يقدم لنا الناقد السينمائي المصري هنا تقريرا عن مهرجان كان الفرنسي الرابع والسبعين، ويتوقف عند الفيلم المصري المدهش الذي نال جائزة أسبوع النقاد معتبرا أنه يعد إضافة حقيقية للسينما المصرية برغم أنه الفيلم الأول لمخرجه عمر الزهيري.

حصاد مهرجان «كان» السينمائي 74

«ريش» لعمر الزهيري: فيلم مصري "عبقري" لمخرج ولد كبيرا

صلاح هاشم

 

حققت إدارة مهرجان "كان" السينمائي العالمي – ممثلة برئيس المهرجان بيير ليسكور والمندوب العام للمهرجان تيري فريمو المسئول عن إختيار الأفلام – من خلال الدورة 74، التي عقدت في مدينة كان الفرنسية على البحر في أقصى الجنوب الفرنسي، في الفترة من 7 الى 17 يوليو، وبمشاركة 24 فيلما في المسابقة الرسمية للمهرجان، حققت دورة استثنائية وتاريخية بكل المقاييس. وبخاصة بعد نجاح إدارة المهرجان في إقامة دورة " طبيعية "، وليس "أون لاين" وعلى أعلى تنظيم، حطمت كل الأرقام القياسية، في كل تاريخ المهرجان، منذ نشأته عام 1946 ولحد الآن. إن على مستوى عدد الأفلام المشاركة، في قائمة الإختيار الرسمي – OFFICIAL SELECTION – أكثر من 84 فيلما- وكذلك على مستوى الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية – 24 فيلما.

أفيش المهرجان

 

وكأن المهرجان، أراد أن يعوض جمهوره، فترة الغياب الطويلة المظلمة، التي امتدت في فرنسا الى أكثر من 18 شهرا، وأغلقت فيها دور العرض، وتم إلغاء الدورة 73، بسبب انتشار وباء الكورونا، حتى بعد الإعلان عن أفلامها. يعوضهم بـ"وجبة" سينمائية دسمة، أو بالأحرى "وليمة" سينمائية جبارة، لم تكن تخطر ابدا على بال أحد، بمشاركة هذا العدد الهائل من الأفلام – أكثر من 84 فيلما- التي عرضت، ليس فقط في أقسام المهرجان الرسمي، بل وفي جميع "التظاهرات السينمائية المستقلة الموازية" التي تقام، ليس على هامش، بل الى جانب مهرجان "كان" الرسمي. وتجعل من مهرجان "كان" بالإضافة الى "سوق الفيلم"، عدة مهرجانات سينمائية ضخمة، بأفلامها ومسابقاتها ووقائعها وأحداثها، تستقطب أنظار العالم، أضواءه وإعلامه، وتنصهر في "بوتقة" مهرجان "كان" الرسمي، لتصبح عيدا للسينما العالمية، في الهواء الطلق، بجوار بحر المتوسط الكبير، تحت أشجار النخيل، لفترة 11 يوما.

التظاهرات الموازية "نبع" لاكتشاف المواهب السينمائية الجديدة
والمعروف، أن كل تظاهرة من هذه التظاهرات، تمثل مهرجانا سينمائيا مستقلا، بإدارة مستقلة عن المهرجان الرسمي، ومسابقة، وأحيانا مسابقات، ولجنة أو لجان تحكيم تمنح جوائز.. وتعقد أو تقام في مدينة "كان" في نفس الوقت مع المهرجان الرسمي، خلال فترة انعقاده. وكل تظاهرة من هذه التظاهرات، تفتخر بل وتتباهي، بأنها كشفت عن موهبة فلان أو علّان، من أشهر المخرجين السينمائيين في العالم، مثل تظاهرة- نصف شهر المخرجين - LA QUINZAINE DE REALISATEUR  - من تنظيم "جمعية المخرجين الفرنسية"، التي تأسست عام 1968،أثناء انتفاضة الطلبة في شهر مايو 68 في فرنسا، وعقدت أولى دوراتها عام 1969 ،على هامش المهرجان الرسمي، وكشفت عن مواهب سينمائية جبارة، لمجموعة من أبرز المخرجين المشهورين في العالم، من ضمنهم المخرج الأمريكي الكبير مارتين سكورسيزي، والمخرج البرازيلي العظيم جلوبير روشا، والمخرجين الشقيقين باولو وفيتوريو تافياني، وغيرهم.

لقطة من فيلم تيتان الفائز بالسعفة الذهبية

 

«ريش» في مسابقة تظاهرة "إسبوع النقاد":
وكذلك تظاهرة أسبوع النقاد LA SEMAINE DE LA CRITIQUE  من تنظيم نقابة النقاد السينمائيين الفرنسية SCF - التي تأسست في "كان" عام 1962، وإحتفلت خلال هذه الدورة 74، بمرور 60 عاما على تأسيسها، وكشفت عن مواهب العديد من أشهر المخرجين في العالم، مثل المخرج الايطالي الكبير برناردو برتولوتشي والمخرج الفرنسي الكبير كريس ماركر والمخرج البريطاني الكبير كين لوش، وغيرهم ..

وشارك فيلم "ريش" لعمر الزهيري من مصر- الفيلم الروائي الطويل الأول لصاحبه- في مسابقتها- بمشاركة 7 أفلام، وترأس لجنة تحكيمها المخرج الروماني الكبير كريستيان مونجيو CRISTIAN MUNGIU الحاصل على سعفة "كان" الذهبية بفيلمه البديع "4 شهور و3 أسابيع ويومان".. وعرض الفيلم بحضور مخرجه المصري الشاب عمر الزهيري ومعه طاقم العمل، وبعد عرض الفيلم يوم الثلاثاء 13 يوليو، كتبت مايلي عن الفيلم بعد مشاهدته:

«ريش» لعمر الزهيري: فيلم عبقري لمخرج ولد كبيرا

شاهدت اليوم فيلم «ريش» للمخرج المصري عمر الزهيري – العمل الأول لمخرجه – في تظاهرة ”أسبوع النقاد” من ضمن التظاهرات السينمائية الموازية المهمة، وتحتفل خلال هذه الدورة 74 ،بمرور 60 عاما على تأسيسها، وقد أعجبت بالفيلم العبقري كثيرا جدا، وهنأت مخرجه، بعد أن وقفت الصالة بأكملها بعد العرض لتصفق للفيلم طويلا. لأن الفيلم العبقري، الذي يحكي عن رب أسرة فقير – عامل في مصنع- يختفي أثناء نمرة يقدمها ساحر، أثناء الاحتفال بعيد ميلاد أحد ابناء العامل، علشان يفرح العيال ، فاذا برب الأسرة يختفي، وتظهر دجاجة في مكانه.

ثم حين تنتهي النمرة، ويفرح العيال مع الحضور، ومن ضمنهم صاحب المصنع يفشل الساحر،  في إعادة رب الأسرة، وتبقى الدجاجة، فتضطر أم العيال – الأم شجاعة – بعد ان تحول رب الأسرة الى دجاجة، أن تعول أسرة بأكملها، وتكافح من أجل البقاء على قيد الحياة مع أسرتها بأي ثمن، في  ظل ظروف، جد فكاهية ومأساوية، مرعبة وسريالية، في آن. لا يحكي (ريش) كما في جل الأفلام المصرية، بالكلام والثرثرة، والجعجعة الفارغة، وبكل ماهو خارج السينما الفن، التي تحكي فقط بلغة الصورة، ولا تحتاج لترجمة كلام، ورغي عقيم، ولا تقول رحنا وجينا، وكان يا ما كان، وأصل وفصل، وهات يا كلام، ورغي وحكي .. حتى  قرفنا وزهقنا من أفلامها، بعدما هلكتنا بموضوعاتها المكررة المعادة.

لقطة من فيلم (ريش)

هنا في فيلم ”ريش” الذي سوف يستغرقك، ومنذ أول لقطة في الفيلم – نسمع صوت رجل يتألم، ويروح يصرخ ملتاعا في الظلام، قبل أن يظهر، وقد اشتعلت النار في جسده، في المنظر الطبيعي، الذي يذكرك بإشاراته وإحالاته ، بفيلم إيراس هيد ERAS HEAD - للمخرج الأمريكي الكبير دافيد لينش، وعوالمه الغريبة ، كما في مسلسل "توينبيكس " TWIN PEAKS  وفيلم "مولهولاند درايف" وكما في روايات فرانز كافكا مثل "المحاكمة" أو "المستعمرة" وأجواء الفيلم "ريش" المصرية أقرب الى عالم "المستعمرة" الغامض، وخلف كل باب، وتحت كل سرير عفريت، ولابد من إغلاق الشبابيك، لأن دخان عادم المصنع الملوث، يقتحم الشقة في كل وقت، لا يوجد هنا هواء نقي يمكن أن تستنشقه..

هنا حيث يكمن الفن، في فيلم "ريش"، كما في أفلام المخرج الأسباني المجيد لوي بونويل، يكمن في اللقطة والمشهد والصورة، شرط السينما – الشعر المصفى – التي لا تعرف التنازلات، أو المجاملات، لتحتفظ بأصالتها، ومصداقيتها وطزاجتها، حتى لو وجد البعض أن فيلم "ريش" كان قاسيا ومرعبا، في تصويره للبؤساء الفقراء، المهمشين المطحونين في مصر، وعذابات كل يوم، وكفاحهم من أجل البقاء.

وبعد العرض، ويكون الفيلم قد استحوذ على كل كيانك، سوف يبقى ”ريش” الفيلم معك، ليصحبك في تجوالك، مثل كنز ثمين، فهو فيلم مصري أصلي. ريش الفيلم هو البطل، بممثلين غير محترفين، ”ريش” هو النجم، بلا جعجعة أو طحن، ”ريش” .. لن يتركك بعد مشاهدته-  بل سوف يسكنك، بحكايته الغريبة العجيبة الأثيرة، ولا نريد أن نسرد عليكم حكايته، وكيف تطورت، حتى لانقطع عليكم متعة مشاهدته - ويهبط بك الى قاع المجتمع المصري.

 ”ريش” للمخرج المصري الشاب عمر الزهيري، فيلم رائع – عصير سينما – وأعتبره ”إضافة” حقيقية، لتطوير فن السينما ذاته، في بلدنا، وهو يفتح سكة للسينما المصرية الجديدة، بكل ابتكارات واختراعات الفن المدهشة، لمخرج – ومن دون مبالغة – ولد كبيرا. في كوكب ”كان" 74. المنير.

مبروك للسينما المصرية. وشكرا لكل من ساهم – وقد استغرق الأمر أكثر 6 سنوات – في إنتاج وإخراج هذا الفيلم المصري العبقري- وفرحتى بالفيلم لا تقدر- الى الوجود. وأرشحه للحصول على جائزة في المسابقة الرسمية لتظاهرة أسبوع النقاد، وربما حصد جائزة ”الكاميرا الذهبية” التي يشارك فيها كل أول فيلم لمخرجه في التظاهرة الرسمية، وكل التظاهرات السينمائية الموازية في الدورة 74".

وكنت سعيدا جدا طبعا، وفرحتي بالفيلم لاتوصف، عندما أعلن المخرج الروماني الكبي ررئيس لجنة تحكيم مسابقة "أسبوع النقاد" ،عن فوز فيلم " ريش " لعمر الزهيري، بالجائزة الكبرى.

فرنسا تفوز بجائزة "السعفة الذهبية" في المهرجان الرسمي:
وفي دورة سينمائية "مدهشة"، كما ذكر المخرج الأمريكي الكبير أوليفر ستون في حفل ختام المهرجان يوم السبت 17 يوليو فازت فرنسا بسعفة مهرجان "كان" الذهبية بفيلم "تيتان"
TITANE " - للمخرجة الفرنسية الصاعدة جوليا دوكورنو - الذي شارك في المسابقة الرسمية للدورة 74، التي ترأس لجنة تحكيمها، المخرج الأمريكي الكبير سبايك لي، وتنافس 24 فيلما على جوائزها. وهي المرة الثانية، في تاريخ المهرجان، الذي تأسس عام 1946، التي تفوز فيها إمرأة مخرجة، بأرفع جوائز المسابقة الرسمية – بعد حصول المخرجة النيوزيلاندية، جين كامبيون، على سعفة مهرجان "كان" الذهبية عام 1993 بفيلمها "درس البيانو".

بيير ليسكور على اليمين وتيري فريمو

 

وقد كان فوز فيلم "تيتان"، من نوع أفلام "الخيال العلمي" المستقبلية، وأفلام "الوحش" وهو الفيلم الثاني لمخرجته – "مفاجآة" حتى لصاحبته، بعد أن انقسمت أراء النقاد في المهرجان بشأنه.. بين معارض، بسبب "موضوع" الفيلم المستقبلي الغريب الصادم، وعنفه ودمويته، و بين مؤيد، بسبب المعالجة الفنية الفذة، والميزانسين- الباهر، لمخرجته الفرنسية الصاعدة جوليا دوكورنو، وبصمتها الاخراجية المميزة، التي لا يمكن تجاهلها. وقد شكرت المخرجة لجنة التحكيم، التي سمحت لفيلمها من خلال منحه سعفة "كان" الذهبية في الدورة74 في الفترة من 6 الى 17 يوليو، بـ "إدخال "الوحوش" LES MONSTRES الى السينما، وجعلها هكذا أكثر شمولية، وتتسع للجميع"، وقد توزعت بقية جوائز المسابقة الرسمية، كالتالي:

جائزة أحسن فيلم قصير. فاز بها فيلم" كل غربان العالم " لتانج يي. هونج كونج

جائزة "الكاميرا الذهبية". فاز بها فيلم "مورينا" لأنطونيتا ألامات كوسيجانوفيتش. كرواتيا

سعفة ذهبية شرفية: منحت للمخرج الإيطالي الكبير ماركو بيللوكيو.

جائزة أحسن ممثل. فاز بها الأمريكي كاليب لاندري جونز، بدوره في فيلم "نيترام" لجوستين كورزل. النرويج

جائزة لجنة التحكيم. وزعت مناصفة بين فيلمين. فيلم "هابيريش" أو ركبة آحاد لناداف لابيد، من إسرائيل، وفيلم "ميموريا - الذاكرة" لأبيختابونج ويراسساكول. تايلاند

جائزة أحسن ممثلة. فازت بها رينات رينسيف، عن دورها في فيلم " جوليا . 12 فصلا " لواقيم تريير. النرويج

جائزة أحسن سيناريو. فاز بها فيلم "قيادة سيارتي" للمخرج ريو سوك أما جوشي و أو تاكاماسا. اليابان

جائزة أحسن إخراج. فاز بها فيلم "آنيت" للمخرج  ليو كاراس. فرنسا

الجائزة الكبرى. وزعت مناصفة بين فيلم "بطل" للمخرج الإيراني أصغر فارهادي . إيران، وفيلم "المركبة رقم 6" للمخرج جوهو كوسمانين. فنلندا

 

كان- صلاح هاشم