تنسج الكاتبة المغربية الشابة نصها المكثف من فكرة طريفة، فالسارد ينهمك منذ الطفولة في رصد واصطياد أحساس ومشاعر البشر في الحدائق والشوارع والأسواق ويخبئها في أواني فخار يحملها أينما حلّ، فأمتلأ عالمه بها إلى أن وقع على من كتب لها فأنفرط في حضنها، القصة القصيرة جداً منسوجة بإتقان ولغة سلسة تبشر بكاتبة موهوبة.

جامع المشاعر

زكـيّـة بلحساوية

 

أحب المشاعر، أحب الحديث والكتابة عنها، وصفها، تأملها، الشعور بها، والأهم من ذلك؛ جمعها.

قد يبدو هذا غريبا جدا، لكني أحب جمع المشاعر. أنا لا أجمع مشاعري، بل الخاصة بالناس الآخرين. حين كنت طفلا كنت أسهو كثيرا في لحظات الناس وهم يتحدثون، يضحكون، يبتسمون، يعبسون ويبكون. كانت لحظات ساحرة مهما كان نوع الشعور الذي أتلقاه، كنت أحس بمشاعرهم كلها، سواء عرفتهم أم كنت مارا بجوارهم فحسب. يمكنكِ أن تتخيلي كمية التغيرات التي تحصل لقلبي طوال اليوم، لذلك لم أتعجب حين أخبرني طبيبي أن ضربات قلبي أعلى من المعدل الطبيعي، طلب مني بسبب ذلك ألا أجهد نفسي كثيرا. كان عمري حينئذ عشرين سنة، فكرت قليلا قبل أن أهتدي إلى الحل؛ بدلا من تلقي المشاعر وتركها داخل قلبي سوف أجمعها. ولأني لم أستطع تخيلها مخزنة داخل حاسوب قررت أن أجمعها داخل برطمانات، أمتلك الآن مخزنا من البرطمانات التي تبدو خالية للبعض وملونة للبعض الآخر داخل مكتبي.

كلفتني هذه البرطمانات ثروة، لذلك لم أتزوج حتى لا تكسرها لي زوجتي حين أغضبها، تخيلي حينها ما الذي سيحصل لقلبي المسكين! قد ينفجر فجأة كما لو أنه قلب حصان يركض ولا يستطيع التوقف. ولو نجا من زوجتي فلن ينجو من الأطفال، لذلك اكتفيت بالحياة وحيدا مع مشاعري.

قد تسألين "ألم أتمنى يوما تجربة تلك المشاعر؟"، والإجابة يا عزيزتي واضحة؛ ألم تمر بين جدران قلبي كسائح غير مستعجل قبل أن أضعها في البرطمان؟ أجل! إذن فأنا قد جربتها، الحقيقة يا عزيزتي أننا لا نحب البشر، لكننا نحب ما نشعر به حين نكون برفقتهم، لذلك نرحل عن الذين يتسببون في الألم لنا، إلا إن كنا نطمح للانتقام أو كنا أغبياء. ولهذا ترينني وحيدا دائما، فمجرد رؤية عاشقين يتمشيان تجعل العشق يتفجر بداخلي. بالطبع أحمل معي برطمانا كلما خرجت لأشتري السجق من المتجر في رأس الشارع، وبرطمانين إن توقعت مرور جارنا مع ابنته، وخمسا إن كنت ذاهبا إلى الحديقة. وهكذا يزيد عدد البرطمانات حسب طول الفترة التي سأقضيها خارج المنزل، وهذا يفسر ظهوري النادر.

طبعا حين كنت طفلا كانت لدي مشاعري الخاصة التي بقيت في قلبي ولم أخزنها في برطمان، وبعد وفاة والدتي التي كانت تظنني أصم وأبكم وعبقريا لم تعد لدي مشاعر خاصة، لكن حين ظهرتِ أنتِ تذكرت شيئا قديما، فضج قلبي بدقاته مجنوناً وانفتح عنوةً فتبددت بكل خذيني في حضنكِ.

 

2021،11،07