تقرير من تركيا

عن مهرجان اسطنبول الشعري الرابع

موسى حوامدة

لم يكن مهرجان اسطنبول الشعري الرابع الذي أقيم في مدينة اسطنبول في الثلث الأخير من الشهر الماضي مجرد منصة لإلقاء القصائد الشعرية، كان المنظمون يسعون رغم شح الإمكانيات إلى جمع أكبر عدد ممكن من شعراء العالم للتعرف على مدينة اسطنبول وعلى الثقافة التركية وعلى الشعراء الاتراك، وكان المنظمون منفتحين ثقافيا وانسانيا بعيدا عن السياسة الرسمية للدولة، فقد تم استضافة عدد من الشعراء الاكراد بينهم اكراد من تركيا والعراق وسوريا، وقال زكي طومباك مدير المهرجان إننا هنا لا نهتم بالسياسة ولا بموقف الحكومات ونحن نفتح الآفاق للشعراء الأكراد للحديث بلغتهم والتعبير عن هويتهم، وفي سياق ثان تم استضافة ثلة من الشعراء الايرلنديين، وتم تخصيص ليلة خاصة للشعر الايرلندي قدموا فيها الشعر والموسيقى والكلمات العميقة التي تتحدث عن المعاناة التاريخية للشعب الايرلندي.

وقد تبين أن هناك ضغوطات مورست على منظمي المهرجان لاستضافة شعراء إسرائيليين لكن المنظمين رفضوا ذلك بشدة، ورغم ان البلدية الداعمة طلبت منهم ذلك لكن المنظمين اصروا على موقفهم ورفضوا اشراك اسرائيل في المهرجان لأنهم يعلنون بصراحة موقفهم المتضامن علنا مع الشعب الفلسطيني والانحياز المطلق لعدالة قضيته، وهم يسعون للانفتاح على العالم العربي والثقافة العربية مع تقصيرنا البارز في هذا المجال سواء في الترجمة او المشاركة او الانفتاح على الثقافة التركية الحقيقية وليس على مسلسلات المافيا المدبلجة.

إلا ان الليلة العربية لم تكن منظمة بشكل جيد كما ان تغيب الشعراء العرب مثل قاسم حداد وسعدي يوسف وسيف الرحبي قللت من أهمية الامسية المخصصة للعرب وتم إلغاؤها في اللحظة الاخيرة. وقد تبين أن سبب عدم حضور الشعراء العرب جاء بسبب بعض المشاكل التنظيمية في المهرجان وإن كان المنظمون قد تكفلوا بحل كل المشاكل المالية المترتبة لحضور الشعراء المشاركين. لقد كانت الترجمة هي العائق الأبرز بين المشاركين، ولكن من الصعوبة بمكان أن تجد مترجمين من كل هذه اللغات الكثيرة في آن واحد وإلى كل اللغات الحاضرة، لكني سمعت أن الخلل في الترجمة حصل في هذه الدورة فقط بينما كان في الاعوام الماضية منظما اكثر وكانت الترجمة منسقة سلفا.

كان هناك حضور للشعر الايراني أيضا وللنساء الايرانيات كما تنوع الشعراء من مختلف دول العالم حتى من الارجنتين وكوبا وفنزويلا وبوليفيا بينما كان الحضور الأوروبي هو الابرز فقد جاء رئيس رابطة الادباء الالمان شخصيا وشارك في حضور المهرجان وألقى كلمة في الافتتاح وحضر عدد من الشعراء والشاعرات الألمان ومن السويد وايطاليا والبوسنة وأذربيجان وبلغاريا وغيرها. وتعمد المنظمون توزيع اللقاءات الشعرية في أكثر من مكان وليس في مكان بعينه وإذا كان الافتتاح قد جرى في آخر قصور السلاطين العثمانيين، قصر دولمة بهجة العريق، فقد تمت القراءات في عدد من الاماكن الأثرية والتاريخية وبعض الكنائس القديمة.

وقد لفت نظري انفتاح البنوك التركية على الثقافة ومساهمتها في صناعتها ودعمها المطلق وليس في فتح قاعاتها فقط للمهرجان بل إن بعض هذه البنوك قد أسس دور نشر وفتح غاليريهات للفنون التشكيلية وقدموا دعما حقيقيا للثقافة وعلى كافة المستويات، وفي كل المجالات الفنية والابداعية. وما يمكن ملاحظته هناك ان الكتاب الاتراك يعتبرون انفسهم مستقلين تماما عن سياسة الحكومات ولا يقبلون الخضوع للمؤسسات الرسمية وهم يحاولون توفير الدعم من قبل بعض المؤسسات والمتبرعين دون ان يكونوا تابعين للحكومة مباشرة بل يعتبرون قبول الدعم الكامل من الحكومات عيبا وخللا عميقا، وهذا برأيي شئ صحيح لان رضوخ المثقف للسلطة أيا كانت يعني تبعيته والأصل أن يكون المثقف حرا ومستقلا ونافرا من كل سلطة مهما كانت.

على كل يمكن القول ان مهرجان اسطنبول الشعري ما زال يرسخ اسمه في العالم وربما تتهيأ له الظروف ليكون في الاعوام القادمة أفضل، ما دام القائمون عليه يتقبلون النقد ويسعون لحل النواقص وتكريس اسم مدينتهم كحاضرة ثقافية وأدبية وليس سياحية فقط. 

musa.hawamdeh@gmail.com