اقرأ كتب الهيئة تظاهرة رقمية وحوارية عن بعد أطلقتها الهيئة العربية للمسرح لكتابها ونقادها للتحاور حول أسئلة وقضايا تهم الإصدارات التي أشرف عليها، هنا تقرير عن كتاب يتناول تجربة المسرح في بلد الشعراء موريتانيا، في ظل وضعية تشهد واقعا لا يشجع بالمرة على بناء حراك مسرحي دائم في ظل غياب الإنتاجات المسرحية والدعم اللازم وهو ما دفع الى العودة الى بعض الأشكال الفرجوية التقليدية.

المسرح في موريتانيا

 

بعد عقود من التأسيس بلا مخرجين ولا دعم، يرصد المخرج المسرحي بابا ولد ميني في كتابه "المسرح في موريتانيا" الظواهر الفرجوية التقليدية التي تؤدى في الساحات وتمثل انطلاقة للفعل المسرحي في البلاد.

واقع المسرح صعب في موريتانيا

 يحضر كتاب “المسرح في موريتانيا”، من إعداد بابا ولد ميني وصدر عن منشورات الهيئة العربية للمسرح في الشارقة عام 2009 ضمن سلسلة “المختصر المفيد في المسرح الجديد”، محورا للحلقة السادسة عشرة من سلسلة “اقرأ كتب الهيئة”، إذ وفرته الهيئة على موقعها الإلكتروني الرسمي للراغبين في قراءته منشورا طيلة شهر أبريل 2022 لنقاشه آخر الشهر.

وضيوف الحلقة السادسة عشرة هم الباحثون المسرحيون الموريتانيون: بابا ولد ميني معد كتاب “المسرح في موريتانيا”، والأكاديمي أحمد مولود أيده هلال، والباحث تاقي ولد عبدالحي، ويدير الحلقة عبدالجبار خمران مدير إدارة الإعلام والتواصل في الهيئة العربية للمسرح، وذلك يوم الأربعاء السابع والعشرين من أبريل الجاري.

 يقول معد كتاب “المسرح في موريتانيا” بابا ولد ميني في مقدمة عمله “على عكس العديد من التجارب المسرحية في العالم العربي كانت التجربة المسرحية الموريتانية وليدة إيمان رسخه رجال المسرح من هواة ومحترفين آمنوا بدور المسرح وتفرقوا أيادي سبأ لكي يكون للمسرح دوره في بناء الأمة وترسيخ قيم النبل والصدق والأمانة”.

 

وأضاف “أغلب التجارب المسرحية في العالم العربي وجدت نوعا من الاهتمام والرعاية من المسؤولين عنها، بينما كان المسرح الموريتاني وليدا شرعيا للرجال والجمعيات التي رسمت بما يساقط من إنتاجها ربيع المسرح الموريتاني وأجمل فصوله”.

ويمكن تتبع خيوط تراثية للمسرح الموريتاني في الماضي، من خلال عروض فكاهية ورقصات مسرحية مصحوبة بالحوار والغناء، وحتى في مسرح الدمى مثل بنات الأوزار، إلا أن تلك الخيوط لا تشكل نسيجاً كافياً لثوب مسرحي مقبول، وإن مورست كتعبير مسرحي عابر ومرتجل له رسالته في المجتمع القديم. أما المسرح الموريتاني الحديث فيعود عمره إلى نصف قرن، وتحديداً سنة 1958 مع الإرهاصات الأولى لميلاد دولة الاستقلال، وفي مطلع السبعينات ظهرت أولى الكتابات التي ترصد المسرح.

وقد وثق عدة كتاب موريتانيين لتاريخ المسرح في بلاد موريتانيا من أبرزهم بابا ولد ميني في هذا الكتاب الذي يحاول أن يؤرخ للفن المسرحي في البلاد منذ نشأته إلى غاية اليوم.

ويشتمل الكتاب على مقدمة بقلم المعد بابا ولد ميني وأربعة مباحث وخاتمة، بدأها المؤلف بمبحث حول بداية الظاهرة المسرحية، وفيه رصد للظواهر الفرجوية التقليدية التي تؤدى في الساحات الشاسعة كرقصة المصارعة أو ما يسمى “لعبة الدبوس” وجلسات السمر مع “اكاون” و”الحركات” وغيرها من التقاليد التي مثلت انطلاقة للفعل المسرحي في البلاد.

أما المبحث الثاني فتناول فيه ولد ميني مرحلة متقطعة من تاريخ هذا المسرح، بدأت قبل الاستقلال بقليل وارتبط فيها المسرح بشحن همم المواطنين لمقاومة الاستعمار، لذا هيمن عليه حينها البعد السياسي.

ومن جهة أخرى يوضح أن بعض الباحثين اعتبروا أن المسرح المدرسي كان أول إطار بدأ الموريتانيون يتفهمون من خلاله المسرح، ليتطرق في مبحث ثالث إلى ظهور واختفاء الفرق المسرحية في البلاد، مشخصا العوامل التي حالت دون استمرار النشاط المسرحي الموريتاني من فترة إلى أخرى.

أما في ما يتعلق بمرحلة التأسيس، التي خصص لها المؤلف مبحثا ختاميا، فيرى أن أغلب رواد المسرح الموريتاني اتفقوا على أنه سواء من باب الممارسة أو التأريخ يعتبر العام 1986 هو العام الذي ولدت فيه قنوات المسرح الموريتاني بعد مخاض عسير وطويل، ويرصد هذا المبحث طبيعة العروض المسرحية الموريتانية والجمعيات التي تكونت في هذه المرحلة كالرابطة الموريتانية لتنمية المسرح والاتحاد الوطني لمسرح الهواة.

ويرد المخرج المسرحي الموريتاني باب ولد ميني، رئيس فرع الهيئة العربية للمسرح في موريتانيا، تذبذب واقع المسرح في موريتانيا إلى الغياب التام للدولة عن دعم المسرح، وفقدان البنى التحتية من دور عرض ومعاهد للدراسة، وصدود الكتاب عن الإبداع للمسرح، وكل ذلك على الرغم من أن الجمهور الموريتاني مصاب بمرض الفرجة.

ويشير ولد ميني إلى أن عدد المخرجين المسرحيين المتخصصين لا يتجاوز أربعة أو خمسة أشخاص أصيبوا جميعاً بالإحباط عند عودتهم من الدراسة في الخارج واكتشافهم حجم الفراغ المسرحي في البلد، أحدهم هاجر إلى أميركا، واثنان امتهنا أعمالا أخرى، ولم يبق في الميدان سواه، والآن توجد فقط خشبتا مسرح في البلاد، ومجموعة من الممثلين الهواة تصارع للبقاء رغم كل المعوقات.

ويشدد على أن “هناك نواة للمسرح تتمثل في بعض الإنتاج وممثلين وإرادة حديدية وتمسك قوي بهذا الفن. ما عدا ذلك نحن نصارع المستحيل”.

ويدعو الكاتب في هذا الإطار إلى خلق مسرح وطني، كما يعول على الجهود التي يبذلها اتحاد المسرح العربي للنهوض بهذا الفن في جميع الأقطار العربية، وعلى إرادة هؤلاء الشباب المضحين من أجل قدرهم المسرحي. مشيرا إلى استحالة وجود مسرح حقيقي دون تبني الدولة له باعتباره ضرورة تنموية وثقافية.