1
عطّارا، أكون، بنعْلين من رذاذٍ
حاملا بريدَ المؤمنينَ القُدامى
وندى الصّبايا على ورقِ الغارِ، والمراثي الطّويلةِ
رقصةُ القمحِ، والكحلُ، بين أحمالي
حٌلْوياتُ العيد القادمِ، والهدايا الفضيةُ
وضوضاءُ الفراشاتِ، أيضا
لكلّ قادمٍ نصيبٌ من دهشتي
وقبعةٌ واقيةٌ من الصدأ، والنّسيانِ
ومثل مشّاءٍ خبيرٍ بمسالكِ الأمطارِ
أفركُ الغيمةَ، ولا يعرق النّاسُ !
2
أحدٌ ما
أخذ النّهر، والجسرَ الذي كنت أعْبرهُ
و فائضَ النحاسِ في دمي
أخذ التّرابَ الذي تحرّر للتّو
من ذكرى تمثالٍ أنيقٍ
ولم أندمْ
يكْفيني ، في عامي هذا
ارْتداءُ غيمةٍ قصيرةٍ، والسٌيرُ بها
َإلى أقصى المدينةِ
كأيّ مشّاءٍ هبّ إلى الرّقٌصِ
قبْل أن تنضجَ منه السّاقانِ !
3
أحدٌ ما جرح الغيمةَ
فابتلٌت ساحاتٌ العِراكِِ
ابتلٌ الغبارُ، وابْتلّتْ لحيتي
لم يتركْ لي وقتا
لالتقاطِ "سيلفي"
قريبا من جثّةِ القائدِ !
4
لا تذْهبي الآنَ في اتجاهي
أنا شرفةٌ مكتظّةٌ بالصّدى
.وأفراح الغائبينَ
عليها أثرٌ من سعالٍِ
وبضعُ غيماتٍ يابساتٍ
لا تذْهبي إليّ
كلّما دنوتِ منّي احْترقتُ !
5
في الغرفةِ الأخرى
يسألُ المحاربُ جرحَهُ
والخُوذةَ، والحصانَ
عن صرختِهِ الكبْرى
والنهرِ الذي غادر كفّهُ، ولم يعدْ
يفْرشُ المسافرُ خارطةَ التّيهِ
ولا يرشدُ نفسهُ
إلى صفائحِ البرقِ المرشوشِ
على قدميْهِ
يُحدّث الغريبُ أمّهُ عن الأُلْفةِ
و العلاجِ الكيماويّ
عن القطاراتِ التي تعبرُ رأسهُ
والمدائنَ القصيةَ، فجْر كلّ يومٍ
والنّهرِ الذي غادرَ كفّ المحاربِ
إلى حريقٍ جديدٍ
في الغرفةِ الأخرى
أركضُ من قِماطٍ إلى قِماطٍ
ومن طريدةٍ إلى أخرى
وعينايَ على سرّةٍ البركانِ !
6
كنْ صديقي أيّها الغبارُ
احْجبِ الطّريقَ
ودعْنا نسكرْ قليلا
المارّةُ مزْعجون جدّا
يسّاقطُ التّرابُ من جثامينِهم
ولا ينظّفونَ المعابرَ من دمعِهمْ
يزرعونَ أسماءَهمْ في ممرّاتٍ ضيّقةٍ
وينفضونَ قمصانَهم من ندى الفجر ِ
إنهم سيئون جدّا
احْجبِ الضّوءَ، ودعْنا نرقصْ قليلا
عارييْنِ منَ الظّنونِ
واليابسِ منْ أوهامِ المُبصِرينَ
العابرونَ إلى الضّوءِ نادرونَ جدّا
يتحلقونَ حول فراشاتِ الأعالي
مطرٌ دافئٌ ـ من كمنْجاتِهم ـ يهْطلُ
يقْرصُ باطنَ التّرابِ
والعائداتِ إلى طفولتِهنّ
بمكرٍ شديدٍ
بطيئاتٍ، ومبتهجاتٍ
يخفينَ أقمارَهنّ بين صفصافهنّ
ولا يبدو عليهنّ أثرٌ من عياءٍ، أو فرحٍ
كنْ صديقي أيها الغبارُ
واحْجبْني عن الْعالمين !
7
أنا وأنتِ، طرفا هذا الحقلِ
بيننا موسيقى، و مسافرون كُثْرٌ
زهور بيضاءُ، وأَيادٍ
تحملها إلى ظُلَّة قبرٍ
أو صفصافة امْرأةٍ
أراكِ بعينٍ واحدةٍ
فتكبرينَ سريعا
مثل ظلالِ الأعالِي
بِعيْني الأخْرى
تغمزين الفراغَ الذي بيني وبيني
فيغْمرُني دمعي
وترْتبكينَ، مثل إوزّ هائجٍ
تَتعثّرينَ في ظُلَّتي
فتمْطرينَ
وأشكرُ الربّ الذي دسّ في معْطفي
فائضا من التّرابِ، والمراعي
أراكِ من بعيدٍ
أراكِ تفزعينَ إلى المروجِ القَصيةِ
بساقينِ نحيفتينِ
وفيضٍ من الضّوضاءِ
فأهتفُ "يا بشرايَ"، هذا العامَ
يعودُ رفاقي من قلقٍ بائتٍ
يقِظينَ، مثل رُعاةِ الإوزّ
في منحدراتِ التلالِ
هذا العامَ يُشفونَ
من هرجِِ العطّارينَ، ومنْ سهْوي
أسلّمهمْ عاصفةَ الوْقتِ
وأحْرسني
منْ أمْنياتي الْباقياتِ
و منْ ندَمي!
8
لم يرَني، ولم أرَهُ
أحدٌ ما
حيّانا معاً
فاشتبكتْ عظامُه
بأغْصاني
وعبرْنا بواباتِ المحالِِ
حتّى إذا نفرَ الدّمُ
من حجارةِ الوادي
فارقَني
ولم أدلّهُ، بعد
على زهْرةِ البرْكانِ !
9
ليس لي بينهمْ خصمٌ، أوْ صديقٌ
ليست لهم أقنعةٌ يُعرفونَ بها
كأنهمْ إخوةٌ
عثروا على ضحْكةِ آخرِهم
بين مداخنِ المدينةِ
فأسْرعوا إلى أبيهمْ
بما اذّخروا لهُ من لهفةٍ
وشبْهاتٍ
فرحينَ، وواجمينَ
كأنهمْ إخوةٌ
جاعوا، ومالوا على جبلٍ
فكسا جباهَم عرقاً
ودلّهم على أولِ النّقصانِ
كأنّي بينهمْ
أحدّقُ في وجْهي
ولا أراهُ
أفتّش في جيوبهم
عن ضحكةِ آخرهمْْ
فتصْرفُني يدايَ
إلى طين لزج، وعال
أرمّم أقنعةْ القادمينَ، وقاماتِهم
ولا أندمُ
يكْفيني ، منْ عامي هذا
أن أُخْرج من رأسي طلقتيْنِ ساخنتيْنِ
أرْمي بهما في بئرِ المدينةِ
وأمضي إلى هذا الخواءِ العظيمِ
بوردتيْنِ، وصرخةٍ قصيرةٍ
فقطْ!
10
تماماً
مثل بهلوانٍ طائشٍ
حملتُ الأثقالَ كلّها
على كتفيّ
وما استقامتْ مشْيتي !