عن نص شهادة في محبة أجمل الكينونات، تصيغه الشاعرة التونسية المرموقة عن الأم وأثرها في تلك التفاصيل الحميمية والتي تجعلها وجودا حيا بكتلة مشاعر فياضة لا تنتهي، هذه المرأة الاستثنائية والتي ظلت حاضرة في منجز الكثير من المبدعين في أعمالهم وسيرهم وكتاباتهم، وتظل القصيدة الفضاء الأرحب كي تحضر الأم في أجمل الصياغات كما يليق بفيض محبتها الوارفة.

أمي

جميلة الماجري

 

الى أمّي في ذكرى رحيلها الخامسة

 

يقول الامام مالك بن أنس :" بقيتُ طفلا حتى ماتت أمّي..

وبعد موتها كبرتُ فجأةً "

 

يباغتنا الفراقُ بدون وعدٍ

فيغشانا من الوجع الذهولُ

وقِدمًا قد ظننتُ البعدَ يُنسِي

وإذ بالشوقِ يُذكيه الرّحيلُ

وما كنتُ اصطفيتُ الحزنَ صدقًا

لاُدركَ أنّه معنًى جليل

وكنتُ اذا حزنتُ أقول " أمّي "

لديها عن ضنى الرّوح البديلُ

واذ باليُتمِ يغدو لي سَمِيًّا

واسمي منه منكسِرٌ ذليلُ

وإن رُمتُ البكاءَ فما سأبكي ؟

وشرحي للمواجع قد يطولُ

فصوْتُكِ وهو يدعوني .. بأذني

صداه ليس يخبو أو يزولُ

وكَفُّكِ في ليالي البردِ تحنو

ترُدُّ غطاءنا لمّا يميلُ

وقهوتُنا وقد راقَ الصّباحُ

ومجلِسُنا اذا حلَّ الأصيلُ

وفُلَّتُنا برُكنِ البيتِ فاحَت

يُداعبُ عطرها صيفٌ جميلُ

فبَعدَكِ لا الربيعُ أتى اليْنا

ولا اختلَفَتْ بأعيُننا الفصولُ

ولا فَرَحٌ له في القلبِ نَبضٌ

ولا في العمر مُنتَجَعٌ ظليلُ

وكنتِ الضوءَ ان عتَمَت دروبي

فحلّ الليلُ وانطفأ الفتيلُ

وكنتُ اذا أتيْتُكِ من بعيدٍ

فمِنْ شوقي يطير بِيَ السبيلُ

وانّي اليومَ تخذلني خُطايَ

فلا شوقٌ يقودُ ولا دليلُ

وهذا العمرُ بعدكِ صار قفرًا

ورغدُ العيش بعدكِ مستحيلُ

وكنتُ أقولُ لو فارقتُ أمّي

ستجري من مَراثِيَّ السّيولُ

وها أنّي يؤرِّقُني قصيدي

ويبقى دون حزني ما أقولُ..

 

شاعرة من تونس