في سن السابعة عشرة ظهرت على خد آمنة الأيمن بقعة داكنة. في البداية لم تكن ملحوظة، تحورت مع الوقت وأخذت أشكالا مختلفة حتى استقرت في شكل ولون ثمرة خوج يابسة. أحيانا تبدو كـأنها طيف سوف يتلاشى؛ شفافة غير واضحة، خاصة عندما تضحك ويكون وجهها مشرقا، لكن في لحظات الحزن تظهر ثمرة الخوج بلونها البنفسجي الداكن أكثر دكنة من بشرتها القمحية، كأن وجهها يميل جهة اليمين.
تضاربت الآراء في العائلة بشأن اللحظة التي ظهرت فيها الخوخة. تؤكد الجدة أنها رأتها منذ طفولة آمنة. خالتها سناء تؤكد أن وجهها كان جميلا مثل البلور ولم يكن به شائبة وتميل على الجدة مؤكدة أن وحدة البنت وحزنها لأن أمها تركتها في فترة المراهقة وسافرت برفقة زوجها إلى الإمارات هي السبب في ظهور تلك البقعة. وتفرد كفها قائلة: "ماذا ستعمل الفلوس لهم الآن؟ الولد يرسب في الثانوية كل عام حتى سبقته أخته الصغيرة والبنت روحها في أمها، نفسيتها تعبانة." تطوح الجدة رأسها متفهمة غيرة ابنتها الكبيرة من أختها ولاتجيب، وتظل مصرة أن آمنة ولدت بهذه الوحمة.
ساهمت الأم أيضا في النقاش عبر البريد وذكرت في آخر رسالة إنها لاتنام الليل من أجل آمنة وأنها حينما تعود في الصيف سوف تعرضها على أحسن الأطباء، أما آمنة فتخالف الجدة وترى أنها لم تولد بثمرة الخوج الناشفة على خدها والمرجح أنها ظهرت أثناء المذاكرة في الثانوية العامة.
*
في الصيف، بعد عودة الأم والأب من الإمارات، رفضت آمنة أن تغادر شقة جدتها في شارع قطيني لتعود إلى شقة أبيها وأمها في شارع الأمين وقالت إنها عاشت هنا ثلاثة أعوام ولا تريد أن توتر نفسها بالانتقال وبعد شهور تعود مرة أخرى.
في الصالة الواسعة في بيت الجدة حيث جاءت الأم والأب وقت لصق طوابع التنسيق للالتحاق بالجامعة وجاءت العائلة للمباركة أخذت ثمرة الخوخ وجودا رسميا وأطلقوا عليها "وحمة" واعترفوا بها كمشكلة عائلية. يومها –بعد مغادرة الأقارب-بكت الأم وهي تجلس على الكنبة الكبيرة واشتكت من سوء بختها، وأسرت إلى الجدة بأنها تشعر بأنه عقاب إلهي على ترك الولد والبنت في فترة المراهقة، ولأول مرة تبدو متشككة وهي تحاول أن توقف الإحساس بالذنب وتقول بصدق إنها تبني مستقبلهما: "لو لم نشق في الغربة كيف يمكن أن نجهز البنت، ونشتري للولد شقة؟"
في تلك الأجازة استشاروا طبيبا من أقارب الجدة فقال إنها مرض جلدي يجب علاجه، لكنها يمكن أن تضيع من نفسها كما ظهرت من نفسها، نصبر قليلا، فلا ضرر في الأمر، وفي الصيف التالي كانت الخوخة اليابسة قد استقرت واحتلت الخد الأيمن ولا تريد أن تفارق الوجه مصرة أن تفسد جمال آمنة.
*
عيادة الدكتور رمزى مصطفى أخصائي الجلدية في مبنى حديث في مواجهة محطة القطار، العيادة ضيقة، الطرقة مظلمة والكراسي من الخشب. يجلس الكثير من النساء والرجال. رأت آمنة البثور على الوجوه، والسنط في الأكف، والبشرة الملونة بألوان قرمزية وبقع من اللون الأبيض الشاهق في قلب بشرة سوداء، وأهلة تحت العيون، عدد كبير من الألوان تظهر على بشرة الناس علامات غريبة على أمراض، تواريخ مجهولة لا أحد يدرك منابعها؛ فالجلد والبشرة مرآة لما يحدث في داخل الإنسان مثلما قال الدكتور، والمرء يجب أن يصلح الداخل قبل أن يعالج البشرة، هكذا تحدث الطبيب مع آمنة بلطف وطمأنها.
عادت آمنة بعدد كبير من الكريمات والمراهم والأقراص وقدر من الأمل أن تتلاشى تلك البقعة ويعود الوجه إلى نقائه الأصلى. في الليل تضع الكريمات على الخوخة وترقد تحدق في السقف، وفي صمت الصباح، تقف أمام المرأة وقد غسلت وجهها من الكريمات، منتظرة أن تجد تلك البقعة وقد اختفت، وتجد الوجه وقد عاد إلى صفائة القديم. كل صباح يتجدد الأمل، فبعد أن تمحى الدهانات سوف تجد ثمرة الخوخ قد رحلت.
راقبت التغيرات التي حدثت في البشرة. أطراف البقعة تتحول إلى لون قريب من لون جلدها القمحي، والدكنة تتراجع من إطارها الخارجي، وأصبحت الأيام هي المسافات التي سوف يأخذها اللون الطبيعي للوجه في الانتشار من الأطراف الخارجية حتى يصل إلى مركز الدائرة، إلى النواة حيث سيأتي صباح يوم من الأيام وتجد الوجه قد عاد إلى أصله.
لكن الشفاء يأخذ طرقا غريبة، فبعد أن استقر رأي العائلة -حتى الخالة التي لا يعجبها العجب-من أن البقعة تضيق، وتنكمش، توقف الانكماش عند درجة معينة، وفي إعادة الكشف للمرة الثالثة بدا الطبيب الشاب المزهو بنفسه، راضيا عن التقدم.
اقتنعوا بعد ذلك أن الشفاء لن يأتي من الحواف بل أن لون المنطقة كلها يبدأ في الزاول مثل ظلام ينقشع بالتدريح، وكان الأمر قد أصبح حقيقة فعلا. في أيام الامتحانات في الصيف في وقت الحر وضوء الشمس الساطح عندما تخرج من الباب الحديد لكلية التربية وتقف قليلا على رصيف خال، كان وجهها المحمر قليلا وانشغالها بالامتحانات وبسمتها التي تملأ وجهها يؤكد أن تلك البقعة في طريقها إلى الزوال.
بعد عدد من الزيارات، وعدد كبير من المراهم والأقراص، بدا أن المنطقة المصابة يحمر جلدها أكثر من بقية الوجه ولون البقعة يزداد دكنة، وقال الدكتور سوف نستريح قليلا من الدهانات حتى لا نرهق البشرة، كانت قد بدأت حبيبات صغيرة تطلع في تلك المنطقة، مثل قشعريرة دائمة.
في تلك الأيام أخبرتها إحدى صديقاتها أن أستاذة كبيرة عائدة من أمريكا تعالج تلك البقع بحقن المنطقة بسوائل خاصة لإذابة الصبغة. ذهبت آمنة إلى عيادة الطبيبة في عمارة جديدة في الطابق الثاني. العيادة مضيئة والكراسي منجدة ورائحة مكيف الهواء طازجة مثل رائحة قطارات الدرجة الأولى. انشرح قلبها واعتبرت تلك الرائحة رائحة الأمل. كانت الدكتورة تعالج المنطقة بالحقن من مسدس يطلق شظايا صغيرة على تلك المنطقة ورغم أن الأمر كان مؤلما مثل خبطة بمعدن في العظام، لكنها استعدت لتحمل أي شيء من أجل الخلاص من تلك البقعة.
كانت النتائج أكثر جدية وسرعة، فبعد عدة أيام من الجلسة الأولى بدت البشرة حمراء، متورمة قليلا، لكن بمرور الوقت راح الالتهاب وهدأت الحمرة، وتحول لون تلك المنطقة إلى لون فاتح، وبحساب بسيط فإنه بعد خمس جلسات ستكون تلك البقعة قد تلاشت بالكامل، ويبدأ وجه آمنة يضيء. قضت ليال ساهرة تذاكر في السنة الثالثة في كلية التربية، على حافة البهجة فقد غدت قاردة على الضحك مرة أخرى، وعلى التفكير في المستقبل، تتخيل نفسها وقد عادت مرة أخرى مثل القمر.
انتهت الجلسات الخمس، وظل الحال كما كان في الجلسة الأولى بل أن المناطق التي كانت تطلق عليها الطلقات تركت نقرا في الوجه، وبدا أنه لا يمكن أن يحل الموضوع بهذه الطريقة.
*
عادت النقاشات مرة أخرى حول الوقت الذي ظهرت فيه الوحمة، كأنهم بالبحث عن أصلها، سوف يكتشفون سبب ظهورها وبالتالي يكشفون طرقا جديدة لعلاجها. أكدت الجدة مرة أخرى وأخرى أن البنت مولودة بها وأنها رأتها عندما كانت صغيرة، تلعب على بسطة السلم، مع أولاد أم فتحي، قبل أن يسافروا إلى عمان، وتستشهد بالصور التي تحتفظ بها ذاكرتها لآمنة وهي تلعب بعرائس من القماش صنعت لها سريرا، وشعرها ينزل ناعما يحيط بوجهها فترفعه متضايقة، لكن آمنة ترد بغضب: "يعنى أنا لا أعرف نفسي؟" تقول الجدة بخبرة العمر: "كلنا نعرف أنفسنا لكن لا ننتبه إلى التبدلات."
تصمت آمنة ويشق القلق دروبه السرية في روحها، ويدفعها إلى الاهتمام بحجم البقعة ولونها وتعرجاتها، هوسا جعلها تأخذ السؤال بشكل جدي وتتعمق في تتبع مشاعرها، كأن تغيرا غير مرئي قد حدث في كيانها، كأن أمرا داخليا تراكم في تلك المنطقة وظهر أمامها، كأنه ذنب تجمد، أو ضغائن بدل أن تترك بقعا في القلب تركت تلك الخوخة اليابسة على الخد.
راجعت ذكرياتها من أيام ما كانت تلميذة في المدرسة الابتدائية ومشيها في شمس صباح الشتاء بالمريلة السمني ووقوفها في آخر الصف لأنها كانت أطول بنت ولعبها مع أولاد خالتها في شارع الفاتح ولعبها مع أولاد أم فتحي على بسطة السلم، ولون البرتقال في الشتاء ورائحة سوق شوقي الذي طالما صحبت جدتها إليه في يوم الجمعة. تتذكر نفسها أثناء تأملها لوجهها في مرآة بيت جدتها عندما جاءت لتقيم بعد سفر أبيها وأمها، كانت في الصف الأول الثانوي، تشعر بجمالها مع اشراقة الصباح وتنزل منشرحة الصدر فرحة بنفسها إلى مدرسة قاسم أمين الثانوية.
تؤكد لها تأملاتها ومشاعرها بنفسها أن الوحمة لم تكن موجودة في فترة المراهقة المعذبة عندما بدأت تشعر بإنزيمات الأنوثة تنتشر في جسدها وتسبب لها مغصا شديدا عند اكتمال القمر في كل شهر، تتذكر صورتها في مرآة دولاب جدتها القديمة، التي تظهر فيها الوجوه بأحجامها بدون عكارة المرايا الرديئة، يحيط بها نوع من الضوء والوضوح وتبدو أكثر جمالا، تتساءل آمنة إن كانت –في ذلك الوقت-مشغولة بتأمل ملامحها: نسب الأنف والفم إلى بقية مكونات الوجه، فلم تنتبه إلى ظهور البقعة التي ربما كانت تتشكل هناك دون وعي منها؟
أخذت تراجع المرايا التي عرفتها في حياتها. مرآة البوفيه في بيت أبيها وأمها ومرآة بيت أم فتحي المغبشة ومرآة بيت خالتها المستديرة التي أحبت صورتها فيها، كل تلك المرايا لم تظهر فيها البقعة. ثم جاءها اليقين. لقد لاحظت هذه العكارة على خدها الأيمن في أحد الجمع في بيت جدتها أثناء المذاكرة في الثانوية العامة، ربما بسبب الحزن الذي غمر قلبها في ذلك اليوم، لأن إحدى صديقاتها قد أشعلت النار في نفسها. ظهرت في انتباه آمنة في هذا اليوم، لكنها ظهرت على أنها قديمة، كانت هنا من زمان، أو أنها لم تكن على هذه الدرجة من التحديد التي ظهرت به في هذا المساء الكئيب، وهي تنظر إلى وجهها في مرآة البوفيه في بيت جدتها.
بعد حمام الجمعة كانت وحدها في البيت. خرج أخوها الكبير مع أصحابه وجدتها خرجت لتزور ابنتها الكبيرة وتزور الحاجة تماضر بعد ما جاءت من العمرة. في ذلك اليوم شعرت بالدهشة وببعض التنغيص لظهور تلك البقعة الداكنة على خدها وتأملتها لكنها قالت إنها مجرد طيف سوف يتلاشى، كانت منشغلة بأمر أهم، مصرة أن تجتاز الثانوية العامة من أول مرة حتى تفلت من مصير أخيها الذي كان يرسب في الثانوية منذ ثلاث سنوات، كانت أمام مهمة أن تجتاز خيبة أخيها حتى لا تبكي أمها مثل هذا البكاء على خيبتها عندما تعود في الصيف.
*
في لحظات تسامحها مع نفسها تفكر آمنة بلمسة من الخجل أن تلك البقعة هي نتيجة حبها المكتوم لأيمن ماهر صديق أخيها الذي كان يعد نفسه لأن يعمل مغنيا أو ممثلا في السينما. هذا الحب الذي لم يستمر طويلا قبل أن تسخّر نفسها لخدمة هدف أسمي وهو إنجاز ما لم يستطع أخوها إنجازه من طموح الأسرة. حسمت الأمر وتوقفت عن حبه عندما رأته يمشي مع زميلة لها بعد خروجهم من مدرسة قاسم أمين ذات يوم ويصحبها إلى بيتها في العمارة الجديدة في نهاية شارع الحلو.
تشعر آمنة بالقلق كلما استدعت تلك الفترة، متهيبة أن ترى ذلك البتر الذي تعاملت به مع تعلقها بصديق أخيها ومع شهوات جسدها وخطورتها وأن ذلك قد يكون سبب تلك البقعة التي رحلت من القلب لتستقر في الوجه، لتذكرها بشكل سرى بهذا الحب الذي حطمته في مهده.
أحيانا تتذكر بشيء من الحزن وحدتها في تلك الشقة الواسعة في بيت جدتها منكفئة على الكتب، نحلت حتى ظهرت عظام الوجه والضلوع، كان الأمر فوق الطاقة، العيون يلمع فيها بريق عجيب، وكأنها تحاول تغيير مجرى الحوادث، ربما كان هذا السبب السري الذي لا يمكن البوح به، أنها تعاملت بعدوانية مع تلك البقعة على الوجه كما يعادي المرء كائنا شريرا، عضوا زائدا من الجسم.
في الحقيقة كانت تقيم ببحثها عن أصل البقعة أسطورة في وجه الصيغة القدرية لأصل الوحمة. لأن الصيغة القدرية "أنها قد ولدت بها حسب رأي الجدة" تعني أنه لا أمل مطلقا لتغيير مسار الطبيعة، ولكن التفسير الذي أقامته آمنة من أنها ظهرت أثناء المذاكرة في الثانوية العامة أو أنها أثر الحب الذي تخلصت منه في مهده، كان الغرص الخفي منه أن يفتح مجالا للأمل، إنه تفسير له غاية مختلفة عنه لا يشير إلى حقيقة نشأة البقعة بل يشير إلى رغبة التخلص منها.
*
جاءها اليأس في ذلك الصيف الطويل الذي أعقب التخرج عام 1984، والإحساس بأن الدنيا أغلقت أبوابها. تقف آمنة شاردة في الشرفة وتدخل لتلبي طلبا لجدتها التي ترقد مريضة في غرفتها، بدون البهجة والتقبل القديمين، بدون المرح والمزاح الذي كانت تتبادله مع جدتها، بدا أن الأمر قد انتهي، وأن تلك الخوخة الداكنة استقرت على الوجه وستظل هناك إلى الأبد.
عملت آمنة مدرسة في مدرسة ريفية بالقرب من طنطا. كل يوم في الصباح الباكر تمشي من شارع قطيني تقف عند المحافظة تنتظر ميكروباص يقلها إلى المدرسة تعود في الظهيرة مرهقة وجهها متوهج من حرارة الجو. فترة شيقة، وإن شابتها لحظات سأم ويأس، لكنها في الغالب غدت أكثر جدية وعملية، وكان جو المدرسة والسفر والمساعدة في أعمال البيت مناخا تخلصت فيه من العزلة التي تترك شعورا متضخما بالذات. لكن القلق عاد بقوة عندما أصبح من الضروري التفكير في عريس وبدا أن الخوخة الداكنة على الخد تقف حائلا بين آمنة وبين العريس الذي تستحقه. سوف تنقص من فرصها وتمنحها عريسا أقل عدة درجات من العريس الذي تستحق، حتى قالت أمنة ذات يوم لأمها غاضبة لن أعالج أي شيء من يريد أن يتزوجني يتزوجني كما أنا.
*
بتوصية من مدرستها الأولى قررت أن تخوض آخر محاولة للعلاج. وتسافر إلى القاهرة لكي تستشير أستاذا كبيرا في كلية القصر العيني. وصلت إلى القاهرة في الظهيرة، عيادة أستاذ الجلدية العظيم في عمارة سمنية اللون لها شرفات من الحديد في باب اللوق. كان الطبيب كبير السن أصلع وتبدو عليه سيماء الشباب والبساطة، كان يرتدي بدلته الكاملة ويجلس إلى مكتب صغير كأنه في انتظارها. سألها عما تشكو منه، وفحص الخوخة تحت عدسة مكبرة وعاد إلى مجلسه يسمع لآمنة تحكى عن رحلة العلاج والمراهم والمدسات، وغيرها من السبل التي طرقتها.
قال ببساطة:
"تخرجت من الكلية؟"
أومأت برأسها.
"وماذا تعملين؟"
"مدرّسة."
"اسمعى أنت صغيرة وجميلة. يجب أن تهتمي بمهنتك جيدا فكري أن تكوني مدرسة جيدة."
ثم ابتسم:
"علمي الأولاد جيدا."
بدت غير فاهمة لما يرمى إليه. لاحظ دهشتها وانتظارها. قال ببطء:
"لا تسمعى كلام من يقول لك أن تلك البقعة يمكن أن تعالج.. ستضيع وحدها أو لا تضيع."
وبلع ريقه وأكمل بجدية:
"سأنصحك نصيحة: لا تنظرى في المرآة كثيرا، النظر في المرآة يكبرها."
اتسعت بسمته وهو يتطلع إلى وجهها بمودة:
"وشك جميل بهذه الخوخة، لا أتخيل أنه يمكن أن يكون أكثر جمالا من دونها."
قالت آمنة بخيبة:
"ليس هناك علاج."
"ولا قرص اسبرين."
ظلت آمنة جالسة على الكرسي لا تستطيع التحرك كأنه حكم عليها بالإعدام. في النهاية اضطرت أن تقوم. قبل أن تخرج من غرفة الكشف قال باسما:
"سوف تختفي إذا لم تنظرى في المرآة."
*
قضت آمنة عدة أيام يائسة، تشبه الأيام التي عاشتها في الثانوية العامة، لكن الحياة تتحرك. تأتي حوادث لتغطي على حوادث، وبمرور الوقت بدأت تفهم معنى كلام الطبيب، وخطورة التحديق في المرايا، يجب أن يتحرك المرء من أمام المرآة قليلا ويهتم بما حوله حتى يتمكن من العيش، وعندما خُطبت بعد عام وتزوجت وأنجبت أول أطفالها، كانت ذاكرتها تعيد إليها وجه الطبيب الباسم ينظر إليها بمودة: "وشك جميل بهذه الخوخة، لا أتخيل أنه يمكن أن يكون أكثر جمالا من دونها." بعدما انجبت طفلها الثاني حلمت كثيرا بعيادة طبيب الجلدية لكنها لم تعد تفكر في تلك البقعة التي أصبحت، بمرور الوقت، باهتة كأنها ظل لعظمة الخد.
*كاتب من مصر