غُصْتُ مرغما في الزحام الذي أَنْفُرُ منه، في السوق الأسبوعي لبيع الخضر...
توجهت آليا عند صديقي الخضار الوحيد الذي أتعامل معه، حشرت أنفي بين الزبائن، بدأت شراء مؤونتي بالبطاطس سيدة المطبخ المغربي...
أحسست بيد تمسكني من ذراعي، استدرت، سيدة في خريف العمر، يشع من عينيها لمعان غريب، أمرتني دون أن تطلق سراح ذراعي:
-" اشْري لي كيلو جلْبَانَة..."
أجبتها ضاحكا: " الجلبانة أغلى الخضر في هذا الوقت، ولن أشتريها لِعِيالي."
تمسكتْ بطلبها مُلِحَّةٌ: " اشْري لي نَصّْ كيلو ..."
نظرت إليها نظرة شفقة دون أن اجيب...
خطتْ خُطوتين في الزحام، ثم عادت مرة أخرى.
- " اشْري لي كيلو زْرُودِيَّة".
وضعت يدي في جيبي، منحتها قطعا نقدية.
اقتربتْ من أذني، متجاوزة حدود اللياقة و"مسافة الأمان الجسدي" ودَمْدَمَتْ:
-" بَنْتي تَتْوَحَّمْ عْلَى...كَبْدَة دْيَالْ..."
لم أسمع شهوة ابنتها ووَحْمَها في هذه المرحلة المعقدة من الحمل...
ولم أتبين الحيوان الذي تتمنى أكل كبده.
غادرتُ السوق مسرعا دون بضاعة وأنا أحصي المتسولين، وأتصورها وابنتها الحامل قد أضرمتا النار في التَّنُور وملأتا مأواهما والحارة بدخان ورائحة
شواء " كبد الخنازير الداجنة " التي عاثت في الأرض فسادا، وأتلفت الزرع والضرع…
المغرب