يكشف الباحث المصري في هذه الدراسة عن طبيعة نوع آخر من الحروب الحديثة لا يقل أهمية عن الحروب العسكرية، بل يفوقه أحيانا في الأهمية لتواصله في فترات السلام، وتنافس الدول على تعزيز مصادر قوتها، وتحسين مكاناتها على خريطة العالم السياسية والاقتصادية على السواء.

رواج حروب الفضاء السيبراني!

السيد نجم

 

يشير مطلع القرن الحادي والعشرين، مع ثورتي المعلومات والإتصالات، حيث تتضاعف المعلومات مرة كل دقائق معدودة، وشبهت الكرة الأرضية بالقرية الكبيرة بفضل سهولة الإتصال، ما أدى إلى رواج توجه تكنولوجي جديد، ألا وهي الحرب الالكترونية! وقد تواترت الأخبار مؤخرا برواج المصطلح (حرب الفضاء السيبرانية)، وقد أصبح واقعا وقريبا من الأذهان والأجساد، مع اشتعال المعارك بين روسيا وأوكرانيا. ويتنبأ العلماء أنه خلال سنوات قليلة قادمة ستصبح التكنولوجيا الجديدة بكل معطياتها الخدمية والمعلوماتية شيئًا مألوفًا، حتى داخل المنازل، حيث سيمتزج التليفزيون والكمبيوتر الشخصي والعاب الفيديو والهاتف وأجهزة المطابخ وغيرها، معا في تجانس مع بعضها البعض! ولا يخلو الأمر من الميزات الخدمية الهامة. مثل رعاية وتقديم الخدمات إلى كبار السن بالمنازل، والخدمات التعليمية بالمنازل، ثم إسعاف الحالات الحرجة بالسرعة المطلوبة.. وغيره.

الآن تسللت أجهزة الحواسيب إلى معظم الأجهزة المنزلية والصناعية حتى في العاب الأطفال. وبدت مشاركة الحاسوب كوسيط إعلامى وحافظ للمعلومات بل ومشارك في الأعمال الفنية (كما في أفلام الكرتون للأطفال). ومع هذا الرواج للايجابيات، بدت بعض السلبيات. كما بدأ توظيف تلك التقنية الرقمية الجديدة فى الصراع بين الأفراد، وبين الدول!

التكنولوجيا المتقدمة والصراع بين الدول؟!
خلصت الدراسات الأمريكية بعد حرب الخليج إلى نتيجة مفادها أن عدد أجهزة الكمبيوتر سوف تفوق عدد البنادق والأسلحة الشخصية في الحروب المستقبلية. وهو ما تم إنجاز بعضه في حرب منطقة البلقان عام 1993م، ثم حرب أفغانستان بعدها، وقد تجلت الصورة واضحة وجلية في حرب العراق عام 2003م. تلك الحرب التي شاهدها العالم على شاشات التليفزيون! بينما المعلق الأمريكي يبتسم مشيرًا إلى أنه كما لو كان يرى فيلما لميكى ماوس أو أحد أفلام الخيال العلمي! حتى كان السؤال: هل التفوق العلمي للإنسان قفز على الجانب الأخلاقي؟! كم نحن العرب في حاجة لردم الفجوة الرقمية بيننا نحن العرب والغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة، والتى تزداد يومًا بعد يوم.. كشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية، عن وثائق جديدة سربها الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي "إدوارد سنودن"، توضح أن أجهزة الإستخبارات الأميركية تراقب "الإنترنت" في العالم كله! ذلك بإستخدام برنامجاً سرياً "إكس كي سكور"، يمكنه من معرفة ما يفعله أي مستخدم على "الإنترنت"، سواء الرسائل الإلكترونية، والدردشة، أو حتى عمليات البحث عبر "الإنترنت"، أو إستخدامه لشبكات التواصل الإجتماعي، وأي نشاط آخر عبر "الإنترنت"، وحتى تبادل المعلومات والصور. حيث بلغت سيطرته على نحو 500 خادم حول العالم، بما فيها الدول روسيا، والصين، وفنزويلا. وأي لغة حتى اللغة غير المتداولة!

ظواهر إرتبطت بالثفوق التكنولوجى والصراع
*"الإرهاب التكنولوجى

هو علة عصر الإنترنت الذي يهدد الدول والأفراد، وهو أشد ضراوة من الأسلحة التقليدية، حيث يمكنه شل القطاعات التجارية والإدارية الحكومية. بينما يمكنه أن ينال من خصوصيات الأفراد. وهو فى ذلك يعمل على تهديد القيم الدينية أو الأخلاقية أو الفكرية إلى جانب المعطيات المادية للبلاد والأفراد. هذا المصطلح إرتبط بالإنترنت، ويعني محاولة مجموعة من المهتمين والبارعين في التكنولوجيا الحديثة توظيف ذكائهم ومهارتهم وخبراتهم في هذا المجال لإختراق بعض المواقع الحصينة؛ إما بغرض الإستيلاء على معلومات أو أموال أو تخريب تلك المواقع، بحيث لا تمارس عملها الإلكتروني تلقائيًا. هؤلاء "الإرهابيون" يقومون بإستخدام التقنيات الرقمية، في محاولة لإخافة وبث الرعب في قلوب أصحاب المواقع المهمة؛ لإبتزازهم والسيطرة عليهم، أو سلبهم معلومات مهمة، أو أموال أو كل ما يتصل بالحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية.

تعريف "الارهاب التكنولوجى" لوكالة الإستخبارات الأميركية:
"هو تلك الإجراءات التي يتم إتخاذها للتأثير بشكل سلبي على نظم المعلومات وتدفقها، وفي الوقت نفسه الدفاع عن هذه المعلومات والنظم التي تحتويها". وتزخر الشبكة العنكبوتية بالكثير من الأمثال على هذه الظاهرة الخطيرة، حيث نما عددهم مع تزايد عدد صفحات الإنترنت، وأخذوا تكثيف جهودها لإستغلال الثغرات الأمنية للدول والأفراد الموجودة على الشبكة من أجل تحقيق أهدافهم الخبيثة. ويسمى أفراد هذا التناول الإرهابى بالهاكر أو القرصان، وقد شاعت أفاعيلهم منذ أن هاجم القراصنة "الصرب" المواقع الإلكترونية لوزارة الدفاع الأميركية عام 1989م لدى قيام القوات الأميركية بتوجيه ضربات جوية على يوغسلافيا. الآن تنوعت أشكال الهاكر أو القرصان. شاع البعض ممن يقدمون خدماتهم القرصانية للشركات والحكومات مقابل المال! كما شاع منهم بعض العلماء والمتخصصين في الكتلة الشرقية بعد إنحلال الإتحاد السوفيتى القديم، حيث ساءت الأحوال المعيشية لهؤلاء المتخصصين، مما جعلهم هدفا سهلا لبعض الشركات التي إحترفت القرصنة الالكترونية. أخيرًا يمكن توظيفهم من قبل الدول من أجل التخطيط، أو القيام بهجمات إلكترونية، أو لجمع المعلومات عن الجهات والدول المعادية، وعلى ضوء هذه الحقائق مجتمعة ينبغي التعامل مع المرتزقة على أنهم يشكلون تهديدًا لأمن الدول.

"الجاسوسية"
الجاسوسية، فى إيجاز هي جمع معلومات وتحليلها عن الطرف الآخر من الصراع، عرفها الإنسان في صراعاته طوال تاريخه على الأرض. وتطورت الجاسوسية في كل مجتمع بقدر يناسب ما لديه من إمكانيات. وإن راجت كثيرًا خلال القرن العشرين، نظرًا لبلوغ الصراع إلى ذروته فى العالم، حتى شهدت حربين عالميتين والعديد من الحروب الإقليمية. كما لعبت الحرب الباردة بين السوفيت والأمريكان دورًا هامًا فى رواج أجهزة التجسس. تأكد مع القرن ال21 أن مفهوم القوة تعدل من القوة العسكرية إلى القوة الإقتصادية، وهو ما ترافق مع توظيف جديد للجاسوسية وإعلاء شأنها أكثر. وبات يستهدف الحصول على أسرار معامل ومراكز البحث والتطوير العلمي والمصانع بمعدلات تفوق الأزمنة السابقة.

وتعد عمليات الجاسوسية الإقتصادية التي شهدتها الحرب العالمية الثانية درسًاً قيمًاً في هذا المجال، فقد بعث جاسوس ألماني عمل في اليابان لحساب الإتحاد السوفيتي يدعي "ريتشارد سيرج" رسالة تضمنت معلومات عن بعض أوجه النشاط الإقتصادي غيرت مسار الحرب تقول رسالة سيرج: "إن مصانع الملابس تنتج ملابس صيفية خفيفة ومصانع الثلج في اليابان تعمل بكامل طاقتها وتتوسع في إنتاج الثلج" ومن هذه الكلمات تأكد السوفيت أن اليابان لن تهاجم حدودهم كما كان معتقدًاً من قبل، وأن العمليات العسكرية اليابانية سوف تتجه إلى جنوب آسيا حيث الجو شديد الحرارة والرطوبة، وبهذه المعلومة المستنتجة إستطاع السوفيت أن يوحدوا جيشهم علي الجبهة الألمانية ليسجلوا إنتصارًاً حاسمًاً على الجيش النازي.

وحسب تقرير منتصف 1993م فإن أكثر دول العالم ممارسة للتجسس الإقتصادي في العالم هي: 

- الولايات المتحدة الأمريكية التي اتجهت بعد نهاية الحرب البارة إلى التجسس الاقتصادي.

 - فرنسا التي أتهمتها الولايات المتحدة بممارسة عمليات تجسس صناعي واسعة ضدها.  

- الصين وقد تركزت على جمهوريات الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وهي في الوقت نفسه تعتبر هدفا لعمليات التجسس الصناعي والاقتصادي.

 - اليابان ويقدر الخبراء أنها توجه 80% من إمكانات جهاز مخابراتها نحو التجسس الصناعي.

- إسرائيل حسب تقرير أصدره الكونجرس الأمريكي نشرته الواشنطن تايمز في فبراير 1996  فإنها تمارس عمليات تجسس إقتصادي وتقني ضخمة على الولايات المتحدة الأمريكية.

يستهدف التجسس الاقتصادي شركات تجارية، فإن خدمات التجسس والتجسس المضاد أصبحت سلعة رائجة، وكانت الولايات المتحدة أول مكان تظهر فيه وكالات تجسس خاصة تقدم خدماتها للشركات تحت اسم "الإستخبارات التنافسية" ويقصد بها "جمع المعلومات الصناعية وتحليلها وتوزيعها"، وتضم العاملين في هذا المجال جمعية محترفي التجسس الصناعي التي تأسست عام 1986، ويبلغ عدد أعضائها نحو 2800 رجل (80% منهم أمريكيون) موزعون في 31 بلداً. وربما يمكن بيان قدر توظيف التكنولوجيا الرقمية في هذا المجال، أكثر من أن أعلنت إحدى الشركات الأمريكية استعدادها لإطلاق قمر صناعي للتجسس الشخصي، يمكن من خلاله التجسس على شخص أو أكثر ومراقبة كل تحركاته!

وينص التعريف على أن حرب المعلومات أو الإتصال هي: "العمليات التي تستهدف تحقيق تفوق في مجال المعلومات عن طريق شل أو تعطيل أو تدمير أنظمة إتصال الخصم وشبكة معلوماته والدفاع عن النظام الذاتي لإبقائه فاعلاً" وترتبط  ظاهرة التجسس عموماً بالمجتمع، ولكن التجسس الإقتصادي والتقني يرتبطان بالمجتمع أكثر من التجسس في المجالين السياسي والعسكري، فأية معلومة عن البناء الإجتماعي وسلوك شرائح المجتمع المختلفة تفيد جاسوس الاقتصاد في عمله، وتعد اليابان رائد هذا الإتجاه في التجسس الإقتصادي، وقد دأبت على إرسال عملائها إلى مختلف دول العالم لدراسة أساليب حياة الفئات والشرائح المختلفة للاستفادة بها في غزو أسواقها، وقد ضبط في كاليفورنيا منذ سنوات طالب ياباني إستأجر غرفة لدى إحدى الأسر الأمريكية في كاليفورنيا وتبين أنه يقوم بتحليل أسلوب حياة الطبقة المتوسطة الأمريكية لحساب أكبر الشركات اليابانية.

الحرب الالكترونية.
إرتبط المصطلح مع بداية واقعة تاريخية عام 2007م، إثر حادثة هجوم الكترونى عنيف استهدف مواقع حكومية فى "إستونيا" العضو فى الحلف الاطلسى، وبالتالى كانت محاولات الحلف البحث عن وسائل تعزز أنظمة إستونيا، بل أن هذه التجربة دفعت الحلف إلى إنشاء مركز للدفاع الالكترونى فى "تالين" عاصمة إستونيا تم إفتتاحه فى عام 2009. وشك المسؤلون الاستونيون وقتئذ في روسيا بعد إكتشافهم أن بعض الهجمات صدرت عن أجهزة كمبيوتر في إدارات روسية وحتى مكاتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقعت الهجمات بعد نقل نصب لتمجيد الجيش الأحمر (السوفيتى) من وسط العاصمة الاستونية، ما آثار غضب الأقلية الناطقة بالروسية، وإحتجاجات في روسيا، ونفت موسكو أي ضلوع لها في الهجمات الإلكترونية.

يرى "مايكل سميث" أستاذ القنون الدولى، أن الحرب المعلوماتية أحدثت ثورة فى النزاع المسلح. ويتمثل فى الإعتداء الالكترونى فى المعارك الالكترونية فى أى عملية تهدف إلى تعطيل أو منع أو تدمير المعلومات المتوفرة على شبكة الانترنت، بينما لا يتضمن القانون الدولى أية قواعد صريحة بشأن تلك الإعتداءات. وبينما أن تلك الإعتداءات ليست حركية، أى ليست مسلحة فى حد ذاتها، لكنها ربما هى مقدمة وسبب ومبرر لحرب مسلحة. هذا لا يمنع من توظيف القانون الانسانى المتمثل فى حماية الإنسان من المخاطر والإعتداء. بينما تلك الهجمات تعرضه للمخاطر وإعتبار تلك الهجمات من وسائل الحرب الجديدة.

بينما قال "فيليب أم تايلور" الأستاذ في مادة الإتصالات الدولية في جامعة "ليدز"، بضرورة الإهتمام في "حرب المعلومات" أي الحرب العسكرية الالكترونية، معتبراً إياها ركيزة أساسية لكسب أي حرب عسكرية ميدانية. وقد إستشهد "تايلور" بعدة أمثلة تبيّن نجاح المنظمات التي يعتبرها "إرهابية" في مواجهة أمريكا و"إسرائيل" في حروبها في المنطقة العربية والعالم، وتحويل الإنتصار الأمريكي والصهيوني إلى هزيمة أمام الرأي العام العالمي. وذكر تايلور أن "الفلسطينيون كانوا من بين أوائل من أظهر كيفية تدويل القضايا المحلية عبر وسيلة إعلامية جديدة فيما يسمى "الإنتفاضة الإلكترونية" التي أضحت مضاعِف القوى الأنجح في ترسانتي فتح وحماس". وشدّد على أنه "يجري خوض الحرب الحقيقية الآن في هذا المسرح الافتراضي. إننا في عصر إصدار الوب، إنه حيّز يستحيل فيه، إذا أردنا إستعمال المصطلحات العسكرية مرة أخرى، تولي القيادة والسيطرة أو تحقيق هيمنة كاملة.

يجري خوض الحرب الحقيقية الآن في هذا المسرح الافتراضي. فقد باتت المواقع الإلكترونية تعدّ بالآلاف بعد أن كانت لا تتجاوز العشرات في سنة 2001. برغم أن الولايات المتحدة وحلفاءها في سياق تطوير قدرات إتصالات إستراتيجية الآن لخوض "إشتباك عالمي" (وهذه تسمية معدلة جديدة إقترحتها إدارة أوباما)..

(مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية، التقرير المعلوماتي، 19/11/2010)

الآفاق الرقمية:
إستفادت الدولة العبرية من المفاهيم والآليات الجديدة، وإستطاعت توظيفها في توجهاتها السياسية، بل والعسكرية. مثل تشويه الملامح الحضارية الإسلامية/ العربية التراثية، ذيوع وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، تغيير الملامح العربية للقدس .. الخ. السؤال الآن، ليس في تفوق الآخر، بل حول مدى إنتباه الأمة العربية، حتى لا تصبح رهينة تلك القوى الخبيثة اللينة. قال "حاييم بيريز" رئيس وزرائهم السابق يوما: "المعلومة أقوى من المدفع".  كما قال "إسحاق نافون" رئيسهم السابق: "تبادل الثقافة والمعرفة لا يقل أهمية عن أي ترتيبات عسكرية". وهو ما يشير بقوة إلى مكانة عناصر القوى الجديدة هناك، ولا يبقى سوى التعرف على مظاهرها هناك. حيث تحتل المرتبة الأولى في: حجم الإنفاق على البحوث العلمية. صادرات السلاح إلى الدول الأخرى. وتطوير نظم حماية المعلومات في مواقع الانترنت (أنتي فيرس).

ولمزيد من التعرف على الصورة في إسرائيل، نورد المعلومات التالية:

- عدد المالكين لأجهزة الكمبيوتر 47% من مجموع الشعب، بينما في العالم العربي 4%.

- عدد الكتب المترجمة إلى العبرية سنويا 100 كتاب لكل مليون مواطن، بينما في العالم العربي 3 كتب لكل مليون مواطن.

- عدد الشركات العاملة في مجال تطوير التقنيات الرقمية حوالي 2000 شركة، وهو رقم أكبر من كل الشركات العاملة في كل البلدان العربية.

يقول "نبيل على ونادية حجازي" في كتابهما "الفجوة الرقمية" في تحذيرهما للعرب من الوقوع في الصدمة، كل المطلوب وجوب الإنتباه أولا، ثم محاولة البدء فورًا لتجاوز ما فات، مع عدم الإنبهار بما أنجزته إسرائيل لإمكانية التمثل به وتجاوزه بالعمل الدءوب الجاد. لقد كانت التجربة في مجال المعرفة الرقمية، في كل من "ماليزيا" و"الهند" مثلا يحتذي. ولكل منهما أنساقه وخصوصيته، ومع ذلك يعدا أو كانا يعدا من الدول الفقيرة أو دول العالم الثالث (قبل الثورة الرقمية)، أصبحا من الدول الفاعلة والمؤثرة في الإقتصاد العالمي، خصوصا في إقتصاد المعرفة الرقمية. بالتالي يمكن الإحتذاء بهما، والتعاون معهما، وإن كان من المجدي الإشارة إلى نجاح التجربة الصينية والعربية في "دبي". ولا يبقى إلا أن نتهيأ جميعا للبدء فورا بالإعداد إلى إستراتيجية جديدة في التعليم والبحث العلمي.

معارك وصورة الحرب في الفضاء السيبيرى:

لقد أجبرت الدولة العبرية على إغلاق موقع وزارة الخارجية الفلسطينية بإمطار ذلك الموقع بوابل من رسائل الاحتجاج، الأمر الذي أدى إلى عجز خادمي الموقع عن التعامل مع هذه الظاهرة غير المتوقعة. في عام 2007م قامت إسرائيل بقرصنة شبكة الدفاع السورية المضادة للطيران، وسيطرت على شاشات راداراتها، فيما كان الطيران الحربي يدمر مفاعلا نوويا قيد الإنشاء، كما أكد المستشار السابق في البيت الابيض "ريتشار كلارك" في كتابه "سايبر وار" (الحرب الالكترونية). ومنذ ذلك الحين تزداد الهجمات تعقيدًا وإتقانا لتشمل سرقات الملكية الفكرية وتدمير فعلي للالات. ولفت "فيليب كوتييه" من مركز الدراسات الاستراتيجية إلى أنه "إعتبارًا من 2009 يتم الحصول على المعلومات من خلال الدخول إلى الانظمة الاكثر دقة". وفي 2010 هاجم الفيروس "ستاكسنت" الغامض أجهزة الطرد المركزي في البرنامج النووي الايراني.

ادّعى قرصان معلوماتية اسرائيلي أنه نشر على موقع الكتروني تفاصيل 217 بطاقة إئتمان سعودية إنتقاما لقيام قرصان آخر سعودي بنشر تفاصيل عشرين الف بطاقة إئتمانية إسرائيلية. ونشر موقع الكتروني تفاصيل البطاقات التي كشفها القرصان الذي عرف عن نفسه ب"اومير كوهين " موجها رسالة: "ايها السعوديون ها هي بطاقات إئتمانكم، فقط لكم".

مجموعة "أنونيموس" تهاجم مواقع إلكترونية بإسرائيل
أعلنت مجموعة قراصنة الإنترنت "أنونيموس" أنها هاجمت عددًا من المواقع الحكومية الإسرائيلية ردًا على الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة. ودعت المجموعة أنصارها عبر موقع تويتر إلى تعطيل أكثر من أربعين موقعًا إسرائيليا بينها موقع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وموقع جيش الدفاع الإسرائيلي. وقالت الجماعة في بيان: "فلتعلموا يا أهالي غزة أن "أنونيموس" تقف إلى جانبكم، سنقوم بعمل كل ما نستطيع لمنع القوات الإسرائيلية الغاشمة من الإصطفاف ضدكم. سنقوم بتوظيف جميع إمكانياتنا كي نتأكد بأنكم ستظلون قادرين على الإتصال بالإنترنت وعلى نقل معاناتكم إلى العالم".(المصدر: الموسوعة البريطانية)

الحرب الإلكترونية تعزز صناعة المعلومات الإسرائيلية
قلل الباحث بتاريخ الشرق الأوسط، "طال بافيل"، مدير عام معهد "ميديل ليسترنيت" لأبحاث الإنترنت والتهديدات الإستراتيجية بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي، من تداعيات وتأثيرات الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها الشبكة العنكبوتية بإسرائيل. حيث نفى في حديثه للجزيرة نت أن تكون الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها تل أبيب قد أحدثت أضرارًا جوهرية بالمنظومات المحوسبة لمواقع الإنترنت الحكومية أو التجارية، وذلك بفضل التنسيق لهيئة الفضاء الإلكتروني الوطنية بإسرائيل (السايبر) واعتماد قوة الردع والجاهزية التي سبقت هذه الهجمات، علما بأن الهجوم الإلكتروني الأخير كان مشابها إلى حد ما للهجمات التي تعرضت لها المواقع الإسرائيلية أثناء العدوان الثانى على غزة الذي تسميه إسرائيل "عامود السحاب". وعزا الباحث حالة الهلع التي عاشتها إسرائيل إلى التهويل من قبل الإعلام الإسرائيلي لهذه الهجمات التي ترى بها إسرائيل فرصة مواتية لإجراء تدريبات بالفضاء والشبكة العنكبوتية، وذلك لفحص جاهزيتها وقوة الردع لديها، بكل ما يتعلق بالهجمات الإلكترونية، وبالتالي تطوير المزيد من منظومات حماية المعلومات وتسويقها للعالم وتدعيم الشبكة العنكبوتية بالفضاء الإسرائيلي.

بدوره يرى الخبير بالأمن القومي الإسرائيلي "مسعود اغبارية"، المحاضر بجامعة النجاح أن إسرائيل تتكتم على تداعيات الهجوم الإلكتروني على أمنها القومي رغم إعتراف وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الهجوم الأخير لـ"أنونيموس" هو الأعنف والأشرس الذي شهدته الشبكة العنكبوتية. وأكد أن المؤسسة الرسمية بتل أبيب تعتمد السرية بكل ما يتعلق بالحرب الإلكترونية والافتراضية، وتقلل من نجاعة هذه الهجمات وتنفي تكبدها للخسائر بغية التأثير على الرأي العام الإسرائيلي وتطمينه حفاظا على هيبتها وصورتها وقوة الردع أمام مواطنيها، بأنها دولة لا تقهر ولا تعرف الخسارة، لكنها تعيش من وراء الكواليس حالة من الهلع والخوف من تداعيات تطورات هذه الحرب في المستقبل، على حد تعبيره. وخلص الخبير إلى أنه رغم إستثمار إسرائيل بالصناعات التكنولوجية ومنظومة تطوير وحماية المعلومات والربح الإقتصادي، ستبقى عاجزة عن مواجهة الجندي المجهول بهذه الحرب الإفتراضية الآخذة بالإتساع والتصاعد، حيث لا يمكن لها السيطرة على هذه الحرب مهما طورت وتسلحت بمنظومات معلوماتية دفاعية. (المصدر : الجزيرة)

ملامح تجربة حرب إلكترونية رافقت العدوان على غزة فى نوفمبر2012م
إلى جانب العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، فإن حربًا في الإنترنت نشطت، هدفها فضح الآخر وتعزيز المعنويات وكسب التأييد. هي حرب إلكترونية. إنطلقت من موقع تويتر للتواصل الإجتماعي، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي على حسابه الرسمي الأربعاء (14 نوفمبر) أنه: "بدأ حملة عسكرية واسعة ضد مواقع ونشطاء الإرهاب في قطاع غزة" وتصدت كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) عبر حسابها الخاص على موقع تويتر باللغة الإنجليزية، بتغريدات معاكسة من بينها: "أيادينا المباركة ستصل إلى قادتكم وجنودكم في كل مكان، لقد فتحتم أبواب جهنم على أنفسكم". أصبح المواطن العادي صحفيًا، فلم تقتصر المعلومات المنتشرة على وسائل الإعلام الإجتماعي، من تويتر ويوتيوب وفيسبوك، على الصحفيين التقليدين أو الناطقين الرسميين باسم الطرفين، بل أصبح كل من لديه حساب متصل بالإنترنت يعمل على نشر المعلومات والصور والأخبار من كل مكان، بشكل أقرب من الصحفيين العاملين مع وسائل الإعلام التقليدية.

ظروف القطاع المحاصر تجعل من الصعب على الفلسطينيين الحفاظ على توازن في حجم المعلومات القادمة من غزة مقارنة بتلك القادمة من إسرائيل، وذلك "بسبب عدم قدرة النشطاء في غزة على البقاء دائمًا على إتصال بالإنترنت نظرًا لإنقطاع التيار الكهربائي مثلا. راج "الوسم" (hashtag) على تويتر: "غزة تحت القصف" (#GazaUnderAttack) إضافة إلى "غزة" (#Gaza) وفلسطين حرة (#Free Palestine). في حين إستخدم الجيش الإسرائيلي الوسم "عامود الدفاع" (#Pillar Of Defense) الذي حقق إنتشارًا في بداية العملية العسكرية، لكن سرعان ما سيطرت التغريدات القادمة من غزة على حساب تويتر. وقد إنضمت العديد من مجموعات قراصنة الإنترنت إلى الجانب الفلسطيني في معركته ضد إسرائيل وعلى رأسها مجموعة "أنونيموس" التي هاجمت العديد من المواقع الإسرائيلية، وكذلك مجموعة تطلق على نفسها اسم "زي كومباني هاكينغ كرو" (ZHC) التي أعلنت إختراقها حسابات "سيلفان شالوم" نائب رئيس وزراء إسرائيل على تويتر وفيسبوك ويوتيوب ومدونته على موقع بلوغر وبريده الإلكتروني على جي ميل.

خاتمة:

ما سبق يشير إلى ضرورة الوعى بما يعرف بالحرب السيبرانية والمتوقع لها رواجًا، بعد أن بلورت ملامحها بين الجوانب الإقتصادية والسياسية بل والعسكرية أيضا. ونضيف إليها:

  • أهمية إعادة النظر فى كل الكوادر المتعاملة مع إنتاج وبيع وتسويق كل عناصر تكنولوجيا المعلومات.. من أصحاب شركات إتصالات والعاملين بها، وواضعى البرامج ومنتجيها، وعناصر التسويق، وأيضا مع مدرسى مادة الحاسوب بالمدارس، وعناصر صيانة الأجهزة، وغيرهم. مع إعطاء رخصة خاصة لكل منهم حسب تخصصه.
  • ضرورة إعداد خطة قومية مع متابعة تنفيذها، لنشر الثقافة الالكترونية، والتعريف بالقرصنة الإلكترونية، التى ربما تعد أولى خطوات الحرب السيبرانية.

– الإستفادة من نماذج غير العربية، للتعريف على تجارب الآخر في هذا المجال.

- الإهتمام بالطفل خارج المدن الكبرى (القرى- مناطق التجمعات الجبلية والصحراوية)

- رعاية وتشجيع مراكز البحث الرقمى، واكتشاف أصحاب المواهب فى هذا المجال.

 

المصادر والمراجع

- نجم، السيد- "النشر الالكترونى..تقنية جديدة وآفاق جديدة"- هيئة الكتاب- عام 2013م

- "الثقافة العربية فى ظل وسائط الاتصال الحديثة"- جزأن- كتاب العربي- الكويت- عام2010م.

- ابوزيد، احمد- "مستقبليات"- كتاب العربي- الكويت عام2010م

- محمود، نبيل حنفي- "من اجل ثقافة علمية"- كتاب الهلال- دار الهلال- مصر 2010م

- ياسين، السيد- "شبكة الحضارة المعرفية.. من المجتمع الواقعي إلى العالم الافتراضي"- هيئة قصور الثقافة- مصر 2009م

- على، نبيل- "قضايا عصرية رؤية معلوماتية"-القاهرة- هيئة الكتاب المصرية- 2006م

- على، نبيل-"الثقافة العربية في عصر المعلومات"-الكويت-2001م-"عالم المعرفة"-العدد يناير رقم 265.

- الشيخ، ممدوح- "التجسس الالكترونى"- مكتبة بيروت- سلطنة عمان- عام2007م.

- سيبونى، غابى- "حرب السيبر والامن القومى الاسرائيلى- ترجمة وعرض "عدنان ابوعامر"- معهد أبحاث الامن القومى- جامعة تل ابيب- عام 2014م

= مواقع على الشبكة

http://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/5x6lsp.htm

http://www.aljazeera.net/books/pages/7edbb39e-e7b0-4b86-be3d-934d7f41bcdc

Ab_negm2014@yahoo.com