وإذ أقول نماذج مختارة فلأن هذه المقالة أعجز من أن تفي هذا المشهد الثري بالإبداعات الشعرية المتنوعة الأنواع والمواضيع. وإني لأعتذر من كل شاعر في هذه القارة لم تسعفني الظروف أن أتناوله في ورقتي المتواضعة، آملة أن أعوض هذا التقصير في كتابات لاحقة. تفيد الدراسات التي تناولت الشأن العربي في أستراليا أن الثقافة العربية في هذا البلد ظلت حتى وقت قريب ثقافة هامشية غير معتد بها في أوطانها الأم. ففي تقرير أعده الإعلامي صالح السقاف لتلفزيون الجزيرة حول المشهد الثقافي العربي في أستراليا بُثَّ عام 2004، أجمع المحاورون على ضحالة هذا المشهد، إذ قال الشاعر وديع سعادة: ليس في أستراليا حركات ثقافية عربية يمكن مقارنتها بالحركات الثقافية العربية في الدول الأوروبية مثلا، ولكن هناك محاولات فردية يعوق نموها وتطورها أكثر من عامل منها أن صوت هذه الحركات لا يصل إلى الوطن الأم، وبالتالي تكتفي هذه الحركات بمجتمعها الضيق الذي هو الجالية العربية في أستراليا. ويزيد: إن المثقفين العرب الموجودين في أستراليا وصلوا إليها ممزقين هرباً من أوطانهم الأم التي تركت في أرواحهم جروحاً كثيرة، وجاؤوا إلى أستراليا بحثاً عن الاستقرار والأمان. وأنه لا يجوز أن نلوم الممزقين والمقتلعين وغير المستقرين إذا أخذهم هَمّ الحياة عن هَمّ الثقافة.
وقال الشاعر شوقي مسلماني: الغربة إذا شئت، دعني أسميها مقبرة الأحياء. لا أنت فيها حي فيُدعى لك بالصحة وطول العمر، ولا أنت ميت فيُتَـرحم عليك. والحاصل عندنا أننا حين نصدر كتاباً قد نقيم أمسية أدبية يتخللها توقيع للكتاب تباع منه بضعة عشرات من النسخ، ومن بعدها يقوم الكاتب بإهداء ما تبقى إلى الأصدقاء. وشبّهت نجمة حبيب حالة الأدباء العرب في أستراليا بالجزر العائمة، كل أديب/ أديبة قائم بذاته منعزل عن زملائه. وإن حدث وأشعل المنطقة حدث ما- مهرجان شعري عالمي، زيارة شخصية أدبية بارزة- تلتحم هذه الجزر إلى حين، ثم لا تلبث أن تعود إلى عزلتها وانعزالها. ثم أضافت: الكتّاب العرب الأستراليون محبطون ومهمشون وقل أن احترمت نتاجاتهم في دولهم الأم. هم كأدباء الأندلس الذين أغمط المشرقيون أدبهم واعتبروه أدباً هامشياً، ثم ما لبث أن فرض نفسه بعد حين. وإني لأرى أنه رغم تهميش المؤسسات الثقافية العربية لما يصدر عندنا في أستراليا، فإننا سنستطيع قريباً أن نفرض أنفسنا كما فعل الأندلسيون مع المشرق العربي[1]
ويبدو أن هذه الرؤية قد تحققت بعد زمن قصير من تاريخها. فما أن أطل العقد الثاني من الألفية الثالثة حتى عم المشهد الأسترالي العربي فيض من المؤلفات الشعرية متنوعة في مواضيعها وأجناسها ومستواها الإبداعي. وإنه ليسعدني أن أقدم في هذه الورقة قراءة في أحدث إصدار وصلني من الشعراء العرب الذين وجدوا في هذه القارة ملاذاً يؤمن لهم حرية القول والمعتقد.
* * * *
أديب كمال الدين[2]
أديب كمال الدين، شاعر حداثي، رأى في الشعر صرخة الروح وإطلاق أسئلتها الكبرى، وسر الحياة الذي لا حد لأعماقه. استلهم الحرف واتخذه عاشقاً ومعشوقاً. أثرى المشهد الشعري العربي بأربعة وعشرين مجموعة شعرية كان الحرف الموضوع الرئيسي في مجملها. ورغم تتبعي لمعظم إصداراته وقراءتها بلذة وشغف، لم أجرؤ على الخوض في الكتابة عنها لكونها نوع مستجد خارج عن المألوف من ناحية، وخارج عن نطاق تخصصي من ناحية أخرى. ويقيناً مني، أن بحثاً يتناول المشهد الشعري العربي في أستراليا ويغض الطرف عن هذه الطاقة الإبداعية سيفقد الكثير من مصداقيته. وبناء عليه، كانت هذه القراءة المتواضعة.
كان آخر ما وصلني من أعمال الشاعر أديب كمال الدين مؤلف بعنوان، "الأعمال الشعرية الكاملة المجلد السادس. وهو يضم خمسة دواوين: "شخصيّات حروفية"- "حرف من شمس"- "فتنة الحرف"- "قال لي حرفي"- "وكان له حرف". وفيها، كما في سائر أعماله، احتفى الشاعر احتفاء كبيراً بالحرف. فهو موجود في رحلته الشعرية على عدة مستويات: التشكيلي، القناعي، الدلالي، الترميزي، التراثي، الأسطوري، الروحي، الخارقي، السحري، الطلسمي، الإيقاعي، الطفولي وما إلى ذلك. والحرف عند أديب كمال الدين، قناع وكاشف للقناع، وأداة وأداة كاشفة للأداة، ولغة خاصة ذات رموز ودلالات وإشارات تبزغ بنفسها وتبزغ باللغة ذاتها. ورحلة الشاعر مع الحرف ممتدة عبر عقود من السنين حتى أصبح قَدَره، حتى أمكنه القول: أنا حرف، إذن، أنا شاعر![3].
في المجموعة الأولى من المجلد، شخصيات حروفية، يتعرض الشاعر لشخصيات عديدة من شرق وغرب تركت حضوراً لافتاً في الفكر والأدب والثقافة والفن. فعجّت المجموعة برموز أسطورية، ك"كلكامش" و"أنكيدو" و"شهرزاد"، وأخرى معاصرة من موسيقيين وشعراء وأدباء وناشطين اجتماعيين ك:"شوبان"، "فان كوخ"، "دميس روسوس"، "أنجلينا جولي"، "محمد القابنجي"، "زها حديد"، "صاحب الشاهر"، "سعد محمد رحيم" و"جان دمو" وغيرهم. وكان عرض الشاعر لشخوصه متعاطفاً في المجمل، وحيادياً في القليل منها. من هذه الفئة قصيدة بعنوان "أمام تمثال جان دمو". وجان دمو شاعر عراقي اتخذ الصعلكة طريقة حياة وعاش مشرداً بين المدن والحانات إلى أن حطت رحاله في استراليا، وكان قدره أن يقضي فيها بسبب داء عضال أصابه نتيجة إفراطه في شرب الكحول. ولسبب ما، أقامت له جمعية الكحوليين تمثالاً في مدينة سدني. ويبدو أن الخبر أثار قريحة كمال الدين فكانت هذه القصيدة التي يصح القول فيها إنها رسم كاريكاتوري بالكلمات. كما أنها تميزت بصورة شعرية فيها طرافة لمّاحة بدءاً من مطلعها "في أخبارِ الأوّل من نيسان". وليس خفياً ماذا يعني خبر في أول نيسان
أمام تمثال جان دمّو
في أخبارِ الأوّل من نيسان
أنّ جمعيّةَ الكحوليين في سدني
أقامتْ تمثالاً لجان دمّو
أمامَ الأوبرا هاوس.
كانتْ جموعُ الأستراليين والصّينيين والهنود
تمرُّ من أمامه
وتسألُ عن هذا الشّاعر
الذي لا يملكُ في فمه سوى سِنّ واحدة
وابتسامة ساخرة وسعت السّماواتِ والأرض،
وبيده قنينة خمرةٍ هائلة.
ولذا اضطررتُ أن أقفَ بجانبِ تمثاله
وأقرأ لهم كلّ يوم
قصيدةً جديدةً له.
رغمَ أنّ جان دمّو العظيم
لم يكتبْ سوى قصيدة واحدة،
قصيدة عنوانها؛ السُّكْرُ والشَّتْم
ومضمونها؛ السُّكْرُ والشَّتْمُ والعربدة!
النص الساخر سمة أساسية في أدب أديب كمال الدين تمتع وتلذ وتدهش في العديد من القصائد. أما في هذا النص فلها بصمة مختلفة، بصمة الثقافة والبيئة والمناخ الاجتماعي الأسترالي، كتلك التي نراها في أعمال الشعراء الأستراليين الأوائل: "هنري لوسن" و"بانجو باترسن" و"أ. دي. هوب" والتي يطلق عليها لقب sardonic mood . والنص أيضاً يكتنز الروح السمحة let it go وعلاقة المصاحبةmateship التي تعرف بهما أستراليا.
الآخر الذي هو أنا
لم أكنْ مُحتاجاً إلى ما تقول،
كنتُ مُحتاجاً إلى شفتيكَ.
ولم أكنْ مُحتاجاً إلى شفتيكَ بل إلى لسانِك.
لا لم أكن مُحتاجاً إليه بل إلى روحِك.
لا لا لم أكنْ مُحتاجاً إليها بل إلى حائك،
أعني إلى بائك،
أعني إليك.
وأعرفُ أنّكَ لا تعرفُ نَفْسَكَ مِثْلي
فقدْني إليك.
نعم،
جميلٌ أن ألتقي بأعمى مِثْلي،
تائهٍ مِثْلي
يبحث عنّي
ولا يتركني أهذي في الطّريق
إلى أن أموت.
تكتنز هذه القصيدة بعداً صوفياً كالذي نراه في أعمال الحلاج وابن عربي وغيرهما. فعتبتها الأولى (العنوان) يحيل إلى التوحد والذوبان في الآخر، إلى الذات الناقصة في فردانيتها الباحثة عن الآخر لتكتمل به وتكمله. وهي ليست وراء غاية مادية، فعِزلَتها عزلة روح لا جسد. وهي لا تبحث عن أنا متفوقة تستقوي بها بل عن أخرى ناقصة مثلها (أعمى مثلها، تائه مثلها، يبقى معها حتى الموت). وتكمن قيمة هذه القصيدة بأسلوبها السلس ورموزها القريبة من ذوق العامة فتعبّر بكلمات معدودة عن مضمون فلسفتين متناقضتين: فلسفة التوحد بين الخالق ومخلوقاته، والفلسفة الوجودية القائمة على استقلالية الإنسان وفردانيته.
ويبقى السؤال، ما هو السر وراء شعور اللذة والإدهاش الذي نحسه ونحن نقرأ هذه القصيدة!.. هل هو النبض السريع البعيد عن الرتابة؟ هل هو هندسة القصيدة ومعمارها المتراص، أم هو تناسق صورها كفسيسفاء نقشها صانع ماهر ؟ أم هي جدة الموضوع وحداثته؟
بل هو كل هؤلاء: عرض الفكرة ، محاورتها، تقلبها كما في كلايدسكوب، تدرّجها حتى الوصول بها الى مبتغاها، إلى نقطة التنوير التي تكشف عن غايتها.
تبدأ القصيدة باللعب على الكلام. تكررت لفظة "محتاجاً" خمس مرات متتالية ومثلها كانت لفظة بل. بدأت الحاجة مطلوبة لكذا، ثم عُدِّل عنها بكلمة بل إلى أخرى إلى أن استقرت عند حرفي الحاء والباء (حب). فتُهْنا!.. حتى توهّمنا أن نهاية المطاف قصة عادية. إنسان يبحث عن وَليفٍ ينهي عزلته. ولكن وجود حرفي الباء والحاء اللذين لهما قداسة عند كمال الدين جعلنا نستدرك أن هذا الحب أكبر من أن ينحصر بين شخصين .. لا بد أن يكون من ذلك النوع الذي خَبِره الحلاج الحلول الصوفي. حلول اللاهوت بالناسوت. ومن خلال هذه المعرفة نستطيع أن نتفهّم الرمزية العرفانية في قول الشاعر: "أعرف أنك لا تعرف نفسك مثلي ... أعمى .. تائه مثلي"، فهي لا تُنْزِل الذات الإلهية الخالقة إلى رتبة الإنسان المخلوق، وإنما ترفع المخلوق إلى منزلة الخالق. ولعله من المفيد أن ننوه أن مثل هذه الشطحات تلتقي مع المعتقد اللاهوتي المسيحي القائل بوجود طبيعتين للمسيح، واحدة إلاهية وأخرى إنسانية. ولعله للسبب نفسه ربط المستشرقون التصوف الفلسفي بالمؤثرات الخارجية بعيداً عن القرآن والسنة وردّوه إلى مصادر خارجية كالمسيحية واليهودية والفارسية والبوذية والأفلاطونية المحدثة.
أن تبحرَ في بحرِ الخساراتِ ليلَ نهار/ ذلك عنوان أعمالي الشِّعريّة الكاملة
بهذه الصرخة الصامتة اختصر أديب كمال الدين رحلته الشعرية وربما رحلته الحياتية أيضا. وإننا لو أردنا إعطاء دليل على صحة هذا الادعاء لاحتجنا الى مجلد قد يفوق أعماله الكاملة. ولكنني سأكتفي بقراءة في إحدى قصائده علّها تفي بالغرض:
لم تكن
"لم تكن" قصيدة مكتوبة بمناخات أرض اليباب ل"ت. اس. اليوت". هي مثلها توظف التراث الأسطوري والتاريخي والديني لتسليط الضوء على ما في فعله الجهل والتبعية البلهاء والمذهبيىة والقمع السياسي والفكري من تخريب، ليس فقط للعقول والنفوس بل لكل جميل في هذه الحضارة العريقة التي أبهرت العالم ذات قرون.
لم تكنْ غلطتي
أنّني أضعتُ دراهمَ العيدِ السّبعة
قربَ بوّابةِ المتحفِ العراقيّ
واتّهمتُ كلكامش بما قد حدث
وعلى صعيد الأسلوب، استخدم الشاعر تقنية السرد القصصي لابتعادها عن المباشر الذي تمجّه النفس، وللاستفادة مما لها من خصائص الإثارة والتشويق والإمتاع. وما الراوي إلا الإنسان العراقي المنكسر خفيض اللهجة المغلوب على أمره، ينفي مسؤوليته عن ضياع ثروته وهو يعرف ضمناً من سرقها ولكنه يلقي التهمة على حاكم بائد ليس له مخالب وأنياب تمزق وتطحن.
"أنا مُثلكَ، أيّها الطّفلُ،/ أضعتُ صديقي، وعُشبةَ روحي (يجيبه كلكامش). فالحوار الذي قام بينه وبين المخاطب أفسح المجال للنص أن يعطف الماضي على الحاضر ويقارن بينهما ليصل إلى نتيجة مفادها أننا اليوم في الدرك الأسفل من الانحطاط. وكذلك كان التناص تقنية أخرى لخلق تعددية الأصوات التي تبعد النص عن الخطاب الشفوي المحكوم ب"يجب" و"علينا" الذي تـمجّه النفس. وبهذا وصلت القصيدة إلى مبتغاها بيسر وسلاسة:
هذه فتنةُ العشقِ أيّها العاشقُ،
أيّها المُندهشُ بما جَرى لي أو سيجري.
إنّها فتنة أن ترى ما لا يرى الآخرون
وتعرف مِن اللهِ ما لا يعرفون
* * * * *
خالد الحلي: لا أحد يعرف اسمي[4]
وخالد الحلي شاعر متمكن له حضور قوي في المشهد الشعري العربي في أستراليا منذ تسعينيات القرن الماضي. له عدة دواوين كان آخر ما وصلني منها، ديوان لا أحد يعرف اسمي. وأول ما يلفت النظر في هذا الديوان الإخراج الأنيق ومصاحبة الصورة الفوتوغرافية للنص تضيئه وتسهم في الكشف عن جماليات صوره الشعرية
خالد الحلي شاعر الحزن العراقي الطويل
"لمَ لا تتركنا
أيها الحزن العراقي الطويل
لمَ لا تتركنا
لمَ لا تتركنا"
بهذه التوطئة يدخلنا الحلي مناخات ديوانه الجديد. وإن صحت مقولة أن الكتاب يقرأ من عنوانه فإنما تصح على هذا الكتاب. فبه (اي العنوان)، تتضح هويته: شاعر تعس مرمي بالفراغ.... عارٍ من الاسم ومن الانتماء على حد قول محمود درويش. وإن كان درويش قد استهجن هذا الانكار وتعزى لأن الشجر والمطر والعصافير تعرفه، فشاعرُنا لا عزاء له. . . هو مجهول في المطلق متروك للذهول.
عنوان يفرض نفسه علينا، يحفزنا، ويثير شهوة القراءة فينا، ثم تأتي العتبات الأخرى لتكمل الدور. فالغلاف الخارجي لوحة شاعرية متلونة بألوان شاحبة تثير مشاعر الحزنِ والاكتئاب. ثم تأتي التوطئة لتُعْلِمَنا أن حالة الاغتراب هذه ليست حالة رهابية أو نفسية أو عصبية، وإنما هي إرث جمعي أورثه وطن ابتلي بالمآسي والحروب للأنا الشاعرة.
لِـمَ لا تتركَنا
أيها الحزن العراقي الطويل
لمَ لا تتركنا
لمَ لا تتركنا
هذا التساؤل المرير والمتكرر، يحرك الراكد في ضمائرنا، ويحملنا على استرجاع تاريخ العراق المليئ بالمآسي والحروب. من مأساة كربلاء إلى الاحتلال الأميركي 2003، مروراً بالانقلابات العسكرية المتكررة والحكومات التوتاليتارية التي جثمت ثقيلة على صدور العراقيين وجرتهم الى حروب عبثية دفع فيها المثقفون الثمن نفياً وعزلة وسجناً وتصفيات جسدية. وشاعرنا خالد الحلي الذي عاش فوبيا التشظي والطرد والتخوين والعزل الثقافي، تنفس معاناته بقصائد ودواوين كان آخرها "لا أحد يعرف اسمي". ديوان محكوم برؤية وجودية اغترابية يجري التعبير عنها بصور شعرية متنوعة: فهي غاضبة عالية اللهجة حيناً، هامسة حزينة حزن العراق الأزلي حيناً آخر، ووجودية مشككة حائرة في أحيانَ كثيرة. ففي قصيدة "ألفية ومرآة" مثلاً، يخرج الشاعر عن السرب المهلل المبتهج بقدوم الالفية الثالثة، يعتزل الجموع َ الضاجة بالفرح، ويروح "يحرق أوراق فجور سني القرن العشرين" فيرى بين رماد الأوراق تاريخاً يبصق موتاه ويزغرد فوق دماء ضحاياه.
تغمرني الأشلاءُ فأغفو
توقظني أصواتُ سكارى وحيارى يرتج لها الشارع
أفرك عيني وأبصر في مرآة الألفية رقم ثلاث
فتبكي المرآة
وتنفجر المرآة
تحكى/ تبكي
تبكي/ تحكي
تشتم تضحك/ تضحك تشتم
أهرب مذهولاً
هذيان... هذيان... هذيان...
نشعر ونحن نقرأ هذه القصيدة كأننا في ساحة وغى إغريقية تتلاعب فيها الالهة بمصائرِ الناسِ وتصنع شقاءهم. هي لا تمجد بطولةً ولا تغنى انتصاراً، وإنما تكتب ذاكرةَ المغلوبين الذين يقع البلاءُ عليهم فيستسلمون له بقدرية عاجزة. هم السكارى والحيارى والموتى الذين بصقهم التاريخُ وزغرد فوق دمائهم. هم الأنا الكاتبة (الشاعر) المفجوع من قسوة الزمان الذي لا يملك إزاءه إلا الهذيان.
يصل الشاعر الى فكرته بصور شعرية لماحة، ويستخدم مفردات وتراكيب لغوية تُحْدِث جَرْساً موسيقياً له رنين. "الموتى الذين بصقهم التاريخ وزغرد فوق دمائهم". . . صورة شعرية لا تختصر معركة أو حرباً فحسب، بل تستنهض كل ما في الإنسانية من بؤس وعبثية منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا. هم موتى، لا شهداء ولا ضحايا. هم وخم، (بصاق التاريخ) لا مواكبَ ترافقُ نعوشَهم، ولا أمهاتٍ وحبيباتٍ يندبنهم، وإنما تهاليلُ وزغرداتٌ احتفاءً بتلاشيهم وتطهيرِ الوجود من دنسهم.
وفي قصيدة "أيقظني كنغر" يتماهى الشاعر بهذا الحيوان. كلاهما يعيش أزمة انتماءٍ ووجود. كلاهما يطارد القدر فيتحدان بالمصير في دوران عبثي ليس لأحدهما منه هروب:
أتخيل وجهي يتشرد مغترباً بين شوارع بغداد
النيران تطاردني
النيران تطوقني
النيران... النيران. . .
وانا اركض خلف كنغر
لا تحتاج هذه الصورة إلى إعمال فكر حتى نتحسس مأساة الشاعر الاغترابية فهو فيها غريبُ الوجه واليد واللسان. بل كإنسان جان بول سارتر الذي عصفت به الحروب وﺍلأﺯمات اﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ فأضاع انتماءه المجتمعي وانكفأ إلى صحراءَ قاحلةٍ أشعرته بالتمزق والاغتراب.
وتكمل قصيدة "لا احد يعرف اسمي"، ما بدأته "ايقظني كنغر" بصورة شعرية متظلمة خفيضة مسالمة. . . فالكنغر، رمزُ السكانِالأبؤريجينيين، أنكره المستوطنون البيض، أخرجوه من التاريخ، صنفوه بربرياً متوحشاً. تماما كما هي حال الشاعر مع مدينته بغداد:
صوتك يأخذني نحو سنين البهجة في بغداد
ولكن ماذا حل ببغداد
واين هي بغداد الآن؟
ولا يخفى ما وراء هذا التساؤل من إجابات مريرة عما حلّ في بغداد زمن كتابة القصيدة (2006)، وحملتني الصورة بعيداً عن بغدادَ إلى فلسطين فرأيت فيها حال شعبي في الداخل الذين سلبهم المحتلُ هويتَهم وتاريخَهم وفرض عليهم هوية وتاريخاً ملفقين.
لا تقتصر بلاغةُ الصورة الشعرية على الدلالة والتركيب فقط، بل تتعدادها إلى الإيقاع والوزن والتنسيق الداخلي بين المقاطع. كما أن الحلي، وظف التكرارَ ليؤكد المعني واستخدم البياض ليترك المجال للمخيلة ان تتوسع على مداها. وفي تكراره للطباق تأكيد على فداحة الحدث، وتحفيز لمشاعرِنا لنحس بما يحسه الشاعر. كما وأسهم الجرْسُ الموسيقيُّ للكلمة في جعلها أقوى واكثر علوقاً في النفس واستقرارا في الذهن.
* * * *
شربل بعيني: منارة الحرف
وشربل بعيني قيمة أدبية مرموقة أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب وفي مختلف الأجناس: شعراً ونثراً ، فصحى وعامية، مسرحاً ورواية وكتب أطفال؛ وفي مختلف المواضيع: رومانسية محببة من غزل وفخر وهجاء؛ نقد أدبي واجتماعي؛ وطنية واستنهاض همم. هذا إضافة إلى نشاطاته التي لا تهدأ ومنها: تلفزيون ومجلة الغربة اللذان يعملان على خدمة الجالية العربية في كل أطيافها دون التفريق بين قطر وآخر ولا بين ديانة وأخرى. وجائزته الأدبية التي هي مهرجان ثقافي تحكمه رؤية نقدية ثاقبة وعقل نزيه مترفع عن كل مذهبية واقليمية وانتماء عشائري او حزبي او قطري. فبين حاملي هذه الجائزة االفلسطينيي واللبناني والسوري والعراقي والمصري وغيرهم. وبينهم اليميني واليساري، الملحد والمتدين والى آخر ما في هذه الجالية من أطياف والوان
والجدير بالملاحظة ان نص بعيني المحكي قارب الشعر الفصيح وقرّبه من ذهن العامة كونه يحاكي ذائقة القارئ/ة القائم في الحاضر الذي يستسيغ ما تعود عليه سمعه ولاوعيه. فاللغة المحكية، امرأة غجرية حرة جريئة صريحة لا توارب، منطلقة على سجيتها، تُمتِع وتُشْتَهى بأكثر ما تفعل أختها الفصحى ربة الصون والعفاف المترفعة في برج عاجي.
في ديوان الله في نقطة زيت، نتعرف على ابن الجبل الأصيل الذي لم تأخذ المدنيّة ولا المجتمع الاستهلاكي من أصالته قيد أنملة:
خْلِقْنِي يَقْظَه بْلَيْلِةْ حُلْمْ
فَجِّرْنِي حُبّ وْإِحْسَاسْ
وْتِرْتِيلِه عَ شْفَاف النَّاسْ
وِحْمَامِه تْبَشِّرْ بِالسِّلْـمْ
يَا رَبّ الْقَاعِدْ بِالْبَالْ
نْفِخْنِي غَيْمِه وِسْع الأَرْضْ
تَا شَتِّي لْهَـ النَّاسْ غْلالْ
وْإِجْرُفْ مِنْ قِدَّامُنْ بُغْضْ
وْحَيِّكْ بَدْل الْبُغْض سْلاَلْ
زَيِّنْهَا بْبَاقَات الْوَرْدْ
النَّاطِرْ عَ شْفَاف الأَطْفَالْ
في كتابها شربل بعيني أيقونة الحرف[5]، أبدعت د. بهية أبو حمد في تقديمها لديوان مناجاة علي. تبدأ بالغلاف الذي هو صورة للإمام علي بن ابي طالب، فتثني على هذا الانتقاء بأسلوب يتراوح بين الإخبار: "الصورة تزين علاف الديوان وتتربع على عرشه" والمساءلة: " كيف لا!... وهو هامة دينية، فكرية، فلسفية، وإنسانية بحد ذاته". كما أنها تتعرّض إلى التناص الموجود في الصورة من جمال وجه، وطلة بهية وبين ما قاله المتنبي في شخصية الإمام، فأضافت بذلك فيض معنى على النص:
إِسْمَكْ، رَسْمَكْ، جِسْمَكْ.. عِنْدي
تَالُوت مْقَدَّسْ.. مِنْجَلّ
مْفَكِّرْ، عَالِمْ، وَاعِظْ، جِنْدي
سَيِّد.. ما في كِلْمِه تْدِلّ
...
مِنْ فَلْسِفْتَكْ، مِنْ أَقْوالَكْ
شَعِّتْ شِمْس.. وْطِلْع نْهارْ
...
.. وْهَاكِ الْوَقْفِه فَوْقِ الْمَنْبَرْ
حِمْلِتْنا عَ جْناحِ الرِّيحْ
كِنَّا بْرَفْعِةْ إِيدَكْ نِكْبَرْ
يا عَلِي.. وْتِعْلا تْسَابيحْ
...
مُشْ جايي للصَّحْرا بَسّ
لْناس.. بْيِحْكوا بِلْسانَكْ
جايي تْكَحِّلْ عَيْن الشَّمْسْ
وِتْلَوِّنْها بْإِيمانَكْ
...
دينَكْ دِيني، دين الْحُبّ
الْحُبّ اللّي بْيِجْمَعْ أَكْوانْ
ما بْيِظْلُمْ مَخْلُوق الرَّبّ
اللّي بْيِظْلُمْ هُوِّي الشَّيْطانْ
...
شو الإِنْجيلْ؟!.. وْشو الْقُرْآنْ؟
كتْب.. وْنِزْلِتْ كِرْمالي
فِسَّرْتا، قلتْ: الدَّيّانْ
واحِدْ.. تا تْرَيِّحْ بالي
...
قُلْتِلِّي: لا تْصارِعْ حَقّ
الْحَقِّ بْيِرْبَحْ مَهْما كانْ
..
وْقُلْتِلِّي: "الْباطِلْ مَغْلُوبْ
وَمَغْلوب الْغالِبْ بِالشَّرّ
تختم بهية ابو حمد كتابها بفصل قصير تستجمع فيه لقطات من "الشعر الفكاهي"الذي يعلق ويشيع ويؤثر أكثر من غيره من أنواع الشعر:
"بساحة الكنيسه النسْوانْ
لساناتُن متل السّكينْ
بْيِحْكوا عَ فلانه وفلانْ
عن حنّا اللاحِقْ فُوتين
جابْ منّا بْنات وصبيانْ
أَزْغَرْهُن عمرو عِشْرينْ
عن سامي الْمتل الشّيْطانْ
عنْ اخْتُو ستّ الحلوين
بدّو يْزَوّجها وْطمعانْ
بدوطه بْتِحْرُز وِبْساتينْ
بْزَنْكيل مْعَبّى وْحِرْزان
يْكُون عمْرو فوق السبعينْ
نسوان لسانُن فلتانْ
وتا حتّى يرضوا الدّيّان
ما بْيِنْسوا يْقُولوا: آمين"
كان
* * * *
شوقي مسلماني: شعره إزميل يحفر في المعاني (جاد الحاج)
حفزتني مقولة جاد الحاج أعلاه، على إعادة قراءة ديوان لغة الضوء[6] فكان أول ما حضرني قول الجرجاني: "إذا أتاك (النص) ممثلاً ، فهو في الأكثر يتجلى لك بعد أن يحوجك إلى طلبه بالفكرة، وتحريك الخاطر له، والهمة في طلبه. وما كان منه ألطف (اكثر غموضاً) كان امتناعه عليك أكثر، وإباؤه أظهر، واحتجابه أشد. ومن المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له، والاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه، كان نيله أحلى، وبالميزة أولى، وكان موقعه من النفس أجل وألطف، وكانت به أضن وأشغف"[7].
مِن مكانٍ وفي زمان
بدأتْ قطرةُ الدمّ تدخل في طورٍ أوّل
وتماماً مثلما هذا يسبح
وذاك يركض
وهؤلاء يطيرون وأولئك يزحفون
وما بين الكلّ من تبادل في الأدوار
لأنّ القسوة ولأنّ الرقّة
واليومُ الأوّل
يحمل في أحشائه اليومَ الأخير
من مكان وفي زمان
الموتُ أطلَّ أوّلاً
وهذا من أسباب تسلّطه بهمجيّة
وكلّما اقتربَ ابتعد وكلّما ابتعدَ اقترب.
إنه نص مكثف الصورة، يلمح ولا يصرح، يغري خيالك بتعقب صوره فما أن يستقر ذهنك على تأويل حتى يعقبه تأويل آخر ينقضه أو يعززه دون الإتاحة لك بوضع الأصبع على معنى محدد. إيماءات بسيطة (بدأت قطرة الدم تدخل يومها الأول. . . الموت أطل اولاً. . . وكلما اقترب ابتعد) تبطن تساؤلاً وجودياً حول العلاقة الجدلية بين الخلق والفناء. ورغم أن ظاهر اللفظ يوحي بالتقريرية وانغلاق المعنى (تماماً... لأن.. كلما) فإن تداعياته منفتحة على عدة تأويلات، فقد يستدعي قارئ/ قارئة ما، مقولة سارتر الوجودية: ليس بمستطاع الله ولا الطبيعة البشرية ولا الوجود ولا علم الأديان ولا حتى الفلسفة أن تجيب على الأسئلة الأساسية للوجود[8]، بينما يستدعي آخر عبثية المعري، في قصيدته "تعب كلها الحياة"، البيت الأول من قصيدة المعري:
تعب كلها الحياة فلا أعجب إلا من راغب بازدياد
بافتتاحية مسلماني:
من مكانٍ وفي زمان/ بدأت قطرة الدم تدخل طورها الأول
وفي فقرة: "الموتُ أطلَّ أوّلاً . . . وكلّما ابتعدَ اقترب"، استدعاء لما سماه الروائي الجزائري البير كامو بسخافة العالم[9]. وتحفز الثنائيات المتضادة: (يزحف/ يركض)، (الأول/ الأخير)، (القسوة/ الرقة.) ثنائيات تختصر نظريات فلسفية من ديانات وحضارات قديمة كمثل: النار والتراب، الخصب والموات، الخير والشر، الجنة والجحيم، العقاب والثواب. . . وقد يذهب الفكر بعيداً صوب جدال المدرستين القدرية والجبرية. وشخصياً، رحلت بي الذاكرة مع عبارة (اليوم الأول يحمل في أحشائه اليوم الأخير) إلى أيام الطفولة يوم لقننا الواعظ الديني ما أرهب طفولتنا: "تذكر يا إنسان أنّك تراب وإلى التراب تعود".
"الشرارةُ
حظُّها عند ذروة جبلِ المعارِف.
الشرارةُ
تاجٌ على هامةِ جليلِ التراكم
وجليلِ النوع
الرأسُ كما أراه
جهةٌ للاستعداد
جهة لتسجيلِ هيئةِ الحقيقي
وليس الذي يعبر سريعاً
جهةٌ
تنظر بعينين
ذات قدرة
على القطْعِ والوصْل
وعندها الطبول
ليست المسألة في التكافؤ
بل في شرف المحاولة".
يختصر مطلع هذه القصيدة (الشرارةُ/ حظُّها عند ذروة جبلِ المعارِف) نظرية معرفية في الإشراق الشعري ترى ضرورة بناء معرفي واسع وتجربة حياتية ثرية وخيال خلاق وذهن متيقظ وقاد. نظرية كتلك التي شرحها سيسل دي لويس قائلاً: . . . ولكتابة بيت واحد من الشعر على المرء ان يرى مدناً عديدة واناساً وأشياء. على المرء أن يتعرف على الحيوانات وأسراب الطيور والإشارات التي تفعلها الأزهار الصغيرة عندما تتفتح للصباح. على المرء أن يعود بفكره إلى أصقاع مجهولة. إلى مصادفات غير متوقعة، وإلى انفعالات توقعها منذ حينن إلى أيام الطفولة التي ما زالت غير واضحة، وإلى الأبوين اللذين جرحنا شعورهما عندما حاولا أن يقدما لنا بعض السرور الذي لم نفهمه .. لا بد من وجود ذكريات من ليالي الحب تختلف الواحدة عن الأخرى، وعويل النساء في المخاض .. لا بد ان يكون المرء قد صاحب اناساً يحتضرون وجالس الموتى في غرفة مفتوحة النوافذ والأصوات تتردد بنوبات. ومع ذلك فلا تكفي الذكريات، فالإنسان ينسى هذه الذكريات عندما تكون كثيرة وعلى المرء ان يملك الصبر لاستعادتها. آنذاك فقط قد تشرق الكلمة الأولى من القصيدة، في وسطها، وتنطلق منها[10].
ليس التكثيف وحده ما يميز هذه القصيدة، فالصور الشعرية المشغولة بدقة صباغ ماهر يجيد اختيار أصباغه، ويتدبر أمر مواقعها ومقاديرها وحسن مزجها وترتيبها بطريقة غير مسبوقة تؤمن للقصيدة جدتها وحسن استقبالها عند المتلقي.
الشرارةُ/ حظُّها عند ذروة جبلِ المعارِف.
ففي تكنية (من الكناية) الشاعر عن الفكرة بالشرارة أعطاها قيمة معنوية لا تتمتع بها في الحقيقة. فالفكرة شيء ساكن ينمو على مهل في عتمة الدماغ، بينما الشرارة لماحة، مفاجئة، تنبثق من تحت الرماد الصامت صارخة معلنة عن قدومها، ولو أنه إعلان قصير ولكن له صدى وتجاوبات من الانبهار والتعجب تدوم بعد تلاشيه وتبعث تداعيات تختلف من متلقٍ لآخر. وتظهر دقة الصنعة بتوشية الصورة بلفظة "حظها" التي أخرجت الفكرة (الشرارة) عن وظيفتها الحقيقية لتعطيها معنى تخيلياً، فإذ هي كائن حي، يتعرض لدواعي الحظ، لا مجرد شيء ما موجود في مكان ما. ثم يتبع الصورة الثانية صورة ثالثة هي: قمة المعرفة، فإذا المعرفة ليست مجرد قيمة معنوية فكرية، وإنما هي شيء حسي يدرك باللمس والبصر، له شكل يتألف من قاع وقمة. وقمته هي رأسه، انبل ما فيه، حيث يتربع هذا الشيء الجليل (الفكرة-الشرارة). فالشرارة بعد ان كانت في الصورة الأولى أمراً عادياً يخضع للحظ، قد يكون أو لا يكون، تبعتها صورة ثانية مجدتها وجعلتها تاجاً لأعلى ما تفتخر فيه الإنسانية جليل التراكم (المعرفي)، وجليل النوع. وفي صورة ثالثة نفى الشاعر ما نسبه للشرارة في الصورتين السابقتين وجعلها رهينة للرأس (الدماغ) الذي يختلف من مبدع إلى آخر وهي لذلك ليست دائماً جليلة وإنما هي محاولة عرضة للفشل والنجاح.
لن نستطيع إخضاع هذه الصورة للمنطق العقلي، وإنما علينا أن نتلقاها "مثل صدى، والصدى ليس مجرد تكرار. فحالما نموضع الصورة يتحتم علينا تخيلها مرة ثانية، لأن الصورة التي لا تفرض على الفكر إعادة تخيلها وتقويمها، لا تنهض إلا على جدول ذهني للرموز، تتماثل داخله الصورة مع الرمز"[11].
أسهب الناقد العربي القديم منذ كان الشعر شفاهة على قيمة البلاغة والفصاحة واسشتهد العرب بعبارة "القتل أنفى للقتل" كدلالة على القول الفصيح البليغ وعرفوها بقولهم إنها: "الإيجاز والاختصار وحذف فضول الكلام، حتى يعبر عن المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة. وهذا الباب من أشهر دلائل الفصاحة وبلاغة الكلام عند أكثر الناس، حتى انهم إنما يستحسنون في كتاب الله تعالى ما كان بهذه الصفة"[12]. وفي ذاكرة مسلماني الجمعية غرفة لهذه الحلية الإبداعية تجلت في قصائد قصيرة جداً كمثل:
تدعوه إلى العقل
يدعوك إلى علم الكلام
* * *
القبضةُ
شديدةُ التملّك
وقاسية.
* * *
رحلة
من ذئب
إلى
كلب.
* * *
الحواسُّ
غيرها في المرّة الثانية.
* * *
على قدر العقل يعبر الغد
* * * *
للغة مسلماني خاصية معينة، فهو يخرج بألفاظه عن معانيها المألوفة، يقيم علاقة جديدة بين الالفاظ لم يسبقه أحد إليها. وهي مع ذلك ليست مسرفة في الغموض. "رحلة من ذئب إلى كلب". تلاشت صورة الذئب التي نعرفه بها، وتلاشت صورة الكلب وخرجت لفظة رحلة عن معناها المجسد الى معنى عقلي، كأن تكون رحلة انسان خسيس يحاول أن يتسامى فيسقط في الأشد خساسة. وهكذا في بقية الصور اللاحقة، نحس كأنها الفاظ جديدة لم نعهدها من قبل. أصبحت تعني أشياء أخرى قد تختلف من قارئ إلى آخر، فالذئب قد يعني الذكاء وسعة الحيلة عند بعضهم والدناءة والمراوغة عند آخرين. وكذلك الكلب فقد يعني الوفاء للبعض ويعني الذلة والتبعية لغيرهم.
تحكم نصوص ضوء آخر رؤية مجتمعية نقدية تبرز أحيانا ملتزمة الأدب المسؤول الذي أراده رئيف خوري دفاعاً عن الحقيقة على اعتبار أن الحقيقة ليست واقع الحال فقط بل هي الحال أيضاً. من هذه الفئة نقرأ قصيدة بعنوان "جورج حبش"، تأبيناً لهذا الرمز الوطني المعروف بإخلاصه للقضية الفلسطينية ونضاله في سبيلها
جورج حبش
ورقةُ السنديان الناعمة والجارحة
أوّلُ الشرر وأوّلُ اللهب
الفكرة التي تلت النكبة
سار على خطى السيّد المسيح
في أرض الشريعة وبحر الجليل
كان عذباً كأنهار بلاده
علقماً كناقف الحنظل في قفار اللدّ.
فشجرة السنديان التي تسكن لاوعي الشاعر كرمز للعراقة والصلابة والصمود، أمست رمز المتناقضين الرقة والقسوة (ورقةُ السنديان الناعمة والجارحة). وجورج حبش ليس شجرة السنديان الرمز المستهلك في الاستعمال الجمالي وإنما هو ورقتها فقط. بهذا أخرج مسلماني صورته من النمطية والمبالغة إلى الحداثة برفق دون ان يبتـرها كلياً عن المتخيل الشائع لها.
قال الحكيم جورج حبش:
’لا تستوحشوا طريق الحقّ لقلّة السائرين فيه‘
’لا عذْر لمن أدرك الفكرة وتخلّى عنها‘.
ومع ذلك تبقى القصيدة محببة لطائفة كبيرة من القراء ترى الأدب ممارسة اجتماعية يلتزم فيها الشاعر بالدفاع عن الحقيقة التي هي ليست واقع الحال فقط بل هي الحال أيضا كما يجب أن يكون. وتصور الحال كما يجب ان يكون، لا يشير الى نظرية في الأدب بل يشير الى وظيفة الكاتب في تصور أخلاقي للعالم والتصور الأخلاقي يتعامل مع مفهوم الحقيقة، لأن نقيض الحقيقة هو الكذب، والكذب، كما الحقيقة، لا يشرح الممارسات الاجتماعية، والأدب ممارسة اجتماعية مشروطة بجملة من الممارسات الاجتماعية[13].
’تستطيع طائرات العدوّ
أن تقصف مدننا ومخيّماتنا
أن تقتلَ الأطفالَ والشيوخَ والنساء
لكنّها لن تستطيع
أن تقتل إرادة المواجهة فينا
’أنا مسيحيّ المولد
إسلاميُّ التربية، اشتراكيُّ الفكر‘.
وتبقى نصوص ضوء آخر لشوقي مسلماني تجربة شعرية ذات خاصية معينة يمتزج فيها الشاعر الرائي الذاهب باللغة إلى أقصى تفجيراتها، بالأديب المسؤول تجاه عروبته وإنسانيته ولا يعيبه إن جنح به حسه الوطني نحو الدعائي والمباشر ما دام قادراً على لجمه ساعة يشاء.
* * * *
وديع سعادة: في ديوان رتق الهواء
إن صح أن يكون للشعر العربي في أستراليا أباً فإنما هو وديع سعادة فهو كزميله أب الشعر الأسترالي A. D. Hope "يرى في الشعر قمة الجهد الإنساني، نهر سحري يمر عبر العصور أكثر أهمية من كل الأماكن والحقب التي يمر بها. والشاعر كما هو معروف صاحب مخيلة خصبة ومخزون معرفي واسع ونتاج غزير وشهرة تخطت حدود العالم العربي ووصلت إلى العالمية. من دواوينه الثلاثة عشر، انتقيت ديوان رتق الهواء أنموذجاً يضيئ خاصية تجربته الشعرية.
يتخفف الشاعر وديع سعادة في مجموعته الشعرية رتق الهواء[14] من كل قيمة نفعية، فلا دعوة لعقيدة ولا تفجع على حرية ولا بكاء على حبيبة بل سقوط في الغيبة وانزلاق إلى اللاجدوى ودعوى إلى العدمية، إلى: "رتق الهواء، و"اللعب العبثي" و"كتابة السطح". إلا أنه كعادته أيضاً إنما يكتب الهامش ليضيء العمق، ويتصنع الصوت الخفيض ليقول الرؤية المتوهجة، فقد يتخذ من بسيط الحياة حادثة أو صورة ليستدل بواسطتها على معنى فلسفي أو معرفي وقد يلتف على صورة شعرية تتاخم السخرية وتجاور العبث فيخرج بها عن المألوف، وتمسي السخرية التي تثير الابتسام عادة مثار مرارة أو ابتسام أسود على أحسن تقدير:
"لي صديق يكتب عن الحمير؛ عن الاموات منهم والاحياء،أحببته. فكل الكتاب يكتبون عن البشر وهو يكتب عن الحمير. الذين يكتبون عن البشر يرفسهم البشر لكني لم أسمع أن حماراً رفس واحداً لأنه كتب عنه. . . فهل يعني هذا أن الرفس، بسبب وبغير سبب، هو صفة ملازمة للبشر كيفما كانوا، وأن الدنيا بألف خير طالما فيها حمير".
ينطلق سعادة من الخاص البسيط إلى العام المطلق. فهذه الصورة البسيطة التي يقول بها السطح تقرئ في العمق فلسفة وجودية كانت ولم تزل شغل الفلاسفة والمبدعين في كل زمان ومكان، عنيت به أزمة الانسان المعاصر، غربته في هذا العالم، عدائيته تجاه الاخر وفشله في إقامة علاقات تواصل تنهي عزلته. تحضرني في هذه المناسبة قصيدة للشاعر الأسترالي آي دي هوب "الجزر العائمة" شبه بها الإنسان بالجزر العائمة التي لا جذور لها ولا ترابط حقيقي بينها وبين الأخريات، وهي "إن حدث والتصقت فالأمر ليس سوى رعدة عابرة. صدفة بسبب عوامل جيولجولية فتلاصقها آنيّ وكاذب[15].
وفي صور سعادة الشعرية أيضاً التفاف على المعنى المألوف للغة، وانزياح عنه. فعوض أن يكون الكلام نعمة خُصّ بها البشر من دون باقي المخلوقات، نراه عنصر شر وتخريب: أليس في تفوق الحمير العجم إدانة للبشر الناطقين، أليس النطق هو ما يقيم العداء (الرفس) بينهم؟ ولعل في هذه الفكرة بذور فلسفة ترانسدالية حاضرة بقوة في الشعر الأسترالي يحضرني منها ما جاء في شعر "ليز موري" من هجاء للغة واعتبارها مسؤولة عن تخريب المعنى الفطري للحياة، وما دعا اليه دافيد معلوف وجوديث رايت بالخروج من عنكبوتية اللغة وتعلم الحوار مع الطبيعة دونما كلام، كمثل ما هي الحال مع العشبة والنملة والسحلية[16]. فلسفة تقوض ما تعارفت عليه معظم المجتمعات والأديان من تنصيب الانسان سيد المخلوقات وإحلال الكلمة المحل الاول في الوجود[17]. فلسفة أخالها تنضج على مهل في وجدان الشاعر، فقد رأيناها عابرة في ديوان نص الغياب وخجولة في غبار ومتجرّئة في رتق الهواء. ومن يدري فربما جاءت مهرولة مفاخرة في اللاحق من الأعمال.
لغة الصمت المتوهج هذه، الانزياح عن المألوف الذي فقد بريقه واللجوء الى التفكيك الذي يخلق ويبدع ويحمل على الاندهاش، ميزة في أدب سعادة، متغلغلة في روح النص وليست مجرد توشية على جسده. صعب ان ننتقي مثلا، فالنص كله مثل. قد يكفي أن نذكر ما اقترفه بحق كاف التشبيه وواو الوصل بتجريدهما مما لهما من فضيلة في عالم اللغة. فقد نسب إلى كل منهما مفهوماً جديداً يغاير الاصل ويفضحه. يقول:
"فكيف يقنعهم بأن الواو أداة قطع ونقص، لا أداة وصل وإضافة؟ فهل ينقطع شيء إن لم يكن موصولاً؟ وإذ يكون بلا وصل ألا يكون مكتملاً بذاته فيأتي طلب الوصل ليجعله ناقصاً؟.. وهل يقتنع الأحياء بأن الكاف التي قيل لهم أنها للتشبيه إنما هي لمحو الشبه؟ إذ كيف لا يمحى وجه إن شبه بآخر؟"
لا أعتقد أن قارئ هذه الفكرة سيظل يرى في حرفي الواو وكاف التشبيه القيمة الايجابية ذاتها التي كانت لهما قبل قراءة هذه الصورة الشعرية. حتما ستقفز الى الذهن المعاني السلبية الأخرى من نقص ومحو التي ارادها لهما الشاعر.
كسابقيه (نص الغياب وغبار)، ينادي رتق الهواء بالعدمية ويعلو فيه الخواء على الامتلاء، والوهم على الحقيقة والعجز على القوة:
"فما أبهاك أيها الوهم! أنت الجمال الوحيد. المنتصر الأوحد على البشاعة. سر المقاييس ومحطم المبادئ. خالق ما لا يخلق ومكون ما لا يكون".
ولكن رتق الهواء يتفوق على سابقيه في كونه أكثر حكمة وأقل انفعالية، ومن ثم خفّت خصومته للحياة: ففي قصيدة "العشبة" تنتصر الحياة على الموات وتنبت العشبة الصغيرة في حائط البيت رغم كل محاولات الامحاء:
"حارسة الحجرين وروح الوصل بينهما في شق ذلك الجدار. الجدار الذي رصف أحجاره حجراً لصق حجر، حريصاً على عدم ترك فراغ. لكنها وجدت روحاً، ونبتت في غفلة فراغ صغير".
صحيح أن النص يظل يكابر ويعلن ترفعه عن الدخول في علاقة ندية (الاشتياق للبيت والأشخاص)، ولكنها مكابرة فاشلة فضحتها الرغبة في العودة:
"يريد فقط ان يعود
ليرى العشبة التي انتصرت فيها الحياة".
ولأول مرة، حسب معرفتي المتواضعة، يتحدث سعادة لغة الشكر. يشكر الشجر والتراب والغيم. يسعى إلى علاقة مع السماء والنظرة والإسفلت والكلب الغريب:
"أشعر الآن يجب أن أقول شيئاً. يجب أن أتكلّم، لا يجوز أن أذهب من دون كلام.
عليَّ، ربما، أن أتحدّث مع الغابة. أن أقول للشجر شكراً على الأقلّ، لأنّه أطعمني وأدفأني. يجب أن أقول شيئاً للتراب، وللغيم الذي أمطر عليه وعليَّ، وللسماء، والنظرة. شيئاً للإسفلت، للرحلة، للكلب الغريب. يجب أن أقول شيئاً لنقطة الماء الأخيرة التي نزلت من دلو أمّي على الحبقة، وللدرجة السفلى التي قعد عليها أبي، وللدمى التي ابتهج بها أطفالي. يجب أن أقول شيئاً للرمل، لجزيرة الجرحى، للعظْمة التي كانت تنقص العالم كي يمشي. شيئاً للجبال العالية، وللشبكة التي رسمتُها لانهيار أيّامي لكي تصل إلى الوادي سليمة.
يجب أن أقول شيئاً لأحد. ولكنْ أين هو؟ وماذا أقول؟
يفاجئنا سعادة في نصه الختامي بإعلانه الخروج من رحلة الوهم التي مشاها على مدى خمسة وعشرين عاما . ككاثوليكيّ في كرسي اعتراف يُقِر أنه جال وضاع ومات وعاد وتحدث مع الغيم وحاول ترتيب كون من عمى الرؤية ترتبه أياد متخيله. كالابن الضال يعود الى بيته الأصلي ليجلس على حجر في حديقة ويسكن مع النمل والشجر والصوت الذي يخرج من نافذة الجيران. هذا السلام المؤنس كالرجاء الناعم كالمحبة هو فعل اعتراف وندم عن كل ما اقترفه الخيال في رحلته السوداوية البكاءة:
"لا كونٌ جديد. كلُّ الأكوان الجديدة رَصْفُ أحجارٍ من الذاكرة. فقط هذه الأرض العتيقة، وأريد أن أعود إليها، إلى الحجر الذي وضعه أوَّلُ إنسان، وأجلسَ عليه.
بودّي أن أكتب رواية عن موت التخيُّلات. عن الصرخة التي لا تعود إلى صاحبها، والصوت الذي لا يبحث صاحبُه عنه
بودّي أن أكتب فقط عن شخص حقيقيّ، يجلس على كرسيّ حقيقيّ، في حديقة حقيقيّة، ويعيش مع شجرة ونملة حقيقيّتين.
الأحلام تقتل الحدائق، وتقتل الأحجار والجالسين عليها.
بودّي أن أكتب عن حجر، لا يتحرَّك أبداً من مكانه
وعن شخص
يجلس مطمئنّاً
على ذاك الحجر".
ونتساءل هل ان هذه العودة يوليسية نهائية يسترد فيها العائد الزوج والولد والمال؟ ام هي مجرد محطة سندبادية يستريح فيها الشاعر من مشاق الترحال المضني ثم لا يلبث ان يعاود سفرة جديدة؟!
وللبحث صلة.
سدني أستراليا
[1] "معاناة المثقف الأسترالي"، الجزيرة نت، "أوراق ثقافية"، تقرير مسجل، إعداد توفيق طه، تقرير صالح الثقاف، 22/06/2004
[2] أديب كمال الدين شاعر ومترجم وصحفي عراقي مولود في بابل عام 1953 يعيش في أستراليا ويقيم حالياً في مدينة أدلايد. صدر له 24 مجموعة شعريّة بالعربيّة والإنكليزيّة. تُرجمتْ أعماله إلى العديد من اللغات كالإيطاليّة والإنكليزيّة والأورديّة والإسبانيّة والفرنسيّة والفارسيّة. نال جائزة الشّعر الكبرى عام 1999 في العراق. كتب قي تجربته الشعرية أحد عشر كتاباً نقديّاً، وعدد كبير من المقالات والدراسات وكُتِب في أدبه عدد من الدراسات الجامعية (ماجستير ودكتوراه) في أكثر من بلد عربي كالعراق والجزائر وإيران وتونس، نوقشت فيها أسلوبيته الحروفيّة الصّوفيّة. وفي عام 2007 أُخْتيرتْ قصيدة (أرق) واحدةً من بين أفضل القصائد الأسترالية ونشرت في أنطولوجيا الشعر لذك العام ومثلها كانت قصيدة (ثمّة خطأ) عام 2012 سماح عادل، "مع كتابات أديب كمال الدين الشعرية"، كتابات: قناة العراقية أستراليا، 26 ابريل 2019؛
[3] المصدر نفسه
[4] خالد الحلي، لا أحد يعرف اسمي، الترجمة الانكليزية، رغيد نحاس، ط/1، سدني أستراليا: كلمات، 2019
[5] بهية أبو حمد، شربل بعيني منارة الحرف، ط/2، سدني: بدون ناشر، 2019
[6] شوقي مسلماني، ضوء آخر، بدون طبعة، سدني- أستراليا: دار الفهد للنشر والتوزيع، 2015
[7] عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، قرأه وعلّق عليه، أبو فهر محمود محمد شاكر، بدون طبعة، جدة: دار المدني، بدون تاريخ، ص 139
[8] Kenan Malik, “A Book in Progress [part 14] Sarter and the Aguish of Freedom”, kinanmalek.word press.com, 25 March 2012
[9] لقد لاحظ كامو في أسطورة سيزيف هوة بين حاجة الانسان الى معنى وصمت العالم غير المنطقي. الدين هو نوع من ردم هذه الهوة. ولكنه ردم مخادع. لا أعلم إذا كان للحياة أي معنى يسمو فوقه. ولكن أعرف أنني لا أعرف ذلك المعنى وأن معرفته مستحيلة بالنسبة لي . . . . الطريقة الوحيدة لردم الهوة بين العالم الصامت البارد وحاجة الانسان الى الدفء الروحي هو في خلق معانينا الخاصة، قيمنا الخاصة، (مصدر سابق) Kenan Malik, “A Book in Progress"
[10] مصدر سابق، الصورة الشعرية، ص 98
[11] سعيد بوخليط، "الظاهرتية الباشلارية أو حيوات الصورة الشعرية"، مدونة غاستون باشلار، الثلاثاء، 8 يوليو، 2014،
http://gastonbachelard1.blogspot.com.au/2014/07/blog-post_7464.html
نقلاً عن: François Pire, De l'imagination poétique، dans l'œuvre de Gaston Bachelard، librairie josé corti، 1967، Page 173
[12] ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، موقع الوراق http://www.alwarraq.com
[13] فيصل دراج، "الانعكاس والانعكاس الأدبي"، ألف، عدد/10، (1990)، ص 29-53، شاهد ص 31
[14] وديع سعادة، رتق الهواء، طبعة الكترونية، 2006، بدون ترقيم ebook, 62 pages, http://wadihsaadeh.awardspace.us/Collection9.html
[15] ينظر في: نجمة خليل حبيب، من أستراليا وجوه أدبية معاصرة؛ ط/1، بيروت: الدار العربية للعلوم- ناشرون 2006؛ A. D.Hope 1907 – 2000, The Wandering Islands, Sydney: Angus and Roberston, pp. 26-27
[16] لمزيد من المعلومات ينظر في: المصدر نفسه، ص 356، 315-358، 221
Les Murray 1938, “The Meaning of Existence”, David Malouf 1935, Imaginary Life, Judith Wright 1915 - 2000, “Summer”.
[17] مثلنا على ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا: في البدء كانت الكلمة، والكلمة من عند الله والله هو الكلمة. وما جاء في القرآن الكريم: إقرأ باسم ربك الذي خلق.