حظيت الثقافة العربية بنصيبها الأوفر من الدراسة والبحث العلمي، واستطاعت أن تنتج نصوصا، تشجع الباحث على الدراسة، والتتبع والتأمل والتحليل والتخيل، ولتكشف هذه النصوص عن المخيلة العربية الواسعة التي جعلت من منطلقها الأخبار البسيطة، ولتنبني - في مرحلة لاحقة- على إنتاج قصص طويلة، وحكايات متباينة، وسير بطولية؛ الأمر الذي جعل الساحة الأدبية العربية، تشهد حركة دينامية وخصوبة فكرية وثقافية حيوية على مستوى مجال الإبداع السردي، إلى حد أضحى الحديث- الآن- عن اتجاهات مختلفة في الكتابات السردية؛ كل اتجاه، يستند إلى أدوات خاصة به، تدعم مسيرته الفكرية نحو الغايات التي يرومها، ويتوق إليها، وقد ساعد على ذلك الحركة الدينامية التي يشهدها الواقع العربي من نظريات، ومناهج، ووقائع قارة([1]).
عرفت الدراسات السردية العربية تطورا لافتا للنظر مع اهتمام روادها الباحثين في النص السردي، والبنية السردية ضمن ارتباطها بالمتن الحكائي العربي ارتباطا وثيقا، يتمركز على السمات النصية الداخلية، بعيدا عن الاهتمام بالظروف التاريخية، حيث كانت جهود رواد هذه الدراسات في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تمهيدا لتأصيلها وتثبيتها، وإسهاما في تراكماتها المعرفية من أجل تطوير أدواتها وآلياتها وأساليبها المنهجية؛ فحين يتردد مصطلح السرديات العربية، فإن ذلك لا يحيل على مقصد عرقي معين، بل الهدف منه هو الوقوف على المرويات السردية التليدة إلى جانب النصوص السردية الحديثة التي شكلت أغراضا غزيرة غنية ومتباينة، تدخل ضمن الثقافة التي أنتجتها اللغة العربية، والتي كان التفكير فيها والتعبير عنها، يترتبان بتوجيه من الخصائص الأسلوبية والتركيبية والدلالية لتلك اللغة، حيث كانت الشفاهية التي استندت إلى قوة دينية، قد جعلت اللغة العربية الوسيلة الضمنية والركيزة الأساسية للتعبير عن ثقافة، تتصل بها مباشرة. إنها لغة الخطاب الديني الذي ينطوي على تلك القوة؛ مما مكن اللغة العربية- إلى جانب القوة الدينية- من ممارسة حضورها الثقافي والفكري والحضاري في بلدان شتى، تستوطنها أعراق متعددة قديما وحديثا، وجعل مظاهر التعبير عنها، تخضع لخصائص اللغة العربية، وسماتها المميزة والمتميزة.
يعتبر السرد قديما قدم الإنسان، وقد عُدَّ وسيلة للتعبير عن أغراضه وخاصياته، وأمام تطور أنظمة الحياة الإنسانية، وتشكلاتها المتنوعة في كل مجالاتها، أخذ مجال السرد يتحول، ومع تعدد الأجناس البشرية وتعدد الثقافات وتلاقحها، تعددت أنواعه وأنماطه وأشكاله كما تعددت اتجاهاته ومشاربه، وصارت تتحكم في سيرورته التطورية متحكمات خاصة حسب هذه الاتجاهات المختلفة. ولما كان الأدب مظهرا من مظاهر تجلي الفكر، فقد كان السرد فنا من فنونه، وأضحى بناء ذا مراق ودرجات؛ فبوسائطه وأنواعه المتعددة والمتباينة، عُدَّ إحدى طرائق نقل الأفكار، وأدوات الوعي والنضج الفكريين. ففي رأي بول ريكور([2])، يعد السرد مصدرا من مصادر معرفة الأدوات والاشتغال عليها.
فالسرد فعل إنساني، وأداة من أدوات التعبير الإنساني؛ إنه كاللغة وكالحياة، والخطاطات السردية إنسانية، والنموذج السردي لا يمكن أن يكون- بدوره- إلا علميا، أي، إنسانيا صرفا. يمثل السرد النواة الرئيسة في كل عمل قصصي، بما يتوفر عليه من إمكانيات التمظهر في أنواع مختلفة، وكل بحث في الأعمال القصصية، يستوجب الانطلاق من السرد بصفته مكونا أو عنصرا، يمكن من الوقوف عند تفرد كل عمل عن آخر، وتجميع المقومات المشتركة لكل نوع قصصي. إن السرد مجال حيوي كثيف، استفاد منه التراث الإنساني، بل الثقافة العربية جميعها، وصار جزءا لا يتجزأ من ثقافة الإنسان، ومنه استخلص رموزه وأقنعته التي انتقد بها. ولهذا، فالثقافة العربية- من خلال نصوصها السردية- لا يمكن أن تدرس إلا من خلال علاقة السرد بالمتخيل.
من هذا المنطلق، تنهض مقاربة سعيد يقطين التركيبية بكل تجلياتها بصفته ناقدا أدبيا، مَثَّلَ المدرسة النقدية الأدبية المغربية بكل تجلياتها، وفي أبهى صورها وتطلعاتها مقارنة مع قرينتها العربية، جسدها مؤلفه النقدي آفاق نقد عربي معاصر([3]) بالاشتراك مع فيصل دراج، مضمنا - إياه- مظهرا من مظاهر الفكر النقدي المبني على قراءة المسار النقدي من منطلقين اثنين، وهما:
- منطلق تاريخي/ معرفي.
- منطلق اجتماعي/ثقافي.
حيث شكل هذان المنطلقان حلقة وصل بين الفرع النقدي بأصوله التي ساهمت في بناء الذهنية العربية وتطويرها تارة، وبين وشائج سيرورة الخطاب ضمن سياق تحولات المجتمع والمعرفة والفكر والثقافة تارة أخرى، ليرصد عوامل الخلل ومواطنه، وأسباب الأزمة في مشروع "النقد العربي"؛ لأنه يمثل نسقا معرفيا ومؤسسة ذهنية وتشييدا، يسند- بدعاماته- بناء مشروع الحداثة الأدبية العربية المفترضة في حظيرة النقد العربي، حين عمل فيصل دراج على ربط النقد العربي بالإشكال النظري الاجتماعي الذي تكون ضمنه؛ هو- إِذاً- إشكال تحديث مجتمع، وحداثة ثقافة. إنها مضامين تحليل واقع النقد العربي وآفاق تطوره وتناميه([4]). فما الذي أطر تجربة سعيد يقطين النقدية؟ وما الوازع الذي دفع به إلى التفكير في نموذج للنقد؟ ليتبنى نموذجا، أسماه بــــ"نقد النقد"، أيمكن القول إن "سعيد يقطين"، قد ارتأى نموذجا مناسبا، يمكن وصفه بــــ"تنظير النقد"؟
توخى سعيد يقطين- ضمن تجربته النقدية- أن يجعل النقد مفهوما، يتأرجح بين وضعين: وضع الثقافة ووضع العلم؛ لكي يمارس النقد وظيفته وإنتاجيته معرفيا- بصفته فعلا- يحاور العلم عبر النص الأدبي، مانحا العلم انتشارا واسعا ضمن حقل الثقافة؛ وليجعل هذه الثقافة قريبة - عبر النص الأدبي- إلى مجال العلم؛ وبذلك، يحقق الأدب استمراريته من خلال أهميته، ويتمكن من استثمار باقي الحقول المرجعية.
فأية مقاصد وخليفات، تحكمت في اشتغال سعيد يقطين على مفهوم النقد، لينتقل من ناقد إلى مفكر، يهتم بالفكر الأدبي العربي بوجه عام، والسرديات العربية بوجه خاص؟ محاولا- من خلال هذه المقاصد والخلفيات- رسم ملامح الصنافة السردية التي اشتغل عليها في مختلف دراساته وأبحاثه الأدبية والسردية والنقدية والرقمية؟ ما هي منزلة السرديات العربية في مشروع سعيد يقطين النقدي؟ كيف تمثل سعيد يقطين الأدبيات والمفاهيم؟ ما هي مرجعياتها النظرية في علاقتها بالسرديات الكونية؟
نعتقد أن المدونة السردية لدى سعيد يقطين، انبثقت من منطلق فكري عميق، بنى- من خلاله- تصوره السرد العربي الذي سعى إلى بلورته، وهو يبحث في تعالق السرود العربية قديمها وحديثها؛ تصور، سعى- بمقتضاه- إلى بناء مشروعه النقدي الذي شكل لبنة رئيسة في النقد العربي؛ إذ عمل على إرساء دعائم فكر أدبي عربي، ورؤية جديدة للممارسة النقدية وفهم للأدب وقراءته، محاولا ترسيخ نقد متميز، تطبعه سمات جوهرية مستوحاة من شخصية ناقد متخصص، ومنظر للسرد العربي قديمه وحديثه؛ الأمر الذي دفع به إلى الاشتغال على واجهتين: واجهة السرد والسرديات وواجهة الفكر الأدبي، مثبتا خطاه في اتجاه الناقد المثقف، شغوفا بقراءة التراث/ النص، مدافعا عن أطروحة هامة، تجعل السرد ديوانا ثانيا للعرب بعد الشعر (الشعر ديوان العرب كما قالت العرب)، داعيا إلى الالتفاتة والعودة إلى هذا التراث، تراث معقلن قابل للتطوير والإغناء والاستثمار، يتجدد بفعل قراءات طلائعية استكشافية، تكسبه التطور عبر الزمن والتاريخ، والوعي به، متسائلا عن أية غاية؟ وبأي منهج لقراءته؟ شعاره في ذلك: اقرأني ... فإني هذا الكتاب المفتوح على السردي والمنفتح على قلق بالسؤال عن الوعي والفكر الأدبي العربيين في مختلف العلوم الإنسانية والنظريات الأدبية، منشغلا بالكلام بحثا عن خبر، مؤمنا بالتخصص، مهتما بقضايا الرواية العربية، حدودها، ووجودها، وقضايا اللغة والثقافة والمعرفة إشكالاتها ورهاناتها، بين الإبداعية والعالمية بصفتها تجليا من تجليات السرد العربي الحديث، متحدثا عنها كقارئ شغوف بالفن السردي، وهو يستمتع بما تقدمه النصوص الروائية- جميعها- من متعة فنية وجمالية، مشدودا إلى دراسة المتن السردي قصة وخطابا، ونصا بصفته بنية منفتحة على محيطها الثقافي والتاريخي والاجتماعي، وعلى سياقات معرفية جديدة ومتطورة، تتعلق بالعالم الرقمي والوسائط الحديثة، باحثا في النص المترابط عن أسئلة جديدة وآفاق مختلفة، وعن مستقبل الثقافة العربية، والكتابة العربية الرقمية من أجل تعميق رؤى الأدب الرقمي والثقافة الرقمية والذكاء الرقمي والعولمة الثقافية، ورهانات العالم العربي، مدافعا عن فكرة تأسيس الفكر الأدبي العربي بالانتقال من البنيات إلى الأنساق.
اندرج كل هذا الزخم المعرفي ضمن سياق الانفتاح والتفاعل مع المناهج الحديثة المتطورة التي تعمل على خلق تفاعل دينامي، وترابط نصي بين العمل السردي ومؤلفه وقارئه ومحيطه.
عمل سعيد يقطين- من خلال كتاباته المتنوعة والمتعددة- على توسيع مجال السرديات العربية وامتداداتها الثقافية، وشموليتها (من سرديات الخطاب، إلى سرديات القصة، إلى سرديات النص)، ومواضيعها واختصاصاتها، ليشملها بتوظيف التكنولوجيا والوسائط المعلوماتية؛ فكيف بدأ اشتغاله على السرديات؟ لماذا اشتغل على السرديات في زمن كان الشعر طليع الأجناس الأدبية وسيدها؟ كيف انتقل- في أثناء تحليله- من السرديات البنيوية، إلى السوسيو سرديات، إلى نظرية الأجناس، والجنس والنوع، والنمط في الكلام العربي؟ من سرديات الخطاب، إلى سرديات القصة، إلى سرديات النص؟ كيف انطلق من النص السردي بصفته خطابا، مرورا بكونه قصة، لينتهي نصا ثقافيا؟ كيف استعاض مفهوم التراث بمفهوم النص؟ كيف نظر إلى النص واللانص؟ إلى الثقافة و اللاثقافة؟ كيف أعاد التفكير في الممارسة النقدية باقتراحه "الحكائية" و"الفكر الأدبي العربي"؟ كيف انطلق من "السرديات الرقمية" إلى خلق "نظرية أدبية رقمية"؟ كيف نظر إلى السرديات وأفقها وملاءمتها للمفاهيم المتاخمة لها؟ لماذا دافع عن إمكانية الحديث- مستقبلا- عن سرديات عربية، وتقديم مساهمة عربية في إثراء هذه السرديات انطلاقا من إيمانه بالمقاربة النقدية؟ كيف عمل على توسيع السرديات، منطلقا من صوت السلطة، وصوت الآخر، وصوت المثقف؟ وأي خصوصية، ميزت مشروعه النقدي والسردي، ومدى مساهمته في إثراء المعرفة واللغة والثقافة العربية برمتها؟
هي أسئلة جوهرية، يتناولها كل باحث بالدراسة والتحليل، وكلنا أمل في أن نقدم- من خلال هذا المقال- رؤية واضحة لمدونة سردية عربية يقطينية، حظيت باهتمام لافت للنظر في مجال البحث العلمي، من أجل إغناء القراءة وإثرائها بصفتها منطلقا هاما، يهدف إلى توسيع مجال الثقافة العربية جميعها.
شكلت تجربة سعيد يقطين النقدية والسردية دراسة استكشافية وطلائعية واستشرافية وامتدادية للسرديات العربية؛ إنه مشروع سعيد يقطين الطموح، سعى به إلى الارتقاء إلى المستوى الأدبي والمؤسساتي من زاوية؛ إذ نظر إلى هذا المشروع في إطار مختبرات جامعية علمية، تحمل هَمَّ تطوير النقد والبحث العلميين، إلى إنتاج فكر متجدد ومتطور من زاوية أخرى، منطلقا من اختياره "البويطيقا" نظرية عامة للخطاب الأدبي و"السرديات" فرعا لها، معمقا تكوينه بها، حين استنتج- في البداية- أن دروس الشكلانيين الروس، تستوجب ضرورة دراسة الأدب دراسة علمية بهدف بناء تصور علمي محدد (تأسيس ممارسة علمية)، والعمل على تطويره لمعالجة الشعر والنص الإلكتروني وأنواع أخرى من النصوص، تتجاوز الكلمة إلى الصورة، وما يواكب ذلك من تطورات للسرديات، وهو ما بدا- جليا- في مختلف أعماله، ليكون نزيلا على السرديات انطلاقا من مؤهلات ذاتية وفكرية وثقافية عميقة.
1-آليات اشتغال الخطاب السردي
إذا كان مؤلف القراءة والتجربة: حول "التجريب" في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب عملا تدشينيا، يعكس تصور سعيد يقطين مفهوم القراءة والتجربة بصفتهما ممارستين هامتين من خلال تفاعل الذات (الناقد) مع الموضوع (مادة القراءة)، واقترانهما- معا- لإفراز إنتاج معرفي متكامل، فإن مؤلف تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير، يعد عملا تأسيسيا، حدد- خلاله- خطا الدراسة العلمية للأدب، ورسم الأفق، مشيرا إلى أنه "عندما ننجح في التقدم خطوات هائلة في هذا السبيل، يمكن توسيع مجال السرديات على الخطاب السردي أيا كان نوعه، ثم بعد ذلك الحكائي."([5])، ليتم الانتقال من سرديات خطاب الرواية، إلى سرديات الخطاب السردي، إلى سرديات الخطاب الحكائي، وإن أفاض في الجانب النظري، وأدرج أحيانا تصورات في إطار سياقات لن يشتغل بها كما يؤكد ذلك بنفسه، سياقات لا تزال تجهل ذلك الاختصاص للوصول إلى كنه النص الأدبي، فكان لزاما التمييز بين القصة والخطاب، بين الحكي والسرد، بين الخطاب والنص، أو بين صيغ الخطاب نفسه. من هنا تبرز القيمة العلمية لهذا المؤلف، وبأهمية الانفتاح على السرديات، والعودة إلى النص العربي قديمه وحديثه (النص أولا وأخيرا).
ينطلق سعيد يقطين في تحديد مفهوم خاص للخطاب الروائي تمييزا له عن المفاهيم المتاخمة على المستويين: التنظيري والتطبيقي، وتحديدا الرواية العربية؛ ولعل ما يميز عمله لا يتمثل في التمييز النظري فحسب، وهو ما يلتبس على عدد من الباحثين في الجنس الأدبي ذاته([6])، بل في نهجه طريقة خاصة، والسير قدما باتجاه نظرية واضحة المعالم لمفهوم الخطاب الروائي، وتحليله انطلاقا من مؤلفه تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير. إن موضوع التحليل، الذي يتناوله سعيد يقطين كما يشير إلى ذلك عنوان المؤلف، هو الخطاب وليس الرواية، ويقصد بالخطاب الطريقة التي تقدم بها المادة الحكائية إلى المتلقي، حيث تختلف طرائق التعبير عن المعاني من مبدع إلى آخر؛ فلكل روائي قوته الإبداعية والإنجازية، ولعل مبرره- في هذا التعليل- هو كونه يعتبر الخطاب موضوع التحليل، ويدعو إلى البحث عن كيفية اشتغال أدواته وعناصره ومكوناته، كأن سعيد يقطين- وهو يذكر بالتطور الذي حققته نظريات السرد منذ زمن الشكلانيين الروس وتصوراتهم، واعيا بمختلف المقاربات والاتجاهات، وبجذورها المعرفية وخلفياتها؛ لذا، ألفيناه يتساءل عن "ما هو الموقف الذي يجب اتخاذه منها ونحن نحاول الاستفادة منها أو استلهامها؟"([7]).
نسجل- إِذاً- أن القراءة المتأنية لمقدمة مؤلف تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير، تسمح بمعرفة الخيار المنهجي الذي تبناه سعيد يقطين؛ إذ نلحظ أنه، يحدد- منذ البداية- توجهه ومنهجيته في التحليل، منطلقا من السرديات البنيوية، كما يقدمها الاتجاه الشعري الذي يسعى العديد من الباحثين إلى تطويره وبلورته بشكل مستمر، ليبني تصوره بشكل أساس انطلاقا من تصورات الشكلانيين الروس التي نهل منها كل من ناقش العمل الحكائي، مبتدئا بالتقسيم الثنائي لــــ: القصة/ الخطاب، وتمييز بوريس توماشفسكي([8]) بين المبنى الحكائي والمتن الحكائي "إننا نسمي متنا حكائيا مجموع الأحداث المتصلة فيما بينها، والتي يقع إخبارنا بها خلال العمل ... وفي مقابل المتن الحكائي يوجد المبنى الحكائي الذي يتألف من الأحداث نفسها، بيد أنه يراعي ما يتبعها من معلومات تعينها لنا."([9])
إن هذا التمييز، يناظر- في الأساس- تمييز فريديناند دو سوسير بين مفهومي اللسان والكلام، وأثره البين على الدرس اللساني والأدبي عموما، وانطلاقا من هذا التقسيم، يبني سعيد يقطين تصوره هذا مبررا اختلافه بما يتناسب والعمل الروائي العربي "بهذا العمل وجدتني أوسع تحليل المكونات والخصائص نفسها مع الحفاظ على الانسجام النظري اللازم، لذلك وجدت العمل الذي أنهج يتقاطع مع سرديات الخطاب، كما نجدها عند السرديين (جنيت/ تودوروف)، ومع سوسيولوجيا النص الأدبي عند زيما، دون أن أتبنى أطروحته أو أطبقها من الخارج. إنني أستفيد مما يقدمه دون أن أقحم ذلك التصور الذي أنطلق منه ولذلك يمكن اعتبار العمل الذي أقوم به توسيعا للسرديات أفقيا بأهم الإنجازات التي نجدها في سوسيولوجيا النص الأدبي"([10]). فالسرديات البنيوية هي الإطار المرجعي الذي ينطلق منه في تجربة التحليل، ليشكل خطابه النقدي، مشيرا إلى أن "التجربة عنصر أساس في الخطاب الأدبي، وأن قراءتها من لدن الكاتب هي التي تحدد إنتاجيتها. كما أن القراءة عنصر أساس في الخطاب، لكن التجربة هي التي تحدد إنتاجيتها"([11]).
نعتقد أن تجربة سعيد يقطين التي أومأ إليها أعلاه، تتجلى في معرفته المسبقة بالصعوبات التي تعترضها؛ لأنها تعتمد مصادر متعددة ومتنوعة ومتباينة، ناهلا منها ما يتوافق ودراسته، ونابذا ما لا يتوافق وإياها، يحدد في مؤلفاته وظيفة السيميوطيقا السردية لإبراز الخطاب الروائي، وطرائق اشتغاله من خلال تمييزه بين الخطاب الروائي والخطاب الشعري، ذلك أن "الخطاب الروائي، تبعا لهذا، يروي قصة تخييلية أو حقيقية. وطرائق اشتغال الخطاب الروائي بمختلف مكوناته هي ما تعمل السرديات أو السيميوطيقا السردية بأدوات مختلفة على ضبطها ورصدها في إطار نظري عام. أما الخطاب الشعري -غير الحكائي- فإنه لا يروى ولكنه يقول شيئا. وبين قول الشئ وحكي القصة مسافة بين الشعري والروائي. فالأول من خلال القول ينتج لغته وزمنه وفضاءه الخاص. أما الثاني، فإنه ينتج كل هذا من خلال إنتاجه أو إعادة إنتاجها إن كانت منجزة"([12]).
نلحظ أن سعيد يقطين يبني عمله على خلفية طرح نظري واع بالسرديات البنيوية في التعامل مع مفهوم الخطاب رغم صعوبة الطريق وتشعب مسالكها، خاصة أن "اللسانيات الجديدة لم تتطور بعد، غير أن اللسانيين أنفسهم قد اقترحوها على الأقل. وليس هذا الحدث بلا معنى إذا كان الخطاب يؤلف موضوعا مستقلا، فمع ذلك، يجب أن يدرس انطلاقا من اللسانيات"([13]). وهذا ما يدركه بدءا بتقديمه ملاحظتين أساسيتين في مطلع مؤلفه تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير، من خلال:
"1- تتعدد دلالات الخطاب بتعدد اتجاهات ومجالات تحليل الخطاب. وعلى هذا الأساس تتداخل التعريفات أحيانا أو تتقاطع، وأحيانا يكمل بعضها الآخر أو يتباعد وإياه.
- لتحديد الخطاب وتحليله التحديد والتحليل المقبولين، علينا أن نحدد الاتجاه الذي ننتمي إليه أو المجال الذي نشتغل فيه، ومن أسئلة إبستمولوجية محددة. نجيب من خلالها على هذه الأسئلة: لماذا هذا التعريف؟ ما هي الأدوات والإجراءات المناسبة؟ إلى ماذا نبغي الوصول؟ وكيف؟"([14]). فكيف تدرج- إِذاً- سعيد يقطين من المظهر اللفظي إلى المظهر الدلالي؟ من المظهر السكوني إلى المظهر الدينامي؟ ذلك ما سنتطرق إليه ضمن هذا التحليل المومإ إليه أدناه.
2- من المظهر اللفظي إلى المظهر الدلالي
صرح سعيد يقطين- بمرونة- بتعامله مع الاتجاهات التوسيعية، خاصة في مجال سوسيولوجيا النص الأدبي التي تطرح قضايا مهمة، تتعلق بـ "النص في علاقته بالقارئ والسياق الاجتماعي الذي ظهر فيه"([15])، ساعيا- بذلك- إلى الانتقال من الخطاب إلى النص، ومن البنيوي (النحوي) إلى الوظيفي (الدلالي)، باحثا عن الدلالة التي لم يهتم بها البويطقيون، وعن العلاقات المختلفة والمتباينة التي يقيمها النص مع الواقع، أو مع البنيات الاجتماعية والنصوص المختلفة، ضمن سياق ما اعتبره بـ "السوسيو سرديات" بصفتها إبدالا نقديا، يروم توسيع دائرة السرديات البنيوية، أو ما أضحى يعرف حاليا بـ "السرديات الاجتماعية"، حيث عمد- عبر تبنيه قناعة خاصة- إلى تحديد تصور خاص للنص من بين تحديدات عديدة ومختلفة، ترى في النص بنية دلالية، تنتجها ذات نصية في إطار بنية سوسيو نصية، هادفا إلى بناء تصور، أتاح له الانتقال من دراسة الخطاب إلى دراسة النص، أي من المظهر اللفظي إلى المظهر الدلالي، لتشكل اجتهادات "بيير زيما" (Pierre Zima) محطة هامة، مكنته من تحديد مكونات النص.
يباشر سعيد يقطين- بهذا التصور- عملية الانتقال من السرديات البنيوية- كما مارسها في مؤلفه تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير، إلى السوسيو سرديات في مؤلفه اللاحق انفتاح النص الروائي النص والسياق، أو بتعبير آخر، سيتجاوز الحد السكوني الذي تتوقف عنده السرديات إلى مقاربة "دينامية" النص، وسيشتغل الناقد- ضمن هذا السياق- على النصوص الروائية العربية نفسها "الزيني بركات" لـ جمال الغيطاني، و "عودة الطائر إلى البحر" لـ حليم بركات، و "الوقائع الغريبة في اختفاء أبي النحس المتشائل" لـ إيميل حبيبي، و "الزمن الموحش" لـ حيدر حيدر، و "أنت منذ اليوم" لـ تيسير سبول.
نلحظ- من خلال مطالعتنا مؤلف انفتاح النص الروائي النص والسياق- انطلاقة سعيد يقطين من الانفتاح على النص إلى الوعي بالتجاوز، وكيفية تعامله- تصوريا وإجرائيا- مع نصوص روائية عربية بصفتها بنية دلالية، ساعيا- كما عبر عن ذلك في تقديمه لدراسة مؤلفه- إلى "إقامة تصور متكامل يسعى إلى تجاوز الدراسات السوسيولوجية التبسيطية والمضمونية التي هيمنت طويلا على مضمار النقد الأدبي العربي"([16])، حيث ألفى نفسه- وهو يتوق إلى دراسة النص والسياق- محاصرا بأسئلة نقدية، ترتبط بماهية النص ودلالته، وكيفية تلقيه، خاصة في أثناء إنتاج هذا النص ضمن سياق مخالف لسياق التلقي. هي- إِذاً- أسئلة، عدها الناقد أساسية لبلورة تصور جديد ومغاير للنص عبر موضعته وتموقعه في سياقه الدلالي، ما دام إنتاج الدلالة، يتم من خلال عمليتين رئيستين اثنتين، وهما: الكتابة والقراءة.
يعتبر مؤلف تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير النص توسيعا للخطاب بوصفه مظهرا نحويا أو بنيويا، قبل الانتقال من المستوى البنيوي إلى المستوى الوظيفي، أو الدلالي، ومن الخطاب إلى النص؛ من هذا المنطلق، يمكن اعتبار مؤلف انفتاح النص الروائي النص والسياق امتدادا وتوسيعا لمؤلف تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير اللذين ينخرطان في إطار ما يسمى بـ "السوسيو سرديات"، وتوخى سعيد يقطين- بذلك- تشييد تصور شمولي، يساعد على الانتقال من دراسة الخطاب إلى دراسة النص، أي من دراسة البنيوي إلى دراسة الوظيفي أو الدلالي، مشيرا إلى أن "النص بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية)، ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة"([17]).
لم يكن بإمكان سعيد يقطين- وهو يتأمل صفحات متونه الروائية العربية الأربعة- أن يتجاوز الإشكال الذي يطرحه مفهوم الخطاب في الساحة النقدية بعدما عاين تعدد الآراء المتعلقة بهذا المفهوم واختلاف التصورات وتضاربها، وتقارب بعضها من بعض؛ لهذا، عمد الناقد إلى عرض تلك التصورات عرضا نظريا من أجل تأطيرها بالشكل الذي يمكن أن يساعد على تحديد النص في علاقته بالخطاب ومكوناته. إن حديث اللسانيين عن الخطاب، يختلف باختلاف الإطار النظري الذي ينطلقون منه، ينطلقون من الجملة بصفتها أكبر وحدة لسانية إلى الخطاب بوصفه وحدة جُملية كبرى قابلة للتوصيف اللساني، لتتعدد مقاربات الخطاب، وتتباين حسب طبيعة المشتغل بها، كما أن السرديين أمثال جيرار جنيت، و تزيفيتان تودوروف، و فاتريش لا يميزون بين الخطاب والنص، بل يتوقفون عند الحد اللفظي للمحكي؛ هكذا، لحظ سعيد يقطين أن جيرار جنيت "يستعمل المحكي أحيانا بوصفه مرادفا للخطاب، وللنص أحيانا أخرى"([18]).
ضمن السياق ذاته، نلحظ أن شلوميت ريمون كنعان (Shlomete Raymond Canaan)، استعملت- في رأي سعيد يقطين- النص بمعنى الخطاب الشفهي أو الكتابي، أو بعبارة أخرى كل ما يُقرأ، أو يُسمع؛ ففي النص، ترد أحداث القصة مرتبة ترتيبا كرونولوجيا، كما أن صورة الشخصيات، وباقي عناصر الحكي، تبدو جلية وواضحة بالنسبة إلى القارئ من خلال عملية التبئير؛ وفي تحديدها مكونات السرد والنص، عالجت شلوميت ريمون كنعان النص من خلال مكونات الزمن والتشخيص والتبئير؛ في حين، عالجت السرد من خلال المستويات والأصوات وصيغ الكلام؛ الأمر الذي جعلها تلج عالم القراءة "وكأنها تؤسس بذلك لجمالية التلقي"([19]).
أما النص، بالنسبة إلى روجر فاولر في مؤلفه المعنون بـاللسانيات والرواية، فيعني- في رأيه- تلك "البنية السطحية النصية الأكثر إدراكا ومعاينة... وعند اللساني، تشكل هذه البنية المتوالية من الجمل المترابطة فيما بينها استمرارا وانسجاما على صعيد تلك المتوالية"([20]). يستخلص سعيد يقطين- من خلال آراء شلوميت ريمون كنعان، و روجر فاولر- بخصوص النص في علاقته بباقي مكونات المحكي([21]) (الخطاب، القصة، السرد) أن النص، يتجلى في بعده الكتابي من خلال تلك البنية المجسدة على صفحات الورق.
للتمييز بين الخطاب والنص، اشتغل فان ديك (Van Dijk) على ما أسماه بـ "أنحاء النص"، حيث سعى إلى إقامة تصور خاص بشأنه (أي النص)([22])؛ لذا، فإن تحديده النص والسياق لا يخلو من قضايا نظرية ومعرفية، تتعلق بكيفية تصوره عملية تحليل النص الأدبي من خلال تحققه الخطابي والعناصر المكونة له، وأهمها عنصر "الانسجام"، كما سعى مايكل ألكسندر كيركوود هاليداي (Michael Alexander Kirkwood Halliday)- بوصفه ممثلا للسانيات الوظيفية- إلى توسيع نظريته، لتشمل الخطاب والنص، حيث قدم تصوره بخصوص النص في علاقته بالانسجام الذي اعتبره وحدة لغوية قيد الاستعمال؛ فالنص وحدة دلالية (وليس بالضرورة وحدة جملية، أو كلمة، أو عملا أدبيا)، مبنية على عنصري "الوحدة" و "الانسجام" بصفتهما مكونين أساسين لإنتاج الدلالة، مركزا على علاقة النص بـ "السياق"، ولعل هذا ما جعل النص مختلفا عن الخطاب، بخلاف ما تتصوره شلوميت ريمون كنعان، و روجر فاولر (Roger Fowler)، و جورج ليتش (George Leach)، من حيث علاقته بالقارئ، والمقام الاجتماعي للتواصل بأبعاده الخارج لسانية، ولعل هذا هو الفرق بين المستويين البنيوي والوظيفي.
انطلق سعيد يقطين من ماهية الخطاب والنص بهدف الوصول إلى نظريات النص، ففي رأيه - ومن الناحية المنهجية- لم يكن بإمكانه البحث عن مسألة انفتاح النصوص دون التوقف عند بعض نظريات النص؛ فالنص- حسب جوليا كريستيفا (Julia Kristeva)- جهاز عبر لساني "يعيد توزيع نظام اللسان (Langue) عن طريق ربطه بالكلام (Parole) التواصلي، راميا - بذلك- إلى الإخبار المباشر، مع مختلف أنماط الملفوظات السابقة والمعاصرة"([23]). وما كان لهذا التعريف أن يأخذ أبعاده المعرفية لدى جوليا كرستيفا لولا أنها تنبأت بظهور علم جديد، يدرس النص دلاليا (Sémanalyse) انطلاقا من "علم اللسانيات"، ليصبح هذا العلم الجديد- في رأيها- نظرية للدلالة النصية، استلهمت- من خلالها- العديد من آراء الباحثين الشرقيين السوفيات كـ ميخائيل باختين، والشكلانيين الروس، محاولة- بذلك- وضع تصورها النص عبر التركيز على بعدين، وهما: الإنتاجية والتناص.
تبدو أصداء هذا التصور واضحة وجلية في كتابات رولان بارت([24]) الذي ينطلق من ضرورة التمييز بين النص والعمل، مميزا بين مختلف التجليات اللسانية ومجالاتها، ومؤكدا أن كل تحقق للغة- سواء أعلى مستوى الجملة كان أم على مستوى الكلمة- لينتهي إلى اللسانيات، وأن كل ما يفوق الجملة، ينتهي إلى الخطاب بوصفه موضوعا لعلم البلاغة، وتختلف كل محاولات تحليل الخطاب عن التحليل النصي، لأنها "متجاوزة كالبلاغة، أو محدودة كالأسلوبية، أو مرتبطة بذهنية ميطالسانية تضع نفسها خارج الملفوظ وليس داخل التلفظ"([25]). انطلاقا مما طرحه رولان بارت، يتبين- في رأي سعيد يقطين- آثار جوليا كريستيفا، وما حددته من رؤى تجاه النص؛ و الطرح نفسه، يتبناه ميشيل أريفي (Michel Arrivé) في أثناء دراسته النص الأدبي([26])، وعلاقته باللسانيات، استنادا إلى أفكار جوليا كريستيفا.
يبدو الطموح الكبير لدى روبير لافون (Robert Lavon)، و فرانسواز مادري (Francois Madret) في تقديمهما نظرية للنص- من خلال مؤلفهما مدخل إلى التحليل النصي الصادر سنة 1976- حين قدما تعريفا واضحا للنص، ولبعض الاتجاهات التي تعاملت معه على مستوى التحليل كـ: التوزيعية، والتوليدية، والسيميوطيقا، كما حاول الباحثان- بعد ذلك- تقديم "خطاطة التواصل والنص"، انطلقا- خلالها- من وظائف رومان ياكبسون الست، مبرزين – في الآن ذاته – نجاح هذا الأخير في استلهام اللسانيات، والسوسيولسانيات، والمادية الجدلية، ساعيين- بذلك- إلى إبراز إمكانية تعميم تلك الخطاطة على نصوص أخرى؛ وغير بعيد عن ذلك، سعى بيير زيما (Pierre Zima) إلى بلورة ما أسماه بـ "سوسيولوجيا النص الأدبي"، وتمييزه عن "سوسيولوجيا الأدب" بمختلف اتجاهاتها([27])، محاولا الكشف عن النص الروائي الذي أخضعه للتحليل من زمن مارسيل بروست ((Marcel Proust وصولا إلى ألان روب جرييه (Alain RobbeGrillet)، ليقف عند كيفية هذا التمفصل المزدوج للنص؛ في حين، سعى بول ريكور (Paul Riceour)- بدوره- في مؤلفه من النص إلى الفعل (Du Texte à l’Action) إلى إقامة نظرية للنص انطلاقا مما أسماه بـ "الهيرمنوطيقا النقدية"، حيث قدم تعريفا للنص من حيث كونه "خطابا مثبتا بواسطة الكتابة"([28]). أما سعيد يقطين، فقد أشار إلى وجود محاولات توسيعية، استعملت النص بمعنى مغاير للخطاب، وميزت- خلافا لما نلفيه عند جيرار جنيت- بين "الحكي كخطاب والحكي كنص، وبين باقي مكوناتهما في علاقتهما بالقصة"([29]).
حاول سعيد يقطين توسيع طرح مفهوم السرديات، فإذا كان عرضه مختلف تلك الآراء المتعلقة بنظريات النص قد مكن من معاينة كثرة هذه المقاربات وانفتاحها، فإن ذلك لم يثنه- في أثناء تحديده النص- عن استلهام آراء جوليا كريستيفا، وخصوصا بيير زيما، لينتهي- في الأخير- إلى اقتراح توصيف أو تعريف للنص، يرى- من خلاله- "بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية) ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة"([30]). ونظرا لكون السرديات، تعد مجالا من مجالات الشعرية، واعتبارا لكون الخطاب الأدبي موضوعا من مواضيعها، فإن السرديات مختصة في "الخطاب السردي"، في الآن الذي تنزع فيه السوسيو سرديات إلى توسيع موضوعها، ليتم- بذلك- الانتقال من الخطاب- بصفته مظهرا لفظيا- إلى النص- باعتباره مظهرا دلاليا. إذا كانت الشعرية لم تقدم جوابا على الأسئلة التي طرحها تزيفيتان تودوروف، والمتعلقة بالمستوى الدلالي، فهي "ملزمة"- في رأي سعيد يقطين- بالتوسع كي تستفيد من كل مكونات "موضوعها الذي حللته "لفظيا" أو "نحويا" بالاعتماد على علوم الدلالة، و السوسيولسانيات و التداولية، و نظريات النص والتلقي"([31]).
- تجنيس الكلام والخبر العربيين عند سعيد يقطين
يعد مؤلف الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي استمرارا للمشروع النقدي الكبير لـ سعيد يقطين الذي سعى- من خلاله- إلى إرساء دعامات السرديات العربية في تفاعل وتناسق مع السرديات الغربية ذات الصبغة العلمية والكونية؛ الأمر الذي جعل هذا المؤلف، يتبوأ مكانة لافتة للنظر بسائر المكتبات المغربية والعربية. بتدرج خاص، تابع سعيد يقطين نحت مفاهيمه النقدية، توجهه- في ذلك- رؤيته لتأسيس منحى تكاملي لسردية عربية؛ إنه طموح مشروع نقدي صادر عن معرفة علمية دقيقة بخبايا البحث العلمي، يتطلع صاحبه إلى تلقي جواب على أسئلة جوهرية، تضع التراث العربي موضع المساءلة والمناقشة والسجال والاختبار بحس نقدي صارم لا يعرف المنافحة ولا المجاراة؛ فكان لزاما على سعيد يقطين أن يسلك مسلكي الصرامة والمرونة معا ما دام المسعى الذي يتوق إليه هو إعادة بناء تصور جديد لمفاهيم استهلكت، وما دام يحاور تصورات متراكمة قصد المعالجة والتصحيح والتصويب والتهذيب من أجل "تقديم قراءة، تجعل التراث بمختلف مكوناته يمتد فينا دون أن يقف على عتبات الماضي، بل لأجل النظر إلى ما أهمل منه وغض الطرف عنه باعتبار أو بآخر أو بدونهما معا"([32]).
إن قراءة مؤلفات، يمكن اعتمادها وسيلة لانطلاق البحث المعرفي والأكاديمي- في رأي إسكاربيت- تعد "الأداة الأسهل التي تكون قادرة- انطلاقا من نقطة معينة- على تحرير طائفة من الأصوات والصور والعواطف والأفكار والمواد الإعلامية، بفتح أبواب الزمن والفضاء لها"([33]). نلحظ- انطلاقا من هذه المقولة- أن مؤلف الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي، يعكس رؤية واعية ممنهجة وشاملة لإشكالية السرد العربي خاصة، وقراءة استكشافية استقصائية، وتنسيقية للتراكمات المعرفية التي ناقشت موضوع السرد العربي بشكل عام، والأدب الشعبي كجزء مميز من هذا السرد بشكل خاص؛ فالاهتمام بمفهوم السرد، ورد نتيجة تفعيل أهميته ودقته واستيعابهما، سواء من حيث الخلفية المعرفية والثقافية، أو من حيث الأبعاد والتوجهات والدلالات.
لذا، فإن تأسيس تصور عام وشمولي لقراءة مميزة للسرد العربي، تقوم على عملية احتواء جميع النظريات والدراسات التي جاهدت في إرساء قواعد وآليات لهذه القراءة التي اتسم أغلبها بالجزئية والتقصير والمغالاة أحيانا؛ فكان تجاوز هذه النظرة الضيقة ضرورة علمية، تفرض نوعا من الحرص اللامتناهي من أجل خلق منهج تآلفي ازدواجي، يستثمر نتائج سابقة لتأسيس فكر استشرافي لا يقبل النظرة الأحادية والانفصال المنهجي، بل يفتح مجالا للتطور والإبداع([34]). المميز في هذا الطرح هو استحضار مفهوم شمولي، يلاحم بين مختلف الرؤى المعرفية، ألا وهو مفهوم التراث، حتى وإن قام سعيد يقطين بتخصيص دائرة البحث والدراسة واختزالهما في موضوع السرد الشعبي (السيرة الشعبية)، إلا أن اعتماده هذا المفهوم بصفته نقطة مركزية، أو قطبا محركا، يتحكم ليس في دراسة الناقد وتحليله فحسب، بل يتحكم في توجيه القراءة نظرا لما يتوافر عليه هذا المكون من شحنة وجدانية، ومضمون إيديولوجي، يشعر القارئ- من خلاله- بنشوة ذهنية، وبفضول فكري كما يقول محمد عابد الجابري([35]).
يواصل سعيد يقطين في مؤلفي الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي وقال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، تفكيره في ما يشكل خصوصية التخييل السردي العربي، وموقعه ضمن النظرية الأدبية بنحو عام، والنسق الثقافي بنحو خاص. فمن القراءة والتجربة: حول "التجريب" في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب (1985)، مرورا بـتحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير، وانفتاح النص الروائي النص والسياق (1989)، و الرواية والتراث السردي من أجل وعي جديد بالتراث (1992)، وذخيرة العجائب العربية سيف بن ذي يزن (1994)، تتكامل منظورات التحليل، وتشيد - لنفسها- التجسيرات المنهجية الملائمة لبحث خصائص السرد، وفهم بنياته ومكوناته؛ فمن تحليل الخطاب إلى تحليل المادة الحكائية، تبدو الحاجة ضرورية "لإعادة النظر في تصور المقاربة السردية، ومراعاة الأبنية النصية: حدودها وأبعادها وتفاعلاتها([36]).
نشير- هنا- إلى ملاحظة، أثبتها عبد الفتاح الحجمري([37])، تتعلق بتقسيم البحث السردي لدى سعيد يقطين إلى:
- سرديات القصة، تهتم بالمادة الحكائية المتعلقة بالنص.
- سرديات الخطاب، تهتم بـ "السردية" التي تتميز بها مادة حكائية ما عن أخرى من خلال البحث في الراوي، والخطاب، والمروي له.
- سرديات نصية، تهتم بالنص السردي بصفته بنية مجردة من خلال جنس، أو نوع محدد (الكاتب، والنص، والقارئ).
بهذا المعنى، تصبح الرؤية إلى التخييل السردي إمكانية أولية لبحث المعطيات المعرفية لمقاصد الكتابة، واستلزاماتها البنائية التي تتيح وصف النص من ناحية، وتمثل مجالاته التاريخية والاجتماعية من ناحية أخرى؛ إنها إمكانية نظرية هامة، تؤيد اقتراح سعيد يقطين في دراسته المتعلقة بـ الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي، حين يجعل منها وسيلة للتفكير في طرح مقدمة لتصور السرد العربي القديم من خلال نص محدد، يتمثل في السيرة الشعبية من حيث كونها:
- عملا مكتملا ومنتهيا.
- عملا حكائيا، يمتاز بالطول، ويتيح إمكانية استيعاب العديد من الأجناس والأنواع والأنماط.
- خصوصية على مستوى التشكل والعوالم الواقعية والتخييلية.
- قادرة على خلق التفاعل مع نصوص عربية حديثة([38]).
إن مؤلفي سعيد يقطين([39]) سالفي الذكر، يستمدان نسغهما من كتاباته السابقة، ويتضح ذلك من خلال بنائه مشروعه النقدي([40]) لجعل مختلف العلاقات التي يتشكل منها هذا المشروع متكاملة ومترابطة ومتجانسة؛ ويعتبر مفصل الرؤية إلى التراث العربي الإسلامي من بين المفاصل التي يعتمدها الناقد في مختلف تجاربه من أجل تعميق تصور منهجي للسرديات من حيث كونها علما كليا.
سبق لـ سعيد يقطين أن أبان عن موقفه من التراث في مؤلفه الرواية والتراث السردي من أجل وعي جديد بالتراث (1992)، حين انكب على معالجة التعلق النصي بين الرواية العربية الجديدة، والتراث السردي العربي القديم؛ هكذا، يتبين أن سعيد يقطين، ينطلق من وعي جديد لإثارة جملة من الإشكاليات التي ما زالت مطروحة بإلحاح، من بينها مسألة تعريف الأدب وأجناسه وأنواعه وأنماطه، وكشف وظيفته وطبيعته، واستنتاج بنياته الثابتة والمتحولة والمتغيرة، ليكون بذلك المنطلق الذي تحكم في مؤلفيه الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي وقال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية اللذين كرسهما الناقد- عموما- للبحث في التراث السردي القديم من منظور جديد لإعادة الاعتبار إلى السيرة الشعبية، وذلك بتحديد جنسيتها ونوعيتها وتحليل بنياتها الحكائية، كما سبق له في مؤلفيه تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير و انفتاح النص الروائي النص والسياق (1989) أن قدم تصورا منهجيا، يتعلق بالخطاب الروائي، والنص الروائي على نحو، يُمَكِّنُ من الانتقال من المستوى البنيوي إلى المستوى الدلالي، ومن المستوى اللفظي (السرديات) إلى المستوى الدلالي (السوسيو سرديات)، ليشكل هذان المؤلفان تتمة للمشروع السردي الممتد، وذلك بتدارك مستوى القصة، أو المادة الحكائية التي تبحث في مكون الحكائية (أي، مجموع الخصائص التي تلحق أي عمل حكائي بجنس محدد هو السرد)، وبتقديم تصور شمولي للسرديات بوصفها علما كليا، ينفتح على السرد أينما وجد، ويستفيد من منجزات "السيميوطيقا السردية"([41])، ويستثمر مختلف ذخائر العلوم الإنسانية والاجتماعية جميعها.
هكذا، أعاد سعيد يقطين تصوره السرديات من خلال تجسيد مختلف المقولات الحكائية التي تشتغل عليها، وتوضيح فروعها الثلاثة المتكاملة والمتداخلة، وهي:
- "سرديات القصة" التي تركز على مفهوم الحكائية، وتوضح تميزها داخل الأعمال الحكائية المختلفة، من خلال الاشتغال على المقولات الآتية: الأفعال والفواعل والزمان والمكان.
- "سرديات الخطاب" التي تهتم بالسردية التي- بواسطتها- تتميز مادة حكائية عن أخرى، وتختلف الخطابات وأنواعها حسب تباين طرائقها في عرض الأحداث، وترهين المقولات الآتية: الزمان والصيغة والتبئير.
- "سرديات النص" التي تهتم بنصية النص السردي، وتحدد "وحدته"، وانسجامه في علاقته بالمتلقي في الزمان والمكان، وتموضعه في نطاق البنية النصية الكبرى التي ينتمي إليها، وتشتغل على هذه المقولات التي يتمفصل إليها العمل الحكائي: (الكاتب/ المؤلف)، و(القارئ/ السامع)، و(الزمان/ والفضاء).
لتشكل هذه الاختصاصات السردية وحدة متكاملة ومترابطة في إطار علم شامل، يسمى بـ"السرديات"، وإن كان كل اختصاص، يهتم بجوانب معينة، ويتشخص عبر مقولات ومفاهيم محددة، ويتطلب طريقة خاصة للاشتغال عليه.
في مستهل مؤلفه قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية المخصص لتحليل البنيات الحكائية، بَيَّنَ سعيد يقطين أنه يروم تحقيق جزء من ذلك التصور السردي، من خلال البحث في "البنيات الحكائية"، مؤجلا الخوض في البنيات الخطابية والنصية إلى مؤلف آخر. هكذا، أبدى الناقد رأيه بخصوص السرديات في كلمته عن "السرديات كما أتصورها"، على سبيل الخاتمة، التي تضمنها "كتاب جماعي" بعنوان السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين دراسات - شهادات - حوارات([42])، حيث عمل على بناء تصورات محددة المعالم والأصول، تتعلق بالبعد السردي في التراث العربي.
لعل هذه الانطلاقة، أعطت مسيرة تراتبية، تبدأ بملامسة النص الثقافي العام ألا وهو التراث، ومقاربة، تتعلق بالكل وهو الجنس (الذي يعتبره سعيد يقطين السرد)، ثم تقف عند الجزء، ممثلا في استيحاء السيرة الشعبية، بصفتها نقطة واصلة، تنتمي إلى الجنس الذي هو السرد من ناحية، وفي تضمنها المواصفات والتجليات التي تضفي عليها صبغة التراثية من ناحية أخرى. إذاً، نحن أمام مثلث، أو رسم هرمي متوازي الأضلاع، يجعل التراث في القمة، ويزكي كلا من السرد والسيرة الشعبية في كل من الضلعين مع التركيز على إشارات، تفيد إفضاء كل واحد إلى الآخر.
التراث
السرد السيرة الشعبية
- البنيات الحكائية في السيرة الشعبية
تتوخى هذه الدراسة تقديم التصور الذي يقدمه سعيد يقطين في مؤلفه قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية من خلال التركيز على الموضوع المدروس مع إبراز المفاهيم والخطوات المنهجية التي نهجها في دفاعه عن تصوره النقدي الجديد.
يشكل مؤلف قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية لبنة أساسية في مسار البحث الذي قطعه سعيد يقطين من ناحية، وفي مسار البحث المغربي من ناحية أخرى، وفي حقل الدراسات الأدبية والنقدية خاصة، مواكبا- باهتمام بالغ - السيرورة العامة والمفاهيمية المشغلة في الساحة الغربية من زاوية، والعمل على استثمارها، والاستفادة منها بغية إعادة اكتشاف نصوصنا العربية، والانفتاح عليها من منظور أكثر اتساعا ودينامية وعلمية من زاوية أخرى.
نلمس هذا الهاجس- عن قرب- في مشاريع سعيد يقطين النقدية، ومن بينها مؤلفه قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية الذي يشكل ترجمة تطبيقية لجزء من الأفكار والتصورات المتعلقة بالبحث في السرد العربي التي سبق له أن قدم تصورا عاما عنها في مؤلفه السابق الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي. يحيل موضوع مؤلف قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية إلى مفهوم الحكاية داخل السيرة الشعبية، ويحدد الناقد مدلول هذا المفهوم بصفته "مجموع الخصائص التي تلحق أي عمل حكائي بجنس محدد هو السرد"([43]). إن الحكائية- بهذا المعنى- هي البنيات الحكائية كما تتجلى من خلال السيرة الشعبية؛ فتصوره، يساعده على تحقيق مسعيين اثنين، وهما:
- المسعى الأول، يتمثل في تطوير تصوره السردي الذي يعمل على بلورته بالانطلاق من السرد العربي.
- المسعى الثاني، يتوخى- من خلاله- فتح مجال البحث في الفكر الأدبي للوقوف على بعض جوانب السرد العربي القديم التي ظلت مهمشة ومغيبة من دائرة الاهتمام، حيث يضع لهذين المسعيين استراتيجيتين للعمل، وهما:
الاستراتيجية الأولى، وتتكون من مرحلتين اثنتين، وهما:
- أولا، الانطلاق من النص من أجل تحليله بناء على تصور محدد يكشف عن مختلف البنيات والمكونات التي يتشكل منها.
- ثانيا، العمل على الكشف عن وظائف تلك البنيات ودلالتها بوضعها في السياق الثقافي والتاريخي الذي ظهرت فيه، وفي السياق النصي الذي تولدت عنه، وصارت جزءا من بنيته عبر تحققاتها النصية المختلفة التي تتجاوز السياق الأول.
ابتدأ سعيد يقطين بتحديد الجنس الذي تنتمي إليه السيرة الشعبية، حين اقترح مفهوم الحكاية، ويعني به المقولة الجنسية الخاصة بجنس السرد انطلاقا من أن "الحكائية هي الطابع الذي تشترك فيه مختلف الأنواع المندرجة ضمن السرد. إنها العنصر الثابت الذي ينظم أي كلام يوسم بميسمها، ويلحقه بدائرة جنس السرد بغض النظر عن الزمان والمكان"([44]). لكن لماذا يوظف الناقد مصطلح "الحكائية" وليس "السردية" كمقابل لمصطلح (Narrativité)؟ يرى سعيد يقطين أن علوما سردية، ظهرت في الدراسات الغربية، تتخذ موضوعا لها (La Narrativité)، حيث إن "هذا المفهوم، يأخذ في الدراسات العربية ترجمات غير دقيقة، تنم عن سوء الاستيعاب والفهم"([45]). أمام هذا المعطى، عمل الناقد على تحديد مختلف الدلالات التي يتخذها مفهوم "الحكائية" في الدراسات الغربية، ليقف عند دلالتين مختلفتين، وهما:
- تتخذ سيميوطيقا السرد المحتوى الحكائي موضوعا لها؛ بهذا المعنى تكون (La Narrativité) مظهر تتابع الحالات والتحولات المسجلة في الخطاب، والضامنة لإنتاج المعنى؛ ويرى ألجيرداس جوليان جريماس (Algirdas Julien Greimas) أن نظرية الحكي، تسعى إلى الاهتمام بالشكل السيميوطيقي للمحتوى، ليخلص إلى أن الهدف هو المادة الحكائية أو المحتوى أو القصة، انطلاقا من اعتبار أن الحكي مفهوم عام، والسرد مفهوم خاص.
- تتخذ السرديات صيغة السرد، أو الخطاب موضوعا لها؛ إنها تركز على التعبير في الآن الذي تركز فيها السيميوطيقا على المحتوى، بعدما يخلص سعيد يقطين إلى القول إن (La Narrativité)، تتحدد من حيث الاختصاص والمقاصد، لتناظر مفهوم الحكائية لدى السيميوطيقيين، حيث ترتبط بمبدأ الثابت، وتتصل بالجنس؛ أما لدى السرديين، فهي تقابل ما يسميه بـ"السردية" لارتباطها بالخطاب أو التعبير ويسميها مبدأ التحول، وتتعلق بالنوع([46]).
هكذا، انطلق سعيد يقطين مشيدا مشروعه النقدي محدد الأهداف، واضح الرؤى والمنطلقات، يتعالق فيه التنظيري والتطبيقي، ويتجاور فيه السردي والناقد، وترفد أسئلة النص أسئلة نظرية، فتكون النصوص التطبيقية المختارة- بدقة- وسيلة لتعميق الرؤية الممنهجة، وتحقيق التراكم، والتوسيع، والتطوير في أفق الاشتغال على السرديات، وتكون الرواية المغربية الجديدة ثم الرواية العربية ثم السرد العربي القديم، والسيرة الشعبية خصوصا، بصفتها "أهم النصوص السردية العربية، بل تعد أهم النصوص السردية في التراث الإنساني"([47])، ومشتلا خصبا وحقلا زاخرا لصوغ الأسئلة، ولبناء التصور والسير به نحو الشمولية، وتحقيق الانتقال من سرديات الخطاب، إلى سرديات القصة، إلى سرديات النص، ومن السرديات، إلى السوسيو سرديات، إلى نظرية الأجناس، والجنس، والنوع، والنمط في الكلام العربي؛ وكل ذلك بهاجس مركز، شغل الناقد منذ إصداره مؤلف "القراءة والتجربة: حول "التجريب" في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب"؛ وهو إمكان "الحديث مستقبلا عن سرديات عربية"([48])، و"تقديم مساهمة عربية في إثراء السرديات، يمكن أن تشارك في تطوير هذا الاختصاص"([49]).
التركيب
حظيت "السرديات" باهتمام لافت في مجال النقد العربي، وشكلت ركيزة أساسية لاشتغال العديد من النقاد والباحثين العرب على مقاربة النصوص السردية العربية قديمها وحديثها. لم يشكل مشروع سعيد يقطين النقدي المحطة الوحيدة في الاهتمام بــــ "السرد" و"السرديات"، بل توالت مقاربات أخرى، استطاعت أن تتفاعل- إيجابا- مع ما يفد من الغرب من أجل مقاربة السرد العربي قديمه وحديثه. هذه المقاربات، جسدها كل من عبد الله إبراهيم، وسيزا قاسم، وعبد الفتاح كيليطو وعبد الرحيم جيران، ومحمد القاضي، ومحمد طرشونة، ومحمد الداهي، وسعيد بنكراد. ومن خلال التحليل الذي سبق أن عالجنا مكوناته ضمن هذا المقال، وتتبعنا آليات الاشتغال السردي لمؤلفاته النقدية، نسجل أهم ما توصلنا إليه من نتائج، سبق وأن استخلصناها في صفوة القول، والإشكالات التي استأثرت باهتمام سعيد يقطين، والتي بدت- جلية- في مختلف كتاباته، وكذا الخلفيات والمقاصد التي كان يرمي إليها، والتي عمل - وفقها- في أعماله النقدية والسردية المختلفة، هادفا بذلك إلى خلق تفكير، وممارسة، وإبداع مغايرين، وتتمثل هذه القضايا التي طرحها في ما يلي:
I- القضايا الأدبية
ميز- خلالها- سعيد يقطين بين الفكر الأدبي، والنقد الأدبي، والعلم الأدبي (الشعرية) بهدف إعطاء الدراسة الأدبية هوية خاصة، تميزها عن غيرها من الفعاليات الإنسانية، وقد بدا ذلك من خلال اشتغاله على "السرد" و"السرديات" كتخصص، وقدم خلاصة لذلك في مؤلفه الفكر الأدبي العربي البنيات والأنساق، وكذا في حواراته مع فيصل دراج، وفي مقالاته التي اهتمت بشؤون الأدب والثقافة.
II- الخلفيات الثقافية
- ظهرت النصوص المتعلقة عقب هزيمة 1967 بصفتها محطة تاريخية أساسية، حفزت الإنسان العربي على طرح جملة من الأسئلة بغية فهم سبب هزيمة العرب، وتأخرهم التاريخي، وهذا ما دفع بسعيد يقطين إلى النبش في التراث السردي بحثا عن وضعيات مشابهة لعلها تسعفه على فهم كيف تتوالى الهزائم على الإنسان العربي، وتنغص عيشه وحياته عبر مر التاريخ.
- قدم سعيد يقطين بحثا تقنيا دقيقا لإبراز مظاهر التعلق النصي وتجلياته، وحرص على أن يشفع ذلك بأسئلة ثقافية، تهم تماثل وقع الروائيين اليوم مع الواقع الثقافي المتفاعل معه (عصور الانحطاط).
III- السرديات
ميز- خلالها- سعيد يقطين بين "السرديات" بصفتها علما، والنقد السردي نظريا وتطبيقيا:
- على المستوى النظري
- انطلق سعيد يقطين- ضمن تصوراته- من جهاز مفاهيمي، يتبنى النظرة التوفيقية بين الطرح الغربي (النشأة)، والتراث النقدي العربي (الاستنبات).
- رأى أن تطور الدرس النقدي العربي رهين بالمنظور العلمي في معالجة النص الأدبي؛ الأمر الذي حذا به إلى الانطلاق من "السرديات" موضوعا للتخصص.
- عمل على توسيع مجال "السرديات" العربية، في شموليتها، ومواضيعها (من سرديات الخطاب، إلى سرديات القصة، إلى سرديات النص)، واختصاصاتها، ليشملها بتوظيف التكنولوجيا والوسائط المعلومياتية.
- تمظهرت مجهوداته البويطيقية في العمل على توسيع السرديات البنيوية التي خص بها مؤلفه انفتاح النص الروائي النص والسياق في إطار الانتقال من السرديات البنيوية إلى السوسيو سرديات التي تسعى إلى تجاوز البنيوية وتوسيعها، أو الحديث عن "ما بعد البنيوية"، موضحين كيف اشتغل سعيد يقطين على السرديات التوسيعية من خلال انفتاح النص الروائي في علاقته بالقارئ، لتأخذ (السرديات) مداها الواسع في مؤلفه التالي الرواية والتراث السردي من أجل وعي جديد بالتراث.
- تدرج من المظهر اللفظي إلى المظهر الدلالي، ومن المظهر السكوني إلى المظهر الدينامي، من سرديات "الخطاب"، إلى سرديات "القصة"، إلى سرديات "النص"، ساعيا- بذلك- إلى بلورة نموذج سردي جاد وهادف. هذا الانتقال لا يعني القطيعة بين المستويين؛ إذ ظل المستوى الخطابي حاضرا في أثناء المقاربة النصية؛ ويتجلى ذلك من خلال دراسته المكونات النصية الثلاثة في علاقتها بخصائص الخطاب الحكائي.
- اشتغل على السرديات "الكلاسيكية"، والسرديات "ما بعد الكلاسيكية"، مهتما في تحليل الخطاب الروائي بثلاثة مكونات أساسية، وهي: الزمن، السرد، التبئير ضمن علم كلي يسمى "البويطيقا"؛ علم، اقترن بالشعريات التي تبحث في شعرية الخطاب الشعري، وباعتماده "السرديات"، انطلق لتطبيق المنجز على النص العربي، والعمل وفق متطلبات الأسئلة التي يفرضها الواقع النقدي والإبداعي.
- آمن أن التراث هو كل ما أنتجه العرب إلى حدود عصر النهضة، داعيا إلى الالتفاتة والعودة إليه، تراث معقلن قابل للتطوير والإغناء والاستثمار، يتجدد بفعل قراءات طلائعية استكشافية، تكسبه التطور عبر الزمن والتاريخ والوعي به، حين اعتبره "نصا" رغم تنوعه واختلافه، مشيرا إلى أنه ينبغي امتلاك وعي جديد (القراءة المنتجة) للتمكن من فهم التراث واستيعابه في شموليته وصيرورته وتحولاته.
- اهتم بمسألة الأجناس الأدبية، منطلقا من أطروحة مؤداها أن بناء نظرية للكلام العربي، تحكمها صيغتان اثنتان، وهما: "الكلام" و"الخبر"، أو "القول" و"الإخبار"، مستعيضا مفهوم "الخبر" بمفهوم "السرد"، لأنه- في رأيه- أكثر إجرائية.
- ربط مفهوم "السرد"- باعتباره ظاهرة نصية نقدية- بظاهرة "التناص" بصفتها ممارسة في الدراسات الأدبية الحديثة، استقطبت فكر العديد من الباحثين.
- على المستوى التطبيقي
- اشتغل على تحليل الخطاب السردي الحديث (الرواية)، والخطاب السردي القديم (السيرة الشعبية) مسائلا متنها ونوعها، باحثا في بنياتها الحكائية التي أرخت لمعارف وحقائق، من خلال إعادته بناء صورة جديدة، ورد الاعتبار لهذه السيرة بعد أن كانت مهمشة، مهتما بقضايا الرواية العربية، في حدودها، ووجودها، ورهاناتها بين الإبداعية والعالمية بصفتها تجليا من تجليات السرد العربي الحديث.
- جَنَّسَ التراثي العربي من خلال معالجته "السيرة الشعبية"؛ فكان التجنيس نتاج اجتهاد فردي، اعتمد- خلاله- معايير التجنيس كما تبلورت عند الغرب، وتبنيه معايير تجنيسية مستمدة من التراث النقدي، مؤمنا بسلطة التلقي والسياق الثقافي.
تركيب:
انطلق سعيد يقطين من متن محدد، تتفاعل ضمنه الروايات (النص المتعلق) مع نصوص قديمة (النصوص المتعلق بها)، وتضطلع بتحويلها واحتوائها بهدف إنتاج نص جديد، حيث انحصرت مقاربة سعيد يقطين للرواية المغربية والعربية في:
- توظيفه السرديات البنيوية، حيث ظلت منحصرة في تفكيك بنيات الخطاب السردي لكونها الكيفية التي تعرض بها المادة الحكائية، وهذا ما يفسر أن "القصة"، ظلت مركز التحليل انطلاقا من بنياتها ووحداتها السردية في علاقتها بطرفين آخرين، هما: الراوي والمروي له.
- استتباعه توسيع مجال السرديات باقتراحه مفهوما جديدا للنص مستوحى من سوسيولوجيا النص الأدبي، مستفيدا من نظريات النص، ومتأثرا- ضمن هذا السياق- من طروحات واقتراحات بيير زيما، ومطورا لها بمقتضى تفعيلها مع النظرية التناصية كما حددها كل من جيرار جنيت، و جوليا كريستيفا؛ الأمر الذي أسعفه على الانتقال من المنغلق إلى المنفتح، ومن البنيوي إلى الوظيفي، ومن النحوي إلى الدلالي "النص بنية دلالية تنتجها ذات فردية أو جماعية ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة"، ويتضح- من خلال هذا التعريف- أن سعيد يقطين، أعطى لمفهوم النص دينامية جديدة، تقوم على ثلاثة أبعاد، وهي:
- البعد الدلالي، ما يتضمنه النص من دلالات ملازمة لبنياته.
- البعد التداولي، ينتج المؤلف النص، ويعمل القارئ على إعادة إنتاجه بالنظر إلى ما يتوفر عليه كل واحد منهما من خلفيات نصية (ما تراكم لديهما من معارف مستقاة من موارد نصية سابقة).
- البعد الثقافي، يكتب النص ويقرأ في إطار تفاعله مع جملة من السياقات الثقافية والتاريخية التي تثري دلالاته، وتشرعه على قراءات وتأويلات متعددة.
هذه هي الحكائية كما تتجلى من خلال "السيرة الشعبية" التي أعاد سعيد يقطين بناء صورة جديدة لها، والنبش فيها، ورد الاعتبار لها بعد أن كانت مهمشة، وتناولها بالدرس والتحليل، واعتبرها موسوعة حكائية، أي نصا واحدا، يحتوي على بناء واحد وموحد كما لو أن راويها شخص واحد.
هكذا، نلحظ كيف كان سعيد يقطين منشغلا بالتفكير في حدود الأسئلة، وَهَمِّ الكتابة، ورسم آفاق مستقبلية لهما، وهو يقرأ السيرة الشعبية العربية، ويرصد- من خلال ثناياها- العديد من القواعد المتعلقة بمفاهيم "النص" و"اللانص"؛ "أدب المجلس"، و"الكلام"، و"التراث"؛ "الجنس"، و"النوع"، و"النمط"؛ "الكتاب"، و"القصة"، و"الخطاب"، و"البنيات الحكائية"،،، وغيرها من المفاهيم؛ إنه توسيع مشروط في دراسة سعيد يقطين بمنطلق وغاية:
- منطلق، يدعو- من خلاله- إلى تقديم فهمه للنص الأدبي انطلاقا من الخاصية المقترنة بالبنيات الحكائية للسيرة الشعبية العربية بصفتها "نصا موسوعيا"، و"نصا ثقافيا".
- غاية، تجعل دراسته منشغلة بتصنيف المبادئ الجزئية والكلية التي تسند قانون الأنواع الأدبية في السرد العربي عبر توسيع مجال الدراسات الأدبية، واعتماده "السرديات" التي تهتم بمعالجة الخطاب دون إغفال الأبعاد الدلالية للمادة الحكائية، ولمستويات "القصة"، و"لمادة الحكي"، فضلا عن العلاقة القائمة بين "الخطاب"، و"القصة"، و"النص" على نحو عام.
[1].محمد معتصم، بنية السرد العربي من مساءلة الواقع إلى سؤال المصير، الدار العربية للعلوم ناشرون/بيروت، منشورات الاختلاف/الجزائر، دار الأمان/الرباط،ط 1، 2010، ص79.
[2].سعيد الغانمي، الوجود والزمان والسرد (فلسفة بول ريكور)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ط 1، 1999، ص1[2].
[3].سعيد يقطين، آفاق نقد عربي معاصر، بالاشتراك مع فيصل دراج، دار الفكر، دمشق/سوريا، ط 1، 2003.
[4].ضمن مؤلف السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين، دراسات-شهادات-وحوارات، "كتاب جماعي"، المنسق شرف الدين ماجدولين، مم، منشورات ضفاف، دار الأمان/الرباط، منشورات الاختلاف، ط 1، 2013، ص96.
[5].سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط 1، 1989، ص49.
[6].عبد الفتاح الحجمري، التخييل وبناء الخطاب في الرواية العربية التركيب السردي، شركة النشر والتوزيع-المدارس، الدار البيضاء، ط 1، 2002. ونظرا لأهمية هذا المؤلف وتصديره بمقدمة تستوعب الاتجاهات والنظريات الغربية إلا أنه يبدي خلطا واضحا بين النص والخطاب.
[7].المصدر نفسه، ص7.
[8].من أهم الشكلانيين الروس الذين اهتموا بتاريخ الأدب الروسي، وبالأسلوبية، والعروض، وعلم السرد، كان عضوا في الحلقة اللسانية بموسكو، أو ما يسمى بأبوياز (OPOJAZ).
[9].الشكلانيون الروس، نظرية المنهج الشكلي، ترجمة إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية/ بيروت، الشركة المغربية للناشرين المتحدين/ الرباط، ط 1، 1982، ص180.
[10].سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي الزمن-السرد-التبئير، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط 3، 1997، ص46.
[11].المصدر نفسه، ص21.
[12].المصدر نفسه، ص، ص89-90.
[13].جيرار جنيت، خطاب الحكاية بحث في المنهج، ترجمة، محمد معتصم، وعبد الجليل الأزدي، وعمر حلي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة/مصر، ط 2، 1997، ص12.
[14].المصدر نفسه، ص26.
[15].سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي النص والسياق، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط 3، 2006، ص5.
[16].المصدر نفسه، ص5.
[17].المصدر نفسه، ص32.
[18].المصدر نفسه، ص10.
[19].المصدر نفسه، ص11.
[20].روجر فاولر، اللسانيات والرواية، ترجمة، لحسن أحمامة، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط 1، 1997، ص15. (نقلا عن سعيد يقطين في مؤلفه انفتاح النص الروائي النص والسياق، المركز الثقافي العربي بيروت/الدار البيضاء، ط 1، 1989، ص12).
[21].يقصد بالمحكي في هذا المقام ما يعرف في اللغة الفرنسية بــــ "Récit".
[22].لقد بدا توجهه النحوي في دراسة النص توجها ملحا منذ سنة 1972 حين ظهر مؤلفه بعض مظاهر أنحاء النص، وبقي التوجه نفسه مستمرا في مؤلفه انفتاح النص الروائي النص والسياق الذي افترض أن سعيد يقطين تفاعل معه هنا بشكل لافت للانتباه في كتاباته الأخيرة، عندما انطلق من تحليل سوسيو لساني للخطاب والنص رابطا بين الدلالة والتداولية.
[23].Julia Kristeva , Sémiotique, Recherche pour une Sémanalyse, seuil, 1969,pp 52-81.
(نقلا عن سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي النص والسياق، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط 1، 1989، ص19).
[24].خصوصا في دراستين هامتين له بشأن "النص ونظريته"، وردت دراسته الأولى في مادة "نص" في الموسوعة العامة بعنوان "نظرية النص"، موسوعة Universalis؛ في حين، وردت دراسته الثانية بإحدى مقالاته بعنوان "من العمل إلى النص".
[25].سعيد الشقروني، آليات الاشتغال التحليلي في النقد الروائي المغربي المعاصر، تحليل الخطاب الروائي لسعيد يقطين نموذجا، الرشيدية، ط 1، 2013، ص24.
[26].نشرت في كتاب معرفة اللسانيات تحت إشراف بيرنار دبوتي سنة 1975، وأعيد نشرها أيضا ضمن كتاب مدرسة باريس:
M. Arrivé, linguistique et Littérature in « comprendre la Linguistique » sous la direction de Bernard Pottier. Marabout. 1975. p 12.
[27].شكل مؤلفه "Pour une sociologie du texte littéraire" (1978) دعوة إلى تبني سوسيولوجيا النص التي طورها فيما بعد في مؤلفاته الآتية التي تطرق فيها إلى أعمال مارسيل بروست، وفرانز كافكا، و الموريل.
[28].Paul Riceour, du texte à l’action. Seuil. 1986. p 137.
(نقلا عن سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي النص والسياق، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط 1، 1989، ص27).
[29].المصدر نفسه، ص31.
[30].المصدر نفسه، ص32.
[31]. المرجع نفسه، ص35.
[32].دراسة لــــ محمد عدناني بعنوان "تعالق المفاهيم في كتاب الكلام والخبر"، ص38. ضمن مؤلف الحنين إلى المستقبل، "كتاب تكريمي" لــــ سعيد يقطين، الدورة العاشرة للمعرض الإقليمي للكتاب، من 29 مارس إلى 04 أبريل 2018، منشورات المديرية الإقليمية للثقافة بسطات، العدد 15، دار المناهل، الرباط.
[33]."مجلة عالم الفكر"، المجلد 28، العدد الأول، 1999، ص،ص463-464.
[34].عبد المجيد النوسي، التلقي والخطاب، دراسات في النقد المغربي الجديد، محمد مفتاح، و سعيد يقطين، و المصطفى شاذلي، جامعة أبي شعيب الدكالي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، وحدة التكوين والبحث في الصورة، الصورة البصرية-الصورة في السرد، سلسلة أعمال وحدات التكوين والبحث، العدد الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط 1، 2003، ص113.
[35].المرجع نفسه،ص114.
[36].دراسة لــــ عبد الفتاح الحجمري بعنوان "السيرة الشعبية، السرد وبنية الحكاية من خلال الكلام والخبر و قال الراوي"، ص85. ضمن السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين، دراسات-شهادات-وحوارات، "كتاب جماعي"، المنسق شرف الدين ماجدولين، مم، منشورات ضفاف، دار الأمان/الرباط، ومنشورات الاختلاف، ط 1، 2013.
[37].المرجع نفسه، ص89.
[38].المرجع نفسه، ص86.
[39].سعيد يقطين، الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 1997. و قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 1997.
[40].دراسة لــــ محمد الداهي بعنوان "البحث في نوعية السيرة الشعبية وحكائيتها (من أجل وعي جديد بالتراث السردي)"، ص69. سعيد يقطين، السرديات كما أتصورها، المرجع نفسه، م. سا.
[41].المرجع نفسه، ص70.
[42].المرجع نفسه، ص231.
[43].سعيد يقطين، قال الراوي البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 1997، ص7.
[44].المرجع نفسه، ص12.
[45].المرجع نفسه، ص13.
[46].المرجع نفسه، ص16.
47.السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين، دراسات-شهادات-وحوارات، ضمن "كتاب جماعي"، المنسق شرف الدين ماجدولين، مم، منشورات ضفاف، دار الأمان/الرباط، ومنشورات الاختلاف، ط 1، 2013، ص249.
[48].المرجع نفسه، ص242.
[49].المرجع نفسه، ص242.