الإخوة الثلاثة
يمكنك بيسر، أن تخمن أنهم أخوة ثلاثة. رغم تفاوت تنويعات الملامح المشتركة بينهم. أمتار قليلة تفصل بين ثلاثة محلات متجاورة. نفس الخدمة المقدمة للزبائن، بنفس أدواتها، نفس عنوان المحل. ونفس العبارة التوضيحية التي تنفي شرعية وجود المحلات الأخرى، مُضاءة على لافتة أعلى كل محل:
"الحنفاوى الأصلى- ليس للمحل فرع آخر".
كان أشقّاء طفولة الماضي البعيد، يتنافسون فيما بينهم على عشق الأب والمهنة. يغار كل منهم من درجة حب شقيقه لأبيه. ويؤمن في الوقت نفسه أن أباه يصطفيه وحده من دون أخويه. وأن حبه له لا يُضاهى. ومع إدراكه ذلك بصمت يائس، لم ينجح الأب المهيب في أن يجعل منهم نسيجا واحدا. وعندما كبروا ومات العجوز، اعتبركل واحد منهم أنه الوريث الأوحد للأب والمهنة.
كان أبوهم- الحنفاوى الأكبر- الذى جلس في الزمان البعيد، خلف طاولة خشبية عتيقة على رصيف الشارع نفسه، مستظلا بأغصان شجرة توت. أمهر من يرفو الملابس فى مدينتنا.
السرّ
كنا على شاطىء البحر، عندما أمسك بيدي وقال لي وهو يسحبني إلى داخل الماء:
- سأخبرك بسرّ لن يسمعه أحد سوى البحر.
تركنا الشاطىء وراءنا، وتقدمنا نتفادى الموج معا، ونمعن داخل البحر. حتى لم يلُح منا سوى رأسينا. وكلما أمعنّا، ناشدته أن يتوقف ويبوح. أومأ لي برأسه أن ليس بعد. وحين داهمتنا الموجة الكبيرة العالية أفلتُ يدى. حملتنى الموجة وألقت بى قريبا من الشاطئ، فعاودت الدخول إلى حيث افترقنا. كان لم يظهر بعد. انتظرته، وها أنا هنا، أنتظر. يحملني الموج، ويغمرني الأمل، في أن يطفو ويبوح لي بالسرّ.
عازف العود
حادث منزلي عارض، أسفر بسهولة خاطفة عن بتر سلامية الإصبع الوسطى من اليد اليسرى. وها هي مُلقاة على البلاط مُضرّجة في دماها تتلوى من الألم. لم يمنع الهلع عازف العود من أن يلتقطها ويدّسها أسفل لسانه.هكذا أسعفته ذاكرة القراءة. وفي الوقت الحرج قبل وصول سيارة الاسعاف، كان يفّكر في اعادتها إلى مكانها من إصبعه وأن يلفها بشريط لاصق. ونبهته سارينة الإسعاف إلى نظرات وجوه فريقه الموسيقي الذي أحاط به. كانوا ألصقوا عيونهم وراحات أكفّهم على زجاج نافذة السيارة المغبش. قرأ في أعينهم نظرات الوداع الجنائزية. وحين التفت، فوجئ بالعود أمامه داخل السيارة نائما على أوتاره فوق النقّالة.
أستند بمرفقه على حافة النقّالة وألقى عليه رأسه، واستسلم لغواية نعاس طارئ ومُستغرب. رأى نفسه مثل كل صباح يستيقظ على سريره داخل حجرته. يحاول الامساك بالصور التي تفّر تباعا من نومه.
وفى مواجهة عينيه المثقلتين بنعاس لم يغادر، أمام المرآة، وعلى مقعد الحجرة الوحيد. كان العود مايزال هناك، نائما على أوتاره.
مقدمة المؤلف
جميع شخصيات وأحداث هذه الرواية غير حقيقية ومحض خيال ولا تمت إلى الواقع بأية صلة .بالرغم من دواعي قلق المؤلف أن لا يكون لشخصيات الرواية وأحداثها تشابها مع الواقع والحقيقة!.
من كان هذا الرجل؟
عندما تقطعت الخيوط بينهما، وسلك كلٌ طريقه. أرسلت له الخطابات التي كان يرسلها لها. ومن وقت لآخر، كان يفتح بعضها مندهشا، ويسأل نفسه :
من كان هذا الرجل؟
السفر الطويل
لم يكن لوقع خبر موته على نفوسهم الأثر الذي توقعوه، فالأب غائب، منذ زمن، في سفر طويل.
ضغينة
يأسا من فشل محاولاته المتكررة للانتحار، وحزنا على نجاحهم في انقاذه كل مرة. لم يجد مفرًا من أن يستسلم لموت لم يشتهيه. مات الرجل بعد أن أوصاهم بحرق جثته.
بديلا عن الصمت
بعد أن طال توقفه عن الشعر زمنا، أصدر ديوانا بعنوان "بديلا عن الصمت". أرسله إلى صديق عمره وطلب رأيه. بعد أن قرأ الصديق الديوان، تمنى في قرارته لو كان قد واصل الصمت.
القصف
الأم تحمل طفلتها وتضم رأسها إلى صدرها حتى لا ترى الطفلة القصف. والطفلة تحمل دميتها، وبراحة يدها الصغيرة تغطي عينيها حتى لا ترى الدمية القصف.
*كاتب من مصر