مدخل:
أفضت انتخابات البرلمان الألماني (البوندستاغ) في 26 أيلول/سبتمبر2021، إلى تغيير حكومي بقيادة المستشار الجديد أولاف شولتس، وتتكون الحكومة الفدرالية، للمرّة الأولى في تاريخ الحكم الاتحاديّ، من ثلاثة أحزاب: الحزب الاشتراكيّ الديمقراطي (حزب المستشار) وحزب الخُضر والحزب الديمقراطي الحرّ. ومنذُ نشر وثيقة الحكم للسنوات الأربعة القادمة للأحزاب المؤتلفة، وتكوين الحكومة الجديدة، تتكثّف النقاشات والدراسات عن الطريق الذي يجبُ على ألمانيا اتخاذه في ظلّ كلّ التعقيدات والتهديدات المُحتملة التي تحيطُ بالوضع الدوليّ مع التغييرات العالميّة الطارئة والقادمة. ونتابع نحن بدقّة المداخلات والأبحاث، وكنّا قد قدمنا في العدد الماضي من (الكلمة) مداخلة مايكل برزوسكا مدير معهد أبحاث السلام وسياسة الأمن في جامعه هامبورج، بعنوان "التعاون وضبط النفس، من أجل سياسة أمنية ألمانية أوروبيّة جديدة".
هنا نقدّم مقال كاثرين كلوفر أشبروك، مديرة الجمعيّة الألمانية للعلاقات الخارجيّة في برلين (DGAP)، وهي باحثة سابقة في العديد من المراكز البحثيّة الهامّة في أمريكا والاتحاد الأوروبي، والمقال ذي العنوان أعلاه، صادر عن مجلة السياسة الدولية العدد 1 كانون الثاني – شباط / يناير/ فبراير2022.
يقدّم المقال باقةً من الأفكار ويقترح العديد من التوجهات الاصلاحية، سواء في الإدارة أو على صعيد السياسة الخارجيّة، ويركّز فيها على ضرورة التكامل ما بين الإدارات المختلفة والتعاون المكثّف فيما بينها، ويُبرز دور وزارة الخارجية ــ "في عهد المستشارة أنجيلا ميركل، كان مكتبها يسيطر ويقرر السياسة الخارجية، مما أدّى إلى تهميش دور الوزارة، هل سيتغيّر الوضع مع الحكومة الجديدة"؟ (المترجم) ــ وضرورة تكاملها مع الإدارات الأخرى وبالتعاون الوثيق مع مكتب المستشار، لتأدية الدور المفروض على ألمانيا القيام به في الفترة القادمة. تتزاحمُ الأفكار والمقترحات للعديد من الملفّات، مع قراءة ترى ألمانيا على مفترقِ طرق.
إلى النص[1]:
التهديد المُحتمل للسياسة الخارجيّة كبير في بداية حكومة أولاف شولتز، كما يزيدُ متحوّر كورونا التالي من حالات عدم اليقين العالميّة، مما يؤدي إلى تباطؤ الانتعاش الاقتصادي، ويتسبب في توقّف سلاسل التوريد وانهيار الطلبيات على الصناعة الألمانية، وممارسة روسيا ضغوطاً على الغرب في الدول المجاورة لها، وعسكرياً مع نشرها القوات على الحدود مع أوكرانيا، إلى جانب الهجمات الإلكترونية وحملات التضليل والإضعاف المستهدف للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي من خلال تدفقات الهجرة الخاضعة للرقابة عبر بيلاروسيا. واستعداد حلفاء الناتو لتطبيق عقوبات سياسية واقتصادية ودبلوماسية، ورافعته هو نظام الدفع المالي الأوروبي SWIFT. والتصعيد هو من مصلحة روسيا حتى من دون مواجهة عسكرية. وتعتبر أزمة الطاقة في شتاء بارد، لحظة انتقالية مواتية من الناحية التكتيكية بالنسبة لبوتين.
أصبحت حكومة ألمانيا الجديدة الآن على السرج - أي استلمتْ زمامَ السلطة - لكن مازال عليها أن تفرز ملفات عملها الرسمي. تَضعف الديمقراطية داخليا في أمريكا، وتواجه فرنسا اختباراً رائداً. ضعف الإيمان بفاعلية سيادة دولة القانون في أوروبا، وإفراط بولندا والمجر في استغلال ديمقراطيتهما. كما أن أوروبا لم تعد محاطة بحلقة الدول الصديقة، بل باتت محاطةً بعدم الاستقرار. في الأفق البعيد، تختبرُ الصين أيضاً، قدرة الغرب على اتخاذ القرار من خلال مناورات في المجال الجوي التايواني والهجمات الإلكترونية ضدّ الشركات الغربية وأنظمة تكنولوجيا المعلومات؛ كما تتعرّض المصالح الاقتصاديّة في المحيطين الهندي والهادئ وبحر الصين الجنوبي للخطر أيضاً.
تبدو الصين بعيدة بالنسبة للناخبين الألمان وكذلك لقُراء اتفاقية الائتلاف، ولكنّها قريبة جداً بالنسبة للصناعة الألمانية. إذا كانت تايوان مُهددة، فسيكون كذلك الاقتصاد الغربي، الذي يعتمد على أشباه الموصلات عالية الأداء. وسوف يستغرق الأمر من أوروبا ثماني سنوات لإنتاج نفس الكميّة من هذه الموصلات التي تصنعها تايوان حالياً للاقتصاد العالمي. ثم هناك اليوم الشريك المعوق عبر الأطلسي: فهو لم يعد ضمانة أساسية لأمن وازدهار رابع أكبر اقتصاد عالميّ، كما كان منذ عقود. كما تواجه ألمانيا عملية موازنة صعبة نظراً لتشابكها الاقتصادي العميق مع الولايات المتحدة والصين. وكذلك ما تعنيه التحولات السياسية المحلية في الولايات المتحدة، حيث الرئيس جو بايدن لا يمكنه بسهولة أو على دفعات فقط، سحب الشروط الاقتصاديّة التي فرضتها إدارة ترامب - والنتيجة غير مؤكدة، حيث من المُقرر إجراء انتخابات رائدة في الخريف، مِما قد يحدّ من قدرة بايدن على التصرف. تتوقع واشنطن أن تصبح الحكومات الأوروبيّة في قارتها، أكثر قدرة على العمل مع الناتو والاتحاد الأوروبي. توضح أفغانستان والتحالف الأمني (AUKUS) أن الولايات المتحدة تواصل تطبيق منطق الهيمنة على الحلفاء الغربيين على الرغم من كلّ الهجمات الدبلوماسية عبر الأطلسي: "نحن نقرر. يمكنكم أن تتبعوا".
الوباء، تغيّر المناخ، تدفّقات الهجرة، الإرهاب، الفساد، الشكوك النووية من إيران إلى الصين وإلى الهند وباكستان – تنشأ بالإضافة إلى التحديات الجيوستراتيجية لصراع القوى العظمى، المشاكل عابرة للحدود أيضاً. لا يتطلّب التعامل معها إرادة سياسية وموارد ماليّة فحسب، بل يتطلّب بنية مؤسسيّة مُتعددة الأطراف موثوقة واتفاقات فاعلة أيضاً - كما أنّ تطويرها موضع تساؤل. كلّ هذا يزيد من عدم اليقين بشأن تخطيط برلين - بالإضافة إلى وجود "مفاجآت متوقّعة" بازمان/ واتكينز Bazerman/Watkins.[2] يواجه الاِئتلاف الثلاثي التاريخي المُبتكر، في الحكومة الفيدرالية مُهمة مُعقدة تاريخياً: حيث يجب أن تتشابك إجابات السياسة الداخلية والخارجية الآن أكثر من أي وقتٍ مضى. لا يمكن أن تكون السياسة ذات مصداقية للناخبين والحلفاء على حدّ سواء، إلاّ إذا عملوا معاً باستمرار. في أوقات فقدان الثّقة السياسي السريع، تكون المصداقية أعظم خير.
ألمانيا المرساة الدّالة:
سيكون لعواقب العمل الدولي تأثيرٌ عميقٌ على المجتمع والاقتصاد. وكذلك نتيجة للوباء ومع خطط التعامل مع تغير المناخ أيضاً، كما يجب إعادة هيكلة النظام الاقتصادي الألماني والأوروبي، بناءً على نقاط القوى الأوروبية الأساسية للتكامل والتنسيق، واللوائح والتشريعات والمعايير والقواعد - حسب تعريف بروكسل للسلطة. في حين أن العالم حول أوروبا يتغير بقوة، فإن الاتحاد الأوروبي يتصدع من الداخل أيضاً، ويتعين عليه إعادة تعريف نفسه. لقد أصبحت المبادئ الأساسية لسيادة القانون والديمقراطية على المحكّ. متوقّع من ألمانيا أن تؤدي دوراً أساسياً كمرساة في هذا المدّ – بعد أكثر من 70 عاماً من السلام والحرية والازدهار، فإنّ عليها أن توضح مصالحها، وليس مجرّد التفاعل فقط.
كان الدور القيادي التفاعلي لألمانيا قادراً على تحقيق الاستقرار في أوروبا لفترة طويلة. ومع ذلك، فإن الأزمات مثل تلك التي حدثت في السنوات القليلة الماضية، سوف تترك آثاراً أعمق، إذا تمّ التعامل معها بأثر رجعيّ فقط. كانت أوروبا بحاجة للوباء، لجعل الإطار المالي للاتحاد أكثر معاصرة، ومع أنه لا يوجد حتى الآن اتحاد مالي حقيقي. يثبتْ الوضع في بيلاروسيا أنه على الرغم من بعض الاتفاقيات، لا تزال المشاكل الحقيقية للهجرة واللجوء دون حلّ. تأتي المصداقية الحقيقية حين التعلم من الأزمات. بالنسبة لمؤيدي "النهج الشبكي" في السياسة الخارجية، والذي تمّ التعاهد عليه كثيراً في اتفاقية الائتلاف، فإنّ الدروس الأولى ستأتي مبكراً. يريد التحالف أن ينفق على هذا أكثر مما ينفق على أهداف ويلز للناتو؛ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي يجب أن يكون للدبلوماسية والتنمية والدفاع بدلاً من 2 في المائة، التي تمّ التعهد بها للدفاع وحده. ومع ذلك، فإنّ الاعتماد على الخبرات عبر الإدارات سيتطلب بيروقراطية قابلة للاختراق يمكنها التفكير من منظور التحديات وليس العمليات فقط. يفرض وضع التهديد وجوب اعتبار العالم بمثابة شبكة وليس كرقعة شطرنج. ومع ذلك، فإن هذا يتعارض مع الواقع الثقافي ـ المعاش – أيضاً.
كان من المُفترض في ألمانيا أن يكون الكتاب الأبيض حول الدفاع لعام 2006 مرتبطاً بتنفيذ "التشبيك" بشكلٍ استراتيجي. تمّ في عام 2016 إعادة إحياء الفكرة في الكتاب الأبيض حول مستقبل الجيش الألماني. وعلى غِرار "إجماع ميونيخ" حول المسؤولية الجديدة لألمانيا: لم يتم دعمه باستراتيجية عملية، فشلت محاولات اشتقاق إصلاح كامل "شَبَكي" لوزارة الخارجية بسبب الثقافة الداخلية، والمسؤوليات الإدارية وألعاب القوى بين الوزارات والمؤامرات السياسية الحزبية وعمليات صنع القرار التي تطورت بمرور الوقت لها تأثيرٌ كبيرٌ للغاية. كلما أصبحت الإدارات الفردية أكثر أهميّة للقضايا الدوليّة في السنوات الأخيرة (الاقتصاد والدفاع والمالية)، وكلما جعل مكتب المستشار قضايا السياسة الخارجية مسألة تخصّ الرؤساء في سياق رئاسات مجموعة السبع ومجموعة العشرين ومجلس الاتحاد الأوروبي، قلّ اهتمامهم بالتنسيق مع وزارة الخارجية.
استراتيجية للأمنِ القومي:
تمثّل اتفاق الائتلاف وثيقة إعلان نوايا. ومع ذلك، يجب أن تكون استراتيجية الأمن القومي التي يطبقها التحالف للعام المقبل، قادرة على تحقيق نتائج ملموسة. إن صياغة استراتيجية تعني تحديد الأهداف وإعلان المصالح التي تتهيبها ألمانيا، بالنظر إلى تاريخها. ومع ذلك، بدون استراتيجية، ستستمر الجمهورية الفيدرالية في التصنيف غير المناسب للحلفاء وسكانها وللعالم كقوّة تفاعلية لا تتعلم بأيّ حالٍ من الأحوال أو تتطلع إلى المستقبل. من أجل صياغة استراتيجية للأمن القومي، ثمّة حاجة إلى إعادة التشكيل الهيكلي، مما يسمح بالتبصّر الاستراتيجي في نظام يفصل فيما عدا وفقاً للمبدأ الوزاري والتسلسل الهرميّ الوزاري، مع وجود قدرٍ ضئيلٍ من التباطؤ، بل وسرعة مؤسسية أقل. في ضوء المشاكل المتداخلة المتعددة، يجب أن تكون السياسة الخارجيّة الألمانية قادرة على تحقيق على وجه التحديد ما يلي:
تنسيق سريع، والابتعاد عن السيادة الوزارية، وبُعد نظر استراتيجي حقيقي. كجزء من جهاز أمني وظيفي، يجب أن يكون هذا هو المحور: مُنسقْ في مكتب المستشار، ولكن بدعم تحليلي واسع النطاق من وزارة خارجية، والتي تعمل من خلال إمكانية التجانس الوظيفي مع كلّ الوزارات ذات الصّلة المباشرة ــ وزارة الدفاع، ووزارة المناخ ــ والاقتصاد، والشؤون الرقمية والنقل.
سيتعين على الحكومة بعد أسابيع من المفاوضات، أن (تطبق) الكثير، "هابك/ وزير المناخ والاقتصاد"(المترجم). يجب أن تُصاغ الأهداف المنصوص عنها في اتفاق التحالف على أنها مصالح؛ عندئذٍ، يجب أن تكون عملية العمل الوظيفية والإطار المؤسسي قادرين على مناقشة هذه الأهداف، والتي ستكون الوزارات الفرديّة قادرة على تنفيذها، وبدعم من عملية برلمانية أيضاً. وفي غضون ذلك، فإنّ السياسة الواقعية تتقّدم بمطالبها. صحيح الوضع معقد - ولكن يجب أن يكون التفاعل سريعاً. سيتعين على الحكومة الفيدرالية أن تلتزم باستراتيجية أكثر إلزاماً. عندما تكون الخطوط السياسية الحزبية واضحة في اتفاق التحالف، يجب إجراء التحسينات بسرعة في ضوء الواقع اليومي: انظر إلى روسيا (يتم أخذ سيناريوهات تهديد بوتين في الاعتبار) تركيا (يتم التقليل من أهمية أخطاء أردوغان ضدّ الناتو والاتحاد الأوروبي) أو أوكرانيا (لم تتم مناقشة نورد ستريم 2). وهذا من شأنه أن يجبر الأطراف الثلاثة على التحلي بالأمانة، لأن اتفاق الائتلاف يقدّم مقترحات تكتيكية ملموسة لجميع علاقات القوى الكبرى في التجارة وسياسة المناخ وكذلك لسيادة القانون.
يبدو التعامل مع الصين واضحاً، الابتعاد عن سياسة أنجيلا ميركل التجارية. هناك استعداد للرد بشكل أكثر منهجية على الصين الأكثر عدوانية، للسماح لجميع الروافع السياسية بالتحرك، حتى بشكل جماعي مع شركاء مختلفين - من القوة الأخلاقية لحقوق الإنسان إلى السياسة التجارية.هذا يجعل من الممكن ربط الأهداف الاستراتيجية مباشرة بالسياسة الأوروبية. لأنّ هذا هو إلى حد بعيد الخط الأكثر وضوحاً لاتفاقية التحالف: لا يمكن لألمانيا سوى ضمان قدرتها على العمل دولياً على المدى الطويل داخل التشابك الأوروبي.
الصين: التكتيكات تصبحُ استراتيجية:
يمكن العثور على حلّ تكتيكي لتحقيق التوازن مع الصين في مكان آخر في اتفاقية التحالف - كما لم يتمّ العثور على المبادئ التوجيهية الفعلية للعمل فيما يتعلق بالصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في قسم السياسة الخارجية، ولكن بالأحرى في القسم المحلي من اتفاق الائتلاف. يجب الآن النظر إلى العلاقة مع بكين على أنّها عابرة للأطلسي، بدلاً من التفكير من منظور الاعتماد على الذات التجارية. بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، تريد ألمانيا وضع معايير للاستثمارات الأجنبية في القضايا البيئية والاجتماعية من أجل إخراج الصين من دورها الحالي كصانع المعايير الدولية (خاصّة في قطاع التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وفي الأمم المتحدة، ولكن أيضاً في الهيئات المستقلة). تعني الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في شينجيانغ وهونغ كونغ، وكذلك الديناميكية في التجارة، أنه لا يمكن بالفعل التصديق على اتفاقية الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين (CAI). تريد الحكومة حماية الشركات الألمانية والأجنبية من هجمات الصين من خلال زيادة حماية الاستثمار. أما فيما يتعلق بالسياسة الأمنية، فإن وجود مقعد محتمل للاتحاد الأوروبي في الأمم المتحدة، يعني ضمنياً من أجل مواجهة سياسات الحصار التي تفرضها روسيا والصين هناك.
ترياق "البوابة العالمية":
تريد الحكومة لمكافحة الصراع الهجين وضع معايير مفتوحة، وكذلك الأنظمة البيئية التكنولوجية الأوروبية في مكافحة الهجمات الإلكترونية (على سبيل المثال من الصين وروسيا) - وهي إشارة واضحة لإنهاء نقاش هواوي الطويل حول توسع 5G6/G في الدولة. فيما يتعلق بالسياسة الصناعية، تحظر المعاهدة نقل تقنيات المراقبة إلى الصين. يجعل "استقرار نظام خريطة الطريق" البنية التحتية الرقمية الحيوية مرئية بحلول عام 2023، والتي يرغب المرء في أن يكون قادراً على حمايتها بشكلٍ أكثر كفاءة ضدّ الهجمات الإلكترونية - وهنا أيضاً، يمكن أن يساعد نهج الاتصال الخاص بالاتحاد الأوروبي، "البوابة العالمية"، في صدّ مبادرة الحزام والطريق الصينية. وأخيراً، يمكن العثور على نهج حقوق الإنسان والقيم في سياسة الصين في الفصل التجاري (حظر استيراد المنتجات من العمل الجبري)، وأخيراً وليس آخراً، يجب فحص الاستثمارات من (الصينيين) في الخارج في البنية التحتية الحيوية، قانونياً. أصبحت الأفكار التكتيكية والمشتركة بين الإدارات واضحة، بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة وأوروبا، لكن هناك فجوات. من غير الواضح كيف ترغب الحكومة في تصميم تنسيقات جديدة عبر المحيط الأطلسي مثل منتدى المستقبل الألماني الأمريكي، وهو شراكة في مجال الطاقة، ولكنه يستثني نورد ستريم 2.
بشكلٍ عامٍ، هناك ثروة متزايدة من الأفكار - لكن لا توجد استراتيجية حقيقية. وهذا يجب أن يكون مدعوماً بنظام يعمل بنشاط على تعزيز التبادل بين الوزارات ويعيد تحديد كفاءة المبادئ التوجيهية. هناك ثلاث احتمالات تبدو معقولة: أولاً، على المدى القصير، رفع مستوى وتوسيع مجلس الأمن الفيدرالي الفعلي. ثانياً، على المدى المتوسط، سيؤدي ذلك إلى إنشاء مجلس جديد للأمن القومي، أو ثالثاً، إعادة تنظيم وزارة الخارجية كهيئة تنسيق مع كفاءات متخصصة موسعة ودعم واضح من البرلمان ومن المستشار - وليس فقط من خلال زيادة الميزانية الاتحادية. يصعب الوصول إلى جميع الخيارات بسرعة، لكنها ضرورية على المدى الطويل.
يجب أولاً أن يكون مجلس الأمن الفيدرالي الذي تمت ترقيته قادراً على الجمع بكفاءة بين جميع مجالات السياسة من منظور السياسة الخارجية - وبقدر ما يعمل على توفير منظور تكاملي، يجب أن يكون قادراً على استشارة الوزارات المتخصصة للهجرة واللاجئين والصحة والشؤون الرقمية. يجب توسيع الخبرة السياسية بمرونة - اعتماداً على الوضع الحالي - من قبل ممثلين عن أهل العلم من العلماء ومن الأعمال التجارية والمجتمع المدني من أجل التمكن من تقييم التحديات بشكل كلّي. لكن: الهيئة التي وافقت حتى الآن بشكل أساسي على صادرات الأسلحة يمكن أن تكون في أفضل الأحوال حلاً مؤقتاً.
على أي حال، فإن إنشاء مجلس للأمن القومي سيكون أكثر مصداقية داخلياً وخارجياً؛ على غرار ذلك في الولايات المتحدة كجزء من السلطة التنفيذية، في عملية تبادل مستمر مع الوزارات المتخصصة، المجهزة بصلاحيات جديدة، إضافة إلى أن يكون دائماً مع التزام برلماني بالإدلاء بشهادته. يجب أن يكون قادراً على تجميع الموارد عبر وبين الوزارات، أي جعل الخبرة الحقيقية في السياسة الداخلية والخارجية قابلة للاستخدام الاستشرافي الاستراتيجي.
إعادة التفكير في الدبلوماسية:
ولكن خلف مثل هذه المؤسسة الجديدة أو المتطورة ذات التفكير الاستراتيجي، يجب على أي حال أن تكون هناك وزارة خارجية قويّة وقادرة على التطوير. يرى شركاء التحالف أيضاً أنْ - يأمل المرء في ذلك، إذا أنشأوا "سياسة خارجية متّسقة للمناخ" أو "قانون دولي للإنترنت" كجزءٍ من السياسة الخارجية الرقمية الوظيفية بالإضافة إلى الوظائف الأساسية للدبلوماسية، وكذلك "الحدّ من التسلح لتطورات تكنولوجيا الأسلحة في مجال التكنولوجيا الحيوية، وفرط الصوت، والفضاء، والسايبر، والذكاء الاصطناعي". أو إذا رغبت في تحقيق أهداف الاستدامة للأمم المتحدة جزئياً من خلال "الدبلوماسية الحضرية" واستخدام النهج الشامل "للسياسة الخارجية النسوية" لتعزيز التنوع في الدوائر الحكومية وفي العالم، ثم تريد التفكير استراتيجيات الخروج قبل العمليات العسكرية لصالح منع الصراع وإنهائه.
إنها قائمة طويلة لا تستطيع الدائرة القيام بها أو لا يمكنها القيام بها بشكل كامل في القائمة الحالية، وبالتأكيد ليس بمفردها. كل هذا لن يكون ممكناً إلا باكتساب خبرة إضافية داخلياً، أحياناً في نماذج عمل جديدة أو في استخدام أكبر لمبادئ التناوب. ما هو مطلوب هو المزيد من علماء الطبيعة والمناخ، والمزيد من علماء الكمبيوتر وخبراء التكنولوجيا، الذين يمكنهم، على سبيل المثال، ليس نقل الدبلوماسية الرقمية فقط، ولكن بشكل أكثر صرامة نقل دبلوماسية البيانات أيضاً. قد يشكل هذا نقطة إرساء أقوى للهيئات الفيدرالية الجديدة - على سبيل المثال للوكالة السيبرانية والمكتب المركزي لتكنولوجيا المعلومات في قطاع الأمن.
سيكون عام 2022 عام الاستراتيجيات: يريد الاتحاد الأوروبي التفكير في كفاءاته من منظور توسيع "البوصلة الاستراتيجية"، وفي الربيع سيأتي المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو. يجبُ أن تكون ورقة برلين مرتبطة بها بسلاسة، ويجب أن تكون منسّقة تماماً. أوراق الإستراتيجية ليست حلولاً طويلة المدى، ولكنّها دائماً إعلانات نوايا. ومع ذلك، فهي، في الوقت نفسه، إعلانات مبادئ: ما الذي نقف لأجله؟ مَنْ نحن؟ عندما يسقط حجر الزاوية في النظام الدولي لأنّ النظام نفسه لم يعد قائماً، فإنّ الإجابات على هذه الأسئلة والالتزام بالقيم لها أهميّة كبيرة.
[1] المقال صادر عن مجلة السياسة الدولية العدد 1 كانون الثاني – شباط / يناير / فبراير 2022 ، ص 58-63. العنوان الألماني: Cathryn Clüver Ashbrook, Vom Ende des Reagierens: Deutschland in einer gefährlichen Welt, Die außenpolitische Aufgabenstellung für die neue Bundesregierung ist historisch komplex. Sie erzwingt tiefgehende Änderungen, Internationale Politik 1, Januar/Februar 2022.
[2] - تصف "المفاجأة المتوقعة" حالةً أو ظرفًا يتم فيه تهميش الأزمات التي يمكن تجنبها من أجل تلبية السياسات الاقتصادية والاجتماعية. عرّف ماكس إتش بازرمان ومايكل د. واتكينز "المفاجآت المتوقعة" بأنّها مشاكل على الأقل، بعض الناس على علم بها- تزداد سوءاً بمرور الوقت، من المحتمل أن تنفجر في نهاية المطاف في أزمة، وإذا لم يتم تحديد أولوياتها من قبل صانعي القرار الرئيسيين أو لم يتم الحصول على استجابة سريعة بما يكفي لمنع حدوث أضرار جسيمة. (ماكس هال بازرمان، من مواليد 14 آب/ أغسطس 1955، مؤلف وباحث يركز عمله على التفاوض والاقتصاد السلوكي والأخلاق.) ) مايكل د. واتكينز، مؤلف كندي المولد كتب عن القيادة والتفاوض. وهو أستاذ القيادة والتغيير التنظيمي في المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا (، (المترجم).