تأخرَ الليلُ كثيراً , حانَ موعدُ العشاءِ ... على المؤذنِ أن يؤذنَ للصلاةِ الآن , لكنه حائرٌ ينظرُ للشمسِ
مرَّ يومٌ ويومانِ وثلاثة ,الشمسُ لاتغادرُ السماءَ ، اللصوصُ ينتظرونَ الليلَ في لهفةٍ وكذلك العاشقون , مرَّ شهرٌ وشهران وربما خمسةُ أشهرٍ , جاءَ رجالٌ يعرضون علينا ليلاً صناعياً
"تشتري ليل؟.. تشتري ليل؟" هكذا كانوا يرددون بلكنتهم الغريبةِ.
لكن اللصوصَ كانوا قد فقدوا حاجَتَهُمْ لليل ... اعتادوا السرقةَ في وضحِ النهارِ، والعاشقون كانوا قد اعتادوا الفضيحةَ, والمؤذنُ يؤذنُ كيفما اتفق ... أنا وبائعُ المصابيحِ كنا بحاجةٍ لليل, هو كان يعشقُ المصابيحَ ويكرهُ الشمسَ, وأنا كنتُ بحاجةٍ لليلٍ أُخبئُ فيه أحزاني الكثيرةَ, اشتريتُ ليلاً صناعياً من أحدِهِم, ولأنني رجلٌ فقيرٌ بالكاد استطعتُ شراءَ ليلٍ صناعيٍ مستعملٍ، كانت فيه بقايا موسيقى صاخبةٍ ورائحةُ خمرٍ وصوتُ رصاصٍ وبقايا دماءٍ.... لم يكن ثمةُ مكانٌ أخبئُ فيهِ أحزاني.
أمين المكتبة
ثلاثون عامًا مرت ولم يتغير شيء، أحضر في التاسعة، أفتح المكتبةَ العامة، أشرب الشاي في هدوءٍ وأنا أقرأ، أجلِس في مكاني حتى موعد الانصراف فأنصرف, لا أحد يريد أن يقرأ... كانت فكرة مجنونة لكنها أعجبتني, فتحت النافذةَ، ألقيت الكلماتِ كلمةً كلمة مِن كل كتاب فوق رؤوس الناس في الشارع، سقطَ دراكولا من أحد الكتب فوق رأس أحدهم، لكنه نظر إليّ بغيظ حين لم يجد دَمًا في الرجُل، ناكرٌ للجميل دراكولا هذا, أُحرِّره من أسْر سنوات في كتاب مهملٍ ويَنظر لي هكذا؟!
سقطَ بعض الأنبياء في الشارع، لكن الناس كالعادة لم تَسمعهم .. امتلأ الشارع بشعراءَ حالمين، وفلاسفةٍ ومحاربين، وثوارٍ وساسةٍ وخونة، ولاعبي كُرَة ...
احتفظت لنفسي بالراقصات والجميلات.