تقرير عن عمل درامي ابن بيئته يصور الحياة اليومية في بلد لا زال يعيش مشكلات وقضايا سياسية واجتماعية كبرى، مسلسل "بكّير" من إخراج سمير حبشي، وعرض على أحد القنوات اللبنانية ويعالج مواضيع اجتماعية عديدة من بينها عمالة الأطفال والعنف ضدّ المرأة بالإضافة إلى زواج القاصرات وحضانة المرأة لأولادها، في هذا التقرير نقترب من موضوع المسلسل والذي يأتي في سياق خاص لذلك حرص على التطرق إلى عمق المأساة الاقتصادية وتأثيرها على حياة العائلات اللبنانية.

قصص من الحياة الواقعية في لبنان

 

بينما تعالج أغلب المسلسلات اللبنانية مواضيع عاطفية رومانسية، اختار منتجو مسلسل "بكّير"، أن يكون مرآة للمجتمع اللبناني شديد التناقض، والذي يخفي مشكلات وقضايا اجتماعية كبرى تطول الكبار والصغار على حدّ السواء.

والمسلسل الذي كان اللبنانيون طوال شهر فبراير الماضي على موعد معه يصنف ضمن خانة الدراما الاجتماعية المقتبسة من قصص واقعية، كتبتها السيناريت كلوديا مرشليان المعروفة بتعمدها الحديث عن مشكلات الواقع المعيش بهدف تسليط الضوء عليها ومحاولة تغيير الآراء والمعتقدات السلبية السائدة.

و”بكّير” من إخراج سمير حبشي، وعرض المسلسل على قناة “أل.بي.سي.آي، وهو من إنتاج شركة “داي.تو بيكتشرز” ويعالج مواضيع اجتماعية عديدة من بينها عمالة الأطفال والعنف ضدّ المرأة بالإضافة إلى زواج القاصرات وحضانة المرأة لأولادها.

ويضّم المسلسل مجموعة من أشهر الممثلين في لبنان وهم عمار شلق، كارول الحاج، رنده كعدي، مارينال سركيس، سينتيا كرم، بياريت قطريب، شربل زيادة، دوري السمراني، بشارة عطالله، ختام اللحام، علي الزين، نازيلي قصابيان، ناديا شربل.

وعلى مدار 20 حلقة، يأخذنا العمل إلى إحدى قرى البقاع، وتحديدا إلى بلدة دير الأحمر، مع قصة شابة تدعى “مجدلا” (كارول الحاج) تهرب من سطوة واضطهاد زوجها سمير (عمار شلق) الذي يمارس عليها كل أنواع العنف سواء كان جسديا أو لفظيا، من أجل مساعدة أولادها على تأمين أبسط حقوقهم، إلا أنها تواجه العديد من الصعوبات التي تحول حياتها إلى رحلة شديدة القسوة والخطورة. وتقرر البطلة العودة إلى المنزل لتصطحب ابنتها المراهقة (ناديا شربل) خفية، بهدف حمايتها من تزوجيها مبكرا. ولدى هربها إلى العاصمة بيروت، تلتقي بالمحامي “طارق” (دوري السمراني)، الذي سيساعدها على مواجهة زوجها واستعادة أولادها الثلاثة، لتنشأ بينهما قصة حب.

ويعكس المسلسل كما يوحي بذلك عنوانه (بكّير)، تطرقه لقضايا يجبر الإنسان على التعاطي معها في سنّ مبكرة جدا، ولا يرى فيها أغلب المجتمع اللبناني عيبا” أو حتى يثور لتغييرها، فأغلب العادات والتقاليد المجتمعية، تقبل عمل الأطفال في سن صغير لمساعدة عائلاتهم، ولا تمانع من تزويج الفتيات القاصرات سواء لخطبتهن من الشخص المناسب في نظر الأهل أو لغايات مادية تدفع الآباء إلى التفريط في بناتهن طمعا في المهر.

ويجبر الأطفال على مغادرة المدارس في سنّ مبكرة، كما تجبر النساء على إنجاب الأطفال في سنوات متتالية بسبب ضغوط المجتمع والعائلة التي لا تراعي حالتها الصحية والنفسية بل تهتم فقط لأنها أنجبت وهي في سن صغيرة مقارنة بغيرها.

ولم يكتف المسلسل بالحديث عن قضايا كبرى صالحة لكل زمان ومكان، بل تطرق إلى عمق المأساة الاقتصادية وتأثيرها على حياة العائلات اللبنانية، من خلال مشكلة الممثل شربل زيادة الذي يلعب دور أستاذ لم يعد معاشه يكفيه لتسديد حاجات ومتطلبات عائلته، وتتفاقم المعاناة الاقتصادية مع توقف الزوجة (بياريت قطريب) عن العمل. كما قدم المسلسل مصطلحات جديدة على الدراما اللبنانية، ومنها “المجتمع المدني” و”الناشطين في المجتمع المدني” حيث لم تتطرق المسلسلات المحلية في ما مضى إلى مثل هذه الجمل ولم توردها ضمن حواراتها.

وفي بكّير، ظهر المحامي “طارق” ليس كصاحب مهنة فقط، بل كـ”ناشط” في قضايا الدفاع عن حقوق المرأة، يتحمل تبعات هذه المهمة حتى لو وصل ذلك إلى تعرضه للعنف الجسدي والضرب المبرح. المسلسل يصنف ضمن خانة الدراما الاجتماعية المقتبسة من قصص واقعية، كتبتها السيناريت كلوديا مرشليان المعروفة بتعمدها الحديث عن مشكلات الواقع المعيشي

ورأى بعض المتابعين للعمل، أنه ليس من المصادفة إقحام كلوديا مرشليان صفة “ناشط في المجتمع المدني” على المشهد الدرامي اللبناني، بل رأوا فيها محاولة لتعزيز هذه الفكرة في أذهان المشاهد تصوير الناشط المدني، شخصا نزيها يدافع عن القضايا الحقوقية والإنسانية ولا يتردد في الانتصار للمظلومين وإيصال أصواتهم، والهدف من كل ذلك أن يعتاد المتفرج اللبناني على هذا التوصيف وما يحمله من صفات، لكنه يحيل أيضا -وفق المسلسل- إلى أولئك الناشطين في المجتمع المدني الذين يستغلون الملفات الحقوقية والإنسانية لمآرب وأهداف سياسية تمكنهم من الفوز والحصول على مناصب قيادية وتوسع قواعدهم الشعبية قبيل العمليات الانتخابية.

وأشار الممثل اللبناني عمّار شلق إلى أنّه بعيدا عن المسلسلات التي تسيطر فيها قصص الحبّ بين البطل والبطلة، يسلّط مسلسل “بكّير” الضّوء على قضايا حساسة موجودة في مجتمعنا ودون أن يقيّدها بمكان معيّن. ولفتت كاتبة العمل كلوديا مرشليان إلى أنها من خلال “بكّير” صوّرت مشكلات موجودة بالفعل في القرى والمدن وفي كل منزل لبناني.

وشدّدت على أن المسلسل ليس ضدّ زواج الفتيات أو حتى عمل الشباب في أماكن معيّنة، بل إنها ضد استباق التوقيت المناسب لذلك، وحرمان الأطفال من طفولتهم، مؤكدة ضرورة إعطاء الشباب والشابات الوقت الكافي ليصبحوا أقوى ويتعلّموا ويحققوا مستوى معينا من النضوج قبل الإقدام على أي قرار مصيري. من جانبه، وصف المخرج سمير حبشي الدراما بأنها “ابنة بيئتها والعصر الذي توجد فيه”، معتبرا أنه على الدراما أن تتطرّق إلى هكذا مواضيع وقضايا وألا تكتفي بمواضيع بعيدة عن المجتمع.