يشكل تأليف الكتب الموسوعية حالة معرفية فريدة في زمننا الحالي، لأنها تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، كما أن عبء تأليفها وإعدادها أصبح ملقى على كاهل المؤسسات وفرق العمل أكثر من الأفراد، لكن هناك من يواصلون بذل الجهد من أجل إنجاز كتب موسوعية فردية ترقى إلى مراجع معرفية هامة. وتأتي موسوعة “شعوب وثقافات العالم” للباحث السوري حسام غازي ضمن هذا الإطار بمثابة الإنجاز المعرفي، لأنها صدرت والثقافة السورية تعاني كغيرها من القطاعات من آثار الحرب والواقع الصعب الذي بات يعيشه السوريون.
ويؤكد غازي أن هذه الموسوعة الشاملة لشعوب وثقافات العالم هي الأولى من نوعها، وتحتوي على معلومات غزيرة 70 في المئة منها غير موجودة باللغة العربية، سعى لكتابتها بوجهة نظر محايدة وبروح علمية استقاها من مراجع مختلفة ومتباينة وموثقة باللغات الفرنسية والإسبانية والألمانية. ووفقا لغازي، الموسوعة التي قدم لها الباحث الميثولوجي فراس السواح استغرق تأليفها عشر سنوات، وتشمل ما يقارب المليوني عام منذ العصر الحجري الأول إلى الحرب العالمية الأولى، وتم إعداد موادها التوثيقية وما فيها من مصادر ومراجع تاريخية بالتعاون مع جامعات سورية وأوروبية، منها جامعة دمشق وجامعات بوردو الأولى والثالثة وتولوز الثانية وباريس الأولى والعاشرة من فرنسا وبال السويسرية وكولن الألمانية ولييج البلجيكية. ويشير غازي إلى أنه تشكل عنده إصرار لنشر هذه الموسوعة في دمشق، وفي ظل هذه الظروف بالتحديد، رغم وجود مؤسسات أجنبية أبدت رغبتها لطباعتها، وذلك رغبة منه في تقديم رسالة بأن السوريين يبدعون ويواصلون رسالتهم الحضارية للعالم رغم كل معاناتهم.
وتقدم الموسوعة، الصادرة عن دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، بأجزائها الستة معلومات مكثفة وغنية عن ثمرات قدمتها شعوب الأرض للبشرية، فالجزء الأول جاء حول العصر الحجري الأول “الصيادون الأوائل”، وكان الثاني عن العصرين الحجريين الحديث والنحاسي “المزارعون الأوائل”، أما الجزء الثالث فهو حول “عصري البرونز والحديد”.
وخصص الباحث الجزء الرابع من الموسوعة لنهاية عصر الحديد حتى قيام الإمبراطورية الرومانية، فيما مسح خامس الأجزاء الفترة الممتدة من قيام الإمبراطورية الرومانية الشرقية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وجاء السادس حول “الشعوب البدائية في العالم”.
ويعد موضوع ظهور الإنسان وتطوره من أكثر المواضيع تداولا ومناقشة بين الباحثين في مجال الآثار والأنثروبولوجيا٬ وكذلك رجال الدين والمثقفين والمهتمين٬ حيث يطرح هؤلاء الكثير من التساؤلات٬ ومن أبرزها: كيف ومتى وأين ظهر الإنسان؟ وكيف تطور وانتشر في أنحاء العالم؟ وتحاول الموسوعة الإجابة على تلك التساؤلات من وجهة النظر الأثرية – الأنثروبولوجية٬ وذلك بالاعتماد على أحدث النتائج العلمية التي توصل إليها علماء الآثار والأنثروبولوجيا٬ آخذين بعين الاعتبار جميع وجهات النظر والفرضيات المطروحة. وبأجزائها الستة تعرض الموسوعة بشكل مكثف تاريخنا الإنساني؛ اعتمادا على أحدث نتائج عمليات البحث والتنقيب الأثري في معظم أصقاع العالم، فضلا عن المصادر والمراجع التاريخية القيمة، التي اطلع عليها الباحث بعد التسهيلات التي قدمتها العديدُ من الجامعات العالمية.
ويقول غازي “حين تقرأ هذه الموسوعة ستدرك جيدا أن ما نحن فيه اليوم هو ثمرةُ عطاء شعوب وهبت الكثير من الابتكارات، سأترك الحديث عنها الآن لتستمتع بالتعرف إليها في صفحات هذه الموسوعة، ولكي تكتشف كيف وصلنا إلى عصرنا الحالي”. ويضيف “ما أود الإشارة إليه فقط هو أننا من خلال هذا العمل، نستطيع أن نتخيل سويا كيف كان عالمنا حين ظهر الإنسان الأول، بكل بساطة، كان عالما خاليا من جميع مظاهر الاستيطان؛ أي: أرضٌ بكرٌ، وهي، بلا شك، المسرح الأول، الذي يعد الإنسان أهم أبطاله، أما بالنسبة إلى مجريات الأحداث وتفاصيل قصة الإنسانية سنتعرف إليها من خلال ما سيرد ذكره في هذه الموسوعة من ثقافات عصور ما قبل التاريخ وحضارات العصور التاريخية، تم عرضها في ستة مجلدات”.
ويذكر أن الدكتور حسام غازي من مواليد 1981 أستاذ في علم الآثار بجامعة دمشق حائز على درجة الدكتوراه من جامعة بوردو الأولى للعلوم والتكنولوجيا في فرنسا، مشرف على العديد من المقررات في المرحلة الجامعية الأولى وفي مرحلة الماجستير، ومشرف على رسائل ماجستير ودكتوراه، صدر له كتاب “الثقافة الأورنياسية” بالفرنسية عن جامعة بوردو، وله العديد من الأبحاث العلمية المحكمة في مجلات علمية عربية وعالمية.