العملية الاكتشاف الفني الأساسي بصورة ملموسة.

أثارت قيمة "المعنى" في الأدب قدرا كثيرا من المناقشات بين النقاد الجدد والشكلانيين، تعتبر هيمنة المعني عنصرا مهما في الأثر الأدبي:

إنها تحكم وتحدد، وتغير العناصر الأخرى، كما أنها تضمن تلاحم البنية، وتكسب الأثر نوعية من خلال الخصوصية النوعية للغة الشعرية وبدون هذه الهيمنة لا يمكن للشعر أن يفهم أو يحاكم باعتباره شعرا.[20]

انتهى الشكلانيين، النقاد الجدد في بحوثهم إلى عدم التطابق الحرفي بين الأدب المتخيل وشخصية منتجه، فالعمل الأدبي لا يتجاوز نفسية مبدعه، ويكتسب خلال عملية الموضعة الفنية وجوده الخاص المستقبل به وعلى هذا فإن العمل الأدبي لا يتطابق بشكل كامل مع الهيكل العقلي للمؤلف، ولا المتلقي، ومهما كان نوع التعبير عن التجربة، الذي يزعم المؤلف أنه ماثل في العمل، فهو لا يتعدى، أن يكون مجرد عنصر من الدلالة المتكاملة الفني.[21]

وهذا أساس مشكلة إلغاء الشخصية في الدراسة النقدية الشكلانيين وفي النقد الجديد، هذا بالضبط ما ذهب إلية إليوت في قوله ”الشعر ليس تبديدا للعواطف ولا تعبيرا عن الشخصية ولكن هروب من الشخصية.[22]

كان الشكلانيين ولوع مثل النقاد الجدد الأمريكان بالكشف عن القوانين الداخلية التي تنظم الأثر الفني، فاستخدموا عمليا أول قاعدة في تحليل كل نص، وهي قاعدة البحث عما هو متأصل في الذات، أي العلاقة الداخلية في تشكيل النص، واهتمو فضلا عن ذلك بالعلاقة الأدب واللغة، فإذا كان الدب منظومة إشارات، فهو يستند إلي منظمة أخري هي اللغة، وتدخل أشكال اللغة الجارية في منظومة الأثر، فتكتسب فيه وظائف جديدة.[23]

يري الكثيرون النقد الجديد نقدا شكلانيا، لكن عند المقارنة الدقيقة لهذا النقد بالشكلانية الروسية، نكتشف اختلافا بين التيارين رغم مابينهما من أوجة تشابه متعددة، تتمثل في تركيز هما على النص الأدبي ذاته وإذا اعتبرنا الشكلانية الروسية، تيارا شكلانيا حقيقيا، فإن النقد الجديد صورة تقريبية للشكلانية ذلك في نظريا أن تمسك النقاد الجدد بالمنهج الشكلي لم يكن إلا محاولة من جانبهم للتعبير المباشر عن القيم الإنسانية، التي كانوا يؤمنون بها، ويدافعون عنها، بمعني أن أفكارهم وآراءهم عن الشكل الأدبي، كانت في الأصل تعبيرا عن موقف إنساني، يتناسب مع مفهومهم لوظيفة الأدب، في محاربة القيم السائدة، في عصر يحكمه أساسا العلم والتكنولوجيا،على عكس الشكلانيين الذين حاولوا عزل العنصر الإنساني من مجال الإبداع الأدبي ويعني ذلك باختصار، أن ”أدبية الأدب” في النقد الجديد؛ ليست شيئا داخل النص نفسه، وإنما في موقف القارئ من النص ومدي استجابته له، ومن نظام القيم الذي يضفيه على النص، ويشكل ذلك البعد الإنساني ”نقد إليوت” ومدرسة النقد الجديد، ذلك أن أدبية الأدب وقيمته إنما تتحدان في تجربة القارئ وخبرته والأفكار على النص الأدبي التي يسقطها.[24]

2 النقد الجديد والنقد البنيوي

وتفترض ”البنيوية” بعض الافتراضات المماثلة للنقد الجديد، ولكن الأسباب مختلفة تماما، وتؤدي إلى نتائج. ظهرت البنيوية منهجا ومذهبا فكريا على أنها رد فعل على وضع، ساد العالم الغربي في بداية القرن العشرين، تمثل في تشظي المعرفة وتفرعها إلى تخصصات دقيقة متعددة، تم عزلها بعضها عن بعض، لتجسد مقولة الوجوديين حول عزلة الإنسان، وانفصامه عن واقعة ولعالم من حوله وشعوره بالإحباط والضياع والعبثية ولذا ظهرت الأصوات التي تنادي بالنظام الكلي المتكامل والمتناسق، الذي يوجد ويربط العلوم بعضها ببعض، ومن ثم يفسر العالم والوجود، ويجعله مرة أخري بيئة مناسبة للأنسان ولا شك أن هذا المطلب مطلب "عقيدي إيماني"، إذ أن الإنسان في حاجة إلى ”الإيمان مهما كان نوعه ولم يشبع هذه الرغبة ما كان سائدا من المعتقدات الإيديولوجية، خاصة الماركسية والنظرية الفرويدية فقد افتقرت مثل تلك المذاهب إلى الشمول الكافي لتفسير الظواهر عامة، وظهرت البنيوية منهجية تسعي لأن تكون شاملة، توحد جميع العلوم في نظام إيماني جديد من شأنه أن يفسر علميا الظواهر الإنسانية كافة، علمية كانت أو غير علمية.

من هنا كان للبنيوبة أن ترتكز مرتكزا معرفيا.

فاستحوذت علاقة الذات الإنسانية بلغتها وبالكون من حولها، على اهتمام الطرح البنيوي في عموم مجالات المعرفة: الفيزياء، والرياضيات، والانثروبولوجيا وعلم الاجتماع والفلسفة والأدب ولذا توجهت البنيوية توجها شموليا إدماجيا يعالج العالم بأكمله بما فيه الإنسان.[25]

كان من نتائج هذا التحول أن اختلفت البنيوية مثل ”النقد الجديد” عن غيرهما من النظريات، التي سادت قبلهما؛ خاصة نظرية المحاكاة والنظرية التعبيرية الرومانتيكية، كما تغير مفهوم العالم الخارجي معزولا عن اللغة، التي تصفة ولا هو مجرد تجربة انطبعت في الدماغ، تستطيع تمثيلها بتجرد تام من بعد، وبهذا لم تعد اللغة وسيلة سلبية لنقل الأفكار والمفاهيم، وإنما هي الأساس الفاعل المنتج لهذه المفاهيم التي تنقل بواسطتها.

تأثر كلود ليفي ستراوس بدرسات حلقة براغ اللغوية في مجال الأنثروبولوجية ونهج مبادئها في رسالته الشهيرة عن القرابة عام 1949 وكانت هذه الرسالة بداية انتشار ظاهرة البنيوية في فرنسا، وسيطرتها على جميع ألوان النشاط الأدبية والفكرية.

بقيت البنيوية السوسيرية Saussuren عموما خاصة بالألسنيين حتى الحرب العالمية الثانية عندما لجأ كلود ليفي ستراوس Claud Levi Strauss إلى أمريكا، والتقى هناك مع الألسني الروسي رومان جاكبسون Roman Jakobson وتطورت البنيوية، أنتجت أعلاما منهم التوسير Alhusser Louis، ورولان بارت Roland Barthes، وميشيل فوكو Michel Foucault، ومع هذا تناقصت أهمية البنيوية في فرنسا في السنوات الأخيرة، بينما تطورت في البلاد الناطقة بالإنجليزية. ويحتل ادموند ليش Edmund Leach مكانة أساسية في مجال اللسانيات في إنجلترا، بينما يقوم بلومفيلد Bloomfield، وجوناثان كوللرJonathan Culler بدور مهم في نشر النظرية البنيوية ومنهجها في الأدب، على مستوى الولايات المتحدة، وتفاعلت مع النقاد الجدد.[26]

وتعود أهمية ”البنية” في النقد الأدبي مثل النقد الجديد الأمريكي، إلى ما قبل سوسير بكثير، حيث تعود إلى أرسطو، كما أكد أهميتها معظم نقاد الأدب ومنظريه على مر العصور. ولعل نورثروب فراي من النقاد الجدد الأمريكيين، ومطور النقد الجديد ”البنيوية” كما أشرنا سابقا، هو المثل الواضح من المعاصرين، لكن حديثا ارتبط مفهوم النقد البنيوي بمجموعة من نقاد فرنسيين، تبنوا صراحة ”المثل اللغوي” عند سوسير وهذا ما جعل جوناثان كولر يميز البنيوية عن السيميائية تمييزا جغرافيا لا مفهوميا.

تتجه أبحاث النقد البنيوي إلى نشاط القارئ بصورة خاصة وكما يحث في النقد الجديد، يهمل دور المؤلف في عملية استنتاج المعنى من النص. ترتكز البنيوية على فرضيات. الأولى عن اللغة ودورها الأساسي في النشاط الإنساني، وهذه الحقيقة تقودنا إلى النتيجة التي توصل إليها النقد الجديد، التي ترى أن معالجة القارئ للنص في قراءته كمعالجة المؤلف في بنائه، والبنيوية ترى أن إدراكنا للواقع مشروطة باللغة، ويتم بواسطتها هذا الإدراك لأنه مقيد بها. وترتكز في الفرضية الثاني؛ على رؤيتها للشعر نظاما لغويا، يعمل على عدة مستويات منها: مستوى اللغة ذاتها، ومستوى اللغة الشعرية، الذي تتحول فيه البنية اللغوية في كل مستوى إلى عنصر مختلف وترتكز في الفرضية الثالثة على رؤية العمل الأدبي في ذاته من مستويات مختلفة.[27]

يؤكد لنا هذا الانطباع الذي دعا إليه ميشيل فوكو ونادى من خلاله بموت ”الإنسان” وهو يقصد بذلك الموضوع الذي نشأت وتبلورت حوله الاهتمامات النقدية في القرن التاسع عشر.

ومن ثم يتبين لنا أن الاكتشاف الكبير الذي تنسبه البنيوية إلى نفسها هو أن الواقع الوحيد الذي يقوم عليه الأدب لا يخرج عن إطار الخطاب أو اللغة.

يحاول أصحاب هذا الاتجاه إذن أن يجعلوا من الدراسة الأدبية، ضربا من المعرفة العملية، وهو ما يطلقون عليه اسم ”علم الادب” أي قواعد الإنتاج الأدبي وقوانينه، ويتم ذلك في نظرهم، بتحديد وظيفة عملية التأليف أو الكتاب في صورة عملية مادية.

ساعدت هذه الفرضيات الناقد البنيوي والناقد الجديد على تعريف الأدب بناء لغويا يختلف عن الأبنية اللفظية الأخرى يوشك أن يكون الفرق بين النقد الجديد والبنيوية راجعا إلى حالتين من حالات الفكر؛ فالاتجاه البنيوي عقلاني، يهتم بالإنسان قبل اهتمامه بالوقائع الموضوعية، على خلاف النقد الجديد؛ فهو تجريبي وظيفي، يعتمد على الملاحظة المباشرة للعلاقات المتبادلة بين الموجودات، فالاتجاهان متكاملان، ويظهر التكامل بينها حين نخرج من مجال النقد النظري إلى مجال النقد التطبيقي ؛ فهناك نلاحظ تقاربا – إن لم نقل اتفاقا – في المبادئ والوسائل والنتائج.[28]

لا تختلف البنيوية عن النقد الجديد الأمريكي بشكل عام: فهي تتعامل مع النص على أنه مادة معزولة ذات وحدة عضوية مستقلة، وأنه منفصل ومعزول عن سياقه وعن الذات القارئة. تأسس مثل النقد الجديد – مع التفاوت في التطبيق – على فكرة جوهرية مؤداها أن الارتباك العام لفكرة أو لعدة أفكار مرتبطة ببعضها في النقد التطبيقي محاولة التوحد بين لغة الأثر الأدبي، والأثر الأدبي نفسه، باعتباره نسق يتألف من جملة عناصر من الدلالات الشكلية والفنية.

وقبل أن يشرع النقاد البنائيون في عرض الجانب البناء أو الإيجابي في مفهومهم للأدب، وفي ممارستهم للنقد الذي غالبا ما ينصب على النص ولا يكاد يفارقة أو يجاوزه إلى ما عداه، نراهم يقومون ويشاركهم في هذه المهمة النقاد الجدد بعملية تطهير لكل ما شغل الساحة النقدية من مخلفات الماضي، وإرهاصات الحاضر القائمة على الأوهام وأول ما يوجه إليه النقاد سهامهم مفهوم ”المؤلف الأدبي” نظرا لارتباط هذا المفهوم بشخصية الكاتب والعمل الأدبي بالإنسان اكتسبت ”التفكيكية” وهي نظرية ”ما بعد البنيوية” منذ ظهورها عددا كبيرا من الممثلين والمدافعين؛ في فرنسا وفي الولايات المتحدة أيضا، وجدت في أمريكا مقرا في جامعة ييل Yalle حيث ارتبطت بعدد من الأسماء مثل جيفري هارتمانGeoffrey Hartman، وبول دي مانPaul de man، وهيلز ميلر Hillis Miller. وتم على أيدي النقاد المنظرين الأمريكيين تطبيق التفكيكية بصورة أكثر خصوصية على نصوص الأدب، ويرى بعضهم أنه تم استيعابها بصورتها الأمريكية في النقد الجديد الذي لازال سائدا، أي أن التفكيكية طبقا لهذا الرأي، دجنت في الأكاديمية، وتحولت إلى نسخة متطورة أكثر براعة وحساسية، نسخة لنوع من قراءة النصوص بالنقد الجديد، إن التفكيكية كما يراها جاك دريدا Jacque Derrida تكشف عن معني معين، وتجعله في متناول الفحص، تسمح بتحليل العلاقة بين اللغة وبنياتها، والمعنى أو المعزى الذي تدل عليه، تعيد أطروحة دريدا بناء النصوص للفحص التفكيكي، بصرف النظر عن ذاتيتها أو موضوعيتها، تعتمد التفكيكية التمييز في لغة الأدب بأنها لغة مشغولة بذاتها.[29]

تلغي التفكيكية –كالنقد الجديد– التمييز بين النقد والإبداع وكون اللغة هدفا لذاتها، تقابل الشكل والهدف في النقد الجديد طور أتباع دريدا الأمريكيين مختلف أوجه عمله بطرق خاصة، اهتم دي مان بطريقة النقد الجديد، التي تشيد بالبنيات للنص ووصف باحثون مفاهيم دريدا بأنها ”لعبة” طورها أتباعه إلى نظرية قريبة من النقد الجديد ”نظرية المتعة كما سنراها عن إليوت تتمثل في توريات التداعي اللغوي والأدبي ومعاني المفارقة والسخرية والالتباس، التي تنغرس لدي دريدا وآخرين في بنية اللغة ذاتها"[30].

وإذا كان النقد الجديد يركز على الوحدة العضوية فإن التفكيكية ترفض مفهوم الوحدة العضوية للنص وتري أن كل نص أدبي يشمل بلا ضرورة على مفصلة لا تؤدي إلى تماسكه، بل على العكس تؤدي إلى تفكيكه وانهياره، يرى التفكيكيون أن الكاتب يهدم ما يبني، ويفك ما يركب في عملية الإبداع وهناك فارق آخر بين النقد الجديد والتفكيكية، فالنقد الجديد يدعو إلى تحليل النص تحليلا دقيقا مركزا بهدف الوصول إلى تفسير محدد له، بينما ترفض التفكيكية أن لكل نص تفسيرا محددا، وتستخدم التحليل الدقيق للنص من أجل دحض هذه الفكرة، ولربما كانت إيجابيات هذا النوع الجديد من النقد ”البنيوي التفكيكي” تتلخص في المتطلبات الصارمة التي يفرضها على القارئ إلا أن هذا الطلب يحد في الوقت ذاته من انتشار الأدب الجديد، بسبب صعوبة العثور على عدد كبير من القراء يتحلى بهذا المستوى الممتاز الأمر الذي يخلق نوعا من الأرستقراطية الأدبية المحدودة. ومن السلبيات الأخرى لهذا النقد؛ التجاوز المتعمد لعالم، الذي ينشا فيه الكاتب ويتأثر به مهما حاول التجرد منه أو لترفع عليه في إنتاجه الأدبي، ومن الواضح أن هذا التجاهل يرجع إلى تضحم المستوى المعرفي لدى النقاد البنيويين، بسبب كلفهم الشديد بالعلوم الحديثة، ونفورهم من أي تقييم يقوم على التذوق والمعايير الذاتية فالأدب ليس معرفة فحسب أو تصنيقات لغوية شكلية، فاللغة قيمة تتشكل من رؤية المبدع للعالم.لقد غالت البنائية في الانتقام من مراوغة اللغة، وغالت التفكيكية في الإفادة منها وظن البنائيون المتعصبون أن كل مراوغة يجب أن تحارب، فهم عشاق الدقة والباحثون في اعتقادهم، عما هو أهم من صناعية التفسير، ذلك الأهم عنهم هو النسق التقابلي والافترضات الثنائية، ولكن النقاد الجدد يجلون الاحتفاظ بأصداء المراوغة في الشرح والتنوير، ويصلون هذه الأصداء بنوع من القمية وربما لا يخلو من نبرة الشعر والخيال، هؤلاء مولعون بإنسانية التفسير والدعوة إلى الخبرة الخاصة التي تومض وتختفي إن أقصر طريق لتقويم البنائية وبناتها في غلوها، ان يقال إن البنائيين دافعوا عما هاجمه النقد الجديد، البنائية وضعت لا أكثر لذا يرى بعض الباحثين أن البنائية أشبه بالردة، التي تخفي بساطتها في أقنعة مستقاة من الأوضاع الدراسة النظامية للغة حيث الكلمات علامات من قبيل إيماء الدخان إلى النار، وإيماء الضوء الحمر إلى الوقوف، وإيماء كثرة الرماد إلى الكرم، وتعود في غمضة إلى البلاعة القديمة ونخلص من هذا كله إلى أن الصراع النقدي، تبلور منذ بدايات القرن العشرين بين تيار النقد الجديد، والتيار الشكلاني البنيوي والتفكيكي، وبالرغم من وجود كثير من الاختلافات بين الجميع، فإن التركيز على بنية النص وعلى الوظيفة الجمالية والاهتمام ”بالنص” هو الجامع الأكبر بين هذه التيارات، التي تهتم بالشكل، وتبرز مدي تفرده التكشف عن سر الشكل اللغوي طالما ألحت على أن القراءة الدقيقة الفنية للنصوص عمل هام للنقد، بل أكثر من ذلك أنها العمل الوحيد المشروع له، كذلك الأمر يمكن أن يقال عن الأسلوبية وبعض الاتجاهات ”السيميوطيقية” الأخرى.

ونستخلص من تطور مدرسة النقد الجديد، أن النقاد الجدد يعملون معا في مدرسة واحدة، غير أن كل جماعة تلتزم طريقتها الخاصة المكلمة للأخري، ويتكيز عندهم النقد بطرق متنوعة ومرنة وصارمة في آن واحد، وهذا أمر طبيعي نظرا لما طرأ على النقد الجديد من تطورات. كان لكل ناقد منهم وجهة نظره الخاصة، يريد أن يبرز من خلالها صوته المتميز، وعلى من اختلاف أبناء المدرسة الواحدة في مناهجهم، نلاحظ أن ”الذوق الفني” وتناول بنية النص من الداخل والشكلانية، يظل له احترامه عند معظم هؤلاء فالذوق الفني عند الجميع معيار للنقد والبنية هدف في النقد نفسه، وهي معايير تتميز بالمرونة وسعة النظر.

ويقف النقاد الجدد عند اللغة موقف أرسطو فهم نقاد "أرسطيون جدد"، يركزون على الأسلوب واللغة، ولعل امتياز إليوت على جميع هؤلاء النقاد –كما سنرى– هو إكمال العملية النقدية عنده فمع إلحاحه إلى أهمية اللغة والأسلوب، نجده يؤكد مرة بعد مرة على ن غاية النقد هو إظهار القيمة الجمالية للعمل الأدبي.

أنجزت حركة النقد الجديد من الأعمال ما جعل تأثيرها هائلا في عصرنا الحاضر، فلم يسبق في تاريخ النقد أن ظهر كل هذا القدر من التحليل المنهجي والشكلي المرتبط بالنص ارتباطا وثيقا اعتمد منظرو النقد الجديد الأمريكيين كثيرا على نتاج إليوت الشعري وعلى بعض آرائة النقدية وتأثروا به. ويأتي في مقدمة هؤلاء: آلن تيت، وبروك، وولسون، وما كليش، وليفز، وريد، وليفز، وويلك، وفراي، مجموعة كبيرة من النقاد، الذين تأثروا بنظرية إليوت النقدية، بنقدهم الجديد على المشهد النقدي في القرن العشرين وعلى حداثة النقد العربي المعاصر.

 

(نقلا عن مجلة الجسرة)

* * *

الهوامش

[1] ديفيد بشبندر: نظرية الأدب المعاصر وقراءة، ترجمه عبد المقصود عبد الحكيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب. ط1996 ص 25-28.

يزعم النقد الماركسي (الخصم للدود للنقد الجديد الأنجلو أمريكي) أن المرجعية الذاتية إلى النقاد الجدد، مرجعية موجهة طبقيا ومتملقة؛ أي أنها في الحقيقة توحد أي التفسيرات تتخيل أنها تقوم على الحذلقة الذكية، الفطنة، والإحساس بالتقليد، وتوازن ماهو في جوهر الأمر أرستقراطية واهنة وقد أثنيت النقد الجديد من وجهة النظر هذه، نجاحة الفائق لدى الطبقات الوسطى المتلقية، التي تتطلع بإجلال إلى هذا الوسط الأرستقراطي. المرجع والتر ج أونج، الشفاهية والكتابة، ترجمة حسن البنا عز الدين، مراجهة محمد عصفور سلسلة عالم المعرفة الكويت – 1994 ص 283.

[2] ا.ا. ريتشاردز: مبادئ النقد الأدبي، ترجمة مصطفى بدوي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف الترجمة، ط 1، 1963، ص 2.9 311. و ا.ا رتشارد ”من الأعلام المؤسسين للنقد في إنجلترا، انتقل إلى أمريكا ودرس في جامعة، تعتبر جهودهما في النقد الجديد مكملة لبعضهما، مع بعض الخوصيات الشخصية. إن إصرار ريتشارد على السخرية، والتوتر، والانسجام والاشتمال، مفاهيم نقدية تغري الباحث بمقارنته بإليوت. إنه من الصعوبة جدا الفصل بين ريتشاردز وإليوت ومع ذلك فإن الفروق بينهما موجودة فقد تأثر كل منهما بالأخر وأثرى النقد الجديد الأنجلو أمريكي، وتبدو المقارنة بين ريتشاردز في النقد أشبة بالمقاربة بين باوند وإليوت في الشعر أثر ريتشاردز النقد كما أثراه لإليوت وعلى يديهما امتد إلى المشهد النقدي شرقا وغربا تتلمذ الكثير من النقاد العرب على رتشارد في جامعة كمبردج وهارفارد، منهم جبرا ومصطفى بدوي، الذي ترجم أعماله إلى العربية، وعبد الواحد لؤلؤة، الذي أنجز أطروحة الدكتوراه بإشراف ريتشاردز موضوعها إليوت الشاعر. المرجع: كلبنث بروكس، النقد ج 4 ص 101 عبد الواحد لؤلؤة، إليوت الشاعر والقصيدة ص 2.

[3] جيروم ستولينتر: النقد الفني، دراسة جمالية، ترجمة فؤاد زكرياء مطبعة جامعة عين شمس القاهرة ط 1 – 1974 ص 728-730.

[4] ألن تيت: دراسات في النقد، ترجمة عبد الرحمن ياغي مؤسسة فرانكلين مكتبة المعارف، بيروت، ط 2، 1980، ص 69-70. وألن تيت شاعر وناقد أمريكي درس الأدب الإنجليزي والشعر والحديث في العديد من الجامعات الأمريكية من مؤلفاته العقل في جنون ودراسات في النقد أكسبته شهيرة يعد أكثر الجدد الذين تأثروا وعرفوا بإليوت ناقدا، مثلما عرف باوند بإليوت شاعرا تتلمذ علية الكثير من العرب منهم جيرا وحسام الخطيب وزامله ادوارد سعيد واستمع له زكي نجيب محمود وغيرهم المرجع السابق ص 7.

[5] كلنيث بروكس وويمزات: النقد الأدبي الحديث، الجزء الرابع ترجمة حسام الخطيب ومحي الدين صبحي مطبعة جامعة دمشق، 1976، ص 149-150. وكلينث بروكس من أعلام النقد الجديد الأمريكي قدم مفهوما جديدا للشعرية انطلاقا من تصورات إليوت في مفاهيم المفارقة، والتضاد، والاستعارة، والإيقاع، اشتغل أستاذا في العديد من الجامعات الأمريكية وتتلمذ علية الكثير من العرب ويعد من قادة مدرسة الجديد التي تركز على القيم الشكلية واللغوية في الشعر والأشكال الأدبية الأخرى لم يقتصر أثر بروكس النقد على أمريكا، بل انتشر في كل البلاد التي تتكلم الإنجليزية أو تقوم بتدريسها في جامعاتها وراح بروكس يبشر بنظريات إليوت النقدية شرقا وغربا وامتد أثره بقوه إلى الوطن العربي المرجع موسوعة أدباء أمريكا ص95.

[6] ميجان الرويلي وسعد البازغي: دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط 2، 2000، ص 2-6. تكونت على الطرف الجنوبي من الأطلسي جماعة الهاربين الجنوبيين منذ عام 1919 في ولاية تنسي، وكان محورهم رانسوم الذي تخصص في الفلسفة لكنه يدرس الأدب ويقرض الشعر، وكانت قضاياهم تدور حول الشعر وأساليبة وعلى الرغم مما فعله ريتشارد إلا أن رانسوم وصفه بأنة ناقد نفساني، وأنه فشل في تطوير نظرية أو منهجبية. وقام رانسوم بالإعلان عن مدرسة النقد الجديد في كتاب يحمل نفس الاسم صدر عام 1941 مع أن محتوياته وتوجهاته تعود إلى أوائل العشرينات فقد سبق أن نشر آراءه وموقف جماعته في مجلة الهاربين عام 1922 منطلقا من آراء إليوت النقدية ومن تعليقاته ومراجعته لقصيدة الأرض الخراب كما استعمل غيره من النقاد الأمريكيين مصطلح النقد الجديد، مثل الناقد سبنجارن الذي عرف بأعمال من أشهرها مقاله بعنوان النقد ضمن كتاب النقد في أمريكا عام 1924.

المرجع السابق ص 207-266.

[7] هربرت ريد: حاضر الفن، ترجمة سمير علي، دار الشئون الثقافية، بغداد، ط 1، 1986، ص11.

[8] ف.ر ليفز: اتجاهات جديدة في الشعر الإنجليزي، ص 101.

ارتبط اسم ليفز بالمدرسة البرطانية أولا النقد الجديد ثم تأثر بإليوت وأصبح على المدرسة الأمريكية بعدما هاجر إلى أمريكا أسس مع زوجتة مركزا للدراسات النظرية والنقد في جامعة كمبردج، وأسس مجلة تعني بالنقد، وانتشرت هذه المجلة بين جمهور واسع من عامة القراء والأكاديميين تاثر به عدد من النقاد الجدد وتتلمذ علية الكثير من العرب ومنهم جبرا إبراهيم جيرا المرجع دفيد بشيندر، نظرية الأدب المعاصر ص 29.

[9] فرنسيس فرجسون: فكرة المسرح، ترجمة جلال العشري، الهيئة العامة للكتاب، 1987، ص198. وفرجسون من أعلام النقد الأمريكي الذي يهتم بالنقد الشكسبيري وبحاصة الدراسات الأكاديمية أو النظرية الصرفة التي تعد من باب المتعة الذهبية تتلمذ على إليوت وتأثر به إلى بعيد ويعد كتابه فكرة المسرح من الكتب الرائدة في نظرية المسرحية الشعرية نبهت إلى قمية مسرح إليوت الشعري ونظرية في الدراما أثر كتابه المذكور في نظرية المسرح العربي ومن المتأثرين بفرجسون من العرب صلاح عبد الصبور وجبرا الذي يشيد كثيرا بنظرية فرجسون في الدراما المرجع السابق، ص5.

[10] يان كوت: شكسبير معاصرنا، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا المؤسسة العربية اللدراسات والنشر، بيروت، ط 2، 1980. ويان كوت من النقاد الإنجليز الجدد المهتمين بالنقد الشكسبيرى، انتقل إلى أمريكا وحاضر في جامعاتها عن مسرح شكسبير الشعري، وقارن بيته وبين مسرح إليوت الشعري الحديث. واعتبر شكسبير من هذا المنطلق ”معاصرنا”، وبإرهاصاته أثر كوت بمؤلفاته العديدة حول شكسبير في نظرية المسرح المعاصر ونال إعجاب الكثير من النقاد ومن العرب جبرا المرجع السابق ص12.

[11] تيري ايجلتون: مقدمة في نظرية الأدب، ترجمة أحمد حسان، سلسلة كتابات نقدية، 1991، ص80.

[12] ديفيد بشبندر: نظرية النقد المعاصر وقراءة الشعر، ص27.

[13] جون فليتشر: نقد المقارنة، ترجمه نجلاء الحديدي، مجلة فصول، عدد 3، السنة الثالثة، 1983، ص69.

[14] رونيه ويلك: مصطلح الأدب المقارن وطبيعة، ترجمة شفيع السيد، مجلة الكاتب، السنة 17، العدد 192، مارس 1977، ص61. تميزت المدرسة الأمريكية عن مثيلتها الفرنسية المتحيزة إلى النظرة التاريخية لجملة من الأسباب منها ما يعود إلى طبيعة الأمة الأمريكية المعروفة بتفتحها على العالم والثقافات الأجنبية ومنها ما يعود إلى عقلية أدبائها وتحمسهم للأدب باعتباره كنزا فكرنا مليئا بالقيم الجمالية والإنسانية التي يجب المحافظة عليها والعناية بها ومنها ما يعود إلى مقارنيها ذوي الجناس المتخلفة كالتشيكي رونية ويلك، أبرز النقاد المقارنين الجدد، الذي اهتم بالقيم الجمالية بدلا من الاتجاه العلمي في دراسة الأدب وكذلك الاعتراف بالدور الرئيسي للنقد الأدبي في دراسة الأدب المقارن ”النقد المقارن” بدلا من البحث عن الروابط الخارجية، ونظر إلى الأدب باعتباره مجموعة من الرموز والمعاني ومعنى هذا كله بأن دراسة الأدب المقارن، تعني بالعلاقات الجمالية في أدب واحد أو أكثر وهي علاقات داخلية لاخارجية ويبدو أن ويليك أكثر النقاد المقارنين الجدد تأثيرا في النقاد المقارنين العرب الذين يتحون منحي أمريكيا كما نالت كتبه الترجمة اهتماما وتقدير من لدن العرب.

المرجع: عطية عامر، دراسات في الأدب المقارنة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1989، ص39.

[15] هاري ليفين: انكسارات، مقالات في الأدب المقارن، ترجمة عبد الكريم محفوظ، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد، دمشق، ط 1، 1990، ص7-6.

[16] نورثروب فراي: تشريح النقد، ترجمة محي الدين صبحي، الدار العربية للكتاب، تونس، 1991، ص 5-264. و نورثروب فراي من النقاد الجدد الأمريكية متخصص في النقد الأسطوري درس في العديد من جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وفي جامعة تورتو الكندية يعد أكثر النقاد تأثيرا في منظمة النقد الأسطوري المقارن أشاد كثيرا بمنهج إليوت الأسطوري يرى في الأدب بنية رمزية ونظاما قائما بذاته، يحرص فراي كثيرا على علاقة الأدب بالأسطورة إن مبادئ الأدب البنيوية تقترب من علم الأساطير والديانة المقارنة اقتراب الرسم من الهندسة كما ينظر إلى كتاب فريرز الغصن الذهبي الذي يزعم صاحبة أنه حزء من علم الأناسة الأنتروبولوجيا غير أن تأثيره على النقد الأدبي كان أكبر من تأثيره في حقلة المزعوم. المرجع السابق ص160.

[17] دافيد بشبندر: نظرية الأدب المعاصر وقراءة الشعر، ص97. وتكونت الشكلانية الروسية من جماعة من الدارسين في جامعة موسكو وكان رأسها رومان جاكبسون، وضمت فلادمير بروب، شكلوا فريق عمل اختياري للبحث في القوانين الداخلية لمشتركة بين النصوص لم يتجاوز عددهم عشرة مارسوا نشاطهم ما بين 1915–1930. المرجع السابق ص99.

[18] جيروم سو لينتز: النقد الفني، ص731-772.

[19] م. س كوركينيان: موسوعة نظرية الأدب أضواء على قضايا الشكل، الدراما القسم، ترجمة جميل ناصف التكريتي، دار الشئون الثقافية العامة، بغداد، ط 2، 1986، ص8.

[20] ر. جاكبسون: القيمة المهيمنة، نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط 1، 1981، ص81.

[21] Ecyclopedia universalis – corbus 13 – p.p 901–904

[22] إليوت: الموهبة والموروث، ص12.

[23] جان لوي كابانس: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية ترجمة فهد عكام دار الفكر دمشق ط 1 ص 90: 91.

[24] ا.ا. ريتشاردز: مبادئ النقد الأدبي، ص120–121.

[25] ميجان الرويلي وسعد البازغي: دليل الناقد الأدبي، ص32-33.

[26] عمر مهبيل: البنيوية في الفكر المعاصر، ديوان المطوعبات الجمامعية، الجزائر، ط 1، 1991، ص21-177.

[27] Michel Foucault: L,archeologie dusa vor: edition galimard paris 1969 p.p 140-142.

[28] شكري محمد عياد: موقف من النبيوية، مجلة فصول، عدد خاص مناهج النقد الأدبي المعاصر، الجزء الأول، المجلد الأول، العدد الثاني، يناير1981، ص191.

[29] جاك دريدا: توقع حدث سياق ترجمة محمد الرفراف مجلة العرب والفكر، العدد 1 ربيع، 1990، ص97-98.

[30] جون ستروك: البنيوية وما بعدها من ليفي سراوس إلى دريدا ترجمة محمد عصفور سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1996، ص209-121.