يخصنا الشاعر المصري، بديوانه (مكاشفة) الذي يعمر قصائده نفس شذري يميل الى التكثيف، وحضور لافت للماء، حيث الصفاء المفتقد ومونولوغات داخلية تنفتح على الذات وتحاورها، واستدعاء لدفق الذاكرة التي انمحت. فتضعنا إزاء الهشاشة التي يستطيع الشعر أن يلتقط منها الصور والأثر، فالشعر وحده قادر على ترميم ما انشطر وتشظى.

مُكَاشَفَةٌ (ديوان العدد)

محمد الشحات

 

الإهداء

إلى سمر وإسلام وأحلام مرة ثانية

ومحمد محمود إسماعيل.. الذى رحل مبكرا

 

مغادرة

أحب الخيول إلي

التي تتمايل في رئتي

وتمرحُ مسرعةً في ربوعي

وترقصُ

حين يراقصني الشوقُ

كنتُ أكاشِفُهَا

ساعةً حينَ أدركنِيْ وهَجَهَا

والخيولُ تُلملمُ أصواتَها

نازلتنِي الهواجِسُ

غادرنِي في العراءِ غبارُ الخيولِ.

 

ثلاثية

  1.  سقوط:

كيفَ لا يسقُطُ وَجهِي ؟

حينَ تدعُو طفلتِي كفِّي

لكيْ ينزعَ عنْهَا

خوفَهَا الجَاثِمَ دومًا

فوقَ عينيهَا

لمْ يعدُ كفِّي

كمَا كنتُ صبيًا

صار يجثُوُ

 فوقَ صدريْ وعُيونِي

كلَّمَا حاولتُ

أنْ أنزعَ خوفِي

آهِ ياكفِّي الذِي يسْكُنُنِي

كيفَ لا تنزعُ مِنِّي

 خوفَ أطفالٍ

 وخوفِي   ..  .. 

2- هبوطٌ

حينَ فاجَأتُ وجْهِي

علىَ صفحةِ المَاءِ

فاجأنِي اهتزازُ ملامِحِه

ضياعُ التقاسِيِمِ

أجلسَنِي ارتجافُ العيونِ

عليَ الشَّطِ

فارتعشَ الماءُ

ضاعتْ ملامحُ وجهِي

  1. الصعود

الرِّياحُ التيْ في فؤادِي

تصعدُ

حينَ القلبُ يخفِقُ

والطيورُ العائداتُ

بعضُ أحلامِي

ورائحةُ ارتحالِ الشَّمسِ

تصعدُ فيْ دمِيْ

حينَ اخترقتُ حواجزَ الأشياءِ

كانَ النَّهرُ يجلسُ

والنَّهارُ يُعاودُ الترحَالَ

والأصواتُ تسقُطُ

خلفَ غولِ الصَّمتِ

تسقُطُ في دمِي

فيشُدُّنِي خوفِي؛ فأصعدُ

أستظلُّ ببعضِ أحلامِي قليِلاً

ثمَّ أصعَدُ

 

مُكَاشَفَةٌ

يجلسُ النَّهرُ

في لغةِ الماءِ

يخرجُ

في زينة المُلك

يحملُ كلَّ الذي يرتضِيهِ

وتمضِي بهِ ذكرياتِي

غنَائِي الطفُولِي

يحمِلُ رائِحَتِيْ

حينَ أسلمْتُ نفسِي إليهِ

فكيفَ إذا هدَّهُ السيرُ

مالَ..

علىَ شاطِئَيْهِ

فضاعتْ بهِ

ذكريَاتِيْ..

 

انتِصَافٌ

النَّهارُ انتصَفْ

وبعضُ ثِمَاري التِي

أينعَتْ سقَطتْ

قبلَ أنْ تُقْتَطفْ

فرحتُ ألملمُ

أشلاءَ نفسِيْ

وأمضي بها

قبْلَ أنْ أُختَطَفْ

النهارُ انتصفْ

 

زَهْوٌ

الطواويِسُ

تزهُوُ بألوانِهَا

وتسرقُ منْ وهجِ الشَّمسِ

ثوبًا لها

وتلهُو

بأعينِنَا

حينَ نُلقِي لهَا

نظرةً

كيفَ تكسَّر الضوءُ

منْ فوقِ أثوابِهَا

فيبهجُنَا

وتزهُو الطواويسُ

حينَ تريَ وجهَنَا

 

تَلكؤٌ

أتلكَّأُ

كيْ لا أصْحُو

منْ نومِي

وأحاولُ أنْ أحيَا

في ذاكِرةِ النَّومِ

سنينًا

حتىَ لا يحمِلُنِي .. الصَّحوُ

إلىَ قبرِيْ.

 

إطْلاَلةٌ

يَجْلِسُ في ركنٍ منْ عينِي

يُحاولُ أنْ ينتزعَ مَلايينَ

الصُّورِ القادمةِ إليْهَا

ماذَا يبقىَ

حينَ تنامُ بذاكِرَتِي

وتطلُّ بوجهِكَ

 منْ بينَ الأشْيَاءِ

فتبدُو مثلَ خيالٍ

راحَ يُعجِّلُ بظهورِ ملامِحِهِ

قبلَ خفوتِ الضَّوءِ

تمهَّلْ حينَ تحُطُّ بعينِيْ

ودعنِيْ أحمِلُ

 مَا أبغيهِ .

 

انْقِسَامٌ

القِطَارُ الذِيْ يحتَوِيْ جَسَدِيْ

ويرحَلُ للبُعدِ

يهبِطُ بعضِيْ

ويرحَلُ عكسَ القِطَارَ الذِي

يحتَوِي جسَدِيْ

كنتُ أجلسُ في آخرِ الليلِ

أحمِلُ بعضِيْ

وأرسمُ في عتباتِ السَّمَاءِ

وجوهًا علىَ الموجِ

فيهربُ بعضِي إلىَ آخرِ الشَّطِ

ويُلقِيْ بِهِ

فأمضِي وحيدًا

ويمضِيْ القِطارُ الذِي

يحتَوي جَسَدِي

ويرحَلُ بعضِي

وأذكرُ انَّا جلسْنَا هُنَا

كانَ يُمسِكُ وجهِيْ

ويَسْكُنُ بينَ كراتِ دمِيْ

ويحلُمُ قبلِي

ويعلمُ أنِّي

إذَا جئتُه

خلَّته

ورحتُ ألاعِبُه

كطفلينِ

كانَ يُلاحِقنِي

حينَ أسبِقُه

ويسبقُنِي حينَ أخلُو إلىَ ظِلِّه

فيُدخِلنِي

ويبقَىَ قلِيلاً

معيْ

 ثمَّ يعدُوُ .

 

ارتِحَالٌ

أخرجُ كلَّ صبَاحٍ

منْ وجهِيْ

وأحَاولُ

أنْ أسكنَهُ في ذاكِرتِي

حتَّي إنْ عدتُ إليهِ مَسَاءً

يعرفُنِي أوْ أعرفُهُ

يحلُو لي أنْ أنظرَ فِي مِرآتِي

بعضٌ مِنْ وجهِي

ينظرُ خَلفِيْ

وأنَا أنظرُ فِي منْ حولِي

كانَ دمِي ميراثُكَ

تملكُ كلَّ مفاتِيِحِي

وتُحَاولُ أنْ ترتَحِلَ

إلىَ نفسِي

فأحَاوِلُ أنْ أرتدَّ

إلىَ ذاتِي

 

تناغم

تنَاغَمْتُ في لغَتِي

فصارتْ حروفِي معبآةً

باشتياقِيْ

تناغمْتُ

وانطلقتْ أحرفِي

كيفَ حينَ أغَازلَهَا

لحظةَ الوجدِ

فتبدوُ كطفلٍ حَبَـــا

ثمَّ أمسكَ بِي

وارتمَىَ في عيُونِي

 

اكتِشَافٌ

حينَ أصحُو علىَ مَهَلِ

وأخرجُ

منْ ثوبِ نومِي

وأغسِلُ وجهِيَ

وأمضِيْ علىَ عجلٍ

فأنْظُرُ في آخرِ الليلِ

نفسِيَ

وقدْ أنهكتْنِي .

 

الحَمَائِمُ

الحَمَائِمُ

تخرجُ منْ طرفِ عينِيْ

وترحلُ في الملكُوتِ

وتأخذُ كلَّ طيورِي

وحُلمِي

وكانتْ الآفاقُ مفتوحةً

والطيورُ

تحلِّقُ فوقَ السَّماواتِ

فأيُّ بلادٍ

ستعلو بِهَا

وأيُّ عِشاشٍ ستحمِلُهَا

وأيُّ هديِلٍ

سيطفُوُ عليَ زرقةِ الماءِ

وكلُّ الحمائِمِ

تخرجُ منْ طرفِ عينِيْ .

 

مُحَاولَةٌ

حاوِلْ

أنْ تحمِلَ حُلمِيْ

وتعودَ بِهِ

منْ خلفِ ستائِرِ نومِي

حتيَ حينَ يجِئُ الصَّبَاحُ

أحَاولُ أنْ يصحبَهُ يومِي .

 

رجفة

حين توضأتُ

وأسبغتُ الماءَ عليَّ

ووقفتُ أُصلِّي الفجْرَ

انتابتْ قلبِي رجفةُ خوفٍ

حينَ رأيتُ الخطَّينِ :

الأبيضَ والأحمَرَ .

 

مُغَافَلةٌ

«الَّناسُ نِيَامٌ

   فاذَا مَا مَاتُوا

    انتَبَهُوا »

وأنَا ياتُفَّاحةَ قلبِيْ

النُّورُ يُلازِمُنِي

فإذَا جئتُ إليهِ مسَاءً

داعبَ جفنِيْ

غافلنِيْ

وتمدَّدَ فِي عينِي

أسكتَهَا

وتسَاقَطَ يومِي

في أحضَانِ الليلِ

علىَ طاولةِ النَّومِ

وغابَ قليلاً

فاسْتسْلمْتُ لنومِي .

 

خوفٌ

أرتدِي حُلَّةً

وأُطالِعُ وجهِيَ

علىَ صَفحةِ المَاءِ

تعلوُ به حُمْرَةٌ

خِفتُ أنْ تَتَساقَطَ

منْ رسْمِهِ

فأغلقتُ عينِي

علىَ صُورتي .

 

آهٍ .. ياحَمْدِي

إلىَ "مُحَمَّد مَحمُود إسْمَاعِيل"

الذِي رحَلَ مُبكِّرًا

حينَ أشحتَ بوجْهِكَ

ونظرتَ بطرفٍ منْ عينِكَ

إلىَ محلولِ المِلحِ

كراتٍ منْ دمِكَ

تزاحِمُهَا قطراتُ دماءٍ

جاءتْكَ منَ الخُرطومِ

المُمْتدِّ بخيطِ وريدِكَ

ماذَا كنتَ تودُّ القولَ

حينَ انفلتَتْ

عيناكَ

وراحتْ تحمِلُ آخرَ مَا قدْ يحملُه الراحِلُ

حينَ رسمتَ ملامِحَكَ

وأنتَ تلملِمُ

آخرَ أنفاسِكَ

فيْ بؤرةِ عينيْ

كانَ الجسدُ المُمْتَدُّ

وأنتَ تُحاولُ أن تبتسِمَ

تودعُ فينَا

رغبتنَا فيْ أنْ تبقيَ

لكنَّ الرحلةَ قدْ بدأتْ

حينَ استسلمْتَ

تركتَ الموتَ

يُداعِبُ أجفانَكَ

ثمَّ أشحتَ بوجهِكَ عنَّا

وذهبتَ إليَ نومٍ هادئٍ .

 

قصائد ومكاشفات

أودعتُ نفسِيَ

فوقَ أوراقِي

وبتُّ ألملمُ

الوهجَ الذِي

يطفوُ بوجهِي

***

الطريقُ إلىَ لغُتي

موحشٌ

كيفَ أحملُ بعضَ حروفِي

وأطرحُهَا

فوقَ أسوارِ قلبِي

***

إنَّهَا ساعةُ الحزنِ

ماعدتُ أدريْ

أيُّ وقتٍ باتَ يسكُننِي

وأيُّ مدينةٍ

سأبوحُ فيهَا باحتراقِيْ

***

يا شروقَ الوجدِ سافِر فِي عُروقِي

واحترقْ فيْ بُؤرتِي

***

يدخلُ الحزنُ قلبِيَ

ويجلسُ مُبتهجًا بارتيادِيْ

***

انطفِئ أيُّهَا الوهَجُ

الذي يمضِي بأوردتِي

وغادرْ منْ دمِي وارحلْ

علىَ مَهَلٍ

وودعْ بعضَ أشْواقِي

***

لاتساعِ الميَادينِ

أخرجُ

أحملُ بعضيْ إلىَ حانةٍ

باتساعِ عيُونِي

ونجلسُ

فيْ أوَّلِ الصَّفِ

نشربُ شايًا

وأغنيةً في الصَّباحِ تُغازلنُيْ

فنمرقُ خلفَ هوانَا

***

كنتُ أنظرُ في عينِ بعضِيْ

وأرحَلُ في لغةِ الصمتِ

***

كيفَ لِيْ

حينَ مرَّتْ علىَ مهلٍ

وألقتْ أنوثتَهَا

فوقَ خطوِ الطريقِ

تساقطَ منْ وجْهِهِ

بعضُ ماءٍ

وحلَّتْ بهِ

رجفةُ العاشقيِنَ

وكنتُ أنا

غارقًا

في جمودِي

***

أنظرُ فيَّ

وأفتِّشُ فيهَا

كانَ يُكاشِفنِي

حينَ حملتُ لهُ

ماذَا يبقَي مِنِّي

حينَ يدبُّ الشيبُ

أو حينَ يُشاكسُه

***

يرسوُ فوقَ ملامحِه

كنتُ أحاولُ

أنْ أخرجَ منكَ

لأعبرَ ناصيةَ القلبِ

ليصحوَ منْ غفوتِهِ

فإذَا جاءَ الصُّبحُ تلاشَتْ

كلُّ طيورِ الحُلمِ

وعدتُ أصارعُ خوفِي

***

العصافيرُ مزروعةٌ فِي دمِي

تبتنِي عُشَّهَا بؤرةً في عروقِي

وتنقرُ حباتِها من كــُـراتِي

فإذا الريحُ هاجَمَتهَا

وحطَّمتْ أوكارَهَا

ما الذي

سوفَ يصدحُ

في لغتي

بالغناءِ الجميلِ ؟

***

أفسحْ ليْ صدرَكَ

دعنِي

أمضِي فِي جنباتِكَ

بعضاً مِنْ وقتِي

حينَ أُخالطُ نفسِي

أو يخلُو لِي وجهِي

***

أعرفُ ماذا

تُبْقِيْ الأيامُ وتمحُو

***

خمسُ شجيراتٍ

نبتتْ فِي رئتي

دب الجذرُ بكلِّ شعابِ الصَّدرِ

ولمْ تُزهرْ

كلُّ شُجيرَاتِي

***

السحابُ المُحمَّلُ بالماءِ

يمضِي بطيئًا

وُيلقِي بأحمالِه

بأول منخفضٍ يعتَريِهِ

فمنْ أيِّ أرضٍ

تصاعدَ هذَا السَّحابُ ؟

وفيْ أيِّ أرضٍ

سيلقي بأثقالِهِ

وأينَ السَّحابُ الذِي

سوفَ يُمطرُ بأرضِي ؟

***

عشرُ أصابعَ

تجلسُ في كفِّي

كيفَ لهَا

أنْ تصنعَ كلَّ الأشياءِ

ولاتقِدرُ

أن تمنعَ خوفِي

***

أتانِي علىَ صهوةِ الماءِ

يلهُو بأجنحةِ الموجِ

يرسُو علىَ شاطئِيْ

وذابَ بوجْهِي

وكَاشَفَنِي

وحلَّ بكلِّ أوردَتِي

فدبَّ الشوقُ في لغتِي

***

باضَ الحَمَامُ

بجوفِ عينيْ

وتَطايَرَتْ

أفْراخُهُ

تلهُوُ

بدمعِي

***

يسقُطُ الماءُ مِنْ لغتِي

يسقطُ العُمْرُ

قطرةً .. قطرةً

كنتُ فِي ساعةٍ

منْ غِنَائِي الطفُولِيِّ

أرسمُ ليْ صورةً

وأخضبُ خصلاتِ شعرِيْ

بلونِ البياضِ المُحبَّبِ

كيفَ إذَا زاحَمَ الوقتُ وجهِي

أحَاولُ ..

أنْ أتلمَّسَ بعضَ السَّوادِ

لأرسُمَه فوقَ خصلاتِ شعرِي

***

يانَهرُ : عَجِّلْ

بارتِحَالِكَ مِن دمِي

ارحَلْ عليَ مهلٍ

حاولْ أنْ تُزاحِمنِي قليِلاً

ثمَّ تمضِي فجأةً

لتنامَ خلفَ ستَائِرِي

وتجئُ مُتَّشِحاً

لتسكنَ في عيوني .

تَسَاؤلٌ

ما الذِيْ

أستعيذُ بهِ

حينَ أدخلُ فيكَ

وأخرجُ منكَ ؟

ماالذي

استعِيذُ بهِ

حينَ تملؤنِيْ

وتسْكنُ فِي رجفتِي

أغنيَاتِي ..

وتكبرُ فيَّ لغتِي ؟

ما الذيْ

أستعيذُ بهِ

حينَ تمكثُ فِي رئتِي

ثمَّ تخرجُ مبُتهجًا

بامتلاكِي .

 

أوَّلُ الغيثِ

أولُ الغيثِ قطرٌ

وأوَّلُ ما يستَهِلُّ

بقلبِي ذكرىَ

وأولُّ النَّحرِ

رجفةُ قلبٍ

وصوتٌ حفيفٌ

ورحلةُ صمتٍ طويلٍ

ليسكنَ في إثْرِهَا كلَّ شئٍ

وأوَّلُ الغيثِ قطرٌ

 

سَطوٌ

مارسْ سَطوَكَ

فيْ ذاكِرتِيْ

وتلمَّسْ ريحَ القلبِ

وعجِّلْ

برحيِلي منْ عينيكَ

وحاوِلْ أنْ تنزعنِي مِنْكَ

وتُجلِسُنِي

خلفَ غلافِ القلبِ

انفلِتِي ياروحِي

انْقَسِمِيْ

كونِي برداً وسَلامًا  .

حينَ تهبِّينَ

وحينَ تحطِّينَ

 علي  أوداجِ العُشَّاقِ

وارسمْنِيْ رائحةَ الزهرةِ

حينَ تُدغْدغُهَا حباتُ المَطرِ

فمارسْ سَطوَكَ

كاشِفْنِيْ .. وتَكاشَفْ

واتْركنِيْ أسعَي فِي جنبَاتِكَ

كيفَ يُغافِلنِي الحزنُ ويَسْكنُنِي

فأحاولُ أنْ أنْفلِتَ

فيمرحُ فِي رئتِي  .

 

نَجَاةٌ

استفتِ فؤادَكَ

واتركْ بوصلَتَه

تسعيَ في المَلكوتِ

لعلَّكَ ترسُو فوقَ الشَّطِ الآخَرِ

كانتْ أفئدةُ النَّاسِ

تُزغرِدُ

حينَ استلقَتْ

فيْ وديانِ الرَّاحَةِ

فاجعلْ قلبَكَ مِفتاحَ الأشيَاءِ

وحاولْ

أنْ تنجُوَ منْ عينيكَ

ودَعنِيْ

أخرجُ منْ لغةِ الإبصارِ

إليَ لغةٍ

لاتعرفُهَا غيرُ عيونِ القلبِ

دعنِي أخرجُ منْ عينيْ

ومنْ لغتِي

 

كلُّ الأشيَاءِ تُغادِرنِي

مُهداةٌ إلىَ الشَّاعِرِ د. حَسَن فتحِ البَابِ

اخلعْ نعليكَ

فأنتَ الآنَ بقلبِي

واكشِفْ عنْ سرِّ بقائِكَ فِيَّ

كيفَ أخذتَ لعينيكَ عيُونِي

وتركتَ الوجهَ بلا نافذَةٍ

كيفَ أخذتَ ملامِحَ وجهِيْ

وحبستَ علىَ نفسِكَ رائحِتِيْ

كنتُ أجيئُ إليكَ لأعرِفَ

ماذَا يبقيَ فيَّ

وكلُ الأشياءِ تغَادِرنِي .

 

أيقونة

وتغيَّرتْ لغةُ اشتِهائِي

كلُّ شئٍ صار ضِدَّا

الشَّهدُ مُـــرٌ

والبراءةُ لمْ تعدْ

تحبُو علىَ وجهِ الطفولةِ

لمْ يعدْ يحلُو لحُلمِيَ

أنْ يُداعِبنِيْ

وأنْ يأتِي ويمرُقُ

ثمَّ يأتِيَ خلسةً

لينامَ فِي أيقونتِي .

 

وُحْشَةٌ

المَسافةُ فِي أوَّلِ الليلِ

مُوحشةٌ

وفيْ آخرِ الليلِ مُوجعةٌ

وفيْ نُقطَةِ البدءِ

تسقُطُ مابينَ شيئينِ

كنتُ أحمِلنِيْ

خلف جهةٍ

تنامُ السُّنون

فارحلْ

تسقُطْ بعضُ خطوطِيْ

 

حُلمٌ

انتبهْ!!

حينَ يفجؤُكَ الحُلمُ

هلْ ناوشتكَ جنودٌ لهُ

حينَ حطَّتْ

علىَ شاشةِ القلبِ

أوْ حملتْكَ الخيولُ البوارقُ

ثمَّ طوتكَ

فكيفَ لهَا؟!

حينَ تأتِي

إلي عتباتِ العيونِ

فترقُصُ

ثمَّ تُهلِّلُ

 ثمَّ تطيرُ بأجفانِكَ المُتعبَاتِ

وكيفَ لهَا؟

حينَ تسرقُ سنبلةَ النومِ

ثمَّ تُعيدُ لوجهكَ ألوانَهُ

وتُلقِي بأثوابِهَا في الفَضَاءِ  .

 

خُرُوجٌ

أستميحُكَ عُذرًا

لأنِّي سأخرجُ منكَ قليِلاً

وأمضِي

أبدِّلُ بعضِيْ

أسَارعُ فيْ خطوتِيْ باتِّجاهِي

أستميحُكَ عُذرًا

لأنَّكَ

تسكنُ فِي لغتِي

وتجلسُ فىْ رئتِيْ

وتكبرُ فِي أغنيَاتِي

وأنَّكَ أنتَ

وأنِّي أنَا

وأنِّي مللتُ التَّوحدَ

فاتركْ دمِي وتنامَىَ بعيداً

لعلِّي إذَا جئتُ يوماً

وكنت أنا واحدًا

فلنقسمْ الشوقَ للنهاية

 

لغةِ الوجدِ

نرحل في لغةِ الوجدِ

أبقي أنا واحداً

وأنتَ

لأنِّي أريدُكَ

وأتركُ حينَ أريدُ

فدعْنِي أبدِّلُ بعضِي

وأحملُ نفسِي التي أجهدتني

طويلاً

وأخرجُ منكَ..

 

حقيقة

وأعرفُ أنِّي

إذا مِتُّ

ماتَ فؤادِيْ

فكيفَ سأحمِلُ

كلَّ الذِي عشتُهُ

ووجْهَ بلادِي ..

 

سؤال!!

بين قلبِي وذاكِرتِي

بعضُ خيطٍ

وريحٌ منَ الحزنِ تهفُو

علىَ سُلَّمِ العينِ

يُسَاقِطُ فوقَ جدران قلبي هوي

كيف لايسكُنُ الحزنُ

حينَ أداعِبُهُ

أحاولُ أنْ أتَّقيْ وهَجَهُ

وأراوِغُ أسهُمَه

علَّني حينَ أُدْخِلَه

لحظةً في الفؤادِ

يروحُ معَ الصَّخبِ

أوْ يستظِلُّ ببعضِ دمٍ

ثمَّ يرحَلُ فيْ داخلِ الصَّدرِ

يرحلُ  .

 

وَطَنٌ

وطنُ لا نذكره

إلا حين تضيع ملامحنا

لكنه ألسننا

أوحين يمر البعض ويسألنا؟

من اين ؟

ومن اي بلاد نبتم

وحملتم أسماء نعرفكم

حين تداولها الألسن

وطن لا نذكره

 

وحدةٌ

دائِمًا كنتُ وحدِي

أصطفِيْ منْ دمِي

بؤرةً للبكاءِ

وأُفضِي لهَا بعضَ شوقِي

فأخرجُ متَّشِحًا

باحتراقِيْ .

 

نَفْسٌ

القلبُ مُتسعٌ إليكمُ فادخُلونِيْ

واحمِلُوا بعضاً من الشَّمعَاتِ

هلْ ليْ أنْ أنيرَ مداخِلِي ؟

الشّــــــــــَرُّ ينزعُنِيْ

أحيلُ لهُ قلبَ الطفولَةِ

دبدباتِ العِشقِ

ينزعُنِيْ

أُفتِّشُ فيْ متاهَاتِ

انبثاقِ الضَّوءِ

يهبِطُ في شروقِ الوجْدِ

الشرُّ ينزعُنِي

أرتِّلُ بعضَ آياتِ التَّوحدِ

أحتوِيْ بعضِي لأُخرجَ هامًا

فيْ صفوةِ الأشياءِ

ينزعُنِي؛

أدخِلونِي ساعةَ الوصلِ

وغنُّوا فِي ربُوعِى

علىَ ضوءِ القلبِ يُشرِقُ

أُو يوضَّئنِي البُكاءُ

فخفِتُ منْ ريحِي

امتلائِي، صولةِ الجَسَدِ

 

وَقفَةٌ

الطًّيورُ التِي تَتَمَايلُ فيْ عتباتِ السَّمَاءِ

وترقُصُ حينَ يعنًّ لهَا شوقُهَا

وترحَلُ فِي الأفقِ

تطوِيْ المَسَافَاتِ

كيفَ لها!؟

حينَ ينزعُهَا عِشقُهَا

للعِشَاشِ الِتي أنْبتَتْهَا

فتعدُو سريعاً

حينَ يرحلُ لليلِ

طيفُ المَسَاءِ.

 

تَوَحُّدٌ

تَوحَّدتُ فيكَ

توحَّدْ معِي

واحتوينِي

تنفَّسْ هوائِي

وخالطْ دمِي

أيًّهَا العاشِقُ المُستحِمُّ بضوئِي

نثرتُك في عتباتِ فؤادِيْ

ورحتُ أجمَعُ بعضِي

وأدخُلُ فيهِ

سلامٌ عليكَ

وفِي الصَّدرِ كانَ المُحبُّونَ

يفترشُونَ أزقةَ قلبِي

كفاكَ التَّنقلُ فِي لغتِي

واسْترحْ

كيفَ تسكُنُ فِي أوَّلِ الصوتِ

وترحَلُ في آخرِ الأُغنياتِ ؟

 

امتلاك

يجلسُ الليلُ مبتهِجاً

بامتدادِ ستائِرِهِ

ويُحاوِلُ خيطُ النَّهارِ المُراوغُ

أنْ يرتَدِيَ وجْهَهُ

قبلةٌ حطَّهَا الصبحُ فِي لغتِي

قلتُهَا

والطُّيورُ تُناوشُ أفراخَهَا

فرحتُ أُلملِنِي

قبلِ أنْ يرحلَ الليلُ

يجلسُ

مُبتهِجًا بامتداِد ستَائِرِهِ

أنشودةُ الحُلمِ

أخرجُ في إِثرِهِ

علَّنِي حينَ ألقُفًه

وأقطِفُ بعضَ شواردِهِ

يصطفِيْ منْ دمِي حُلَّةً

ويحُطُّ بِها

أيُّهَا الراحلونَ

خُذونِي إلي ركْبِكُمْ

واتركُونِيْ ألمْلِمُنِي .

 

أنَا ..وَالرَّحِيلُ

أنَا مُغرَمٌ بالرَّحيلِ

مغرمٌ باتِّسَاعَاتِ المَسَافَاتِ

بينْ عيونِ فؤادِيْ

ووجْهُ بلادِيْ الجَميِلُ

كنتُ أحمِلُ

فيْ سَاحةِ القَلبِ

بعضَ غناءٍ أبِي

حينَ يجلسُ مُتِّكئاً

علىَ سُلِّمِ البيتِ

ياعائدينَ إلى ديارِكم: اذكُرُوا

كانَ النَّهرُ

يرحَلُ عنْ خرائِطَنَا

وحلمُ الليلِ

يهربُ منْ حوائِطِنَا

ولا أدريْ

بأيِّ مدينةٍ ستحطُّنَا الأيَّامُ

آهٍ..ذلكَ العِشقُ المُخامِرُ

كلَّمَا اتَّسعَتْ مَسَافَاتُ البُعادِ

وكلَّمَا اتَّسَقَتْ عذابَاتُ الفؤادِ

الوجدُ

غلَّفَ مُقلتِيْ

وتطايَرتْ ريحُ اشْتياقِيْ

واختفَتْ أشلاءُ قلبِيْ.