يعتبر الشاعر المغربي من أبرز الأصوات الشعرية اليوم وقد صدر له هذه السنة ديوانا جديدا عن منشورات دار الشعر بمراكش هنا قصيدة تمثل أنموذجا لهذه التجربة الإبداعية التي تقيم في اللغة وتزاوج بين ضفتين وتلامس من خلال أسئلة الكتابة والكينونة أفق القصيدة في اللانهائي، ولعل بعض من رسائل الغرقى توسم بعضا من سمات تجربة تنتصر لقيم الحداثة اليوم.

رسائل الغرقى

رشيد منسوم

 

شاعر لا يجيد النجاة

" حجرتان عاريتان تحابتا فاندهش الماء" روني شار.

 

الحادثة الأولى:

أوريكة ، أواخر نوفمبر.

مثلما يليق بصياد بريء من ما تفعله الموجة بعري الأحجار و من ما تثيره في اللازوردي من رغبة في الهروب، أفعل ما بوسعي لعلي أنجو من شهوة الجنون. عبثا أحاول وحدي أن أنال حظي من ذوبان اللحظة في مجرى الوجود. ليثني أستطيع أن أتعايش مع وحشة أعشاب الجيرانيوم و أجني متعة المغني المتجول بين الأنقاض. عبثا أحاول وحدي أن المس وقع خطى ثعلب مثقل بالندى في مجرى هذا النهر ليثني أستعير من البراري وحشتها و من الشراك عناقها للذة الحياة. الموجة حين تعلي من شأن الجسد هي نبوءة أيضا.

 

الحادثة الثانية:

وحدها عذوبة المطلق تجيد التعرف على الغريب و لربما الوردة أيضا. الوردة فضاء السديم ، المطلق موسيقى يلعبها الندى و أنا من هدير المقطوعة الخامسة " الغرقى العائدون من المنفى" حينما أصغي لرقصة العشب. كثيرا ما أحترس من اليابسة التي لا تؤمن بشهوة الانمحاء و من الكتابة التي لا تصغي لظلال لحفيف أوراق الخريف في زقاق خيالي و لا للذاكرة حين تتهاوى مثل نافذة مشرعة على الغريب نورس عجوز. سأكف عن تقليد بياض اللحظة و عن رسم تجاعيد الصدى مادام السراب شاعر عظيم و مادامت الدهشة إقامة أيضا.

 

الحادثة الثالثة:

لا أريد صداقة الضفاف. ليست حياة تلك التي تتكئ على الطمأنينة و ليس جسرا ذاك الذي يفضي إلى البيت. في ما مضى كنت أميل إلى براهين أزهار اللوز في الحديقة و إلى نداء الأجراس في الأعماق. آن لي أن أن أثق في رغبة العابر في التجلي أنا المسافر بين الوردة و شهوتها و أن أصدق الغيمة التي تصون الغريب لكي أنسى الإيقاع و ان اراهن على تدرج لون الغيم على ورقة الصفصاف. آن لي بعد جسارة الحرائق التي خلفها الصمت أن أجرب نبل الفقدان و أن أختبر حدس الندى. فكن عدوي أيها الحنين مادام الحجر حينما يشتاق إلى أجنحة الحياة هو معجزة أيضا.

 

الحادثة الرابعة:

منذ آدم و النوافذ اجتراح للاستعارة حين نصدق أنها أمواج لم تعد تتذكر التحليق أو غيوم بيضاء لخطوات آلهة في الفراغ. لولا النوافذ لصار المدى نصا شعريا بدون إيقاع. النوافذ موسيقى البدايات. النوافذ هي موسيقى النهايات. لذا يؤلمني الندى الذي يتراكم على روح الزجاج ألمسه فيتهاوى مثل دهشة شاعر منتحر. وحدها النوافذ تجيد التعرف على الغريب. فصاحة الجدران هي. احتمال الخطأ المتوج هو.اشتياق الحجر لعناق العشب هي. ممعن في تضاريس الندى هو. لها بلاغة موجة حين تقود الأزرق نحو الأعماق هي. و ليس نادما على الغرق هو.

 

الحادثة الخامسة:

يعجبني الشاعر الفرنسي روني شار حين يقول " حجرتان عاريتان تحابتا فاندهش الماء" مهمتي منذ سوء الفهم بين الموجة و الوردة الذي شكل الطين هي أومن بتعريف آخر لقصيدة النثر لم ترده سوزان برنار عناق الألم و ابتكار الفرح.

ما جدوى الأزرق إذن أيها الموج مادمت لا أجيد غير الغرق.