توفي الرسام الأردني مهنا الدرة الأحد عن عمر يناهز 83 عاما بعد معاناة طويلة من مرض السرطان، ويُعتبر الدرة المولود في العاصمة عمّان عام 1938، رائد الفن التشكيلي الأردني الحديث كونه أول من قدم الفن التكعيبي والفن التجريدي في الفنون البصرية في الأردن.
درس الدرة أساسيات الرسم بالألوان المائية مبكرا على يد الفنان الروسي جورج علييف، وأرسل بمنحة إلى أكاديمية الفنون الجميلة في روما ليصبح أول أردني يتلقى تعليما أكاديميا بالفن في العام 1954، درس في روما كلاسيكيات الفن من خلال المتاحف والكنائس.
ونعاه وزير الثقافة الأردني عادل الطويسي قائلا "إن رحيل الدرة يمثل خسارة للوطن وللفن، سيما أن الدرة كان يمثل علامة مهمة ليس في المشهد التشكيلي الأردني وإنما العربي والعالمي، وهو أحد مؤسسي معهد الفنون التابع لوزارة الثقافة، وتخرج فيه الكثير من الفنانين التشكيليين الأردنيين".
وأسّس الدرة، وهو خريج أكاديمية روما للفنون الجميلة عام 1958، أول معهد لتعليم الفنون في الأردن سنة 1970، وهو معهد الفنون الجميلة التابع لوزارة الثقافة والذي خرّج أجيالا من الفنانين التشكيليين الأردنيين. وعُيّن الدرة عام 1975 مديراً عاماً لدائرة الثقافة والفنون الأردنية، وشغل في ما بعد منصب مدير الشؤون الثقافية لدى جامعة الدول العربية في تونس وسفيرها في كل من روما وروسيا.
كما عمل مديرا للشؤون الثقافية في جامعة الدول العربية (1980 - 1981) ثم عُيّن سفيرا لجامعة الدول العربية في روسيا (1990 - 2001) ومديرا لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في تونس عام 1988 وفي القاهرة عام 1989. كما عمل مؤخرا أستاذاً في كلية الفنون الجميلة في الجامعة الأردنية.
وكان الدرة من أوائل الفنانين الذين درسوا في الغرب وخرجوا منها بتجربة فريدة من المزج بين الأصالة والتقنيات الحديثة التي ارتبطت بجماليات المكان وحياة الإنسان وأسس بذلك أسلوبا فنيا حداثيا متميزا في التكعيبية والتجريد.
وأقام الدرة الحائز جوائز وأوسمة عالمية، معارض لأعماله في بلدان عدة بينها الولايات المتحدة وإيطاليا وروسيا والنمسا. كما شارك في مهرجانات دولية أهمها بينالي البندقية.
وشاركت أعماله في عدد من المحافل الفنية الوطنية والعالمية بما فيها الفاتيكان والمحكمة الإمبراطورية في اليابان ومجموعة رئيس الفلبين ومجموعة رئيس وزراء كندا بيير ترودو، ومجموع ديفيد روكفيللر وفي المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة وفي قاعة بون سيتي في واشنطن جامعة سان فرانسيسكو وفي جامعة جورجتاون، وفي عدد من المعاهد الأردنية. وتلقى و الدرة عدة أوسمة وتكريمات منها، فارس وسام القديس سلفستر المقدس من البابا بولس السادس، ووسام الكوكب الأردني من الملك الحسين بن طلال، وجائزة الدولة التقديرية الأولى لمساهمته في التنمية الثقافية في الأردن، والميدالية الذهبية من وزارة التراث الثقافي الإيطالي، وميدالية الرواد الذهبية وجائزة تقدير من اتحاد الفنانين العرب، ووسام نجمة التضامن الإيطالي.
مهنا الدرة: سارة روجرز (ترجمة فيفيان حمزة)
سيرة الفنان
ولد مهنا الدرة في العاصمة عمّان عام 1938 وهو أحد رواد حركة الفن الحديث في الأردن. مع شهرته في الرسوم الشخصية، عُرف كذلك كأحد أوائل الرسامين الأردنيين الذين جرّبوا التراكيب التجريدية في أوائل الستينيات. إبتدأ أهتمام مهنا الدرة بالفن منذ طفولته، ويتذكر الفنان بأنه كان يواجه التوبيخ في المدرسة بسب انشغاله بالرسم خلال دروس التربية الدينية. أبدى الدرة، الذي كان مفتتناً بالوجوه والأشكال البشرية، اهتماما مبكرا بالفن التصويري، مما يفسر شغفه بالرسوم الشخصية لاحقاً. حين كان في التاسعة من عمره، أرسله والده، استجابة لطموحه، للدراسة في ستوديو جورج علييف وهو ضابط سابق في الجيش القيصري ورسام تقليدي كان يعيش في عمان آنذاك. تعرف الدرة فيما بعد على فنان أجنبي آخر خلال الخمسينيات، وهو رسام هولندي عُرف بإسم وليام هالوين في أدبيات تاريخ الفن. قادت هذه العلاقة الدرة إلى الافتتان بالرسم الهولندي لفترة طويلة وعلى الأخص، بأسلوب استخدام الضوء لإغناء تركيبة اللوحة بالحركة وبقوة المشهد. ويمكن العثور على المؤثر الثالث في ميول الدرة الجمالية في العام 1954، عندما التحق بأكاديمية روما للفنون الجميلة، وكرّس نفسه لدراسة فناني عصر النهضة الإيطالي والباروك.
عاد الدرة، بعد تخرجه من أكاديمية روما للفنون الجميلة عام 1958 إلى عمّان، حيث باشر بتعليم الفن في المدارس الإبتدائية أولاً ثم في دار إعداد المعلمين. أقام في هذا المعهد علاقة صداقة مثمرة على الصعيد المعرفي مع عازف البيانو والرسام العصامي الإيطالي أرماندو بورن، فقد كانت ذات تأثير على فهم الدرة للصلة بين الموسيقى والتجريد البصري، وكانت علاقة شكلية غالباً ما أشار إليها النقاد على الصعيدين الدولي والمحلي.
بعد قضاء بضع سنوات في عمان، رجع الدرة إلى روما عام 1961 إثر حصوله على وظيفة في السفارة الأردنية، تابعة لوزارة الثقافة والإعلام. شكل هذا التعيين بداية حياة مهنية طويلة في خدمة الحكومة، تضمنت مواقع من ضمنها مدير عام دائرة الثقافة والفنون في عمّان (1977 ـ 1983) ومدير الشؤون الثقافية في جامعة الدول العربية في تونس (1980 ـ 1981)، بالإضافة إلى مهام دبلوماسية في كل من روما والقاهرة وموسكو.
إستمر الدرة، على الرغم من حوالي أربعة عقود في الوظائف الحكومية، في ممارسة الرسم والمساهمة في تأسيس بنية تحتية للفنون البصرية في الأردن. لم يكن للناشئين المهتمين بالفنون في عمّان أثناء الأربعينيات، سوى فرص قليلة للتدرب المنتظم عدا لدى بعض الفنانين الأفراد الذين أخذوا على عاتقهم إنشاء صفوف غير رسمية لتعليم الفن في محترفاتهم المنزلية. ويعتبر الدرة أحد أعضاء الجيل الأول من الفنانين الأردنيين الذين تلقوّا تعليماً رسمياً بعد حصوله على منحة حكومية للدراسة في الخارج. كان معظم هؤلاء الفنانين يعملون، عقب عودتهم، كمعلمين للتربية الفنية في المدارس الابتدائية، ثم تَولَّوا رئاسة الأقسام الفنية الجديدة الناشئة في الجامعات الأردنية. ولقد أنشأ الدرة معهد الفنون والموسيقى عام 1970 وترأس إدارته من عام 1970 حتى1980، وهي السنة التي أغلق المعهد أبوابه بعدها.
غير أن أعظم إنجاز للدرّة هو غزارة أعماله الفنية. اكتسب الشهرة في بداية مسيرته من خلال الرسوم الشخصية، حيث رسم تشكيلة متنوعة من الأفراد، سواءًا بالزيت أوالألوان المائية أوالحبر، بدءاً من الفلاحين والبدو المجهولين إلى شخصيات المجتمع في عمان. وتعتبر لوحات المهرجين ربما من أكثر رسومه الشخصية شهرة. تتميّز هذه الأعمال المرسومة على الورق، بإسلوب تعبيري، بإستخدام الألوان الساطعة والمشبعة وبضربات الفرشاة الواضحة والمنسابة.
علاوة على الرسوم الشخصية، أنجز الدرة مجموعة رائعة من اللوحات التجريدية، تعود إلى أوائل الستينيات وتمثل بعضاً من أولى نماذج الرسم التجريدي في الأردن. توثّق أعمال الدرة في تلك المرحلة مجموعة من التقنيات والأساليب – بدءاً من الأجسام الهندسية الملوّنة والمجزأة انتهاءًا باللوحات الأكثر انسيابية، غير أنها تتميّز جميعها بقاسم مشترك هو الاستكشاف الدائم للضوء والحركة. مع توجيه الحركة في معظم الأحيان بشكل مائل على قطر اللوحة، يشدد الدرة على الألوان ـ ويدخل أحياناً قطعاً من النسيج ـ لأعطائها طابعاً عميقاً وبنية ممتلئة. تولّد تلك المنبسطات من الألوان الشفافة بدورها إيحاءًا بالحركة. وسواءًا تشكلت من لون واحد أو من مزيج من الألوان الأساسية والحية، يشبع الدرة لوحته بضوء انسيابي يجعل الخطوط والألوان تتراقص على قماش اللوحة بصورة حيوية.
حازت إنجازات مهنا الدرة الفنية على التقدير عبر العديد من الجوائز المرموقة من ضمنها: "جائزة الدولة التقديرية الأولى" لمساهمته في التطور الثقافي في الأردن، عام 1977؛ الميدالية الذهبية من وزارة التراث الثقافي في إيطاليا، عام 1978؛ وميدالية الرواد الذهبية وجائزة تقدير من إتحاد الفنانين العرب عام 1980. سبق ذلك تقليده، سنة 1965، وسام الفروسية، سان سيلفسترو، من قبل البابا بولس السادس. كما أصدرت هيئة البريد في الأردن في العام 2002 طابعاً بريدياً بقيمة 200 فلس يحمل لوحة من لوحات الدرة تكريماً له. أقام الدرة العديد من المعارض الجماعية والفردية في معظم أنحاء العالم العربي وأوروبا والإتحاد السوفياتي (سابقا) والولايات المتحدة. يوجد العديد من أعماله ضمن مجموعات فنية عبر العالم، بما في ذلك الفاتيكان والبلاط الإمبراطوري في اليابان والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة وجامعة جورج تاون في واشنطن، كولومبيا. يعيش الدرة حالياً ويعمل في عمّان.