سنحاول من خلال هذه الورقة الوقوف عند أدب الطفل من حيث المفهوم والنشأة ودوره في نمو الطفل وسنحاول الوقوف عند الوسائط التكنولوجية الحديثة ودورها في تطوير أدب الطفل. إن النصوص التي تهتم بأدب الطفل عرفت اهتماما من طرف الباحثين و الدارسين، وهذا لما تلعبه من دور في تشكيل وعي الطفل وتكوين ثقافته وزاده المعرفي على شكل المستويات العقلية والفكرية وحتى السلوكية .
- مفهوم أدب الطفل ونشأته
لقد عرف أدب الطفل العديد من التعاريف من أهمها "هو النتاج الفكري الذي يقدمه الكبار للصغار بعيدا عن جدلية الكتابة عن الأطفال أو ما يكتبه الأطفال أنفسهم فأدب الأطفال هو النتاج الأدبي الذي يتلاءم مع الأطفال حسب مستوياتهم وأعمارهم وقدراتهم على الفهم والتذوق وفق طبيعته العصر وبما يتلاءم مع المجتمع الذي يعيشون فيه"[1].
يتجلى من خلال هذا المفهوم أن أدب الأطفال مرتبط بذاك النتاج الفكري الموجه من طرف الكبار إلى فئة الصغار، حيث يتلاءم مع مستواهم و أعمارهم والقدرات التي يمتلكونها وهذا يتماشى وفق العصر الذي يعايشونه وبيئتهم الاجتماعية. وهناك من يعرفه بأنه "فرع جديد من فروع الأدب الرفيعة يمتلك خصائص تميزه عن أدب الكبار، رغم أن كلا منها يمثل أثارا يتحدث فيها الشكل والمضمون. وإذا أريد بأدب الأطفال كل من يقال: لهم بقصد توجيههم فإنه قديم قدم التاريخ البشري، حيث وجدت الطفولة، أما إذا كان المقصود به ذلك اللون الفتى الجديد الذي يلتزم بضوابط نفسية واجتماعية وتربوية، ويستعين بوسائل الثقافة الحديثة في الوصول إلى الأطفال، فإنه في هذه الحالة ما يزال من أحدث الفنون الأدبية".[2]
يربط هذا التعريف أدب الطفل بالأدب الرفيع، الذي يتميز بخصائص مختلفة عن أدب الكبار، وهو أدب يتضمن كل ما هو موجه للصغار أو الأطفال بقصد توجيههم، حيث نجده يلتزم بضوابط نفسية واجتماعية وتربوية وهو متعدد الوسائل الثقافية الحديثة، وهو مساير لتغيرات العصر سواء من حيث الشكل أو المضمون. ويذهب الناقد أحمد زلطة إلى أن أدب الطفل هو "نوع أدبي متجدد في أدب أي لغة، وفي أدب لغتنا، هو ذلك النوع الأدبي المستحدث من جنس أدب الكبار (شعر، ونثر، وإرثه الشفاهي والكتابي)، فهو جنس يتوجه لمرحلة الطفولة، بحيث يراعي المبدع المستويات اللغوية والإدراكية للطفل، تأليفا طازجا أو الإعادة بالمعالجة من إرث سائر الأنواع الأدبية المقدمة له، ومن ثم يرقى بلغتهم وخيالاتهم ومعارفهم واندماجهم مع الحياة، بهدف التعلق بالأدب وفنونه لتحقيق الوظائف الأخلاقية والفنية والجمالية".[3] ويرى الناقد أحمد زلطة أن أدب الطفل هو نوع أدبي مستحدث من جنس الكبار، وهو موجه لفئة الأطفال، حيث يراعي المستوى اللغوي والإدراكي لطفل كي يساهم هذا النوع من الأدب في ترقية لغة وخيال الطفل ومعارفه ويساهم في اندماجه في المجتمع.
إن أدب الطفل هو "جزء من الأدب بشكل عام وينطبق عليه ما ينطبق على الأدب من التعريفات إلا أنه يتخصص في مخاطبة فئة معينة من المجتمع، وهي فئة الأطفال. وقد يختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار تبعا لاختلاف العقول والادراكات لاختلاف الخبرات كما وكيفا، ولكن الذي لا خلاف فيه أن المادة الأدبية لقصص الأطفال الفولكلورية والتقليدية التي ظلت تحكي لأطفال شعب من الشعوب على مد الأجيال من آلاف السنين فتستحوذ على عواطفهم وخيالاتهم لم تكن منعزلة عن التيار العام للخيال والصور أو التفكير في هذا الشعب،بل كانت قصص الأطفال تعبيرات أدبية خالصة صنعها الكبار"[4]. يمكن القول أن أدب الطفل هو جزء من الأدب عامة، وهو موجه إلى فئة معينة من المجتمع يتناسب مع أعمارهم ومدركاتهم العقلية والنفسية وقد كانت القصص قديما ذات طابع فلكلوري لشعب من الشعوب، تسيطر على خيال الطفل وعواطفه.
تاريخ نشأة أدب الطفل:
إن الاهتمام بالطفل قديم قدم الإنسان حيث يتم انتقاء ما يتلاءم مع عمره ومستواه الفكري على الرغم من اختلاف البيئة والتغيرات التي يعرفها الأدب عامة، حيث يتضمن أدب الأطفال "كل شيئ بدءا من القصص الشعبية والخرافات والأساطير والمواويل وأغاني الأطفال التي يرجع تاريخ الكثير منها إلى عصور ما قبل الكتابة، ووصولا إلى طرق تجسيد في عصر النقل الحرفي الذي تعيشه مثل الكتب الإلكترونية والروايات التي يؤلفها المعجبون بالأعمال الأدبية الأخرى، حول بعض شخصياتها وألعاب الكمبيوتر. ربما يندرج تحت مظلة أدب الأطفال علاوة على ذلك فإن أدب الأطفال يشمل كل الأجناس الأدبية والصيغ والوسائط وكل فترات الكتابة وأنواعها والحركات الأدبية في أي بقعة من العالم" [5].
لا ريب من القول أن أدب الطفل جنسا أدبيا له أصول ضاربة في القدم متمثلة في القصص الشعبي والخرافات والأساطير وغيرها من الفنون التي كانت في بدايتها شفوية ثم أصبحت كتابية مع عصر الكتابة والتدوين، ثم تخللتها تحديثات جديدة تواكب العصر التكنولوجي. كما يمكن الإشارة إلى أن نواة أدب الطفل في الوطن العربي "تشكلت شفويا أول الأمر فكانت الجدات والأمهات يروين للأطفال بعض النوادر والحكايات فيسمعون ويروحون عن أنفسهم ويتسلون، فتنقل لهم هذه الحكايات عواطف ومواقف وخبرات ولونا عاليا من ألوان الإمتاع. فتوارثت الأجيال والشعوب هذا الأدب مشافهة، ولما اخترعت الكتابة وتطورت صار هذا الميراث الشعبي لونا من الأدب المكتوب، ضمن رفوف المكتبات وأسفار الرحالة. وحافظت عليه إلى أن وصل إلينا.
والقدامى من العرب تفطنوا إلى أن أذن الطفل ترتاح للأناشيد والأغنيات الخفيفة، إذ لاحظوا أن هذا الطفل يتملكه الطرب فيهز مع اهتزاز أوتار الأصوات التي تلقي المقطوعات الشعرية. ولذلك اختار هؤلاء الأناشيد الأكثر خفة، وكان للحكايات الخرافية والأساطير مكانتها في الحضارة العربية، إلا أنها لم تعرف الثبوت والاستقرار إلا بعد ظهور صناعة الكتابة، أو ما يسمى بعملية التدوين بعد ظهور الإسلام. ويعد كتاب ابن المقفع أشهر كتاب في الأدب القصص على ألسنة الحيوان، لما تضمنه من الحكمة والموعظة والحث على الفضيلة والتغيير من الرذيلة، وتعد القصص المبثوثة في القرآن الكريم الثري والفني بإعجازه وبلاغته وأسلوبه الفريد لتلقينها للأطفال، هذا بالإضافة إلى الأشعار والأمثال والحكم والألغاز والأغاني والمهودات."[6]
يمكن القول أن أدب الطفل في الوطن العربي كان عبارة عن مرويات شفوية تسردها الأمهات والجدات تتمثل النوادر والحكايات، تؤثر في مشاعر الأطفال وأحاسيسهم ويتفاعلون معها من خلال أبطالها وأحداثها الخيالية، وتقدم لهم المتعة والتسلية، ثم انتقل هذا الأدب الشفوي إلى أدب مكتوب.
فوجد المربون والكتاب في تقييم هذه المدونات التي كانت تحمل أخبار وأيام العرب وقصصهم عن البطولات والجان والحيوان إلى الأطفال دروسا وعبرا كثيرة؛ منها ما يتماشى ومستوى أعمارهم بطبيعة الحال.
أشكال أدب الطفل
تعددت فنون وأشكال أدب الطفل تعدد الالوان الأدبية نذكر منها القصة، لقد أخذ هذا الفن العديد من التعاريف منها: "قصة الأطفال فن نثري مروية أو مكتوبة، تقوم على سرد حادثة او مجموعة من الحوادث مختلفة الموضوعات والأشكال، مستمدة من الخيال أو الواقع او كليهما، لها شروطها التربوية والسيكولوجية المتعلقة بنمو الطفل، وشروطها الفنية المتعلقة كذلك بهذا النمو، وشرط فيها ان تكون واضحة، سهلة، ومشوقة، وأن تحمل قيما ضمنية تساهم في نشر الثقافة والمعرفة بين الأطفال، كذلك في تنمية لغتهم وخيالهم وذوقهم فتجمع بين متعقبي المعرفة والفن."[7]
يتجلى من خلال هذا التعريف أن القصة من الفنون الأدبية الموجهة إلى الطفل سواء كانت شفوية أو مكتوبة، باعتبارها تتضمن مجموعة من الأحداث التي تجمع بين الخيال والحقيقة، حيث تخضع لمعايير تربوية سيكولوجية تساهم في نمو الطفل، بالتالي تحمل في مضمونها العديد من الأبعاد الثقافية واللغوية وتنمية المعارف والذوق والخيال لدي الأطفال. القصص الموجهة للأطفال تخاطب أشكالا من الطفولة وتكونها، وفي أثناء ذلك فإنها تؤثر على كيفية فهم الأطفال والطفولة، خاصية من قبل الصغار، ومن بين العناصر المحورية لهذه العملية حقيقة أن الكبار هم من يؤلفون أدب الأطفال.[8]
تعد القصص من الفنون النثرية التي يهتم بها أدب الطفل حيث تأخذ شكلاً ومضموناً يتوافق مع الطفل ومستواه الفكري واستجابة الخيالية والعاطفية "حيث تقدم قصص تعتمد على الفكاهة ويكون أبطالها من الذكور والإناث، وتستعين بالرسم حتى تترك خاصية صغيرة، في أن يتأمل الصورة ويتخيل الأحداث كما يشاء، ولاسيما وهو يتمتع بخيال حاد، كما يمكن الاستعانة بالإذاعة والتلفزيون والمسرح، أو السينما في تقديم القصة، إذ تصاحب الصورة فيها الصوت ".[9] يمكن القول أن أدب الطفل يعتمد على القصص التي تحمل روح الفكاهة وتستعين بالرسومات التي تبعث الطفل على التأمل واتساع الخيال، كما تقدم القصص عبر الإذاعة والتلفزيون أو المسرحية فتكون القصص سمعية بصرية فتكتسب التفاعل والتأثير على الطفل.
إن كتب الأطفال عادة ما "تكون أقصر، وتميل إلى تفصيل المعالجة النشطة وليس السلبية مع وجود حوار وأحداث بدلا من الوصف وسبر أغوار النفس، فأبطال القصص من الأطفال هم المسيطرون، وتستخدم الأعراف والتقاليد بكثرة والقصة تتطور بداخل بنية أخلاقية واضحة. وتميل كتب الأطفال إلى أن تكون تفاؤلية وليست كئيبة، واللغة الموجهة للأطفال، تتميز بالحبكات الدرامية بترتيب متميزة والاحتمالية غالبا ما تكون مستبعدة، وقد يستمر المرء في الحديث عن السحر والخيال والبساطة المغامرة إلى ما لانهاية."[10]
إذا كانت القصص هي من ضمن الوسائل الترفيهية التعليمية الموجهة إلى الأطفال، فعادة ما تكون هذه الكتب قصيرة حتى تبعد الملل والرتابة وتبعث فيهم التسلية والفرح، حيث تبعث فيهم التفكير الايجابي، وتتجسد من خلالها العادات والتقاليد والسلوكيات الأخلاقية دون الابتعاد عن الحس الجمالي والخيالي.
دور أدب الطفل في بناء الشخصية والقدرات المعرفية لدى الأطفال
أصبح لأدب الطفل دورا بارزا في بناء شخصية الطفل من خلال التأثير في العديد من الجوانب الحياتية. فإن الطفل يحتاج إلى أن يعرف ذاته، ويعرف البيئة المادية المحيطة به، والأدب يساهم في تهيئة الفرص اللازمة لتلك المعرفة، حيث يقدم مجموعة من الخبرات فيها حكمة وأماله وطموحاته وآلامه وأخطائه، ورغباته وسلوكه. والأطفال يميلون بصدق إلى أن يتذوقوا هذا السجل الحافل ولا أدل على ذلك من شغفهم بالاستمتاع الى قصصهم، التي تروى عليهم أو يقرؤونها. ومحاولتهم الجاهدة لفهم الكلمات المكتوبة الزاخرة بهذا السجل.[11]
وأصبح أدب الأطفال يشغل شغف الأطفال ويساهم في إعدادهم إعدادا صحيحا للحياة العلمية ما يقدم لهم من المعلومات ومعارف تمكنهم من السيطرة على هذا العالم بعد أن اتضحت لهم جوانب مجهولة منه.[12] والأدب يوسع خيال الأطفال ومدركاتهم من خلال متابعتهم للشخصيات القصصية أو من خلال قراءتهم الشعرية، كما أن الأدب يهذب وجدان الأطفال لما ينشر فيه من العواطف الإنسانية النبيلة، ومن خلال مواقف شخصيات قصصية أو مسرحية يقرأها الطفل أو يسمعها او يراها ممثلة فيندمج مع شخصياتها، ويتفاعل معهم.[13] كما يكتسب أدب الطفل الإصغاء والتركيز والانتباه لما تفرضه عليه القصة المجموعة من متابعة لأحداثها، تغريه بمعرفة النتيجة التي ستصل إليها الأحداث، ويعوده الجرأة في القول، ويذهب أذواقهم الأدبية كما يمتعهم ويسليهم ويحدد من نشاطهم، ويتيح الفرص لاكتشاف الموهوبين منهم، كما يعزز الروح العلمية وحب الاكتشافات وكذا الروح الوطنية.[14]
يمكن القول بأن أدب الطفل اكتسب أهمية بارزة مع مرور الزمن لما له من تأثير في سلوكيات الطفل ونشأته واكتسابه للعديد من المعلومات والمعارف، وتقوية القدرات وله تأثير على العديد من الجوانب النفسية منها كتذوق والتهذيب والإمتاع والمرح والابتعاد عن الضغوطات وإضافة الى الجانب المعرفي لما له من فضل في اكتساب الطفل للعديد من المهارات وتقوية الذكاء والإصغاء وتوسيع الخيال والقدرات التفكير والتحليل والاستنتاج والجانب الاجتماعي لما يقدمه الأدب من نقل لبيئته ويصبح عبارة عن رابط يربط الطفل بواقعه ومجتمعه من خلال الأحداث والشخصيات.
مراحل النمو الادراكي واللغوي عند الأطفال:
تنقسم مراحل النمو عند الطفل إلى قسمين مرحلة النمو الإدراكي والنمو اللغوي
النمو الادراكي: من المعروف أن الطفل يمر بمراحل مختلفة من النمو الجسمي والعقل والعاطفي، ولا بد من معرفة هذه المراحل، لان لكل مرحلة منها ما يناسبها من أنواع الأدب. ومراحل نمو الطفل التي منها:
- مرحلة الطفولة من (3-5) سنوات: ويكون الطفل فيها ملتصقا بأبويه ولا يعرف من محيطه سوى البيئة الضيقة المتمثلة بالبيت وما يحيطه من حديقة أو شارع وما يشاهده فيها من حيوان ونبات ولا يتجاوز إحساس الطفل في هذه المرحلة سوى الشعور بالبيئة المحيطة، ولذلك فان انسب أنواع الأدب له الحكايات والقصص الواقعية المعبرة عن هذه البيئة المحدودة، ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة الواقعية والخيال المحدود بالبيئة.[15] يمكن القول أن في مرحلة الطفولة ما بين سن الثالثة والخامسة يكون الطفل أكثر تعلقا بوالديه، فيسعى إلى اكتشاف البيئة المحيطة فنونه إليه القصص الواقعية المعبرة وتتسم بالواقع والخيال المحدود الذي يتلاءم مع البيئة .
- رحلة الطفولة من (5-8) سنوات: وهي مرحلة يأخذ فيها الطفل في التطلع إلى معرفة ما وراء الظواهر الواقعية، فيتخيل ان وراءها شيئا، ومن اجل ذلك يجنح بخياله إلى سماع قصص الغيلان والأقزام وقصص السندباد وما شابها من الأدب الخيالي، ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة الخيال الحر.[16] ما يمكن قوله أن مرحلة ما بين سن الخامسة والثامن يصبح الطفل يلجأ الى الخيال والبحث عما وراء الحقيقة فيكون أكثر انجذابا إلى القصص الخيالية أو الأدب الخيالي.
- مرحلة الطفولة من (8-12) سنة: وهي مرحلة يأخذ فيها الطفل في النمو وتظهر لديهم غريزة حب المقاتلة والسيطرة والغلبة، ولـذلك فان الأدب الملائم لهم هو قصص البطولة والمغامرات، وعليه فبجب أن نختار لهم من هده القصص ما له معنى سليم، وما خلا من الطيش والتهور، وأدبنا العربي والإسلامي غني بقصص البطولة والشجاعة كهجرة الرسول إلى المدينة، وفروسية عنترة، وحروب صلاح الدين والظاهر بيبرس، وغيرهم، ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة المغامر والبطولة.[17] يمكن القول أن المرحلة العمرية عند الطفل ما بين الثامنة والثانية عشر يظهر عند الطفل حب التملك والسيطرة والمتصفح للأدب العربي نجده زاخرا بهذه البطولات كسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
- مراحل النمو اللغوي: إذا كان من الضروري، أن يتفق الإنتاج الأدبي في حقل الأطفال مع درجة نموهم النفسي، فان اللغة التي يكتب بها يجب أن تتفق بدورها مع درجة نموهم اللغوي، واللغة نوع من أنواع التعبير، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة في هذا المجال، ومن وسائل التعبير المعروفة: الغناء، الرقص، الموسيقى، الرسم، الكلام.
- إذا كانت اللغة مجموعة من الرموز سيتخذهما الشخص للتعبير فكذلك الطفل ولكن كيف يتم اكتساب للغة ؟ فلغة الطفل تتلاءم ونموه النفسي والإدراكي فالتأخر اللغوي عند الطفل يجعله يلجأ إلى أشكال أخرى للتعبير منها الرسم والموسيقى. والنمو اللغوي هو الأخر عند الطفل يمر بمراحل وفق نموه العمري. وكلمة لغة تطلق على التعبير الصوتي أو الشفوي بالكلام، والتعبير البصري أو التحريري بالكتابة. هذه المجموعة المبدئية من الحقائق البسيطة على قدر من الأهمية تتضح عندما نحاول أن نقسم النمو اللغوي عند الأطفال إلى مراحل أهمها:
- أ ـ مرحلة ما قبل الكتابة من سن (3 - 7) سنوات: وهي المرحلة التي تسبق بداية تعلم الطفل الكتابة، وفيها يميل إلى القصص الخرافية والى قصص الحيوانات والطيور، ولكنه لا يستطيع أن يفهم اللغة من خلال التعبير البصري التحريري المكتوب. ولذلك فان البديل الطبيعي يكون في تقديم القصة من خلال التعبير الصوتي الشفوي بالكلام،أي عن طريق اللغة التي يمكن أن يفهمها بسهولة . إن الطفل في سن الثالثة إلى غاية السابعة وهي مرحلة تسبق تعلم الكتابة فيميل الطفل إلى السماع،فيفضل سماع القصص من خلال التعبير الصوتي وهذا بسبب عسر اللغة.
فان ساعة لها على صفحة الاسطوانة وهي تتكلم نبرات صوتها المتميزة يجعله يحلق في عالم رائع من المتعة البديعة ومع كل هذا يمكن أن يصاحب الاسطوانة كتاب مصور يتيح للطفل أن يرى الصور والرسوم المناسبة أثناء قراءة القصة. وبمثل هذه الطريقة أيضا يمكن أن نقدم للأطفال أدبهم في مرحلة ما قبل الكتابة عن طريق وسيط ثان مثل الإذاعة، أو ثالث كالتلفزيون الذي يضيف إلى إمكانيات الصوت وإمكانيات الصورة بغير حاجة إلى كتاب مصور، أو رابع كالمسرح، أو خامس كفيلم سينائي . على انه يمكن أن تنشأ محاولات أخرى لاستعمال الرسم كوسيلة من وسائل التعبير في مرحلة ما قبل الكتابة، في كتب مطبـوعة تحكي القصة بالرسم وحده.. وفي هذه الحالة اما ان يكتفي بالكتاب المصور او يصاحبه كتيب أخر فيه القصة مكتوبة للكبار، ليقوم احدهم بدور الراوي الذي يحكي القصة للطفل، بينا هو يستعرض صور الكتاب.[18] فقد أصبحت اليوم القصص التي توجه إلى الأطفال (3-7) مصحوبة بالصورة والرسوم وهذا حتى يسهل عليهم الفهم مضمونها، كما يمكن الاستعانة بالوسائل السمعية و البصرية كالإذاعة والتلفزيون.
ب. مرحلة الكتابة المبكرة (سن 7 - 9): وهي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل في تعلم القراءة والكتابة، وهي تعادل الصفين الأول والثاني من المرحلة الابتدائية، وفيها تكون مقدرة الطفل على فهم اللغة المكتوبة مقدرة محدودة في نطاق ضيق . ويمكن في هذه المرحلة استعمال الأساليب التي سبقت الإشارة إليها في مرحلة ما قبل الكتابة، رسم بعض الكلمات وعبارات بسيطة في حدود ما يمكن أن يضمه قاموس الطفل في هذه السن من ألفاظ.[19] يمكن القول أنه من خلال هذه المرحلة العمرية الطفل يبدأ في تعلم الكتابة والقراءة في فترة مبكرة، وهذا يتجلى في الصفوف الأولى في المرحلة الابتدائية، ويكون استثمارا لما تعلمه في المرحلة السابقة من خلال الرسم وتركيب بعض الجمل البسيطة.
ج - مرحلة الكتابة الوسيطة سن (8-10): وهي مرحلة يكون الطفل قد سار فيها شوطا لا بأس به في طريق تعلم القراءة والكتابة، وهي تعادل الصفين الثالث والرابع في المرحلة الابتدائية. وهنا يمكن أن يتسع قاموس الطفل لكي نقدم له قصة كاملة موضحة بالرسوم، تساهم فيها الكتابة بدور رئيسي، على ان نراعي في العبارات المستعملة أن تكون بسيطة سهلة، مكتوبة بخط النسخ السهل الواضح.[20] في هذه المرحلة يكون الطفل قد تعلم أساسيات الكتابة والقراءة، فيتسع رصيده اللغوي، فتقدم له قصص مصحوبة بالرسوم، حيث تساهم في رفع مستوى الكتابة، من خلال عبارات سهلة وبسيطة يتم كتابتها بشكل واضح.
الوسائط التكنولوجية في أدب الطفل:
الوسائط المعتمدة في أدب الطفل:
1. البرامج التلفزيونية والقنوات الفضائية:
يعد التلفزيون الوسيلة الجماهيرية الأكثر اقبالا من طرف الفئات العمرية المتنوعة بما فيها الأطفالهذا لما يقدمه من برامج تبعث على التسلية والمرح،بهذا أخذا أدب الطفل من التلفاز وسيلة ليبعث الاعمال المعروضة،فيصبح الطفل عبارة عن متلقي دون مشاركة، فينعكس هذا التلقي على مستوى المعرفي والنفسي والسلوكي للطفل سواء سلبا او إيجابا وقد تعددت هذه البرامج كالرسوم المتحركة والاناشيد من خلال القنوات المتعددة (طيور الجنة، سبيستون، كرامش.) "والتلفزيون يستعين بجملة رموز تتجلى المعاني المقصودة اهمها الكلمات، الصور، الرسوم، الحركات، الأضواء، الظلال، الإشارات، العلامات المرئية والمسموعة والصور تتميز بالتمثيل محسوس ومشخص للعالم، وتتميز عن الصورة البلاغة واللغوية، ذات الطاقة التخيلية المجردة بطابعها المرئي والبصري والسنيمائي، ويعني هذا ان الصور البصرية صور سينمائية و أيقونية بامتياز، يتداخل فيا الدال والمدلول والمرجع لتشكيل الصورة العلامة، ويعني هذا ان الصور المرئية هي صور حسية تخاطب العين أكثر مما تخاطب الحواس والانطباع، واللقطة والضوء والصباغة والارقام ".[21] ويمكن القول ان التلفزيون او الجهاز السمعي البصري له سمات إبداعية وحركية بفضل التكنولوجيا التي أهلته لاستخدام مجموعة من الوسائط بالصورة والصوت والحركة التي تكون أكثر تأثير جذبا للأطفال من خلال مخاطبة العين بإعتبارها تشخيصا للعالم المحسوس من خلال طاقة تخيلية.
2ـ الأجهزة الذكية: أصبحت الاجهزة الذكية تغزو العالم اليوم سواء من خلال الهاتف او الكمبيوتر او الحواسيب المحمولة وهذا من خلال ما يقدمه من خدمات لمستعمله كالألعاب والرسوم المتحركة والاناشيد وما يجعل الإقبال عليها متزايدا هو توصيلها بالشبكة العنكبوتية مما تقدم سعة في الخدمات المعرفية والترفيهية ومن الفئات التي أصبحت أكثر انجذابا لمواقع الانترنت فئة الأطفال وهذا من خلال ماتنتجه من برامج للأطفال، وبالتالي أخذ أدب الطفل يستغل هذه الوسائط التكنولوجيا لعرض برامج ومادة ترفيهية تستهدف الأطفال حيث أن "المتصفح لشبكة الانترنت سيجد مواقع مكتبية كثيرة للأطفال فهناك موقع بعنوان www.kidzpage.com ينقسم الى ثلاثة اقسام رئيسية منها القسم kids page library وهو عبارة عن مكتبة إلكترونية للطفل تزوده بمجموعة من الكتب المناسبة لأعمال أطفالهم مثل كتب الأقل من سنتين ومن 2 -6 سنوات ومن 6- 10 سنوات حيث تكون الكتب مناسبة لمختلف الاعمار ومفيدة وتقدم لهم المعلومات في أبسط صورها والتسلية بتوفير الصور الملونة والمواضيع الشيقة."[22] الملاحظة أن أدب الطفل اصبح يستفيد من الشبكات العنكبوتية ولهذا لما تتيحه من وسائط تكون أكثر تأثير و إقبالا، فأصبحت المواقع الإلكترونية الموجهة للأطفال تستهدف أعمارهم وميلواتهم من خلال ما تقدمه من برامج ذات التأثير السمعي والبصري .
3ـ المواقع الالكترونية والمنتديات:
تتميز الشبكة العنكبوتية بالعديد من الموقع المنتديات حيث تعد وسيلة من وسائل الاتصال على سبكة الانترنت , وشكل من اشكال الصحافة ,ينشئها أفراد و جماعات لتبادل الافكار والآراء حول الاخبار أو الموضوعات ذات الاهتمام المشترك ,التي يطرحها الناس على صفحاتهم بِنُظم الاتاحة الفورية , والاستدعاء اللاحق من أرشيف الرسائل , والروابط النصية الفائقة دون قيود على حرية القارئ في المناقشة والتعليق على الرسائل المتاحة ,بالنصوص او الرسائل المعتمدة وكذلك حريته في التجول الروابط واستدعاء الرسائل والمدخلات السابقة.[23] ويمكن القول أن المنتديات من وسائل الاتصال المنتشرة عبر شبكات الانترنت حيث يعد منصة لتبادل الافكار والآراء وطرح مواضيع .
أثر الوسائط التكنولوجية في أدب الطفل.
لقد تخللت أدب الطفل التطورات التكنولوجية والوسائط الحديثة فمع القرن العشرين امتدا نطاق العمل الى إعادة تقديم النصوص الأدبية إلى تقنيات الوسائط الجديدة وتكنولوجيا المعلومات، ومن ثم أصبح من الممكن تقديم القصص في صور سمعية و سمعية بصرية متطورة، ومنذ نهاية القرن الماضي جرى استخدام الوسائط الرقمية متزايدة لتقديم القصص الروائية في شكل ألعاب الإلكترونية ونصوص على الانترنت".[24] مما يشير إلى أن أدب الأطفال بوصفه جنسا أدبيا مستقلا على أساس أنه صنف متميز من النشر له تقاليده المميزة التي ترسخ توقعات مجددة لدى قرائه وإحدى مشكلات هذا المنظور هي أن أدب الأطفال يتضمن كذلك كل الأجناس الأدبية والأجناس الأدبية الفرعية.[25]
يولد أطفال اليوم في بيئة متعددة الوسائط فإن النصوص والصيغ الأقدم لم تختف، لذلك فإن فرصة تجربة العديد من النسخ المختلفة لقصة واحدة لا تزال قائمة، ولكن هناك بعداً جديداً لهذه العملية، (...) أخذت العديد من الوسائط المختلفة ومجموعة من الصيغ المتنوعة على سبيل المثال، كتاب أو فلم،أو رواية مصورة، أو لعبة إلكترونية.[26]
- الأمر المثير أن سلسلة (هاري بوتر) هو أنها بدأت ككتب مطبوعة تقليدية للأطفال، لكن القصص قد تحولت إلى شبكة تسرد عبر الوسائط المتعددة، او تكون شبكة (هاري بوتر) الرئيسية من كتب وتسجيلات صوتية وأفلام وألعاب كمبيوتر وألعاب على شبكة الإنترنت.[27]
- لقد عرفت سلسلة السرد عرضا عبر العديد من الوسائط بمشاهدة البرامج التلفزيونية مثل (عالم سمسم) أو (بوب البناء) أو (حديقة المرح) وهذه البرنامج تعرِّف الأطفال على شخصيات وأزمنة وأماكن ومجموعات مختارة من القصص، وتمتد هذه البرامج إلى المواقع الإلكترونية حيث يستطيع الأطفال الاستمتاع إلى القصة ورؤية النص المطبوع والذي يتغير لونه مع نطق الكلمات، فإن هذه الإصدارات التي تعرض على شاشات الأجهزة الالكترونية المختلفة تتضمن رسومات متحركة أو اصواتا والتي تنتج للأطفال التفاعل مع النص من خلال اللمس أو النقر.[28] كما تتضمن الشبكات مجموعة مختلفة من المنتجات، بما في ذلك أقراص الفيديو الرقمية للبرامج التلفزيونية والأفلام المصنوعة خصوصا لتكون جزءا من هذه الشبكة والكتب المتفاعلين وألعاب الكمبيوتر والدمى.[29]
مع تطور الألعاب الإلكترونية، فإنها توظف شكل متزايد قصصاً متعددة ومدرسة بعناية ومكتوبة بإتقان نقدمها من خلال مزيج من المواد المطبوعة فالحاجة إلى قراءة الكتب والخطابات والرسائل والمفكرات اليومية وأنواع مختلفة من السندات للحصول على معلومات حيوية تعتبر رسمية من سمات الألعاب الإلكترونية".[30]
نخلص مما سبق ذكره: أن أدب الطفل هو أدب يتميز بخصائص تميزه عن باقي الآداب الأخرى وهو موجه إلى فئة الأطفال يستهدف أفكارهم وبتناسب مع أعمارهم وميوليهم. وأدب الطفل قديم قدم الآداب الموجه إلى الكبار انطلاقا من الآداب الشفوبة الأغاني والمهدوات والقصص الحدات مرورا بالنصوص المكتوبة والمصورة وصولا الى عصر الصور السمعية البصرية والكتب الالكترونية ورسوم المتحركة. دور أدب الطفل في تنمية قدرات الأطفال الحسية و الإدراكية وهذا من خلال ما تتيحه من تسلية وترفيه و كتساب المعارف ورفع الوعي وإعمال الخيال. لقد تخلل أدب الطفل حديثا وسائط تكنولوجيا أحدث تغيرا جذريا في أدب الطفل وجعلته أكثر إقبالا وتأثيرا وهذا من خلال ما تتميز به التكنولوجيا من خصائص من نصوص وكتب رقمية ورسوم متحركة وغيرها من البرامج موجهة إلى الأطفال الترفيهية والتعلمية .
جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف – الجزائرـ
البريد الالكتروني:aouadisaliha04@gmail.com
[1]ـ محمد حسن برغيشي أدب الاطفال أهدافه وسماته مؤسسة الرسالة بيروت ط 2 1997 ص 40
هادي نعمان الهيني، أدب الأطفال، فلسفته، فنونه وسائطه الهيئة المصرية العامة للكاتب، القاهرة مصر 1997 ص71.[2]
[3] ـ أحمد زلطة،أدب الطفولة بين كامل الكيلاني ومحمد الهراوي، دار المعارف مصر 1994 ص 30 .
[4] ـ عبدالفتاح ابو معال أدب الطفل دراسة وتطبيق دار الشروق للنشر والتوزيع، بيروت لبنان،ط2،1988. ص13
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة جدا تر: هبة نجيب المغربي،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ط1مصر 2014، ص12[5]
ـ المرجع نفسه، ص08.[6]
ـ إيمان البعاعي، المتقن في أدب الطفل والثبات لكلاب التربية ودور المتعلمين الراتب الجامعية بيروت ص 117[7]
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة ص40.[8]
هوران عثمان على القاضي قصص الاطفال في الاردن -دراسة فنية رسالة ماجستير كلية الدراسات العليا-الجامعة الاردنية 2007- ص 33 [9]
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة ص26.[10]
[11] ـ عبد الفتاح معال – أدب الطفل دراسة وتطبيق دار الشروق للنشر والتوزيع،عمان .ط2 1988، ص18
ـ المرجع نفسه،ص19[12]
ـ المرجع نفسه، ص20[13]
ـ المرجع نفسه، ص20[14]
ـ عبد الفتاح أبو معال، أدب الطفل دراسة وتطبيق، دار الشروق للنشر والتوزيع،الأردن،ط2، 1988، ص22[15]
ـ المرجع نفسه، ص22[16]
ـ المرجع نفسه، ص22[17]
ـ المرجع نفسه، ص22[18]
ـ المرجع نفسه، ص23[19]
ـ المرجع نفسه، ص23[20]
[21] ـ جميل حمداوي، الطفل والصورة، أية علاقة، مكتبة المثقف، ط1،2016،ص11.
ـ أحمد فضيل شيلول تكنولوجيا أدب الأطفال، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر والتوزيع الاسكندرية 2000 ص 92.[22]
[23] ـ محمد عبد المجيد المدونات الاعلام البديل عالم الكتب 2009 ص59.
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة، ص81.[24]
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة، ص85.[25]
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة ص74[26]
كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة، ص76.[27]
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة ص78[28]
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة ص78[29]
ـ كيجرلي رينولدز-أدب الأطفال مقدمة قصيرة ص80.[30]