"ما تبقى من العمر إلا الكثيرْ / فماذا أسمي البياض الذي يتعقّبني / غازياً أم أسيرا؟ / قم من الليل، يا لابس الخيل كيما ترى أفقاً / ناسكاً ونهاراً طهورا"
لم أقل لأبي في الصبا ما يُسِّرّ الفتى لأبيهْ
وبأني تقوّيت بالمفردات لأعلو على كذبي
بخيال الصبّي النـزيه
لم أقل قد رأيت فؤادي يطير بلا أجنحةْ
وبأني غداة عدى الذئب في غنمي
كنت أبحث عني ،قريباً من الغيم فوق البيوتِ،
وخلف ارتعاش ثياب الصبايا على " الأسطح "
لم أقل كان يتبعهن فؤادي فأسلمتُ مزرعتي للجرادِ،
وإذ جئتني غاضباً قلتُ يا أبتِ :
كيف أحمي الحقول وقلبي بلا أسلحة!
يا أبي لم أقل خانني بصري إذ رأيت الصبايا سواسيةً
يتحدّرن من جبلٍ في السماءْ
يتقاطرن من مطرٍ صاغ أصواتهن فماً
يتكلّم حين تنام النجوم ، ويغفو الهواءْ
وإذا أفسد الليل غاباته
جئن لي بالمصابيح ،حتى أفاق " جنوني"
و أشعلنني بالغناء ْ
ونحتن بأعشاش قلبي قواريرهن
و زوجنني
لفراغ البكاءْ .
يا أبي حين هيأتني لافتراع المياهِ،
وساءلتني: أي ليلٍ ستبني به وطناً للصغارِ
وأي صباحٍ ملثّم ؟
قلتُ:كل النساء سواء
كل واحدةٍ تشبه الكلمات التي لم تلدْ بعدُ ،
أو تتكلّمْ
والزمانَ الذي لا يشيب ولا يتهدّمْ
والنخيلَ المغطاةَ كل صباحٍ بأشباه مريمْ.
يا أبي لم تُعني لأختارَ،
أو تمتحني لأحتار ،
أو تكسرِ الوهم كي أتعلّم
يا أبي
مذ دخلت المدينة أدركت أن الفتى
غارق في "مجاز" النساءْ
لم أقل: أي امرأةٍ سوف أُثقل أوصافها بفمي ،
وأدوّنُ في متنها سفري ،
وانتحاري السعيدْ
أيهن ستسرج في ليلها قمري ،
وأصير فتاها الوحيدْ
لم أقل هذهِ شبهيْ
سوف تكمل جملتُها باب بيتي،
وأصواتهُا سلّمي في الموسيقى، ولم
أتمرّنْ على ما يدلّ الفتى في المساء إلى نفسهِ،
أو يوجِّجُ ثلج الجنوب ببادية الشام ،
أو يتخلّقُ في المبتدأ،
خبراً للقصيد.
يا أبي خانني ما توهّــمتُه في الصبا
حين خلت النساء سواء
: اللواتي ملأن كتابي بأوصافهن
واللواتي تخفّين في ضعفهن
واللواتي
حذِقن التشابهَ
حتى عشقت السواد الذي يشبه الأصدقاءْ .
ولهذا
تفرّق قلبي هوىً في القبائلِ
من ذا يدلّ عيوني عليه؟
يا أبي لم أقل في الصبا ما يُسِرُّ الفتى لأبيهْ
و هنا سأُسِرّ لأبني بما أنا فيهْ !!