الحفل هو أحد الثيمات الأبرز في فن القصة القصيرة العبقري، ونحن هنا إزاء حفل تكريم لمجموعة من المتقاعدين، يقف خلف الحفل الروتيني الزائف مدير فاسد وزوجته. وفرقة موسيقية هزلية لا تتصور أن هناك من يأخذها بجدية، يلوذ المكرَّمون بالصمت، فقد تحول التكريم إلى إهانة.

الحـفل

بن اموينة عبد اللطيف

 

صفقت الباب خلفي وخرجت قطعت الطريق الواسع باتجاه الزقاق المحاذي للكنيسة، كان أملى ألا ينتبه الي أحد وأن أمضي أمسيتي وحيدا حتى لحظة العودة إلى البيت.

 انتهى حفل تكريم المتقاعدين في حدود الساعة العاشرة من ليلة ربيعية دافئة

 عبارات فارغة ومصطنعة في حق المكرمين. داخل القاعة ولوقت طويل خيم صمت كئيب قبل أن تحضر فرقة موسيقية على عجل أدت أغاني مرتجلة وسوقية لم تثر سوى بعض الطفيليين الدين دخلوا عندما أوشك الحفل على الانتهاء حين انقضوا على ما تبقى من الحلويات والمشروبات وراحوا يصفقون ويتمايلون بشكل جماعي ومضحك مما جعل أعضاء الفرقة الموسيقية ينتشون قليلا ويشعرون ببعض الانشراح وانزاح عنهم دلك الإحساس المذل أنهم تافهون ولا يثيرون انتباه أحد بداخل القاعة، لكن سيدة أربعينية غاية في الدلال والأناقة كانت على مقربة من جماعة الطفيليين لم يرقها المشهد الذي رأته أمام عينيها ربما صدمتها تلك التفاصيل أو تظاهرت بدلك فسارعت إلى لم أغراضها وهي تبدي ندمها الشديد كونها حضرت إلى هدا المكان

بعصبية وتوثر نادت على أحد الشبان كي يرافقها إلى الخارج في انتظار وصول زوجها الذي كلمته قبل قليل بالهاتف

إنها زوجة مدير إحدى المؤسسات العمومية بالمدينة” قالت شابة سمراء ونحيفة صمتت برهة وأضافت” إنها متعجرفة وتحتقر أهل هده المدينة التي منحتها ما لم تحلم به أبدا

يا الهي كم هم سخيفون هؤلاء الأوباش لا بد أنهم ثملون من الشراب الرخيص

قالت السيدة الأنيقة وهي تقفل باب السيارة الفاخرة

السيد المدير هو البطل الحقيقي للحفل ببطنه المنتفخ وشروده الدائم ظل طوال الوقت مرتبكا يفرك يديه وينظر إلى ساعته متجهما مع ابتسامة متكلفة يلقيها على كل من يجده في طريقه قال لي احد العاملين الذي كان بجانبي ” إن المدير شخص مشبوه وجبان ولا يرحم أحدا منا لكنه في المقابل يغدق على المسؤولين الكبار بالهدايا والثناء هذا هو أسلوبه ” وتابع جليسي ” مند مدة ليست بالقصيرة اشترى فيلا باذخة على شاطئ البحر غير بعيد عن المدينة وشقة أخرى في إحدى المدن الكبرى” ثم أضاف بما يشبه وشوشة خائفة” يقولون والله اعلم أن زوجته على علاقة غرامية بأحد الشبان يعمل بالحراسة الليلية “ثم دخل في صمت مريب كما لو أدرك أخيرا فداحة ما باح به.

المتقاعدون الدين أحسوا بغربة مؤلمة لاذوا بصمت رهيب كانوا أشبه بكائنات نادرة جلبت لسياح فضوليين وقد أرهقتهم زحمة الفضاء أكثر مما أبهجهم الحفل ما جعلهم يتأبطون الأوسمة والهدايا الرخيصة لكن وفي غفلة من الجميع انصرفوا تباعا وغابوا بأرواحهم المشبعة بالشيخوخة والقنوط الذي لم تبدده سهرة طويلة وتافهة.

شعرت بدوري بملل لا يطاق أشعلت سيجارة أخرى وخرجت مثل سجين أفرج عنه للتو ” انه ليس حفلا انه عقاب إلهي” قلت لنفسي

كانت المدينة مازالت ساهرة إلى وقت متأخر من الليل صخب الحانة القديمة التي مررت بالقرب منها أشعل بداخلي فتنة النبيذ لكن طردت الفكرة للتو كما نطرد قطة غريبة تسللت فجأة إلى البيت

جحافل من المدخنين والمتسكعين ومتلصصي الأجساد الأنثوية الرشيقة… سائقو الشاحنات الكبيرة والغرباء الباحثون عن الجنس الرخيص يملؤون زوايا المقاهي والساحات والشوارع.

كان الطريق الوحيد عبر المنحدر إلى وسط المدينة مضاء بمصباح خافت ويتيم لم أتعرف عليهما في أول الأمر لكن حدسي لم يخذلني في النهاية.

كانا يمشيان سويا في هدوء واطمئنان كأي عاشقين مسحورين بحبهما يدها في يديه ورأسها ذي الشعر الحريري الذي احتضنته مرارا كراهب ماجن ذات شتاء رائع يتدلى ألان على كتفيه

ترى هل هدا الرجل الأشعث هو خطيبها الجديد الذي بسببه لم تعد تتردد على المركز الثقافي، ربما هي حامل الآن لكن حين تسألني جدتي التي الفتها كثيرا والفت زياراتها لها في كل مناسبة وكانت تمطرها بسيل من المدائح أمامي.

 بماذا سأرد نعم نعم، وجدتها سأقول لها إنها رحلت رفقة عائلتها إلى مدينة أخرى وأستقيل من لعبة السؤال والجواب

أتصور وأنا في ذروة الوحدة منتصف الربيع أنهما ثملان من السعادة ينحدران بخطواتهما في هذا الممر الضيق نحو ساحات المدينة المضاءة حتى وقت متأخر من الليل.

أما أنا فقد اطفأت سيجارتي المرة واستسلمت لقدميَّ وهما تنحدران في الاتجاه المعاكس

 

اسفي المغرب