يقدم الباحث التونسي هنا قراءة تحليلية لرواية الكاتب التونسي المرموق حسين الواد – الذي رحل عنا مبكرا – والتي سجل فيها كيف انقضت غربان الإسلامجية والفسدة على الثورة التونسية ونهشتها باسم الدين، وكيف خنقت المدينة روائحُ الفساد والاستبداد والشذوذ الفكري والإرهاب والاغتيالات السياسية، فالتحفت بالسواد والشؤم وهجرت الأمل.

السرد الساخر للتاريخ

قراءة في رواية «الغربان» لحسين الواد

عبد الرزاق الحيدري

 

تمهيد:
لما كانت الرواية جنسا تخييليا، مستحدثا قد نشأت مستندة إلى التاريخ فإن علاقتها بالشروط الاجتماعية ذات المضامين المختلفة  تبدو بديهية، لأن المؤلف والقارئ فاعلين اجتماعيين تحكمهما عناصر متشابكة، ومن ثم كانت المسارات الحاضنة للممارسة الإبداعية على مستوى الإنتاج والاستهلاك مدار تدبر وبحث من وجهة نظر "علم الاجتماع الروائي" الذي يرى أصحابه أن الإنتاج الأدبي عامة والروائي خاصة ينشد إلى الظواهر الاجتماعية المختلفة وهو، في النهاية، غير معزول عن بيئته، قصد المبدع ذلك أو لم يقصد. فالروائي يتفاعل مع قضايا عصره ويشكلها تشكيلا فنيا يعبر من خلاله عن هواجسه الذاتية والموضوعية.

من هنا أولى الدرس النقدي الروائي أهمية للعناصر الواقعية التي تبرز في جسد النص فظهرت مفاهيم متجاورة تبحث في العلاقة بين النص والواقع على غرار "الانعكاس" و"المحاكاة" وغيرها. غير أن هذا التوجه لا يعني أن يتحول الأثر الفني إلى مجرد وثيقة تستنسخ الواقع وتؤرخ للأحداث فتنعدم المقومات الجمالية التي تقوم أساسا على التخييل فكان الاهتمام بالمعالجة اللغوية والأسلوبية للمادة الأولية الخام بوصفها تعيد تشكيل العناصر الاجتماعية وتحولها من جذورها الأصلية – الواقعية حتى تستوي إنتاجا لغويا يسبح في رحاب الفن التخييلي.

وبذلك مثّل المزج  بين البنية اللغوية والأسلوبية من ناحية، والبنية الاجتماعية من ناحية ثانية، محور المنهج السوسيو- نصي الذي تجاوز القراءة الميكانيكية القائمة على مفهوم "الانعكاس"، والمقاربات البنيوية المنغلقة التي تعزل النص عن سياقه الاجتماعي، واتجه إلى التوليف بين العناصر الخارجية والداخلية المشكلة للعمل الإبداعي.

واستنادا إلى هذه الخلفية النظرية سنحلل رواية "الغربان"[1] للروائي حسين الواد، وذلك لكثافة مادتها الواقعية التي تزامنت مع الثورة التونسية (2011). حيث حرص المؤلف على نقل الوقائع التاريخية، وتتبع تداعيات هذا الحدث على البنيات الاجتماعية والسياسية والفكرية، ورغبته في "التوثيق" له من وجهات نظر مختلف الشرائح الاجتماعية. غير أن الرواية ولئن اختزنت في بعدها المرجعي مرحلة من تاريخ تونس، واقتنصت منه لحظة زمنية فارقة، فإنها تفيض في بعدها التخييلي عن "الوثيقة"، وتتحرر من أسر التاريخ والواقع لتكشف عن الرؤية الفنية للمؤلف؛ الذي وظف وسائل السخرية، ونوع من السجلات اللغوية للشخصيات، فتجاورت اللغة التقريرية مع اللغة الإيحائية المتهكمة.

1. الخلفية التاريخية في "الغربان":
تتكون "الغربان" من 408 صفحة تمتد على ثلاثة أقسام كبرى، يتوزع كل منها إلى مقاطع، كما يتفرع كل مقطع إلى عناوين موحية عديدة موزعة بدورها إلى أرقام. لا تقوم العلاقة بين هذه العناوين الداخلية على الترابط بل هي "مشاهد مبعثرة بفن، وموحية ورامزة. تشكل بمجموعها مناخا روائيا وعالما روائيا حافلا بالفوران والتضاد والتوتر والحيوية والاضطراب، وبناء فنيا جديدا كل الجدة"[2]. وبذلك تبدو الرواية عصية على التلخيص لكثرة أحداثها التاريخية وشخصياتها الواقعية والمتخيلة فهي تتجاوز البناء التقليدي القائم على البداية والذروة والنهاية وتحتفي بالسخرية احتفاء كبيرا مما يحيل على قصدية المؤلف لنقد عيوب الواقع وإثارة انتباه القارئ ليسائل القيم التي ظهرت بعد الثورة.

ومما يلاحظ أن للبعد التاريخي في "الغربان" منزلة أساسية فهو المادة الخام التي مثلت شرايين النص وأمدته بالنمو وفرضت أسلوب كتابته. فالواد يبدو حريصا على تتبع التحولات المختلفة التي عرفتها تونس خلال تلك الفترة، إذ اتكأ على المادة التاريخية وأذابها في روايته وفق رؤية فنية خاصة، تقوم على التخفّي وراء مخلوقاته الروائية، ومنحها الحرية المطلقة لتلاحق الحكومات التي تعاقبت على البلاد، وتكشف عن سياقاتها الاجتماعية والفكرية والسياسية، وتعري الظواهر الغريبة  التي طرأت على المجتمع على غرار الإرهاب والتهريب والهجرة السرية والانتحار وغيرها. وهذا ما يؤكد على علاقة الرواية بالتاريخ "فالرواية عبارة عن استعراض الحياة اليومية بكل مشاكلها وقضاياها."[3]

تنتمي أحداث الرواية إلى الفترة التي عاشتها تونس بداية من سنة 2011 إلى نهاية 2014 حيث تابع الراوي المشارك (سي حميدة) قصة "الثورة"، شارحا أسبابها وآثارها المختلفة على الواقع. كما عرض من خلال الاسترجاعات العديدة، تجاربه الذاتية التي عاشها في طفولته وشبابه في باريس، لينتهي في مستشفى الرازي بسبب الأزمة الوجودية الخانقة التي دمرت حياته. تقول زوجته في إضاءة لها آخر الرواية: "حالما قامت المغدورة الثورة لم يعد سي حميدة سي حميدة. كأنك رفعت رجلا ووضعت آخر مكانه. [...] كان لطيفا مهذبا هادئا يحسن الإنصات، فأصبح عصبيا قلقا أحرش الكلام قليل الصبر."[4] ثم تتابع لتكشف عن نهايته المأساوية: "النتيجة تعرفونها. هل كان ثمة غيرها؟ الرازي. كان دائما يقول: لو كانت السلطة بيدي لوضعت جميع الناطقين الفاتقين وجميع المسؤولين عن الأحزاب في الرازي؟" من الذي كان يتصور أنه هو الذي سيحلّ في؟"[5]

- حدث الثورة المباغتة:
ينفتح النص بعنوان يرمز إلى هذا الحدث التاريخي: "البغتة" إذ يقول الراوي في هذا السياق: "في آخر العشي من ذلك اليوم سقط الخبر من إحدى الفضائيات. هببتُ واقفا فترنحتُ وكدتُ أقع. اهتززت له ثم داخلني في صحته شك"[6]. يبدو "سي حميدة"، على غرار بقية الشخصيات،  غير مصدق لهذا الحدث المفاجئ، ولذلك تكفلت زوجته بالتثبت من صحته، وأخبرته بحالة الفرح والهتاف والصراخ التي عمت الشوارع: "اشهد يا عالم. وسجل أنت يا تاريخ. قمنا بثورة لم يقم بها أحد. معجزة من شعب معجز في بلاد المعجزات"[7].

وبعد أن تخلص الراوي من آثار المفاجأة المدوية صحا وانتعش وبدأ يحتفل بهذا الحدث البهيج بالشرب. بل كان يريد أن ينقش تاريخ هذا اليوم بذبابة سكين، أو إبرة لينتهي إلى حكم مفاده أن هذه الثورة "لم يأت بها زعيم فذّ، أو يصنعها حزب عتيد، أو تلهم بها إيديولوجية من الإيديولوجيات. الشعب هو الذي قام بها. دفع ثمنها من دماء المنبوذين"[8]. إنها لحظة تاريخية شاهدة على إرادة الشعوب وقدرتها العجيبة على الإطاحة بأعتى الدكتاتوريات والأنظمة المتفرعنة في المنطقة العربية.

وفي موضع لاحق تتابع زوجة "سي حميدة" تداعيات الحدث فتخبر زوجها بالحكومة الجديدة: "أزاحوه. عينوا رئيس مجلس النواب مكانه. أبقوا على الوزير الأول. سيكوّن حكومة انتقالية إلى أن يفرجها ربي"[9].

لا يجد القارئ صعوبة في ربط المادة الحكائية داخل النص الروائي بالأحداث التاريخية المرجعية التي انطلق منها المؤلف، ليشكل عالمه التخييلي. فواقعية الأحداث والشخصيات تبدو واضحة لا لبس فيها (إزاحة الرئيس السابق، تعيين رئيس مجلس النواب، الإبقاء على الوزير الأول). وانطلاقا من هذه الخلفية المرجعية (الثورة) سيلاحق الراوي ملاحقة متقطعة الأنفاس تفاصيل الأحداث والشخصيات الواقعية، معلقا عليها ومبديا رأيه فيها، مما يخرجه من موقع الراوي المحايد، إلى الراوي الذي يسرد بغصة ووجع كبيرين.

من هنا جاز لنا القول بأن مادة الحكي في "الغربان" تتمحور حول التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية التي ظهرت في المجتمع التونسي بعد الثورة؛ على الرغم من حرص المؤلف على التمويه، بتغييب الإشارات الزمنية الحقيقية لتلك الوقائع، وطرح أمكنة متخيلة للسرد في المدينة، مثل "دوار الجرة" و"الجامع القديم" و"السوق الدخلاني". وخلق شخصيات متخيلة نموذجية تحيل على فئات من المجتمع التونسي (سي حميدة، صاحب المكتبة، الحلاق، السسلوج، المؤرخ الحزين، المهندس المعماري..) مجاورة للشخصيات المرجعية التي حضرت من خلال تسميات تشير إلى وظائفها السياسية.

لقد غدت هذه الشخصيات داخل الرواية "صورا حية وواقعية، أو تجسيدا لأنماط وعي اجتماعي وثقافي."[10] إذ وظفها المؤلف ليكشف عن مواقفها الإيديولوجية المتباينة حول ما حدث: فصاحب المكتبة، مثلا، تحوّل مع مقدم دولة العهد الجديد، من ممجد لدولة العمال "بالفكر والساعد"، إلى "داعية للقومية العربية والأصالة، ثم إلى الهوية الإسلامية."[11] وانتهى به المسار، بعد الثورة،  للالتحاق بصفوف الملتحين، محولا مكتبته إلى "محل للشعوذة". إلى درجة جعلت الراوي يستغرب تقلبه الفكري، فيتهكم منه في أكثر من موضع بقوله: "عجبي منك لا ينقطع. أبعد العقلانية والإيمان بالحتمية الكونية والمادية التاريخية تصبح داعية للخرافة؟"[12] لقد ظل مساره السردي محكوما بمعارضة دعاة العلمانية على غرار "الحلاق" و"السسلوج" و"المهندس المعماري" و"سي حميدة".

وأما صاحب "مستودع الثياب المستعملة" فقد كان "يضع رجلا في ركاب الحزب الحاكم، ورجلا قريبا من الإسلاميين."[13] لأنه كان يرى أن الثورة لم تنضج بعد، وهذا ما استنكره عليه صاحب "اللحية الطويلة" الذي كان حاضرا في محله، فيجيبه بنبرة حادة: "قد نضجت من زمان. لكن عليها أرصاد من الإنس والجان."[14]

يعرض الواد في الصفحات الأولى تعليقات الناس حول ما جرى، فتوزعت الآراء بين التصديق والتكذيب، بين الإقرار بسقوط النظام، والقول ببقائه ثابتا. ولذلك عجز الراوي في بداية الحكي عن التصديق بانهيار الدولة فجأة، ومعرفة القوى التي أطاحت بالنظام، فبدا له "هذا الذي حدث مستعصيا على الفهم"[15].

  • دولة "العهد الجديد":
    لم يكتف الراوي بتسجيل الحدث التاريخي المباغت وملاحقة الوقائع المنعطفة عليه في الزمن الحاضر، بل عاد إلى الماضي ليشرّح "دولة العهد الجديد" التي تنبعث منها روائح الاستبداد والفساد. وفي هذه السياقات الاسترجاعية المتكررة، التي هيمن عليها أسلوب السرد المجمل، تنكشف للقارئ عيوب تلك الحقبة التاريخية. إذ وضعت الدولة "يدها على المساجد لتتحكم في المحرك الديني، بعد أن أفلحت في تعطيل المحرك المدني. أفرغت التعليم من أي تفكير. هيمنت على الإعلام والثقافة. لم يخرج عن سيطرتها سوى التواصل الحديث بشبكاته المعقدة"[16]. لقد كانت دولة بوليسية تراقب العباد والبلاد. فملأت الشوارع "بألوان من المخبرين والأوباش والمنوّهين بإنجازاتها."[17] مما أفرز حالة من "التصحر الفكري" الذي أنتج ثقافة ساذجة ومتعصبة، سرعان ما تغلغلت في عامة تائهة.

انعكست حالة العطب على الوضع الاجتماعي للشباب خاصة، فـ"أصبح لا يحلم إلا بالهجرة إلى "البلدان السعيدة [..] وتحول إلى طينة جاهزة لأن تنغرس فيه أضعف الدعايات قدرة على إلهاب المشاعر وتهييج الوجدانات."[18] فتغلغلت "النشاطات الدعوية" في نسيج المجتمع التونسي، وانقضت على تلك الأرواح المهتزة والخائبة، فروّضت أصحابها ليكونوا مادة وقودها في معاركها ضد مظاهر الحداثة والمعاصرة، "مبشرة "المجاهدين في سبيل الله" بجميع المتع في "جنة الخلد""[19].

من هنا نستنتج أن المؤلف شرّح "دولة العهد الجديد" التي أسهمت في نمو ظاهرة انتشار الفكر المتطرف/ حين عطلت المحرك الديني والمدني، وأفرغت التعليم من التفكير، وهيمنت على كل وسائل الإعلام والثقافة.

  •  الحكومة الانتقالية:
    بعد "فرار المخلوع" يكشف الراوي عن الوقائع التاريخية  الرئيسية التي انعطفت على هذا الحدث، مثل حل الحزب القديم واقتحام مقره وحرق وثائقه؛ لأن بالجميع خوفا من المحاسبة. "فالضمائر لم تكن نقية، والأيدي لم تكن نظيفة، وبالسرائر ركام من الزبالة، ومن الموشّحين، الآن، بأقمصة الثورة وعباءاتها من كان قد تمرّغ طويلا في صفوف الصبّابة والمخبرين"[20].

يعاين الراوي الأحداث في فترة الحكومة الانتقالية ويفسح المجال للشخصيات لتعلق عليها على غرار "ما جرى في مجلس النواب عندما انعقد ليحل نفسه، وإقالة الوزير الأول القديم وتعيين وزير أول جديد مكانه."[21] وانتقال الثورة إلى بلدان شقيقة والتشهير بقرار العفو العام عن "معتقلي الرأي" و"إيقاف شخصيات النظام البائد الذي اعتبره "المهندس المعماري" مجرد "ذر للرماد في العيون" و"تكوين هيئات لحماية الثورة وللتحقيق في ما جرى وتعقب كلاب العهد البائد وإحصاء الذين قاوموا النظام."[22] كما يرصد لجوء مئات الآلاف من بلد مجاور وتهريب الأسلحة، وكثرة الاعتصامات والاحتجاجات، وقطع الطرقات والتظاهر.

وفي مواضع أخرى ينقد الراوي إنجازات هذه الحكومة التي خربت الاقتصاد ويشير إلى المسؤولين عنها، فيذكر "مكافأة العاطلين عن العمل ممن اضطرب ونهب وخطف وقتل، أو لم يحرك ساكنا بشهريات لمدة سنة."[23] و "وضع قضاة أو مؤتمنين عدليين على شركات ومؤسسات مشبوهة"، و"ابتزاز أصحاب المال والأعمال" الذي استنكره "المهندس المعماري" بقوله: "نطحوهم يا سي حميدة [..] انقض عليهم غربان الشؤم. قالوا لهم همسا: مثلما نزل الاسم في الدفتر يمكن أن يرفع. [..] من دفع أصبح جفنه قادرا على استقبال نوم غير مريح. من امتنع صدرت فيه بطاقة جبل. رمي به في الإيقاف."[24]

كما يتابع الراوي اجتماعات الأحزاب استعدادا للانتخابات، فيصف الاجتماع الذي نظمه حزب يرأسه معارض حقوقي بقوله: "عرفت عن هذا الرجل، عندما كنت بباريس، ما يجهل كثيرون. كانت تهريجاته تلقى استطرافا، فاكتسب شهرة لم أرتح لها"[25]. وفي سياق آخر يرصد اجتماعات الملتحين للتعريف بمشروعهم، مركزا على مظاهر الأبهة والبذخ وارتفاع موجات التكبير والأناشيد الدينية والهتاف بشأن الإسلام، ومنبها القارئ إلى أعمالهم التي "تنتهك الحرية الفردية في اللباس والسلوك، والتشهير بتارك لصلاة، والتنديد ببيع الأنبذة والخمور، وتعاطي الرباء في بلاد الإسلام، والتزيي بعادات الكفرة وتفسخ الضالين"[26].

مثّل نجاح "الملتحين" في الانتخابات موضوعا للتعليقات المتباينة بين الشخصيات، فمنهم من رده إلى "الإرادة الربانية" واعتبر "الشيوعية والدولة الراعية والبورجوازية والبيروقراطية خرافات لم يتسل بها أحد."[27] ومنهم من تخوّف من هذا الفوز على غرار "الأستاذ النابه" الذي عُنّف عدة مرات بسبب معارضته لمشروع الإسلاميين؛ فقد كان يخطب في جمع من الحاضرين قرب "نصب الجرة" قائلا: "رجعتم إلى القرون الوسطى. انتظروا التفتيش في السرائر ومصادرة الحريات. انتظروا قطع الأيدي وتعدد الزوجات، والتسري والعودة إلى الرق. انتظروا البحث عن حلول لمشاكلكم في الكتب الصفراء. جاء أهل الحل والعقد ليخيطوا أكفانا لجميع الحريات. ستزدهر سوق العلاج بـ"زهم النعام" والرقى وبصاق الدراويش"[28].

لقد كشف الراوي عن عيوب الحكومة الانتقالية بوصفها الحلقة الأولى في مسار تشويه الثورة إذ دمر رموزها السياسيون الاقتصاد، واستسهلوا مع الظواهر الغريبة التي بدأت تتغلغل في نسيج المجتمع التونسي وتهدد وحدته، مما يدل على أن الثورة قد "نزفت شبابها سريعا، تاركة ما تبقى من مسارها في أيد كهلة، مشغولة بالمساومة والشذوذ وتخليق الانقسامات"[29].

  •  الحكومة المؤقتة:
    يفضح الواد طريقة تشكيل الحكومة التي أفرزتها انتخابات 2012 ويعتبر أنها قامت على مبدإ المحاصصة الحزبية، كما يتهكم من سِير وزرائها المعينين. إذ يقول على لسان إحدى الشخصيات: "للّذي قضى أكثر من عشر سنوات سجنا، نصفها في زنزانة انفرادية، المرتبة الأولى. وهي تؤهل لوزارة سيادية، أو واحدة من النوع الثقيل. للذين قضوا عشر سنوات فأقل، دون إفراد، المرتبة الثانية، وهي تؤهل لوزارة رخوة من الوزارات. أما الذين أقاموا في بعض المنافي الاختيارية وأداروا شركات [..] فلهم المراتب الأخيرة. هي تؤهل، على كل حال، في هذا الزمن الكلب، لكاتب دولة أو مستشار أو رئيس مدير عام في بعض الشركات الوطنية العملاقة. بطبيعة الحال "البونوسات يهبها الشيخ على هواه."[30]

أما أعضاء "المجلس التأسيسي" فكانوا مادة للتندر والاستهزاء لمحدودية مستواهم التعليمي، وفي هذا السياق تتساءل إحدى الشخصيات: "من هم البهاليل الذي أعطوا أصواتهم إلى هذه الخلائق المقلبة؟ لا أهلية لمعظمهم، ولا كفاءة علمية، ولا مسيرة نضالية أو منزلة اجتماعية."[31] كما يعيّر الراوي "أنصار الحزبين المتآلفين مع الحزب الفائز بقوله: "الأيتام في ولائم اللئام لا يحصلون إلا على الكوارع والذيول."[32]

وفي مواضع أخرى من الرواية، يسرد الراوي الوقائع التاريخية غير المألوفة التي كانت تصب في "مشروع الإسلاميين" مثل انتشار الخيمات الدعوية، والاعتداء على الفنانين، وحرق مقرات بعض الأولياء الصالحين وتخريبها، ودعوتهم إلى نكاح المحارم/ والاعتراض على حقوق الإنسان، والهجوم على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، وعلى السفارة الأمريكية، وانتشار روائح الأدعية حول عذاب القبر، وأهوال يوم القيامة وطرد الجن، واستجلاب الملائكة والسعد [33].

ولم يقتصر تفاعل الرواية مع الواقع السياسي والاجتماعي على تعرية هذه العيوب، بل نقل الراوي بعض الأحداث الأخرى بكل دقة وأمانة، مثل حادثة "الرش في إحدى الولايات" المهمشة والمحرومة (سليانة). يقول في هذا السياق: "أرسل إليه (الوالي) وزير الداخلية فرقا من خيرة أفواجه الخاصة لتأديب المتمردين. استعملت في المواجهات أسلحة محظورة. رمى أعوان الأمن المحتجين بالرش. [...] نشرت وسائل الاتصال الحديثة صورا من تلك الإصابات، تشرّد النوم عن العيون، وتندق في الضمائر قضبا حامية من فولاذ أحمر."[34] كما يتابع هجرة سكان تلك المدينة، وخروجهم نحو الخلاء، ويستحضر قول أحد القادة الإسلاميين التاريخيين في أحد الاجتماعات: "سننشئ بحول الله تعالى وتوفيقه "الخلافة السادسة". لن نرضى لها بغير القدس عاصمة."[35] ونتيجة لهذه التحولات الخطيرة وغير المألوفة، غاص الراوي (سي حميدة) في القلق، وانتهى إلى "الشعور بالمغص والكدر والغثيان والقتامة."[36]

وبالإضافة إلى ذلك مثلت الاغتيالات السياسية مادة رئيسية للحكي، إذ شُدّت الرواية للواقع لذلك غاص الراوي في تتبع تفاصيلها وتداعياتها في المقطع الخامس، وأشار إليها بعناوين داخلية على غرار "قبل الاغتيال بثلاثة أو أربعة أسابيع" و"قبل الاغتيال بأسبوعين" و"قبل حصول الاغتيال ببضعة أيام" و"قبل الاغتيال بأيام قبلها أو بعدها"[37]. فعند حديثه عن "الاغتيال السياسي الثاني" يرصد الراوي وجوه تشابهه مع "الاغتيال الأول". ملمحا إلى مسؤولية بعض السياسيين، وتواطؤهم.  فقد "أتى مفاجئا مثلما كان الأول. حصل، مثل الأول، في وضح النهار. وقع، مثل الأول، على مقربة من بيت القتيل. اقتُرف بالطريقة نفسها التي اقتُرف بها الاغتيال الأول. كل شيء فيه يشي بالتواطئ"[38].

أثّرت الاغتيالات السياسية على الوضع الاجتماعي والسياسي، فاندفعت الأحداث نحو أفق من التوتر والفوضى كالدعوة إلى الإضراب العام، ومطالبة المتظاهرين بـ"الكشف عن القتلة ومن وراءهم ومحاكمتهم علانية، واستقالة الحكومة، وإعلان العصيان المدني"[39]. غير أن عدم استجابة المتظاهرين لإسقاط الحكومة، جعل أحد المحبطين يخاطب تجارا تذمروا من باعة متجولين يعرضون بضاعتهم حوله، قائلا: "ذهب في ظنكم أنكم قمتم بثورة. ما أشد غباءكم. استعملكم الأمريكان والصهاينة بتواطؤ مع الدول الغربية، ومساعدة بعض الأغراب لاستبدال دكتاتورية حليقة، بدكتاتورية ملتحية. قوموا بثورة مرة أخرى إن كنتم قادرين. الآن ذوقوا ثمار ما فرحتم به. شموا روائحكم تجدون أنوفكم ذاتها نتنة"[40].

وفي مواضع أخرى يعرض الراوي موقف الحكومة المؤقتة من هذه الاغتيالات، وإجرائها تحوير جزئي على أعضائها، وتعطيل أشغال المجلس التأسيسي. كما يتابع تواتر العمليات الإرهابية الموجعة، واستيطان هذه الظاهرة في الجبال غرب البلاد، وتأهب الخلايا النائمة للاستيقاظ، وكثرة الأعمال الاستعراضية المروعة، وشراء الأسلحة والتهديدات بتصفية المعارضين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتسفير الشباب للجهاد.

من هنا يبدو حسين الواد صوتا فضائحيا جهيرا. إذ عرى المعايب التي ظهرت بعد انتخابات 2012 وشرّح رموز الحكومة المؤقتة الذين خربوا المؤسسات، من خلال تفريغ خزائنها وتكوين أمن مواز واقتصاد مواز، وتنظيمات شرعية موازية، وتعليم مواز ينطلق من روض الأطفال ويصل إلى التعليم العالي، وازدياد عود الإرهاب صلابة"[41]. كما غاص في تفاصيل الأحداث الخطيرة بكل دقة مركزا على مظاهر انتشاء الإسلاميين بفوزهم في تلك الانتخابات ودعوتهم لأسلمة البلاد. مبديا رفضه لهذا المشروع. فهو يقول على لسان الراوي: "أضحك من بلاهتهم وأهزأ بها أحيانا فيستاؤون"[42] مبديا تخوفه من هذا الوضع، لأن "استبداد الشريعة يمنح نفوذا كبيرا لا مكان فيه للمحاسبة أو المساءلة"[43].

ومن ثمة لم تكن "الغربان" رواية معزولة عن بيئتها الاجتماعية بل هي صورة عن المجتمع التونسي في مختلف أبعاده؛ مما يجعل من المؤلف صاحب موقف يعكس رؤيته الخاصة مما حدث في مرحلة تاريخية محددة. "حتى ولو حوّر الأحداث التاريخية انسجاما مع فنية الراوية، تاركا للقارئ المطابقة بين الأسماء المستعارة والأسماء الحقيقية. بين الوقائع المحورة والوقائع التاريخية"[44]. من هنا يمكن القول بأنه "وعلى الرغم من البعد التخييلي المضفى على عالم القصة، فإن نص الرواية يظل تجسيدا لأفعال وعلاقات وقيم اجتماعية وتاريخية محددة."[45] فالشخصيات والأحداث والأمكنة تظل مشدودة إلى حدث تاريخي محدد: الثورة وتداعياتها على المجتمع  التونسي ولذلك عمد الراوي إلى تسجيل الوقائع التاريخية ونقل المظاهر الغريبة التي اكتسحت  المدينة كانتشار أكوام الزبالة في كل مكان والبناء الفوضوي والهجرة عبر قوارب الموت والشواطئ الملوثة والتهريب ومشاهد للفقر والبؤس والانفلات في الجولان والطرقات، وإهمال في الإدارة والمستشفيات والتعيينات المسترابة في وظائف وهمية، وابتزاز لأثرياء العهد البائد، وتوزيع المال العام على الجمعيات والهيئات الخيرية والدعوية.

وحتى حكومة "الإنقاذ الوطني" التي تشكلت بعد الحكومة المؤقتة فإنها لم تسلم من نقد إحدى الشخصيات فالسسلوج ذو التوجه اليساري، وبعد أن اطلع على الحكومة الجديدة "أطلق قرويات مدوية"[46] وقال للمتظاهرين في "دوار الجرة": "ضحكوا على عقولكم يا ناس. قامت بعض الأجهزة المخربة للعالم، بانقلاب وأوهمت بأنكم قمت بثورة. ما كانت الحكومة الانتقالية إلا تمهيدا لمجيء الحكومة المؤقتة، عن طريق انتخابات على مقاسها. ها هي تسعى إلى التأبيد، حتى تفرغ من تخريب المؤسسات. سترون فيه ما يجعلكم تترحمون على دكتاتور برك على هذه البلاد"[47].

لقد عرى الواد ممارسات الحكومة المؤقتة، واعتبرها معادلا للشؤم والفشل والخراب، لأنها يقودها "البوجادية والطماعة والعجزة من محتكري محبة الله"[48] الذين صدعوا بنية المجتمع ودمروا مؤسسات الدولة. كما سلط الضوء على الوقائع الخطيرة التي كان مسرحها "الجامع الكبير" و"دوار الجرّة" متخفيا وراء تعليقات الشخصيات في الدكاكين والمكتبات.

وبعد أن تابع الراوي مختلف الأزمات التي شهدتها تونس في فترات الحكومات المتعاقبة وخاصة تلك التي تزامنت مع الحكومة المؤقتة يشير إلى بداية الاستعداد لانتخابات 2014 مبرزا مختلف الآراء ومنبها إلى غياب البرامج عن الأحزاب الكبيرة واشتعال حرب الكلمات وعدم اتعاظ الأحزاب المعارضة بالتجربة السابقة. ثم ينهي الرواية بمصرع "السسلوج"، رمز المثقف العضوي والفكر التنويري، الذي جعل من "الحرية فاتحة القيم"[49] لأنه لم يرض عنه السياسيون، وظل محايدا يدافع عن "الحقيقة اليومية التي تصنع المعجزات، حتى لو كانت ضد مصالحه الشخصية"[50].

يتوقف زمن الرواية عند المستقبل المثقل بالكوابيس المفخخة والموجعة؛ فنرى الراوي بوعيه المبكر يستبق الحاضر، ويتنبأ بطبيعة المرحلة القادمة، فتبدو له قاتمة وموحية بالتوجس والاستيحاش من أي شي.ء لذلك صار يتمنى الموت لأنه لم يجد في الحياة ما يستحق العيش في مدينته التي استوطنها "الهمج من بني جهلان"[51]. وفي مواضع أخرى يسترجع صورا من الماضي ليرهنها في الزمن الحاضر، زمن الغربان والشؤم والخراب والروائح النتنة. يقول في هذا السياق: "علق المعلم يومها، على السبورة صورة طائر أسود، يمسك شيئا مدورا أصفر. سألني المعلم وهو يشير بعصاه إلى الصورة: ما هذا؟ قلت: حمامة سوداء. قال: هذا غراب. وكررها مرارا ثم سأل تلميذا آخر: ما هذا؟ أجاب التلميذ: حمامة سوداء. وقف المعلم. ضرب على مكتبه بالعصا وهو يقول: لا تميزون بين الحمائم والغربان؟ في الخلط بينها ويل ما بعده ويل! الغربان يا بهايم، نذير شؤم. يألف الخرابات، يقتات من الجيف. يفرق الخلان. اغربوا عن وجهي لا يمسخكم الله غربانا"[52].

ترشح هذه الصورة بالشؤم فالغربان التي يقصدها الواد هي تلك "التحف البشرية" التي باضت وفرخت في البلاد. وتمكنت من إحكام قبضتها على مفاصل الدولة، منذ رفع الملتحون الرايات السوداء، واستظلوا بحماية الرموز السياسية ذات العلاقة بالإسلام السياسي، فتاه الجميع وفقدوا البوصلة، وبالتالي غابت الحقيقة بعد أن لفها سواد الغربان الناعقة التي طوقت أهل المدينة فصاروا يسمعون "دويا في الرؤوس وزفيفا في الآذان، ويشعرون بغصص وتيبس في الحلوق"[53].

يبدو من خلال هذا العرض لأهم القضايا الاجتماعية والسياسية التي طرحها الواد في رواية الغربان أن المؤلف كان مسكونا بهاجس التوثيق، لما حدث في تونس بعد ثورة 2011. ولذلك عمد إلى نقل الوقائع المرجعية التي كانت تونس مسرحا لها. ولئن كان السرد التسجيلي هو السمة المهيمنة على بنية النص، فإن ذلك لا يعني أن "الغربان" رواية تاريخية قامت على مفهوم الانعكاس، بل هي رواية تحاور حدثا تاريخيا وهو الثورة. فالشخصيات والأمكنة والوقائع المسرودة مشتقة من هذا الموضوع ومحكومة به. ولذلك اضطلع الراوي المشارك بوظيفة تسجيل هذه الوقائع والتعليق عليها ونقد الشخصيات السياسية والحكومات المتعاقبة وتعرية الظواهر الفكرية والاجتماعية غير المسبوقة.

ومما يلاحظ أن "الثورة المغدورة"، التي اتجهت نحو مسار غريب ومشوه، فأنتجت سياسيين ممتلئين بالتشاطر والحذلقة والعجز، وتصالحت مع كل المظاهر الفكرية والاجتماعية الهجينة، وانتشرت فيها روائح الفساد والاغتيالات السياسية والفقر والإرهاب والتهريب، منذ أن استوطنت بها الغربان الناعقة، ورفعت فيها الرايات السوداء، حتى صار كل ما فيها نقيضا للأمل والتفاؤل، ودوسا للحرية والكرامة، إن هذا السقوط المدوي للثورة هو الذي أجهز على الراوي (سي حميدة)، لتنتهي به الرحلة في مستشفى الأمراض العقلية، بعد أن عجز عن فهم ما وقع. وبالتالي تتحول الثورة إلى مجرد حدث محجوز متطاير ولكن آثاره تظل "باقية في البشر الذين أسهموا في صنعه، وفي آخرين وصلتهم آثاره ولم يشاركوا فيه."[54]

غير أن الواد ولئن كان حريصا على تتبع مسار الثورة، وملاحقة الأحدث والشخصيات الواقعية، وفضح الحكومات السياسية المتعاقبة، فإن قيمة روايته لا تكمن في الجانب التوثيقي لتلك الأحداث، بل تتجسد من خلال طريقة المعالجة الفنية لتلك المادة الأولية. وفي هذا السياق تبدو السخرية أسلوب الكتابة المهيمن على السرد، وهي تعكس رؤية الكاتب لما جرى، وحرصه على النقد وتعرية المعايب التي ظهرت مع هذا الحدث. فتجاورت بذلك اللغة التقريرية في نقل الوقائع التاريخية مع اللغة الإيحائية التي تحيل على تهكم المؤلف من تلك الشخصيات والأحداث المرجعية، وشعوره بالتشاؤم والقلق والخيبة.

2. وسائل السخرية:
تفيدنا المعاجم اللغوية بأن السخرية من "سخر يسخر سخَرا وسُخرا وسُخرة: لذع بكلام تهكمي"[55]. أما في الاصطلاح فتعرف بأنها "نوع من التأليف الأدبي أو الخطاب الثقافي الذي يقوم على أساس الانتقاء للرذائل والحماقات والنقائص الإنسانية والفردية والجماعية"[56]. والسخرية كذلك "طريقة في التهكم المرير، والتندّر أو الهجاء الذي يطغى فيها المعنى بعكس ما يظنه الإنسان، وربما كانت أعظم صور البلاغة عنفا وإضافة وفتكا."[57] تتجاور السخرية مع التهكم والتندر والهجاء والتذمر والاستهزاء وهي لا تخلو من التعبير عن الشعور بالمرارة والحسرة فالكاتب الساخر يسلط عدسته على عيوب المجتمع، ويرصد أخطاءه وينقدها ليتخلص من آثارها وبالتالي "فالفن الساخر عموما إحدى علامات التحذير من أخطار الممارسات الخاطئة، أو هو شكل من أشكال المقاومة."[58]

وتبدو رواية "الغربان" نموذجا للكتابة الساخرة لجمعها بين التوثيق التاريخي للوقائع وتشريحها من وجهات نظر مختلف الشخصيات. ولذلك يحضر المنحى الساخر التهكمي في مستويات عديدة من النص وقد تفنن الواد في توظيف آلياته لنقد الظواهر غير المألوفة التي أعقبت "الانتفاضة المحجوزة" مركزا على انخرام التماسك داخل المجتمع التونسي. فالمؤلف يسجل الوقائع وينقد أبعادها ودلالاتها بأسلوب ساخر، لا يخلو من دعابة وإمتاع. إذ يعمد إلى التلاعب بملامح الشخصيات وأقوالها وآرائها، فيخرجها بطريقة مضحكة ترشح بالتهكم. كما يستخدم وسائل التلاعب بالألفاظ والمعاني والموقف والمفارقة والوصف أو فن المبالغة وغيرها.

- العناوين:
العنوان هو "أول عنصر يتم تبئيره في النص من طرف الكاتب الضمني. ويمنح هذا التبئير للعنوان سلطة خاصة، حيث يمكن أن يبرمج قراءة النص من طرف المسرود له والقارئ، ويفعل في كل تأويل ممكن للنص."[59] و"الغربان" هو جمع لـ"غراب" وهو "طير يضرب به المثل في الحذر والشؤم والفسق والسواد والفرقة ويألف البيوت الخربة"[60]. تحيل النواة الدلالية العامة للعنوان على معان سلبية، ويبدو المؤلف حريصا على توجيه القارئ وإثارة شهيته لمتابعة قراءة المتن الروائي الذي سيتكفل بتوسيع تلك الدلالة الأولية، فيكتشف المتلقي تدريجيا أن هذا التشاؤم سببه الأمراض التي تكالبت على المدينة، ورابطت حولها "الكواسر والضباع والثعالب والكلاب"[61]. كما استوطنت بها "الغربان البشرية"  فاستحالت خرابا. وانكفأت على أوجاعها منذ أن استبدلت رايتها الوطنية برايات سوداء. ولذلك ينغلق النص بمشهد يؤكد هذا الدلالة. يقول الراوي: "حولت نظري إلى الأفق فإذا بغراب رابض على صومعة نحيلة بجامع جديد أقامه الملتحون مكان زاوية قديمة بحارتنا"[62]. وفي موطن آخر بدا "صاحب المكتبة" في "في جمع من أتباعه الملتحين. بيده راية سوداء بها صورة نصف غراب وعلم به نجوم كثيرة."[63]

وتمتد النبرة الساخرة المتهكمة إلى العنوان الثانوي فـ"روائح المدينة" ليست سوى روائح العود والحزامى والمسك والند والجاوي، وهي تتضوع "من اللحى والشعور والثياب والجلود والأفواه [وهناك] روائح أخرى نتنة نتونة لا تطاق، منبعثة من الزبالة المنشورة في كل مكان."[64] إنها روائح التدين الجديد الوافدة من البلدان الشرقية، وهي تعادل الفساد والغدر والمسخ والتشويه والتكفير والإرهاب والتهريب والتسيب، التي عمت شوارع المدينة ومحلاتها وحاراتها فأجهزت على الثورة وشوهت مسارها.

وإذا كان المدلول اللغوي للعنوان يحيل على معاني التشاؤم والسواد والفرقة والخراب والروائح الغريبة التي عمت المدينة، مما يكشف عن قصدية المؤلف لنقد تلك القيم السلبية، فإن النسيج اللغوي للعناوين الداخلية انبنى بدوره على عناصر تنشد إلى تلك الدلالات الأولية؛ والتي تتمحور حول الخطاب الساخر اللاذع. إذ انتقى المؤلف مفردات العناوين بطريقة تمزج بين المأساة والملهاة فجمع فيها المتناقضات والأضداد ليكشف عن مظاهر الانحراف والشذوذ في آراء الشخصيات ولغتها ولباسها، مما يثير الضحك الممزوج بالبكاء المر، على غرار "كفتاجي بالشوكولاطة" عند حديث الراوي عن المحاصصة الحزبية، وتقاسم الفائزين في الانتخابات للحقائب الوزارية والمناصب العليا، بالاعتماد على الولاء والانبطاح، لا الكفاءة والاستحقاق. و"دمغة أولى" ليكشف عن طرد زوجته من الشغل، واستبدالها واحدة منقبة و"بخنوق خانق" ليرصد هجمات الملتحين لفرض ما يريدونه على الناس بالقوة، في غياب الأحزاب المعارضة القادرة على التصدي لهم.

ومن ثمة جاز لنا القول بأن السرد الواقعي للأحداث امتزج بالتهكم الساخر للمؤلف، ونظرته السلبية للقيم السياسية والثقافية والاجتماعية التي ظهرت أثناء الثورة التونسية. فالواد يبدو صوتا فضائحيا، ساخرا ومتشائما من كل المظاهر السلبية وهو لم يعمد إلى أسلوب التلقين والوعظ للقيم الإيجابية وإنما ترك للقارئ حرية البحث عنها. غير أنه وبالرغم من الجو التشاؤمي الذي هيمن على نسيج الرواية، فإن الواد منح بعض الشخصيات جرعات من التفاؤل لتقاوم تلك الدعوات إلى أسلمة المجتمع. يقول "سالم الحواف" مخاطبا "سي جمعة": "لا عليك، سنحميها ونمنعها وإن جافت فيها ونعقت الغربان .. صبرا. صبرا. لم يعد الفجر ببعيد. إننا نشمه. رائحة انبلاجه تداعب شعيرات الأنوف."[65]

- التلاعب بالألفاظ والمعاني:
حضرت هذه الوسيلة في عدة مواطن من الرواية إذ فسح الراوي للشخصيات لتعبر عن آرائها وتتفاعل مع الوقائع ومع غيرها من الشخصيات بكل حرية، ودون وصاية. مما وسم النص الروائي بالتعدد اللغوي الذي يعكس بدوره الآراء المتصارعة في المجتمع. وفي هذا السياق أنطق الراوي مخلوقاته الروائية بألفاظ مهجورة حينا ومحوّرة أحيانا أخرى فاستوى الحوار مليئا بالرموز والإيحاءات. ولئن قلصت هذه الحوارات المتكررة من رتابة سرد الوقائع التاريخية والاجتماعية، ووسمت الخطاب الروائي بالحيوية، وأضفت عليه مسحة جمالية، فإنها كشفت كذلك عن موقف المؤلف الذي يبدو هازئا من تلك الملفوظات، ناقدا سذاجة تفكير أصحابها، ضاحكا من بلاهتهم، ومتبرما من زمن "المحنونة الثورة" الذي أصبح فيه "الأدنياء سادة والأوباش مثلا، وديست جميع الفضائل."[66]

فتهافت الشخصيات على تكوين الجمعيات كان مادة للتندر. إذ لم يخف الراوي سخريته ونقده لهذه الظاهرة، والتهكم من جهل أصحابها وتفاهتهم. فتاجر الخردوات أراد أن يكون جمعية خيرية تحمل اسما إسلاميا قحا، لأنه اقتنع أن الإسلام قد صار "ماركة صاعدة هذه الأيام". فاقترح عليه صاحب المكتبة اسم: "النبراس المنير في الدعوة والتبشير". لم يفهم التاجر كلمة "النبراس" فأعلمه صاحب المكتبة، بأنه شيء يخرج منه ضوء فسأله: ويستهلك كثيرا من البطاريات؟ "فصاح صاحب المكتبة: "نور رباني يا أحمق". قال التاجر: "ترى الجهلة لا يحولونه إلى مبراص أو مهراس"[67].

وزوجة "سي حميدة" لم تعد تطيق الاستمرار في الشغل بسبب استفزازات زميلتها في الشغل، فقد كانت تسألها باستمرار:" متى تسترين هذا الشعر يا سافلة؟"[68] وحين تستفسرها عن سبب وصفها بالسافلة، تجيبها بقولها: "سافرة لا سافلة. كيف ترضين بالتبرج مثل النصرانيات؟"[69] مما يدل على أن السفور بالنسبة إليها هو معادل للسفالة، ولذلك فهي تريد أن تفرض عليها الحجاب.

وجمعية "المواطنة المدنية" التي رفعت شعار "السلطة كل السلطة للمُخَيّلة"[70] قوبلت بالسذاجة والجهل في صفوف الملتحين، فحين تأمل أحدهم الشعار قال: "حتى هذا شعار يريدون استبدال الشريعة بالمخْلة"[71] ولما علم أحد الأئمة بالأمر استغرب واعتبر أن الله قد مسخ العلماء بجعلهم يدعون إلى سلطة المخالي. لقد صيّر الملتحون العلماء بغالا، حين حولوا شعار ثورة ماي 1968 (المُخَيَّلة)، بوصفه معادلا للحرية والإبداع، إلى (مَخْلة). وحكومة التكنوقراط التي عوضت من يسرقون بالسبحة واللحى، في الحكومة المؤقتة لا تعدو أن تكون، في نظر بعض الشخصيات، سوى حكومة "مافيوزي المالية العالمية" ولذلك "أطلق عليها أحد الخبثاء تسمية "رأس القراط" وهي شديدة النبوّ في لغتنا"[72]. و"السسلوج رمز المثقف العضوي الذي اغتيل في نهاية الرواية بسبب سخريته من حكومات الشؤم ومعارضته للمشروع السلفي خاصة، تحول في قاموس الملتحين إلى "عصلوج"[73].

ومن ثمة نستنتج أن الواد استخدم كلمات متجاورة صوتيا وتلاعب بحروفها ليقلب معانيها (مخيلة/ مخلة، سافلة/ سافرة، نبراس/ مهراس، نكاية/ نياكة، حنبعل/ حنبل، السسلوج/ العصلوج، تكنوقراط/ رأس القراط). إنه ينقد بعض الآراء الساذجة والمتخلفة ويفضح أصحابها ويسخر من عيوبهم العقلية ويكشف عن موقفه منها فهو يثير الأسئلة و يعري تلك القيم ويبحث عن أخرى إيجابية. وحين عجز الراوي، بوصفه قناعا للمؤلف، عن فهم ما حدث شعر "بالمغص والكدر والغثيان والقتامة وازداد إحساسه باللامعنى واللاقيمة واللاجدوى[74] قبل أن تنتهي به رحلة البحث إلى الجنون.

- المفارقة والموقف:
استخدم الراوي هذه الوسيلة لينقد المواقف الشاذة للشخصيات التي تتصف بسذاجة التفكير مما يثير السخرية والعدمية والتشاؤم. وفي هذا السياق تبدو "تخريجات الفقهاء" غير متسقة مع الواقع وهذا "التعارض أو التناقض أو التنافر"[75] هو ما يميز المفارقة فـ"المتفقهون" والأئمة والشيوخ، على غرار "الشيخ الفرجئيري"، كانوا يدعون إلى إبقاء المرأة في البيت، والفصل بين الجنسين، وفرض الحجاب والنقاب، والتشجيع على انقطاع البنات عن الدراسة، والضرب بقانون تزويج القاصرات عرض الحائط، والتضييق عليها في الملبس والسلوك، وإظهار التدين، وتعدد الزوجات، وكيفية مباشرة الزوج "حرمته"[76]. ونتيجة لهذه الدعوات الغريبة تصدعت العلاقات الزوجية، ودب فيها الخلاف فـ"إيناس" "منعها زوجها من إنارة المصابيح في بيت الاستحمام حتى لا تبصر الشياطين عريها [ولذلك] اشترى لها لباسا خشنا يغطي العنق والذراعين، وسروالا فضفاضا طويلا وأمرها بأن تنام فيه كما صار يأتيها في الظلام وعلى عجل وإذا رآها تضحك أو تبتسم انزعج وقال: "الضحك استجابة لغواية الشياطين. على المؤمن أن يكون عابسا حتى يخاف منه إبليس""[77]. فما يثير الضحك وربما الشفقة هو تلك المواقف المتشددة والساذجة، التي تجعل المرأة "ملحقة بالرجل. ناقصة العقل والدين، لا تدخل الجنة إلا مع مُحْرم. إذا كان الزوج أو المحرم من أهل الجنة، مرت من بين يديه. وإذا كان من أهل النار دفعها أمامه."[78]

وفي سياق آخر يتهكم الراوي من مواقف أصحاب المحلات التجارية الذين تهافتوا على تزيين واجهات محلاتهم "بعبارات من قبيل "جزارة حلال" و"أزياء شرعية للرجال والنساء" و"كفتاجي حلال" و"قطع غيار مستعملة حلال" وحين سئل الميكانيكي "عبدالقادر ريش" عن كيفية تحليلها، أجاب بنبرة متهكمة: "أسمعها كل صباح آيات من القرآن الكريم""[79]. إنها عدوى روائح "ماركة الإسلام الصاعدة" التي سرت في النفوس، فتدثر الناس بالسذاجة والأدعية، رغبة منهم في التكيف مع الواقع الجديد.

وأما مواقف الرئيس المؤقت، فلم تسلم من سخرية الشخصيات فـ"الحلاق" "يستغرب كيف رضي بمنصب فارغ فيجبه "الضابط": "إذا جئنا إلى الصحيح، هل يستحقه؟ كلب جائع سقطت عليه خبزة من السماء. الأبشع من هذا أنه استجداه بخساسة."[80] و"السسلوج" كان يرى أنه "لم يفز في قاع الانتخابات، إلا بتجميع الكسور الساقطة على سبيل التنفيل. هو رئيس وليس برئيس، وهو يحكم ولا يحكم."[81]ومن ثمة فإن علاقة التضاد بين الظاهر والباطن هي جوهر المفارقة، ومدعاة للسخرية والتهكم. وهذا ما جعل الرئيس المؤقت رمزا للبذاءة والنشاز والسخافة والجبن.

و"أعضاء المجلس التأسيسي"، في نظر "المهندس المعماري"، هم "تحف بشرية" تنافست تحت قبة ذلك المبنى المهيب، في التهريج. فتاهت فيه عن كتابة الدستور كما أن "نصف النواب لا يميزون بين الباء والتاء."[82] فالصورة المزدوجة في هذا السياق تتجسد في المفارقة الغريبة والمثيرة للضحك، إذ كيف يكتب من لا يستطيع القراءة؟ 

- الرسم الكاريكاتوري:
استخدم الواد السخرية هذه الوسيلة ليقبّح بعض الشخصيات، وينقد سلوكياتها الشاذة التي خرجت عما ألفه المجتمع. فالرئيس المؤقت بدا للراوي "كالمهرّج وهو يضع على رأسه مظلة من السعف، ونظارات شمسية ويرتدي برنسا. لم يكن يضع ربطة عنق. تاه في كلام غير متماسك."[83] فما يدفع إلى السخرية في هذا المقام هو التناقض الصارخ بين اللباس العصري واللباس التقليدي، وهذا يدل على أن صاحب هذا المظهر شاذ عن الضوابط المتعارف عليها اجتماعيا.

والملتحون كانوا نماذج بشرية غريبة السلوك والملبس والمشي، فقد كانوا يتنقلون في الشارع الرئيسي للمدينة كأنهم يستعدون لنزال الكفار، وتحقيق "الفتح الرباني" إذ "لفوا على رؤوسهم خرقا سوداء وشدوها إلى الجباه بأشرطة خضراء عليها كتابة بيضاء، وارتدوا أقمصة بيضاء فوقها ما يشبه العباءات الصوفية قاتمة الألوان، ونعالا عسكرية. شاهدتهم يهرولون متفاحجين اختيالا [..] نظر صبي ممسك بيد أبيه إلى تفاحجهم وقال: "يا أبي. ما لهم يسيرون كالمختونين؟" تأفف الأب وقال: "لم يكن ختانهم صحيحا فأعادوه""[84]. ولذلك يسخر الراوي من هذه "التحف البشرية"، لأن ملابسهم متنافرة الألوان إلى حد الإزعاج، وهي تنهل أفكارها من ثقافة غريبة ومتمردة عن الضوابط الاجتماعية. كما تكشف طريقة مشيهم عن شعور بالنرجسية والعظمة. كما كانوا يرفعون في اجتماعاتهم "لافتات بها شعار الحزب وآيات من القرآن، وجمل من الحديث النبوي، وكلام الصحابة والفقهاء، ونبذ من أقوال العلماء المعاصرين وشبه المعاصرين."[85] مما يوحي بمرجعياتهم الفكرية الهجينة.

ومنظر الفتيات الصغيرات المحجبات في مدخل السوق المركزية، لم يخل من استطراف المارة واستنكارهم. إذ "كن في عباءات صغيرة وطرحات تغطي شعورهن تكاد لا تستقر على الرؤوس الصغيرة [..] انطلقت التعليقات المعطرة بما في زينتهن من روائح الحرقوس والحناء وأحمر الشفاه وأسود العيون ومقطر الزهور."[86]

وأما المتحجبات والمنقبات فكانت ملابسهن مثيرة للضحك والاستهزاء؛ فهن "يضعن على الرؤوس أغطية مزركشة بالألوان الزاهية، ويلففن القدود بطريقة تكشف عن تناسق الناهد في انحداره نحو المنخفضات، وتشحذ المخيلات حتى إذا مرت الواحدة منهن في لباس يزيد احتشامه المفاتن وضوحا، التوت إليها الأعناق وارتفعت الزفرات والآهات"[87].

وبالإضافة إلى هذه الوسائل الموظفة في الكتابة الساخرة، فسح الراوي المجال للشخصيات الروائية كي تسند تسميات لغيرها في شكل نعوت وصفات قبيحة تعكس موقفها النقدي من بعض الرموز السياسية، والدعاة والشيوخ والملتحين، على غرار الكركدن والمطرقة والبهلوان والمهرج وشيخ المناكح، وعقاب تياس، وبيّوع ومرتزق، والخلائق المقلبة، والتحف البشرية، والعجول المنفلتة، والهمج والحمقى والنوكى والمغفلين والبوجادية والطماعة والعجزة ومحتكري محبة الله. إن هذه الألقاب والنعوت السلبية تحيل على الموقف الناقد والساخر للمؤلف.

خاتمة:
تُخبر "الغربان" من صفحاتها الأولى عن مواضيعها التاريخية، متوسلة حدث "الثورة التونسية" خلفية لها، لتتوالد من رحمها الوقائع والشخصيات التي أصبحت محكومة بمصير هذا الحدث. ولقد رصد الراوي الوقائع التاريخية فلاحق الحكومات المتعاقبة، والشخصيات السياسية، كما عاين الظواهر الفكرية والاجتماعية غير المسبوقة التي كانت المدينة مسرحا لها. غير أنه لم يكن محايدا وهو يرصد الواقع المتحول، إذ كشف عن العيوب المختلفة، ففضح السياسيين "الطماعة" و"البوجادية"، ونقد "شيوخ المناكح" و"محتكري محبة الله" الذين حاولوا فرض نمط مجتمعي جديد وغير مألوف، لينتهي إلى قناعة مفادها أن "الثورة" قد غُدرت حين سكنها الوهن، واستأنست الهجينَ، وخنقتها روائحُ الفساد والاستبداد والشذوذ الفكري والإرهاب والاغتيالات السياسية، فالتحفت بالسواد والشؤم وهجرت الأمل بعد أن استولت عليها "الغربان".

غير أن قيمة الرواية لا تكمن في تفاعلها مع الواقع، وشهادتها التوثيقية على مرحلة فارقة من تاريخ المجتمع التونسي فحسب، بل تتجاوز سرد الأحداث التاريخية، لتغدو عملا فنيا ساخرا من كل المظاهر السلبية التي نجمت عن هذا الحدث التاريخي. مما يعني أن المؤلف لم يكرر الواقع، بل اعتمد المحاكاة الساخرة التي تجسدت في العناوين والتلاعب بالألفاظ والمعاني والموقف والمفارقة وفن المبالغة الخ.

وعلى هذا الأساس، فإن حسين الواد يجسد الصوت الفضائحي الجهير. ذلك لأنه كتب بوجع تجلى في ثنايا الخطاب الساخر. إذ نجح في الكشف عن المظاهر السلبية التي خالفت نواميس المجتمع، فتهكم من إنجازات الحكومات المتعاقبة، وفضح السياسيين "العجزة"، واحتقر دعوات الشيوخ والمتفقهين لأسلمة المجتمع، كما نقد سذاجة العامة المتدثرين بالأدعية في المدينة التي سطت عليها "الغربان" وعمتها الروائح النتنة أملا منه في إثارة انتباه القارئ ودفعه لمساءلة القيم السلبية وتغييرها.

 

جامعة تونس

 

قائمة المصادر والمراجع:

العربية:

المصادر:

  • الواد (حسين): الغربان (روائح المدينة)، دار الجنوب، تونس، 2018
  • رضا (أحمد): معجم متن اللغة، الجزء 4، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1958
  • نعمة (أنطوان) وآخرون: المنجد الوسيط، دار المشرق، بيروت، لبنان، ط. 1، 2003

المراجع:

  • دراج (فيصل): الرواية وتأويل التاريخ، نظرية الرواية والرواية العربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2004
  • شاكر (عبدالحميد): الفكاهة والضحك، رؤية جديدة، منشورات عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، لبنان، 2003
  • طه (نعمان محمد أمين): السخرية في الأدب العربي حتى نهاية القرن الرابع الهجري، دار التوفيقية، القاهرة، 1978
  • الماضي (عزيز شكري): أنماط الرواية العربية الجديدة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سبتمبر 2008
  • محفوظ ( عصام) : الرواية الشاهدة، دار المدى للثقافة والنشر، سوريا، 2001
  • يقطين (سعيد) : انفتاح النص الروائي، النص والسياق، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2001

الفرنسية:

  • Hoek( Leo H.): La Marque du titre, Mouton pubishers, la Haye, Paris, 1981
 

[1]  الواد (حسين): الغربان (روائح المدينة)، دار الجنوب، تونس، 2018

[2]  الماضي (عزيز شكري): أنماط الرواية العربية الجديدة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سبتمبر 2008، ص. 26

[3]  دراج (فيصل) : الرواية وتأويل التاريخ، نظرية الرواية والرواية العربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2004، ص. 132

[4]  الغربان، م. س. ص. 405

[5]  م. ن. ص. 408

[6]  م. ن. ص. 13

[7]  م. ن. ص. 14

[8]  م. ن. ص. 17

[9]  م. ن. ص. 18

[10]  يقطين (سعيد): انفتاح النص الروائي، النص والسياق، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2001، ص. 141

[11]  الغربان، ص. 26

[12]  م. ن. ص. 27

[13]  م. ن. ص. 47

[14]  م. ن. ص. 48

[15]  م. ن. ص. 34

[16]  م. ن. ص. 51

[17]  م. ن. ص. 55

[18]  م. ن. ص. 51

[19]  م. ن. ص. 51

[20]  م. ن. ص. 130

[21]  م. ن. صص.118- 119

[22]  م. ن. ص. 121

[23]  م. ن. صص. 120-121

[24]  م. ن. ص. 120

[25]  م. ن. ص. 133

[26]  م. ن. ص. 135

[27]  م. ن. ص. 140

[28]  م. ن. ص. 142

[29]  الرواية وتأويل التاريخ، م. س. ص. 151

[30]  الغربان، م. س. ص. 147

[31]  م. ن. ص. 148

[32]  م. ن. ص. 147

[33]  انظر الصفحات التالية: 185، 190، 192، 193، 200، 201، 206 و215

[34]  م. ن. ص. 238

[35]  م. ن. ص. 151

[36]  م. ن. ص. 203

[37]  م. ن. صص. 227-245

[38]  م. ن. ص. 308

[39]  م. ن. ص. 280

[40]  م. ن. ص. 289

[41]  م. ن. ص. 308

[42]  م. ن. ص. 178

[43]  م. ن. ص. 210

[44]  محفوظ ( عصام) : الرواية الشاهدة، دار المدى للثقافة والنشر، سوريا، 2001، ص. 25

[45]  انفتاح النص الروائي، م. س. ص. 140

[46]  الغربان، م. س. ص. 290

[47]  م. ن. ص.ص. 290-291

[48]  م. ن. ص. 315

[49]  م. ن. ص. 362

[50]  م. ن. ص. 361

[51]  م. ن. ص. 377

[52]  م. ن. صص. 385-386

[53]  م. ن. ص. 386

[54]  الرواية والتاريخ، م. س. ص. 147

[55]  نعمة (أنطوان) وآخرون: المنجد الوسيط، دار المشرق، بيروت، لبنان، ط. 1، 2003، صص. 486-487

[56]  شاكر (عبدالحميد): الفكاهة والضحك، رؤية جديدة، منشورات عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، لبنان، 2003، ص. 51

[57]  طه (نعمان محمد أمين): السخرية في الأدب العربي حتى نهاية القرن الرابع الهجري، دار التوفيقية، القاهرة، 1978، ص. 14

[58]  الفكاهة والضحك، م. س. ص. 51

[59] Hoek ( Leo H.) : La Marque du titre, Mouton Publisher, la Haye, Paris, 1981, p. 2

[60]  رضا (أحمد): معجم متن اللغة، الجزء 4، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1958، صص. 277-278

[61]  الغربان، م. س. ص. 259

[62]  م. ن. ص. 403

[63]  م. ن. ص. 386

[64]  م. ن. ص. 323

[65]  م.  ن. صص. 385 و 386

[66]  م. ن. ص. 106

[67]  م. ن. ص. 129

[68]  م. ن. ص. 181

[69]  م. ن. ص. 182

[70]  م. ن. ص. 187

[71]  م. ن. ص. 187

[72]  م. ن. ص. 348

[73]  م. ن. ص. 367

[74]  م. ن. ص. 203

[75]  أنماط الرواية العربية الجديدة، م. س. ص. 23

[76]  م. ن. ص. 263

[77]  م. ن. ص. 271

[78]  م. ن. صص. 209-210

[79]  م. ن. صص. 144-145

[80]  م. ن. ص. 228

[81]  م. ن. ص. 311

[82]  م. ن. ص. 312

[83]  م. ن. ص. 133

[84]  م. ن. ص. 202

[85]  م. ن. ص. 131

[86]  م. ن. ص. 202

[87]  م. ن. ص. 137