يقيم الناقد الفلسطيني المرموق تجربة عزالدين المناصرة عقب رحيله، ويخلص إلى أنه واحداً من الشعراء الفلسطينيين البارزين الذين شَقّوا دروباً جديدةً للقصيدة العربية المعاصرة، ويستحق، انطلاقاً من تجريبيَّته ومزجه بين الأشكال والطاقة الفوَّارة في نَصِّهِ الشعريّ، أن يحتلَّ مكانةً أساسيةً في متن المدوَّنَة الشعرية العربية الحديثة.

الشاعر الرعوي الكنعاني

الذي شقَّ لقصيدتِهِ درباً مختلفاً

فخري صالح

 

على الرغم من الحضور الشعري البارز الذي حقَّقَهُ الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة (1946-2021)، الراحل عنا منذ أيام قليلة، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتفرُّد تجربته بين مُجايليه من الشعراء الفلسطينيين، في تلك الحقبة التي تأوَّجت فيها الحركة الشعرية الفلسطينية بين نظيراتها من التجارب الشعرية العربية، إلا أن المناصرة بقيَ يُراوح مكانه في العقود التالية، محتفظاً بمعجمه الشعري الخاص، وجرأته التعبيرية في استخدام المفردات العامية الفلسطينية، وما يمكن أن نسميه "كنعانيَّتَه" (أي دعوته إلى وصل الفلسطينيين المعاصرين بجذورهم الكنعانية، وصناعة أسطورتهم، انطلاقاً من هذا الأصل القومي والثقافي القديم؛ فـ"كنعان"، حسب المناصرة، هو الاسم الأول لفلسطين، ثم أصبح الاسم الجغرافي لفلسطين ولقسم كبير من سوريا الطبيعية، وكذلك فلا يوجد فارق بين الفلسطينيين والكنعانيين لأن الفلسطينيين هم قبائل كنعانية، (عزالدين المناصرة، فلسطين الكنعانية، قراءة جديدة في تاريخ فلسطين القديم، دار البركة للنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص: 7).

يرفد ذلك كلَّه لغةٌ رعويَّةٌ طازجةٌ تحتفل بموجودات الأرض وزراعتها ونباتاتها وحيواناتها، وفاعلها الإنساني، وأساطير هذا الفاعل الفلسطيني المتَّصِل بجذْرِه النقيض للمحتل الصهيوني الذي يسعى إلى محو الفلسطينيين – الكنعانيين، والحلول محلّهم. وقد اعتمد المناصرة العنصرَ الرعويَّ The Pastoral مكوِّناً أساسياً في بناء قصائده، لما لهذا العنصر، والنوع الشعري، من قدرة على استعادة الماضي، والتعبير عن زمن السلم والطمأنينة والبساطة، والتقاط عنصر الحنين (النوستالجيا) إلى ماضٍ مفتَقَدٍ، وفردوسٍ ضائعٍ. وهو ما يتطابق مع شعور الفلسطيني الذي احتُلَّتْ أرْضُهُ، فلا يستطيع التواصل معها.

إن المناصرة شاعرٌ متفرّدٌ، مختلفٌ، له صوتُهُ الخاص الذي يُمْكِنُنا تمييزُهُ بسهولة، ضمن كوكبة من الشعراء الفلسطينيين الطالعين في العقد السادس من القرن العشرين. فهو، إلى جانب محمد القيسي وأحمد دحبور ومريد البرغوثي وفواز عيد ووليد سيف، الذين تقارَبَتْ أعمارهم، وتبلوَرَتْ تجاربهم الشعرية في المنافي الفلسطينية المتعددة، سعى إلى كتابة قصيدة تتحاور مع تجارب شعراء المقاومة الفلسطينية، محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وحنا أبو حنا، لكنها في الوقت نفسه تنهل من مَعين آخر؛ من صناعة الأسطورة الفلسطينية بجذرها التاريخي الكنعاني، ومعجمها الزراعي، وتكوكُبها حول مجموعة من الرموز المتكررة على مدار تجربته الشعرية (كنعان، البحر الميت، الأنباط، جفرا، الخليل، إلخ). ويمكن أن نغامر بالقول إن ما يُمَيّز تجربته، ويجعله متفرِّداً بين أبناء جيله، هو تجريبيَّتُه المنتهكة، ومحاولاتُه المستمرة لرفد قصيدته بعناصر شعرية مجتَلَبَة من تجارب شعرية عربية وعالمية متعددة، وسعيُه إلى صبِّ قصيدته في قوالب الإيقاع والعروض الخليلي أو النثر الطامح إلى الانفلات من أسْر العروض (رغم أنه كرَّسَ الكثير من جهوده النقدية للهجوم على قصيدة النثر، وحاول جاهداً سلْبَها اسمها الشائع، واقترح تسميتها "نَثيرة" أو "جنساً خنثى").

نشر عز الدين المناصرة في عقدي الستينيات والسبعينيات أربع مجموعات شعرية: يا عنب الخليل (1970)، الخروج من البحر الميت (1970)، قمر جرش كان حزيناً (1974)، لن يفهمني أحدٌ غير الزيتون (1976)؛ ويمكن أن نضيف إليها مجموعته الخامسة: جفرا (1981)، التي تنتمي في الروح والشكل والمعجم الشعري إلى تلك الحقبة الستينيّة – السبعينيّة، وتغلب عليها نبرة مقاومة، بطولية، شائعة في التجربة الشعرية الفلسطينية في تلك المرحلة. وتُمَثِّل هذه المجموعات الخمس ذروة منجز المناصرة، وبصمته الخاصة في التجربة الشعرية الفلسطينية، إن لم نَقُلْ في التجربة الشعرية العربية المعاصرة. لأنها تجعل من التعبير الشعري شكلاً من أشكال الالتحام بالأرض الفلسطينية، وموجوداتها، وأساطيرها، ومرويَّاتها الشفهية، ومعجمها اللغوي المحكي؛ وتصنع من هذا كله شعراً يسلك نفسه في إطار الشعراء التموزيين العرب (من أمثال بدر شاكر السياب، وخليل حاوي، وأدونيس)، ولكن من خلال استعمال أساطير ومحكيات وعناصر محلّيّة فلسطينية طازجة وحية، دون أن تضطر إلى اللجوء إلى حشد، ومراكمة، أساطير مستعارة، يونانية وغير يونانية. إنه شعرٌ طالعٌ من الأرض، ومن التجربة المخصوصة للشاعر وجماعته الفلسطينية.

في مجموعته "يا عنب الخليل"، يسعى المناصرة إلى العثور على صوتِهِ الخاصّ في مرحلة من مراحل تطور التجربة الشعرية المعاصرة احتشدت فيها الأصوات الشعرية الطالعة في جغرافيات عربية متعددة، لتجديد دم القصيدة. ونقع في هذه المجموعة، التي أنجزها الشاعر ولم يكن قد جاوز العشرين من عمره، على تأثيرات من يُطْلَق عليهم وصف الشعراء الرواد، خصوصاً بدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي.

"وإذا ما جاء شهر الموت ترتجُّ ضلوعي/ ذلك المقهى الذي زادَ وُلوعي/ شَرِبَتْ ردْهاتُه بحرَ دموعي/ ذلك المقهى الذي يقبَعُ في حضن "الحسين"/ جئتُهُ في ليلةٍ غامضةِ الأسرار../ كي أدفن أحزاني وكي ألقي اليدينْ/ مرَّتينْ/ جئتُهُ في ليلةٍ واحدةٍ../ - يا أصدقائي: صدّقوني – مرَّتين". (يا عنب الخليل، دار العودة، 1970، 39)

يُضافُ إلى ما تسرَّبَ من الشعر المصري إلى قصيدة المناصرة، في تلك الفترة المبكِّرَة من تجربته، تأثيراتٌ جنينيَّةٌ لشعر المقاومة ممثَّلاً بصورة خاصة في أشعار محمود درويش الأولى.

"سمِعْتُكَ عبر ليل الحزن أغنيَةً خليليَّة/ يُرَدِّدُها الصغارُ وأنتِ مرخاة الضفائر../ أنت داميةُ الجبين/ ومرمرنا الزمان المرُّ يا "حبرون"/ يعزُّ عليَّ أن ألقاك مسبيَّة/ سمِعْتُكِ عبر ليل الصيف أغنيةً خليليَّة/ تقول تقول: يا عنب الخليل الحرِّ/ لا تثمر/ وإن أثمرت.. كن سُمَّاً على الأعداء../ لا تُثْمِر". (يا عنب الخليل، 16)

لكن هذه التأثيرات، المتوقَّعَة في السنوات الأولى من ولادة التجربة الشعرية، سرعان ما تتوارَى لتُخَلّي المكان للبذور الجنينية الأولى للرعويَّة الكنعانية الطالعة في قصيدة المناصرة، التي ينْهَمِرُ فيها معجم الطبيعة الفلسطينية ليؤثِّثَ، من الآن فصاعداً، تجربة الشاعر الفلسطيني الذي يُعْلِنُ انتماءَهُ إلى الأرض عبر التغنّي بموجوداتها وعناصرها، ونباتاتها، وحيواناتها، وحشراتها، وصخورها، ووديانها، وجبالها، وينابيعها، وبحرها الميت الذي يُمَثِّل تعزيمةً سحريَّةً في شِعْر المناصرة كله.

"يا سيدتي الكنعانيَّة/ جرَّتُك دليل العشاق، عطاشٌ في بريَّة لوط/ جرَّتُك المشويَّة في الطابون/ تحرُسُها هالاتٌ وإشاراتٌ سحرية:/ نَقْمَشَةٌ لرغيفٍ/ حجرٌ منقوشٌ كعروسٍ في ليلة دُخْلَتِها/ روثٌ ذكَّرني بسنابل راعوث/ رأسك، قُبَّتُهُ كوليٍّ صالح/ جرَّتُك الراشحةُ بأنداء التين/ جرَّتُك لزيت الزيتون/ جرَّتُك لدبسٍ يُثْقِلُ أدمغةً في الصبح البارد/ مجموعة أوتار تعزفها الريح الجبلية/ فوق رؤوس الحطابين/ غَدْفَتُها منديلٌ ملفوفٌ حول التفاحة/ أسراب النورس في مُنْعَرَجات البحر الأبيض/ أبيضُ، أبيضُ، يا أبيض/ كم يذبح أوردتي اللحم الأبيض/ كم يدهشني الأبيض يا متوسط/ كم تقتُلُني الفِتنُ الكبرى في أطراف عروق التطريز/ كم راقبتُ حمامةَ وادينا حين تحطُّ على الإفريز/"مرَّت مرَّت.. ما مرَّت/ مرَّت.. ما مرَّت/ مرواد الكُحُل في العينِ مرَّت". (ديوان عز الدين المناصرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1994، 93)

في المجموعتين التاليتين، "الخروج من البحر الميت" و"قمر جرش كان حزيناً"، يُطَوِّرُ المناصرة عالَمَهُ الشعري من خلال دمج العناصر الرعويَّة الكنعانيَّة، وتأثيرات التموزية الشعرية العربية، بالصوت الشعري الفلسطيني المُقاوِم، مُدْرِجاً "البحر الميّت"، ككيان جغرافي ودلالي ورمزي، كعنصر من عناصر رعويَّتِه الكنعانية، وتعزيمة سحرية تحتّلُّ بؤرة العمل الشِّعْري، وتُشَكِّلُ إطاراً معنويّاً وإيقاعيّاً يفيضُ خارج القصيدة، ويُوَحِّد الذات الشعرية المتكلِّمَة ببحرها، بالمياه المالحة الساكنة في "بحره الميت".

"هذا البحرُ المأكول المذمومْ/ منذ خراب مدائِنِهِ العامرة الأرجاءْ/ قاع العالم هذا البحر الحيّْ/ البحرُ الأخضر فوق سرير الموت الأحمر – أصفرْ/ منذ رفيف فراشات الوعر المردوم/ قُرْبَ الزلزال الناريّ/ يتلوه صهيلُ بناتُ الرومْ/ ثمَّ مؤامرة الصمت البيضاءْ/ تتلوَّى خاصرة العالم كالجنيَّةْ/ الحيَّةُ بنتُ الحيَّةْ/ ... البحرُ النائمُ في حضن فتاةٍ مقتولةْ/ البحر المتمدّد في قلبي الوثنيّْ/ الضوء الطازج في قلبي كسراج الغولةْ/ البحر الآثمُ ملحٌ أقوى من قهقهة الطفل الجنّيّْ/ البحر المشدود كقَوْسٍ... كهلامٍ مَرْخيّْ/ البحر الميّتُ فوق الطاولة الحجريَّةْ/ البحر النبطيْ/ معتكر الروح، ضفيرته مبلولة/ برذاذ الدمع البَدَويّْ". (ديوان عز الدين المناصرة، 119)

أما في المجموعتين التاليتين "لن يفهمني أحدٌ غير الزيتون"، أو "بالأخضر كفَّنّْاه" (كما أعاد عَنْوَنَتَهُ في المجموعة الكاملة (1994)، أو أنه نقل بعض قصائد هذه المجموعة إلى مجموعة "جفرا")، و"جفرا"، فتحضر العناصر الشعرية لقصيدة المقاومة. وهي وإن لم تكن العناصر الوحيدة التي تُشَكِّل عالم قصيدة المناصرة في هذه المرحلة، إذ إنها تنضاف إلى عناصر رعويَّتِه الكنعانية، لكنها تقوم بإبراز البُطُوليّ، والصوت المقاوم، والاستشهادي، في الآن نفسه.

"بالأخضر كفَّنّاه/ بالأحمر كفَّنّاه/ بالأبيض كفَّنّاه/ بالأسود كفَّنّاه/ نَزَفَ المطرُ على شجر الأرْزِ لذكراه/ وعلى الأكتاف حملناه/ بَكَتْ المُزْنُ البيضاءُ لمرآه". (ديوان عز الدين المناصرة، 273)

لكنَّ هذا المزج بين الشعريَّة الرعويَّة وعناصر البطولي والمقاوم تتأوَّج في مجموعته "جفرا" التي تنجح في الإفلات من النبرة العالية، والصراخ باسم المقاومة، الذي غلب على كثيرٍ من الشعر الفلسطيني في فترة صعود منظمة التحرير الفلسطينية، وتستبدل هذه النبرة العالية وإيقاع البطولة بعناصر الطبيعة وإيقاع الخصب الذي يُلَوِّنُ شعر المناصرة.

"جفرا جاءت لزيارة بيروت/ هل قتلوا جفرا عند الحاجز، هل صلبوها في بيروت؟!/ جفرا أخبَرَني البُلْبُلُ لمّا نقَّر حبَّات الرمَّانْ/ لمّا وَتْوَتَ في أذني القمرُ الحاني في تشرينْ/ هاجت تحت الماء طيورُ المرجانْ/ شجرٌ قمريٌّ ذهبيٌّ يتدلّى في عاصفة الألوان/ جفرا عنبُ قلادتها ياقوتْ/ هل قتلوا جفرا - قُرْبَ الحاجز، هل صلبوها في التابوت؟!" (ديوان عز الدين المناصرة، 337)

في المجموعات التالية: كنعانياذا (1983)، حيزيَّة (1990)، رعويَّات كنعانية (1992)، لا أثق بطائر الوقواق (2000)، لا سقف للسماء (2009). يجرب المناصرة، بالنثر، وما يسمّيه "قصيدة التوقيعات"، أن يمزج رعويّاته الكنعانية بأشكالٍ من الكتابة الشعرية والنثرية، في محاولةٍ لانتهاك بنيَة الشكل الشعريّ، وتخليصه من الإنهاك الجمالي الذي لحق به نتيجةً للتكرار وتغيُّر شروط الكتابة الشعرية وتبدُّل زمانها. ويمكن النظر، كمثال على هذه المرحلة من مراحل تطور تجربة الشاعر، إلى مجموعة "كنعانياذا"، التي تُقيم توازياً دلاليّاً رمزيّاً في العنوان مع "إلياذة" هوميروس، وتطمح إلى كتابة ملحمة موازية من خلال ربط الحاضر بالماضي، حاضر الفلسطينيين المعاصرين بماضيهم الكنعاني المُقتَرَح، بوصفها انزياحاً في الشكل، وتشديداً، في الوقت نفسه، على العناصر والبذور الأولى في تجربة المناصرة الشعرية. فعلى الرغم من أن معظم نصوص هذه المجموعة تتَّخِذ من شكل قصيدة النثر المفتوح وسيْلَتَها التعبيرية، إلا أن المواد التي يبنِي منها الشاعر عالَمَهُ تبقى هي نفسها: وصف الطبيعة الفلسطينية واستحضار عناصرها، نباتاتها وحيواناتها وطيورها ومياهها وناسها، في استعادة دائمة مستمرة لرعويّاته الكنعانية. لكنَّ الشكل النثري في هذه النصوص يحرِّر الشاعر من القيود والتقاليد الشعرية التي ألْزَمَ بها نفسه في معظم شعره السابق؛ الوزن والقافية وما يتَّصِل بالعروض الخليلي من شروط.

في قصيدة "عيد الشعير"، في مجموعة "كنعانياذا"، يستعيد الشاعر طقوس الكنعانيين واضعاً الذات المتكلِّمَة في بؤرة النص، كصياد عصافير ماهر، في مطابقة واضحة بين الفلسطيني المعاصر والكنعاني القديم بوصفهما الشخصَ ذاته، إذ الأول من نسل الثاني واستمرارٌ له.

"أحمل مقلاعي، ألتقط الحصى من مساقط التلاعْ/ أرشق العصافير في أعالي الخلايِل/ يتمالك العصفور أعصابه/ يمسك بالغصن المتعالي، لكنه ينحدر/ يسَّاقط كالنَفَلة على الصخرة المعشوشبة./ ألتقطه ككلب السَلَق وأطويه في جرابي كالبدوي/...../ الكنعانيون يحتفلون بعيد الشعير في الأباطحْ/ لزجون: عرق، حصى البحر الميّت وجنازات أحبابي./ يتلذذون بالأهازيج والسيوف البرونزية/ وأنا أنقش فوق الصفاة أسماء قتلاي". (ديوان عز الدين المناصرة، 411)

لكن القصيدة سرعان ما تنفتح في سطورها الأخيرة على حاضر الذات الشاعرة المنفيَّة، المغتربة، البعيدة عن أرض كنعان، التي تلوذ بكائنات وحشتها المتدفقة.

"شُقّوا طريقاً أيها الكنعانيون في الوعر لحميركم/ لدمكم يُسرسِب كالماء في حواف الأنهار/ ..../ ها أنا في القطارات أرسم تضاريس قلبي/ وأشبِّهُها بآلائك:/ - أحجارٌ كريمة وزبيب بنات الشام/ الحدُّ الأدنى لكائناتي ووحشتي المتدفقة". (ديوان عز الدين المناصرة، 412)

لقد كان المناصرة واحداً من الشعراء الفلسطينيين، والعرب، البارزين الذين شَقّوا دروباً جديدةً للقصيدة العربية المعاصرة في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، بصورة خاصة، ويستحق، انطلاقاً من تجريبيَّته، ومزجه بين الأشكال، وانتهاكه للتقاليد الشعرية العربية، والطاقة الفوَّارة في نَصِّهِ الشعريّ، أن يحتلَّ مكانةً أساسيةً في متن المدوَّنَة الشعرية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين.

 

عن (منصة الاستقلال الثقافية)